ŷ������

يُعَدُّ كتاب الفلسفة القرآنية لعباس محمود العقاد من أبرز الأعمال الفكرية التي تناولت الفلسفة الإسلامية من منظور قرآني، حيث يقدم العقاد رؤية عميقة لمبادئ الإسلام الفكرية كما وردت في القرآن الكريم، ويقارنها بالفلسفات الوضعية ليُبرز تفوقها في تقديم حلول شاملة لمختلف قضايا الإنسان والكون والحياة. الكتاب ليس مجرد عرض للأفكار، بل هو تحليل نقدي يستند إلى منطق العقل ويستمد نوره من الوحي، ليؤكد أن العقيدة الإسلامية ليست مجرد إيمان غيبي، بل هي فلسفة متكاملة تُجيب عن أعمق التساؤلات التي شغلت الفلاسفة والمفكرين على مر العصور.

في هذا الكتاب، يتجلى أسلوب العقاد المتين والرصين، إذ يمزج بين العمق الفلسفي والدقة اللغوية، مستخدمًا حجة العقل في عرض الأفكار ومقارعة النظريات المخالفة. فهو لا يكتفي بعرض التصورات القرآنية، بل يضعها في سياق مقارنة مع الفلسفات الأخرى، من أفلاطون وأرسطو إلى فلاسفة الغرب الحديث، ليُثبت أن الفلسفة القرآنية ليست مجرد منظومة روحية، بل رؤية متكاملة للحياة تقوم على التوازن بين العقل والإيمان، بين الحرية والمسؤولية، بين الفرد والمجتمع.

يتناول الكتاب موضوعات متعددة، أبرزها علاقة القرآن بالعلم، ومفهوم الأخلاق في الإسلام، ومسألة القضاء والقدر، بالإضافة إلى قضايا المرأة والعدل الاجتماعي. كما يتعرض لموضوعات أكثر تعقيدًا مثل الروح والوجود، ليؤكد أن القرآن لا يكتفي بتقديم إجابات جاهزة، بل يُثير في العقل أسئلة تدفعه للتأمل والتدبر. هذه المعالجة الفلسفية العميقة تجعل من الكتاب مرجعًا فكريًا يثري القارئ، ويكشف له عن أبعاد جديدة لم يكن قد أدركها في النصوص القرآنية.

ليس من الغريب أن يحظى الفلسفة القرآنية بتقدير واسع بين القرّاء والمفكرين، فهو ليس مجرد كتاب ديني، بل رحلة عقلية ممتعة في رحاب الفلسفة الإسلامية، حيث يُثبت العقاد أن القرآن لم يكن كتاب تشريع فقط، بل كان أيضًا كتاب تفكير، يُخاطب العقل والقلب معًا، ويمنح الإنسان منهجًا للحياة لا ينفصل فيه الإيمان عن العقل ولا الحكمة عن الروح. إنه كتاب يُخاطب أولئك الذين يبحثون عن الحقيقة بعقولهم كما بقلوبهم، ويُجدد في النفس يقينًا بأن الفلسفة الحقّة لا تنفصل عن النور الذي جاء به الوحي.