ŷ

Marwa Mahrous's Reviews > خصائص التصور الإسلامي ومقوماته

خصائص التصور الإسلامي ومقوماته by Sayyid Qutb
Rate this book
Clear rating

by
9291752
's review

bookshelves: سيد-قطب

حقيقة أن الإنسان مستخلف في هذه الأرض –مثلا�- تتجلى في صور شتى .. تتجلى في صورته وهو يزرع الأرض. لأن أوضاع حياته ومدى تجاربه تجعل الزراعة هي التي تفي في ذلك الطور باحتياجاته الضرورية، وبها تتحقق الخلافة.. وتتجلى كذلك في صورته وهو يفجر الذرة، ويرسل الأقمار الصناعية لتكشف له طبيعة الغلاف الجوي للأرض، أو طبيعة الكواكب والتوابع من حوله .. هذه وتلك � وما بينهما وما بعدهما- صور من صور الخلافة في الأرض، قابلة دائماً للزيادة والاتساع. ولكن حقيقة الخلافة في الأرض ثابتة على كل حال. يقتضي مفهومها الثابت ألا يحال بين الإنسان ومزاولة حقه في الخلافة وفق منهج الله المرسوم. وألا يعلوا شيء في هذه الأرض على "الإنسان". وألا تهدر قيمته "الإنسانية" لينشئ قمراً صناعياً، أو ليضاعف الإنتاج المادي ! فهو سيد الأقمار الصناعية، وسيد الإنتاج المادي!

والعاقل "الواعي" الذي لم يأخذه الدوار الذي يأخذ البشرية اليوم. حين ينظر إلى هذه البشرية المنكودة يراها تتخبط في تصوراتها، وأنظمتها، وأوضاعها، وتقاليدها، وعاداتها، وحركاتها كلها تخبطاً منكراً شنيعاً .. يراها تخلع ثيابها وتمزقها كالمهووس! وتتشنج في حركاتها وتتخبط وتتلبط كالممسوس .. يراها تغير أزياءها في الفكر والاعتقاد، كما تغير أزياءها في الملابس، وفق أهواء بيوت الأزياء! .. يراها تصرخ من الألم، وتجري كالمطارد، وتضحك كالمجنون، وتعربد كالسكير، وتبحث عن لاشيء! وتجري وراء أخيله! وتقذف بأثمن ما تملك، وتحتضن أقذر ما تمسك به يداها من أحجار وأوضار!
لعنة! لعنة كالتي تتحدث عنها الأساطير!
إنها تقتل "الإنسان" وتحوله إلى آلة .. لتضاعف الإنتاج!
إنها تقضي على مقوماته "الإنسانية" وعلى إحساسه بالجمال والخلق والمعاني السامية لتحقيق الربح لعدد قليل من المرابين وتجار الشهوات، ومنتجي الأفلام السينمائية وبيوت الأزياء.
وتنظر إلى وجوه الناس، ونظراتهم، وحركاتهم، وأزيائهم، وأفكارهم، وآرائهم، ودعواتهم. فيخيل إليك أنهم هاربون! مطاردون! لا يلوون على شيء، ولا يتثبتون من شيء! ولا يتريثون ليروا شيئاً ما رؤية واضحة صحيحة .. وهم هاربون فعلاً! هاربون من نفوسهم التي بين جنوبهم! هاربون من نفوسهم الجائعة القلقة الحائرة، التي لا تستقر على شيء "ثابت" ولا تدور على محور ثابت، ولا تتحرك في إطار ثابت.. والنفس البشرية لا تستطيع أن تعيش وحدها شاذة عن نظام الكون كله. ولا تملك أن تسعد وهي هكذا شاردة تائهة، لا تطمئن إلى دليل هاد، ولا تستقر على قرار مربح!
وحول هذه البشرية المنكودة زمرة من المستنفعين بهذه الحيرة الطاغية، وهذا الشرود القاتل.. زمرة من المرابين، ومنتجي السينما، وصانعي الأزياء والصحفيين، والكتاب.. يهتفون لها بالمزيد من الصرع والتخبط والدوار، كلما تعبت وكلت خطاها، وحنت إلى المدار المنضبط والمحور الثابت، وحاولت أن تعود!
زمرة تهتف لها .. التطور .. الانطلاق .. التجديد .. بلا ضوابط ولا حدود .. وتدفعها بكلتا يديها إلى المتاهة كلما قاربت من المثابة .. باسم التطور .. وباسم الانطلاق .. وباسم التجديد..
إنها الجريمة. الجريمة المنكرة في حق البشرية كلها. وفي حق هذا الجيل المنكود( )!
وفكرة "التطور" المطلق، لكل الأوضاع، ولكل القيم، ولأصل التصور الذي ترجع إليه القيم. فكرة تناقض –كم� قلنا- الأصل الواضح في بناء الكون، وفي بناء الفطرة. ومن ثم ينشأ عنها الفساد الذي لا عاصم منه .. إنها تمنح حق الوجود، ومبرر الوجود، لكل تصور، ولكل قيمة، ولكل وضع، ولكل نظام. ما دام تالياً في الوجود الزمني! وهو مبرر تافه، عرضي، لا ينبغي أن يكون له وزن في الحكم على تصور أو وضع أو قيمة أو نظام. إنما ينبغي أن يكون الوزن لمقومات ذاتية في ذات الوضع أو ذات النظام.

وصورة ثالثة من صور الشمول فى التصور الإسلامى . فهو إذ يرد أمر الكون آله . وأمر الحياة والأحياء ، وأمر الإنسان والأشياء ..
إلى إرادة واحدة شاملة ..وإذا يتناول الحقائق الكلية آلها: حقيقة الألوهية - الحقيقة الأولى والكبرى والأساسية � وحقيقة الكون ،
وحقيقة الإنسان بمثل ، ذلك الشمول الذى أشرنا إليه ..
هذا التصور إذا يتناول الأمور على هذا النحو الشامل � بكل معانى الشمول � يخاطب الكينونة الإنسانية بكل جوانبها ، وبكل أشواقها
، وبكل حاجتها ، وآل اتجاهات . ويردها إلى جهة واحدة تتعامل معها جهة واحدة تطلب عندها آل شيء وتتوجه إليها بكل شيء جهة
واحدة ترجوها وتخشاها ، وتتقى غضبها وتبغى رضاها . جهة واحدة تملك لها آل شئ ، لأنها خالقة آل شئ ، ومالكة آل شئ
،ومدبرة آل شئ ..
آذلك يرد الكينونة الإنسانية إلى مصدر واحد ، تتلقى منه تصوراتها ومفاهيمها ، وقيمها وموازينها ، وشرائعها وقوانينها . وتجد
عنده إجابة على آل سؤال يجيش فيها ، وهى تواجه الكون والحياة و الإنسان ، بكل ما يثيره آل منها من علامات الاستفهام ..
عندئذ تتجمع هذه الكينونة . . تتجمع شعورا" وسلوآا" ، وتصورا" واستجابة . فى شأن العقيدة والمنهج . وشأن الاستمداد والتلقى
. وشأن الحياة والموت . وشأن السعى والحرآة . وشأن الدنيا والآخرة . فى تتفرق مزقا" ، ولا تتجه إلى شنى السبل والآفاق ، ولا
تسلك شتى الطرق على غير اتفاق !
والكينونة الإنسانية حين تتجمع على هذا النحو ، تصبح فى خير حالاتها ، لأنها تكون حينئذ فى حالة "الوحدة" التى هى طابع
الحقيقة فى آل مجالاتها ,.. فالوحدة هى حقيقة الخالق � سبحانه � والوحدة هى حقيقة هذا الكون � على تنوع المظاهر والأشكال
والأحوال � والوحدة هى حقيقة الحياة والأحياء � على تنوع الأجناس والأنواع � والوحدة هى حقيقة الإنسان على تنوع الأفراد
والاستعدادات والوحدة هي غاية الوجود الإنساني وهي العبادة على تنوع مجالات العبادة وهيئاتها � وهكذا حيثما بحث الإنسان عن
الحقيقة فى هذا الوجود .
وحين تكون الكينونة الإنسانية فى الوضع الذى يطابق "الحقيقة" فى آل مجالاتها ، تكون فى أوج قوتها الذاتية ، وفى أوج تناسقها
� آذلك � مع حقيقة أن هذا الكون الذى تعيش فيه ، وتتعامل معه ، ومع حقيقة آل شئ فى هذا الوجود ، مما تؤثر فيه وتتأثر به ..
وهذا التناسق هو الذى يتيح لها أن تنشئ أعظم الآثار ، وأن تؤدى أعظم الأدوار .
وحينما بلغت هذه الحقيقة أوجها فى المجموعة المختارة من المسلمين الأوائل ، صنع الله بها فى لأرض أدوارا" ، عميقة الآثار فى
آيان الوجود الإنسانى ، وفى آيان التاريخ الإنسانى ..
وحين توجد هذه الحقيقة مرة أخرى � وهى لابد آائنة بإذن الله � سيصنع الله بها الكثير ، مهما يكن فى طريقها من العراقيل . ذلك أن
وجود هذه الحقيقة فى ذاته ينشئ قوة لا تقاوم : لأنها من صميم قوة هذا الكون ، وفى اتجاه قوة المبدع لهذا الكون أيضا" ..
ومن مظاهر ذلك التجمع فى الكينونة الإنسانية ، أن يصبح النشاط الإنسانى آله حرآة واحدة، متجهة إلى تحقيق غاية الوجود
الإنسانى .. العبادة .. العبادة التى تتمثل فيها عبودية الإنسان لله وحده فى آل ما ينهض به من شئون الخلافة ..
وهذا لتجمع النفسى والحرآى هو ميزة الإسلام الكبرى . بما يتناوله بالتفسير آل الحقائق التى تواجه النفس البشرية فى الكون آله ،
ويتناول بالتوجيه آل جوانب النشاط الإنسانى . ففى الإسلام � وحده � يملك الإنسان أن يعيش لدنياه وهو يعيش لأخرته ، وأن يعمل
لله وهو يعمل لمعاشه ، وأن يحقق آماله الإنسانى الذى يطلبه الدين ، فى مزاولة نشاطه اليومى فى خلافة الأرض ، وفى تدبير أمر
الرزق . ولا يتطلب منه هذا إلا أمرا" واحدا" : أن يخلص العبودية لله فى الشعائر التعبدية وفى الحرآة العملية على السواء . أن
يتوجه إلى تلك الجهة الواحدة بكل حرآة وآل خالجة وآل عمل وآل نية، وآل نشاط وآل اتجاه . مع التأآد من أنه لا يتجاوز دائرةالحلال الواسعة ، التى تشمل آل طيبات الحياة .. فالله خلق الإنسان بكل طاقاته لتنشط آلها ، وتعمل آلها ، وتؤدى دورها .. ومن خلال
عمل هذه الطاقات مجتمعة ، يحقق الإنسان غاية وجوده ، فى راحة ويسر ، وفى طمأنينة وسلام ، وفى حرية آاملة منشئوها
العبودية لله وحده .
وبهذه الخاصية صلح الإسلام أن يكون منهج حية شاملا" متكاملا" . منهجا" يشمل الاعتقاد فى الضمير ، والتنظيم فى الحياة � لا
بدون تعارض بينهما � بل فى ترابط وتداخل يعز فصله ، لأنه حزمة واحدة فى طبيعة هذا الدين ، ولأن فصله هو تمزيق وإفساد لهذا
الدين .
إن تقسيم النشاط الإنسانى إلى "عبادات" و "معاملات" مسألة جاءت متأخرة عند التأليف فى مادة "الفقه" . ومع أنه آان المقصود
به � فى أول الأمر � مجرد التقسيم "الفنى" ، الذى هو طابع التأليف العلمى ، إلا أنه � مع الأسف � أنشأ فيما بعد آثار سيئة فى
التصور ، تبعته � بعد فترة � آثار سيئة فى الحياة الإسلامية آلها . إذ جعل يترسب فى تصورات الناس أن صفة "العبادة" إنما هى
خاصة بالنوع الأول من النشاط الذى يتناوله "فقه العبادات" . بينما أخذت هذه الصفة تبعت بالقياس إلى النوع الثانى من النشاط ،
الذى يتناوله "فقه المعاملات" ! وهو انحراف بالتصور الإسلامى لاشك فيه . فلا جرم يتبعه انحراف فى الحياة آلها فى المجتمع
الإسلامى .
ليس فى التصور الإسلامى نشاط إنسانى لا ينطبق عليه معنى العبادة ، و يطلب فيه تحقيق هذا الوصف . والمنهج الإسلامى آله
غايته تحقيق معنى العبادة ، أولا" وأخيرا" .
وليس هناك من هدف فى المنهج الإسلامى لنظام الحكم ، ونظام الاقتصاد ، والتشريعات الجنائية ، والتشريعات المدنية وتشريعات
الأسرة � وسائر التشريعات التى يتضمنها هذا المنهج �
ليس هناك من هدف إلا تحقيق معنى "العبادة" فى حياة الإنسان .. والنشاط الإنسانى لا يكون متصفا" بهذا الوصف ، محققا" لهذه
الغاية - التى يحدد القرآن أنها هى غاية الوجود الإنسانى - إلا حين يتم هذا النشاط وفق المنهج لربانى ، فيتم بذلك إفراد الله - سبحانه
بالألوهية ، والاعتراف له وحده بالعبودية .. وإلا فهو خروج عن العبادة . لأنه خروج عن العبودية . أى خروج عن غاية الوجود
الإنسانى آما أرادها الله ، أى خروج عن دين الله !
وأنواع النشاط التى أطلق عليها "الفقهاء" اسم "العبادات" وخصوصا" بهذه الصفة - على غير مفهوم التصور الإسلامى - حين
تراجع مواضعها فى القرآن تتبين حقيقة بارزة لا يمكن إغفالها . وهى أنها لم تجئ مفردة ولا معزولة عن أنواع النشاط الأخرى التى
أطلق عليها الفقهاء اسم "المعاملات" .. إنما جاءت هذه وتلك مرتبطة فى السياق القرآنى ومرتبطة فى المنهج التوجيهى . باعتبار
هذه آتلك شطرا" من منهج "العبادة" التى هى غاية الوجود الإنسانى . وتحقيقا" لمعنى العبودية ، ومعنى إفراد الله - سبحانه -
بالألوهية .
إن ذلك التقسيم - مع مرور الزمن - جعل بعض الناس يفهمون أنهم يملكون أن يكونوا "مسلمين" إذا هم أدوا نشاط "العبادات" -
وفق أحكام الإسلام - بينما هم يزاولون آل نشاط "المعاملات" وفق منهج آخر . لا يتلقونه من الله . ولكن من إله آخر ! هو الذى
يشرع لهم فى شئون الحياة ، ما لم يأذن به الله !
وهذا وهم آبير . فالإسلام وحدة لا تنفصم . وآل من يفصمه إلى شطرين - على هذا النحو - فإنما يخرج من هذه الوحدة . أو بتعبير
آخر يخرج من هذا الدين . .
وهذه هى الحقيقة الكبيرة ، التى يجب أن يلقى باله إليها آل مسلم يريد أن يحقق إسلامه ، ويريد فى الوقت ذاته ، أن يحقق غاية
وجوده الإنسانى .
flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read خصائص التصور الإسلامي ومقوماته.
Sign In »

Reading Progress

April 23, 2013 – Started Reading
April 23, 2013 – Shelved
July 8, 2013 –
page 19
9.18%
July 8, 2013 –
page 19
9.18%
July 10, 2013 –
page 41
19.81%
July 10, 2013 –
page 41
19.81%
July 16, 2013 –
page 61
29.47%
July 23, 2013 –
page 75
36.23%
July 29, 2013 –
page 87
42.03%
August 2, 2013 –
page 94
45.41%
August 12, 2013 –
page 118
57.0%
August 14, 2013 –
page 129
62.32%
August 24, 2013 –
page 173
83.57%
August 25, 2013 – Finished Reading
September 1, 2013 – Shelved as: سيد-قطب

No comments have been added yet.