Abdullah Abdulrahman's Reviews > لماذا يظن الجندي غير المجنون أنه كلب
لماذا يظن الجندي غير المجنون أنه كلب
by
"استغرب كيف يجعله هذا الاستغراق في المشاهدة بهذا المزاج الممتاز. كان مثل من أدرك معنى لوجوده. على الرغم من عدم إدراكه أي شيء واضح".
أعود بحماسة لا متناهية للغوص من جديد في عوالم "العرادي" الذي تعرفت عليه في بداية العام من خلال مؤلفه "قلق فوات الفرص السانحة" والذي كان بمثابة مفاجأة غير متوقعة أدهشتني بكل تفاصيلها، ويأتي في هذا السرد الذي يسبق مؤلفه الذي قرأته سابقاً في صدوره بمجموعة قصصية تتشكل بألوان مختلفة وموضوعات متعددة، ويشرّع هذا السرد بالحكاية المعنونه بـ "التماسيح" والتي كانت بصياغة أخرى موجودة في هوامش وضمن النصوص التي قرأتها مسبقاً في مؤلفه الذي تعرفت عليه من خلاله، لذلك إستغربت وجود نص بذات الفكرة وبتصرف بسيط من ضمن كلا الكتابين التي هي نتاج "العرادي" لكني تجاوزت ذلك إلى الحكايات التي جاءت تباعاً بعدها وقد كانت مشوقة ومثيرة للحواس بكل تفاصيلها حيث يشغل الموت بطبيعته حيزاً كبيراً من موضوعاتها وأن كان بطريقة فنتازية وغرائبية أكثر من كونها واقعية وحتمية، وتختزل مشاهد مدهشة وأخرى إعتيادية من روتين الحياة وسيرة الناس البسطاء من بيئات محلية وأخرى عالمية.
تأتي من ضمن الحكايا الموجودة داخل سياق هذا السرد حكاية معنونة بـ "كلب جدتي سلمى" وتحمل تلك الحكاية المشوقة بصبغتها المحلية وطريقتها الفريدة في سرد الأحداث وقراءتها وإعادة تحليلها وصياغتها على الورق متعة خالصة، لتكون بمقدمة النصوص والحكايا التي أبهرتني وجذبتني بكل حواسي لتتبع مسار الحكاية فيها من ضمن الحكايا الموجودة في هذة المجموعة، ولأجد فيها "العرادي" الذي أحببته بمخيلته الخصبة في صناعة الحدث والتعبير عنه، ليتبعها بعد ذلك نصوص وحكايا أخرى أبهرتني كذلك وأدخلتني في عوالم مدهشة وعجيبة من بين ما جاء في هذة المجموعة القصصية من حكايا وصور ومشاهد تسجيلية وأخرى تعبيرية.
المدهش في سرد وحكايا "العرادي" هو أنه قادر على صناعة حكاية كاملة ومتكاملة بكل تفاصيلها من خلال مشهد إعتيادي أو حياة رتيبة لشخص مهمل في تاريخ البشر، حيث يجعل من صور مختلفة ولحظات مجتزأة من يومياته حدثاً مهماً ويخلق من خلالها تسلسلاً مبهراً وشاعرياً في سياق حكاية تحمل في ظروفها وطبيعتها مقاربات عجيبة شبيهة بحياة القراء، فيصنع من السأم والأحلام المتتابعة حكايا ذات صياغة مشوقة تجعلك تقرأ فيها بشراهة وأنت منبهراً بعبقرية السرد والصور الجمالية المختزلة فيه واللغة التعبيريه التي يصور من خلالها "العرادي" حياة أبطال حكاياته العاديين والمغمورين في عوالمهم الخاصه.
لا أحد قادر على إختزال مشاهد حيوية من سيرة فرداً ما من الطبقة المتوسطة مثل "العرادي" ودمجها بطريقة كاريكاتورية بسيرة مطرب شعبي مثل "خالد الملا" مثل ما حصل في قالب الحكاية المعنونة بـ "مساوئ حياة سعيد عبدالله الـ.." حيث نرى "سعيد" في تقلباته بين وجوه الحياة منذ لحظة الولادة وحتى توسده قبره، فينقل لنا "العرادي" من حياته مشاهد حميمية ومألوفة كشكل محل الحلاقة الذي يحلق لديه يوم كان طفلاً، المحل الذي يحمل شكلاً ذو صبغة محلية يجعلك حاضراً داخل زوايا المشهد وكأنه قد سبق لك وأن كنت في ذات محل الحلاقة أثناء طفولتك أنت وإعتليت نفس المسند الخشبي الذي يضعه الحلاق على كرسي الحلاقة ليرفع من جسدك الصغير حتى يستطيع أن يباشر في حلاقتك، ويدمج كل تلك التطورات والتقلبات في حياة "سعيد" بين مشاوير الدراسة والحارة والجامعة والعمل والزواج والشقة المستأجرة وجلسات السمر والإستراحة بأغنيات من مطربين شعبيين آخرين مثل "فهد عبدالمحسن" و"عبدالله السالم"، ويأخذنا في مشاهد متصلة/منفصلة من رحلة "سعيد" إلى القاهرة وذكرياته هناك بين الليالي الحمراء والنوم على سرير في شقة مستأجرة بالدقي في برد ديسمبر، وأنت تقرأ داخل كل تلك الذكريات المشحونة بطابع الحنين إلى وقتٍ مضى بألفة عالية وكأنها ذكريات مأخوذة من تاريخك الخاص وسيرتك الشخصية في تعرجات الحياة ومساراتها.
من جانب آخر "العرادي" لديه القدرة على أن يحيل شخصية إعتيادية مثل "أبو سعود" شيخ "الإستراحة" الذي يفضي بحر ماله عليها في سيناريو النص المعنون بـ "فن إختيار منزل لا يمكن للأمريكان قصفه" إلى كاركتر في سياق مبتكر داخل حكاية معجونة بطعم الحياة المحلية وطقوسها بعبقرية قلمه وسحر تعابيره، مثل هذة الشخصيات التي لا يلتفت إليها أحد "العرادي" قادر دائما على أن يصنع من حضورها في الأوساط المحلية والمجتمع التقليدي حكاية ذات دلالات عميقة بصياغة ساخرة نوعاً ما وغير إعتيادية وأن يشكلها على هيئة شخصيات مألوفة خالطتك في مسار حياتك ويومياتك بحيث قد يكون هناك "أبو سعود" متخفي وسط مجتمع "إستراحتك" الخاصة، هنا دائماً يرتكز عامل الإبهار في نصوص "العرادي" وحكاياه، الحقيقة أن القراءة داخل هذا السرد بالمجمل كانت تجربة ممتعة ومشوقة بحق وتمنيت لو أنها لم تنقضي أبداً.
by

"استغرب كيف يجعله هذا الاستغراق في المشاهدة بهذا المزاج الممتاز. كان مثل من أدرك معنى لوجوده. على الرغم من عدم إدراكه أي شيء واضح".
أعود بحماسة لا متناهية للغوص من جديد في عوالم "العرادي" الذي تعرفت عليه في بداية العام من خلال مؤلفه "قلق فوات الفرص السانحة" والذي كان بمثابة مفاجأة غير متوقعة أدهشتني بكل تفاصيلها، ويأتي في هذا السرد الذي يسبق مؤلفه الذي قرأته سابقاً في صدوره بمجموعة قصصية تتشكل بألوان مختلفة وموضوعات متعددة، ويشرّع هذا السرد بالحكاية المعنونه بـ "التماسيح" والتي كانت بصياغة أخرى موجودة في هوامش وضمن النصوص التي قرأتها مسبقاً في مؤلفه الذي تعرفت عليه من خلاله، لذلك إستغربت وجود نص بذات الفكرة وبتصرف بسيط من ضمن كلا الكتابين التي هي نتاج "العرادي" لكني تجاوزت ذلك إلى الحكايات التي جاءت تباعاً بعدها وقد كانت مشوقة ومثيرة للحواس بكل تفاصيلها حيث يشغل الموت بطبيعته حيزاً كبيراً من موضوعاتها وأن كان بطريقة فنتازية وغرائبية أكثر من كونها واقعية وحتمية، وتختزل مشاهد مدهشة وأخرى إعتيادية من روتين الحياة وسيرة الناس البسطاء من بيئات محلية وأخرى عالمية.
تأتي من ضمن الحكايا الموجودة داخل سياق هذا السرد حكاية معنونة بـ "كلب جدتي سلمى" وتحمل تلك الحكاية المشوقة بصبغتها المحلية وطريقتها الفريدة في سرد الأحداث وقراءتها وإعادة تحليلها وصياغتها على الورق متعة خالصة، لتكون بمقدمة النصوص والحكايا التي أبهرتني وجذبتني بكل حواسي لتتبع مسار الحكاية فيها من ضمن الحكايا الموجودة في هذة المجموعة، ولأجد فيها "العرادي" الذي أحببته بمخيلته الخصبة في صناعة الحدث والتعبير عنه، ليتبعها بعد ذلك نصوص وحكايا أخرى أبهرتني كذلك وأدخلتني في عوالم مدهشة وعجيبة من بين ما جاء في هذة المجموعة القصصية من حكايا وصور ومشاهد تسجيلية وأخرى تعبيرية.
المدهش في سرد وحكايا "العرادي" هو أنه قادر على صناعة حكاية كاملة ومتكاملة بكل تفاصيلها من خلال مشهد إعتيادي أو حياة رتيبة لشخص مهمل في تاريخ البشر، حيث يجعل من صور مختلفة ولحظات مجتزأة من يومياته حدثاً مهماً ويخلق من خلالها تسلسلاً مبهراً وشاعرياً في سياق حكاية تحمل في ظروفها وطبيعتها مقاربات عجيبة شبيهة بحياة القراء، فيصنع من السأم والأحلام المتتابعة حكايا ذات صياغة مشوقة تجعلك تقرأ فيها بشراهة وأنت منبهراً بعبقرية السرد والصور الجمالية المختزلة فيه واللغة التعبيريه التي يصور من خلالها "العرادي" حياة أبطال حكاياته العاديين والمغمورين في عوالمهم الخاصه.
لا أحد قادر على إختزال مشاهد حيوية من سيرة فرداً ما من الطبقة المتوسطة مثل "العرادي" ودمجها بطريقة كاريكاتورية بسيرة مطرب شعبي مثل "خالد الملا" مثل ما حصل في قالب الحكاية المعنونة بـ "مساوئ حياة سعيد عبدالله الـ.." حيث نرى "سعيد" في تقلباته بين وجوه الحياة منذ لحظة الولادة وحتى توسده قبره، فينقل لنا "العرادي" من حياته مشاهد حميمية ومألوفة كشكل محل الحلاقة الذي يحلق لديه يوم كان طفلاً، المحل الذي يحمل شكلاً ذو صبغة محلية يجعلك حاضراً داخل زوايا المشهد وكأنه قد سبق لك وأن كنت في ذات محل الحلاقة أثناء طفولتك أنت وإعتليت نفس المسند الخشبي الذي يضعه الحلاق على كرسي الحلاقة ليرفع من جسدك الصغير حتى يستطيع أن يباشر في حلاقتك، ويدمج كل تلك التطورات والتقلبات في حياة "سعيد" بين مشاوير الدراسة والحارة والجامعة والعمل والزواج والشقة المستأجرة وجلسات السمر والإستراحة بأغنيات من مطربين شعبيين آخرين مثل "فهد عبدالمحسن" و"عبدالله السالم"، ويأخذنا في مشاهد متصلة/منفصلة من رحلة "سعيد" إلى القاهرة وذكرياته هناك بين الليالي الحمراء والنوم على سرير في شقة مستأجرة بالدقي في برد ديسمبر، وأنت تقرأ داخل كل تلك الذكريات المشحونة بطابع الحنين إلى وقتٍ مضى بألفة عالية وكأنها ذكريات مأخوذة من تاريخك الخاص وسيرتك الشخصية في تعرجات الحياة ومساراتها.
من جانب آخر "العرادي" لديه القدرة على أن يحيل شخصية إعتيادية مثل "أبو سعود" شيخ "الإستراحة" الذي يفضي بحر ماله عليها في سيناريو النص المعنون بـ "فن إختيار منزل لا يمكن للأمريكان قصفه" إلى كاركتر في سياق مبتكر داخل حكاية معجونة بطعم الحياة المحلية وطقوسها بعبقرية قلمه وسحر تعابيره، مثل هذة الشخصيات التي لا يلتفت إليها أحد "العرادي" قادر دائما على أن يصنع من حضورها في الأوساط المحلية والمجتمع التقليدي حكاية ذات دلالات عميقة بصياغة ساخرة نوعاً ما وغير إعتيادية وأن يشكلها على هيئة شخصيات مألوفة خالطتك في مسار حياتك ويومياتك بحيث قد يكون هناك "أبو سعود" متخفي وسط مجتمع "إستراحتك" الخاصة، هنا دائماً يرتكز عامل الإبهار في نصوص "العرادي" وحكاياه، الحقيقة أن القراءة داخل هذا السرد بالمجمل كانت تجربة ممتعة ومشوقة بحق وتمنيت لو أنها لم تنقضي أبداً.
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
لماذا يظن الجندي غير المجنون أنه كلب.
Sign In »