Aurelia's Reviews > المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال
المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال
by
by

عاش الامام الغزالي بين النصف الثاني للقرن الحادي العشر و بداية القرن الثاني عشر. تنقل و جال عبر جميع ربوع العالم الاسلامي : ايران، الشام، الحجاز و مصر. لكن الرحلة لم تكن رحلة في الزمان و المكان فقط. الرحلة الجوهرية كانت قبل كل شيء رحلة فكرية. انتقل فيها الغزالي بين الاشكالات الاساسية التي كانت تواجه المفكرين و رجال الدين المسلمين آنذاك، و التي نستطيع القول، دون مبالغة، أنها لا تزال واضحة في الساحة الفكرية الاسلامية اليوم.
في الحقبة التي عاش فيها الغزالي كان العالم الاسلامي يشهد نقاشات حادة بين مجموعات ذات توجهات فكرية مختلفة، إن لم نقل متضاربة. لقد أدى استيراد فلسفة الاغريق ، الى ظهور حركة المتكلمين،اللذين ارادوا استعمال المنطق للرد على حجج خصومهم باستعمال الضروريات العقلية. لكن عندما تم استعمال هذه المقاييس العقلية في جوهر الاشياء لم يؤدي ذلك الا الى المزيد من الارتباك.
من جهة اخرى، نجد حركة الفلاسفة التي لم تتردد في استعمال الضروريات في الكشف عن خاصيات الاشياء. كقدم العالم أو خلقه ،صفات الله و مدى علمه، و خاصيات الجسمانيات و الروحانيات. فانتهى الدهريون الى قدم العالم، أما الطبيعيون فانشغلوا بالبحث في الطبيعة ليستنتجوا ان الانسان لا يختلف عن باقي ما في الطبيعة من حيوانات. بعضهم انكر الصانع و الحساب. بينما حاول بعضهم التشبث بوجوده و الرد على منكريه بنفس طرقهم العقلية.
توجه آخر لعله كان اكثر تأثيرا في حقبة الغزالي، هو الباطنية. اعتمد هؤلاء على مفهوم ضرورة التعليم من المعلم المعصوم لتجاوز الاختلاف. لكن المعلم بنفسه ليس موضع اتفاق، و عندما تعذر ذلك تم تغييبه، و بذلك عادوا الى نقطة البداية دون الاجابة عن السؤال.
كل هذه المذاهب درسها الغزالي و انتقدها و رد على مؤيديها. بالنسبة له، جميعها غير قادرة على الوصول الى حقيقة الاشياء، بل تؤدي بالانسان الى الارتباك و التخبط و الضلال فقط. رغم أنه سلك كل هذه الطرق و لم يتوصل الى أي معرفة يقينية، بقي إيمان الغزالي بوجود الحقيقة اليقينية و إمكان التوصل إليها قويا، واستمر في البحث مستعدا لفعل كل ما يمكن لبلوغها.
هذا الايمان القوي لم يكون مضادا او خارجا عن الضروريات العقلية و المنطقية. بل كان وعيا منه بمحدودية امكانات العقل و نقائصها. فكما لا تستطيع الحواس ان تبين لنا الحجم الحقيقي للكواكب، و تم التوصل الى حقيقة ذلك بالضروريات الهندسية و المنطقية، فالمعرفة اليقينية بالله، بالحساب و اليوم الاخر، بالمعنى الحقيقي للعبادات التي تؤدي الى تصفية القلوب و شفاءها تختلف عن المعرفة العقلية، كما تختلف هذه الاخيرة عن المعرفة بالمحسوسات. انها معرفة بالسلوك و الذوق و الكشف، تتجاوز الاستماع و التعلم بالقياس و الاستنتاج العقلي.
يبقى السؤال الاهم، هو كيف الوصول الى هذه المعرفة. في رحلة الغزالي كانت أول خطوة هي التخلي عن الجاه و المنصب و التفرغ الكامل للتأمل و التفكر. إن أكثر ما يعيق الانسان عن طريق الحقيقة هو ارتباطه بالحياة الدنيا و ما فيها من رياء و هوى النفس. البحث عن الحقيقة اليقينية لا يبدأ الا بترك كل الملاهي الدنوية و الوعي بكونها اوهاما و فخاخا ليس الا. ما يأتي بعد ذلك يرتبط بمجهود الانسان و بمشيئة الله، فالله يهدي من يشاء.
تجربة الغزالي أوصلته في النهاية الى معرفة يقينية بالله، بالحساب و بالنبوة. فالنبوة ليست الا اعلى درجات المعرفة. فالمعرفة درجات، اسفلها معرفة المحسوسات و أعلاها درجة لا يستطيع أغلبنا تخيله، كوننا بعيدين جدا عنه. من هذا المنظور، يبدو الاختلاف الذي عاش فيه العالم الاسلامي عبر العصور و فشل في التعايش معه نتيجة طبيعية. من جهة أخرى، أي إجتهاد سيبقى مجهودا فرديا، إذ كل فرد يسلك طريقه وحده، و يبني على ما كشف له، فلا بد أن تختلف فيه العامة. ليس هناك شك في وجود المعرفة اليقينية لكن سبيلها وعر و لا يمكن ان تكون باستطاعة الجميع.
في الحقبة التي عاش فيها الغزالي كان العالم الاسلامي يشهد نقاشات حادة بين مجموعات ذات توجهات فكرية مختلفة، إن لم نقل متضاربة. لقد أدى استيراد فلسفة الاغريق ، الى ظهور حركة المتكلمين،اللذين ارادوا استعمال المنطق للرد على حجج خصومهم باستعمال الضروريات العقلية. لكن عندما تم استعمال هذه المقاييس العقلية في جوهر الاشياء لم يؤدي ذلك الا الى المزيد من الارتباك.
من جهة اخرى، نجد حركة الفلاسفة التي لم تتردد في استعمال الضروريات في الكشف عن خاصيات الاشياء. كقدم العالم أو خلقه ،صفات الله و مدى علمه، و خاصيات الجسمانيات و الروحانيات. فانتهى الدهريون الى قدم العالم، أما الطبيعيون فانشغلوا بالبحث في الطبيعة ليستنتجوا ان الانسان لا يختلف عن باقي ما في الطبيعة من حيوانات. بعضهم انكر الصانع و الحساب. بينما حاول بعضهم التشبث بوجوده و الرد على منكريه بنفس طرقهم العقلية.
توجه آخر لعله كان اكثر تأثيرا في حقبة الغزالي، هو الباطنية. اعتمد هؤلاء على مفهوم ضرورة التعليم من المعلم المعصوم لتجاوز الاختلاف. لكن المعلم بنفسه ليس موضع اتفاق، و عندما تعذر ذلك تم تغييبه، و بذلك عادوا الى نقطة البداية دون الاجابة عن السؤال.
كل هذه المذاهب درسها الغزالي و انتقدها و رد على مؤيديها. بالنسبة له، جميعها غير قادرة على الوصول الى حقيقة الاشياء، بل تؤدي بالانسان الى الارتباك و التخبط و الضلال فقط. رغم أنه سلك كل هذه الطرق و لم يتوصل الى أي معرفة يقينية، بقي إيمان الغزالي بوجود الحقيقة اليقينية و إمكان التوصل إليها قويا، واستمر في البحث مستعدا لفعل كل ما يمكن لبلوغها.
هذا الايمان القوي لم يكون مضادا او خارجا عن الضروريات العقلية و المنطقية. بل كان وعيا منه بمحدودية امكانات العقل و نقائصها. فكما لا تستطيع الحواس ان تبين لنا الحجم الحقيقي للكواكب، و تم التوصل الى حقيقة ذلك بالضروريات الهندسية و المنطقية، فالمعرفة اليقينية بالله، بالحساب و اليوم الاخر، بالمعنى الحقيقي للعبادات التي تؤدي الى تصفية القلوب و شفاءها تختلف عن المعرفة العقلية، كما تختلف هذه الاخيرة عن المعرفة بالمحسوسات. انها معرفة بالسلوك و الذوق و الكشف، تتجاوز الاستماع و التعلم بالقياس و الاستنتاج العقلي.
يبقى السؤال الاهم، هو كيف الوصول الى هذه المعرفة. في رحلة الغزالي كانت أول خطوة هي التخلي عن الجاه و المنصب و التفرغ الكامل للتأمل و التفكر. إن أكثر ما يعيق الانسان عن طريق الحقيقة هو ارتباطه بالحياة الدنيا و ما فيها من رياء و هوى النفس. البحث عن الحقيقة اليقينية لا يبدأ الا بترك كل الملاهي الدنوية و الوعي بكونها اوهاما و فخاخا ليس الا. ما يأتي بعد ذلك يرتبط بمجهود الانسان و بمشيئة الله، فالله يهدي من يشاء.
تجربة الغزالي أوصلته في النهاية الى معرفة يقينية بالله، بالحساب و بالنبوة. فالنبوة ليست الا اعلى درجات المعرفة. فالمعرفة درجات، اسفلها معرفة المحسوسات و أعلاها درجة لا يستطيع أغلبنا تخيله، كوننا بعيدين جدا عنه. من هذا المنظور، يبدو الاختلاف الذي عاش فيه العالم الاسلامي عبر العصور و فشل في التعايش معه نتيجة طبيعية. من جهة أخرى، أي إجتهاد سيبقى مجهودا فرديا، إذ كل فرد يسلك طريقه وحده، و يبني على ما كشف له، فلا بد أن تختلف فيه العامة. ليس هناك شك في وجود المعرفة اليقينية لكن سبيلها وعر و لا يمكن ان تكون باستطاعة الجميع.
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال.
Sign In »
Reading Progress
May 24, 2023
–
Started Reading
May 24, 2023
– Shelved
June 5, 2023
–
Finished Reading