ŷ������

 يبحث الطفل "جيم" عن بديل لأباه الذي اختفى من حياته ومن حياة أمه، حيث أعتقد أن اختفائه يعود للاعتقال السياسي، وتفككت العائلة وكبر جيم وحيداً في مواجهة الحياة، ومُجبراً على العمل عند حفار آبار، حاول معه أن يختبر مشاعر الأبوة، وأن يملئ حاجته الى وجود أب في حياته.

يعود باموق في هذه الرواية الى حقبة الثمانينات من القرن الماضي، والتي كانت تركيا حينها تخضع للانقلابات والصراعات على كرسي الحكم، يبدأ بسرد التفاصيل عن عائلته وطفولته، أبوه الذي كان يمتلك صيدلية صغيرة في حيّهم، وكان دائماً ما يلتقي بأصدقاء السياسة فيها يناقشون الأوضاع وأزمات البلاد، وحين يدخل عليهم الطفل جيم الصيدلية بعشاء أبيه يتوقفون عن الكلام، وكان يخشى أن يخبر أمه بذلك مخافة أن تغضب على أبيه من أن يقع في المتاعب مجدداً، ويضطر لتركهم بسبب ذلك، حيث حدث ذلك قبل ثماني سنوات حين تم اعتقاله من قبل الشعبة السياسية حين ذاك.

لكن الشجارات التي كانت تقع بين الأب والأم لم يكن سببها الوحيد سياسياً، حيث كانا متخاصمين دائماً، وانطفأ الحب وخبت شعلته بينهم، بسبب علاقات الأب المتعددة مع نساء أخريات.
وذات يوم حين عاد الى المنزل لاحظ اختفاء والده، وظن أنه أعتقل ولكن أمه تعاملت مع الحدث هذه المرة بغضب وحزن مما دفعه للتفكير في أسباب أخرى أدت إلى اختفاء الأب، وبالفعل غاب عنهم بل نسيهم، مما دفع بالطفل جيم لعدم تذكر شكله ولم يعد باستطاعته استعادة ملامح أبيه، ولذلك قرّر الاعتماد على نفسه وخاصة أنه يرغب في استكمال دراسته.

لذا فقد أنتقل للعمل مع أحد حفاري الآبار يُدعى "الأسطى محمود" وتوجها إلى قرية صغيرة متاخمة لإسطنبول، حينها كان في السابعة عشر من عمره، فيرى فيه جيم صورة الأب الذي افتقده، ذلك الأب الذي يأمر وينهى، كان الأسطى يعلمه أصول الصنعة وينقل إليه خبراته الطويلة المتراكمة عبر السنين، أحبه وشمله بالرعاية الأبوية وأولاده أقصى اهتماماته، وكان يغضب منه اذا تأخر في أداء أو إنهاء مهام عمله، وحين يأتي المساء كان يسأله عن صحته وأن كان متعباُ او جائعاً، ويقص عليه القصص قاصداً أن يعلمه العبر منها وهذا مالا يفعله أبيه معه سابقاً.

وفي أثناء عمله مع الأسطى في البئر يحدث حادث لجيم يغيّر ويقلب حياته تماماً ليبقى يُلاحقه ذلك الحادث لسنوات طويله ويأبى أن يتركه في حاله.

الجميل في هذه الرواية أيضاً هو توظيف الأسطورة اليونانيّة والفارسيّة في إظهار العلاقة المعقدة بين الآباء والأبناء.
اسطورة أوديب اليونانيّة والتي تجسّد فكرة قتل الأبن للأب، كما تجسّد فكرة القدر الذي لا فكاك منه، أوديب الذي ولد أبناً لملك تنبأ العرّافين بأنه سيقتل أباه ويتزوج من أمة، ولذا حين ولادته قرّر الملك التخلص منه، لكنه عاش وأصبح بطلاً وملكاً أسطورياً حين قتل الوحش المرعب وتزوج ابنة الملك وورث حكمه، إلى أن يشاء القدر فيلتقي باباه الذي لا يعرفه فيقتله ويتزوج من الملكة التي كانت أمه دون أن يدري، لتتحقق النبوة، وحين يعرف ذلك يقوم بمعاقبة نفسه باقتلاع عينيه.

كذلك الأسطورة الفارسيّة، أسطورة رستم وسهراب والتي تجسّد فكرة استبداد الأب، حيث يقتل الأبن على يد أبيه، حيث وردت القصة في الشهنامة للفردوسي وهي الملحمة الشعريّة المكونة من ألف بيت، وتعتبر أعظم أثر أدبيّ فارسيّ على مر العصور.

الرواية عبارة عن بحث وتنقيب حول علاقة الآباء بالأبناء والعكس، تمثل الاستبداد والفردية والفوضى والحرية، فالأب يمتلك السلطة والأبناء يريدون التخلّص منها وفي نفس الوقت يشعرون بالحاجة اليها، وأن الحياة لا تستقيم بدون الأب فالجميع بحاجة إلى منقذ، لذا فأننا نتبع الأب دائماً حتى وأن كان سيئاً.

الرواية تحفل بالأحداث والمفاجآت والتشويق، وأعتبرها من ضمن أفضل ما قرأت لهذا العام فيما قرأته، اللغة مكتنزة بالجمال والمدلولات والبلاغة، قوية ودسمة تحاكي خيال الكاتب الكبير الذي يكاد يقنعك بأن ما تقرأه حقيقة واقعة أو قد وقعت على الرغم من كونها لآ تتعدى خيال كاتبها.