Reem's Reviews > منزل الاقنان
منزل الاقنان
by
by

منزل الأقنان
داء، ردى، غيلان، مطر، ثلوج لندن، لهفة إقبال، العودة إلى جيكور...
كانت القصائد ضمن الديوان تخدم ذات الغرض: التعبير عن سري الداء ليس في الجسد فقط، وإنما اجتياحه الروح كذلك، وانهمار ظلاله على العقل: أبوّة غير مكتملة، أطفال جائعون، زوجة مفؤودة. كأنَّ سفر السيّاب إلى لندن كان سفرًا إلى موت محتم، موت أكيد، وابتعاد تام عن فكرة الرجوع إلى جيكور. كانت لندن أول مسمار في نعشه، وقد أحسّت قصائدهُ، وكذّب قلبه؛ فتظهر لنا قصائد سفر أيوب في منتصف الديوان، في قمة اليأس، والتسليم للداء والأمر الإلهي... معلنًا أنّه راضٍ بالداء ولن يندب حظه، فهذه الحمى قبلة من الله، وهذا الألم عطايا وهدايا من المحبوب، من الله، فكيف ننبذها؟
رافق شبح أيوب السيّاب في رحلته إلى قبره، الأول: لندن، يدًا بيد كفًا بكفٍ يحضرّون لاستقبال الموت... فهو أعظم هدية من الله، أن يأخذه إليه وبين يديه.
ورغم محاولة التسليم هذه، والغزل الربوبي، يظل شبح إقبال وأبوّته غير المكتملة يؤرقه. لا هو ميت كي يرتاح، ولا هو حي كي يكون هناك. يبكي السياب غيلان بقسوة، وتبكيه قصائده نهاية كل شطر... خيال غيلان يقفُ بوضوحٍ خلف كل قصيدة، فارضًا وجوده على الأب العاجز عن كلّ شيء، حتى عن كتابة قصيدة، كائنًا كالمغني القديم، كالمغني العجوز، يتوّسل من محبيه أن يعذروا عجزه وكبر عمره...
وإقبال؟ تمسك بيديها بداية كل قصيدة، تحضنها بين ضلوعها، وتفرغُ شيئًا من غلّها وشوقها، قابضةً بشدةٍ على كل سطر من كل قصيدة.
كل قصيدة هي دمعة متجمدة من دموعه في برد لندن. من الأنهار المتجمدة في درم، التي تمنى الموت فيها. والطبيب؟ يظهرُ لا مبشرًا بنجاته، بل بأملٍ بنجاة العراق، ويحاول السياب بشدة، أن يمسك خيط الفرح هذا، ويخيط لنفسه أملاً وفرحًا يغمره، رغم عتّى الداء.
وقد أحالت حالة السياب العقلية آنذاك هذا الديوان إلى غيمة مطيرة، إلى غيمة سوداء مُحمّلة تغرق السماء والأرض... وقد نجح في إيصال ما أراده: شعور قوي بالموت المتجذر في عروقه، شوق مستفحل إلى شمس، قمر، أرض، شجر، ريح العراق. أراد بشدة أن ينبّه الناس إلى النعمة التي فقدها: أن يحتضنه وطن. وهذا ما لن يشعر به إلا من قاسى عذاب فقدانه.
طوبى لك، أيُّها السيّاب، عسّى أن يسير الله رقادك. أبكاني نحيبُك على زوجتك وأطفالك، عسّى أن يعوضك الله.
داء، ردى، غيلان، مطر، ثلوج لندن، لهفة إقبال، العودة إلى جيكور...
كانت القصائد ضمن الديوان تخدم ذات الغرض: التعبير عن سري الداء ليس في الجسد فقط، وإنما اجتياحه الروح كذلك، وانهمار ظلاله على العقل: أبوّة غير مكتملة، أطفال جائعون، زوجة مفؤودة. كأنَّ سفر السيّاب إلى لندن كان سفرًا إلى موت محتم، موت أكيد، وابتعاد تام عن فكرة الرجوع إلى جيكور. كانت لندن أول مسمار في نعشه، وقد أحسّت قصائدهُ، وكذّب قلبه؛ فتظهر لنا قصائد سفر أيوب في منتصف الديوان، في قمة اليأس، والتسليم للداء والأمر الإلهي... معلنًا أنّه راضٍ بالداء ولن يندب حظه، فهذه الحمى قبلة من الله، وهذا الألم عطايا وهدايا من المحبوب، من الله، فكيف ننبذها؟
رافق شبح أيوب السيّاب في رحلته إلى قبره، الأول: لندن، يدًا بيد كفًا بكفٍ يحضرّون لاستقبال الموت... فهو أعظم هدية من الله، أن يأخذه إليه وبين يديه.
ورغم محاولة التسليم هذه، والغزل الربوبي، يظل شبح إقبال وأبوّته غير المكتملة يؤرقه. لا هو ميت كي يرتاح، ولا هو حي كي يكون هناك. يبكي السياب غيلان بقسوة، وتبكيه قصائده نهاية كل شطر... خيال غيلان يقفُ بوضوحٍ خلف كل قصيدة، فارضًا وجوده على الأب العاجز عن كلّ شيء، حتى عن كتابة قصيدة، كائنًا كالمغني القديم، كالمغني العجوز، يتوّسل من محبيه أن يعذروا عجزه وكبر عمره...
وإقبال؟ تمسك بيديها بداية كل قصيدة، تحضنها بين ضلوعها، وتفرغُ شيئًا من غلّها وشوقها، قابضةً بشدةٍ على كل سطر من كل قصيدة.
كل قصيدة هي دمعة متجمدة من دموعه في برد لندن. من الأنهار المتجمدة في درم، التي تمنى الموت فيها. والطبيب؟ يظهرُ لا مبشرًا بنجاته، بل بأملٍ بنجاة العراق، ويحاول السياب بشدة، أن يمسك خيط الفرح هذا، ويخيط لنفسه أملاً وفرحًا يغمره، رغم عتّى الداء.
وقد أحالت حالة السياب العقلية آنذاك هذا الديوان إلى غيمة مطيرة، إلى غيمة سوداء مُحمّلة تغرق السماء والأرض... وقد نجح في إيصال ما أراده: شعور قوي بالموت المتجذر في عروقه، شوق مستفحل إلى شمس، قمر، أرض، شجر، ريح العراق. أراد بشدة أن ينبّه الناس إلى النعمة التي فقدها: أن يحتضنه وطن. وهذا ما لن يشعر به إلا من قاسى عذاب فقدانه.
طوبى لك، أيُّها السيّاب، عسّى أن يسير الله رقادك. أبكاني نحيبُك على زوجتك وأطفالك، عسّى أن يعوضك الله.
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
منزل الاقنان.
Sign In »