Eslam's Reviews > صالح هيصة
صالح هيصة
by
by

يتصادف � والمصادفة مصدرها أنني لم أكن أعلم تاريخ ميلاد العم خيري شلبي إلا من post نشره ابنه زين العابدين خيري شلبي بالأمس � أنني قد أنهيت روايته "صالح هيصة" � التي انتهى عم خيري من كتابتها في عام 1999 � بعد أن بدأت فيها منذ أقل من أسبوعين. بدا لي وكأنها تهنئة � عن غير عمد مني � لعم خيري بمناسبة عيد ميلاده.
صالح هيصة ... ذلك الشخص الذي يترك فيك أثراً منه، أو آثاراً، تنطبع على روحك وتنعكس على شخصيتك حين تتفاعل في الحياة؛ فتتذكر طريقته في الكلام، أسلوبه الساخر من كل شيء، كلماته التي تبدو � لأول وهلة � مازحة، متشربة بالمرارة التي تتولد في جوف الساخر الحزين حين تأخذه الجلالة فيتحدث وكأن أحداً لا يتكلم في الكون غيره. وحين تخلو لمحاسبة نفسك، في نهاية يومٍ طويل من العمل والنقاش مع الناس، تجد أنك قد كنت تجلياً من تجليات صالح هيصة؛ سواء كنت تدرك ذلك وقتها أو لا.
يُمثِّل صالح هيصة، بشكل عام، مواطناً عاش لحظة ألم النكسة ولحظة متعة الانتصار في حرب 73 ثم لحظة الانكسار الأعظم بعد إعلان السلام مع إسرائيل.
ربما برزت لنا قيمة صالح هيصة � كرمز في الرواية � حين ندرك أنه كان مجرد "صالح" حينما كان في كامل وعيه وهو يمارس عمله في غرزة حكيم. لكن حضوره الأعظم كـ "هيصة" كان يتحقق بخمسين قرشاً تقريباً، وقليل من الطرشي المصاحب للفلافل والعيش البلدي الساخن، مع خليط من مشروب الكوكاكولا والسبرتو الأحمر. بعد ذلك، يجب عليك أن تنتظر قليلاً كي تندمج كل هذه العناصر مع "صالح"؛ وكأنها متفاعلات في قلب مُفاعل مكتوم تتحد سوياً لتُنتج لنا "هيصة" لا مثيل لها.
في لحظة "الهيصة" العظمى، ينعتق لا-وعي صالح هيصة - بعد أن يعلن وعيه تنحيه عن الإمساك بدفة قيادة جسده � معلناً عن الآراء الحقيقية التي تعتمل بداخل نفس وعقل صالح هيصة، بعد أن كان يرقد وعيه على هذه الأفكار كزوجة سمينة ترقد على صدر زوجها فلا تسمح له بالتنفس بأريحية. في هذه اللحظة يصبح وزن كل كلمة تخرج من فم صالح هيصة بمثابة أنقى جرام من الذهب الخالص .. يعلن رأيه في جميع الجالسين بالغرزة، فيغرق الجميع في الضحك حين يسخر من قطاع منهم دون أن يردوا عليه أو يشعروا بالإهانة، لأنه، في هذه اللحظة تحديداً، يُمثِّل لهم مرآتهم للتعرف على خفايا أنفسهم التي يسعون للهروب منها بالجلوس في الغرزة وشد أنفاس الحشيش من الحجارة. وقد يحزن بعضهم ويندهش البعض الآخر فاغراً فاه عن فهم أو غير فهم حين يجدون غلباناً مثله يتحدث عن فلسفة الحياة والحق والخير والجمال .. هذا لا-وعي فيلسوف تنويري وليس أبداً وعي رجل أسمر بائس � برغم ضخامته البدنية وطلاقة لسانه وأدبه الجم قبل الدخول في مرحلة "الهيصة" � يعمل في غرزة!
كل ما يحتاجه صالح هيصة ليتجلى كأحد آلهة الحق أن يُسلِّم نفسه للا-وعيه وحينئذ يرى الواقع على حقيقته وينقله للآخرين كنبيٍ صادق في كل كلمة تخرج من فمه.
ألهذا السبب يُحذرك أصدقاؤك من أن تتصل بأحد وأنت تحت تأثير الحشيش؟ ألهذا السبب يقول لك صديقك المحششاتي "الخبرة" أن تغلق هاتفك المحمول - مع التأكيد على أن التبكير بإغلاق هاتفك يتناسب طردياً مع تركيز وجودة ما ستتعاطاه من خلال الجوزة أو أياً كانت وسيلة التعاطي - وأنت ترتقي لآفاق عقلية أوسع وأرحب من خلال الحشيش وتكتسب صدقاً لا تقدر - وأنت في كامل وعيك - على التفاعل معه؟
أليست هذه الإجراءات، بالذات، عبارة عن احتياطات الأمن والسلامة الواجب اتباعها، وأنت في جلسة "ضبط المزاج وعَدْلُه"، خوفاً من أن تقول الحقيقة في الوقت الذي تستطيع فيه � وبكل جرأة وشجاعة � أن تقول رأيك حقاً وأن تخرج كل كلمة منك صادقة، واضحة، قطعية الدلالة لا تقبل تأويلاً ولا تفسيراً؟
لقد وجد صالح هيصة طريقه لكي يتحدث بحق، ومارسه، وترك من خلاله أثراً حقيقياً في الآخرين. ربما يتحتم علينا نحن أيضاً أن نبحث عن طريق يمكننا من خلاله التحدُّث بحق مثلما تحدَّث صالح هيصة لعلنا نترك أثراً حقيقياً في غيرنا.
سبعة وسبعون عاماً بالتحديد - لا يزيدون يوماً ولا ينقصون - بين لحظة ميلاد عم خيري شلبي ولحظة إنهائي لروايته "صالح هيصة"
لعل هذه هي الطريقة الأرقى والأجمل لكي أهنئه في عيد ميلاده قائلاً: "كل سنة وأنت طيب وجميل وبيننا دائماً يا عم خيري .. ألف رحمة ونور عليك وعلى صالح هيصة"
والسلام على عم خيري وكل من أعرفهم ومن لا أعرفهم من رافضي الهيصة؛ كمبدأ أو حتى من باب المشاركة فيها للانتفاع ... أينما كنتم؛ سلامٌ عليكم.
صالح هيصة ... ذلك الشخص الذي يترك فيك أثراً منه، أو آثاراً، تنطبع على روحك وتنعكس على شخصيتك حين تتفاعل في الحياة؛ فتتذكر طريقته في الكلام، أسلوبه الساخر من كل شيء، كلماته التي تبدو � لأول وهلة � مازحة، متشربة بالمرارة التي تتولد في جوف الساخر الحزين حين تأخذه الجلالة فيتحدث وكأن أحداً لا يتكلم في الكون غيره. وحين تخلو لمحاسبة نفسك، في نهاية يومٍ طويل من العمل والنقاش مع الناس، تجد أنك قد كنت تجلياً من تجليات صالح هيصة؛ سواء كنت تدرك ذلك وقتها أو لا.
يُمثِّل صالح هيصة، بشكل عام، مواطناً عاش لحظة ألم النكسة ولحظة متعة الانتصار في حرب 73 ثم لحظة الانكسار الأعظم بعد إعلان السلام مع إسرائيل.
ربما برزت لنا قيمة صالح هيصة � كرمز في الرواية � حين ندرك أنه كان مجرد "صالح" حينما كان في كامل وعيه وهو يمارس عمله في غرزة حكيم. لكن حضوره الأعظم كـ "هيصة" كان يتحقق بخمسين قرشاً تقريباً، وقليل من الطرشي المصاحب للفلافل والعيش البلدي الساخن، مع خليط من مشروب الكوكاكولا والسبرتو الأحمر. بعد ذلك، يجب عليك أن تنتظر قليلاً كي تندمج كل هذه العناصر مع "صالح"؛ وكأنها متفاعلات في قلب مُفاعل مكتوم تتحد سوياً لتُنتج لنا "هيصة" لا مثيل لها.
في لحظة "الهيصة" العظمى، ينعتق لا-وعي صالح هيصة - بعد أن يعلن وعيه تنحيه عن الإمساك بدفة قيادة جسده � معلناً عن الآراء الحقيقية التي تعتمل بداخل نفس وعقل صالح هيصة، بعد أن كان يرقد وعيه على هذه الأفكار كزوجة سمينة ترقد على صدر زوجها فلا تسمح له بالتنفس بأريحية. في هذه اللحظة يصبح وزن كل كلمة تخرج من فم صالح هيصة بمثابة أنقى جرام من الذهب الخالص .. يعلن رأيه في جميع الجالسين بالغرزة، فيغرق الجميع في الضحك حين يسخر من قطاع منهم دون أن يردوا عليه أو يشعروا بالإهانة، لأنه، في هذه اللحظة تحديداً، يُمثِّل لهم مرآتهم للتعرف على خفايا أنفسهم التي يسعون للهروب منها بالجلوس في الغرزة وشد أنفاس الحشيش من الحجارة. وقد يحزن بعضهم ويندهش البعض الآخر فاغراً فاه عن فهم أو غير فهم حين يجدون غلباناً مثله يتحدث عن فلسفة الحياة والحق والخير والجمال .. هذا لا-وعي فيلسوف تنويري وليس أبداً وعي رجل أسمر بائس � برغم ضخامته البدنية وطلاقة لسانه وأدبه الجم قبل الدخول في مرحلة "الهيصة" � يعمل في غرزة!
كل ما يحتاجه صالح هيصة ليتجلى كأحد آلهة الحق أن يُسلِّم نفسه للا-وعيه وحينئذ يرى الواقع على حقيقته وينقله للآخرين كنبيٍ صادق في كل كلمة تخرج من فمه.
ألهذا السبب يُحذرك أصدقاؤك من أن تتصل بأحد وأنت تحت تأثير الحشيش؟ ألهذا السبب يقول لك صديقك المحششاتي "الخبرة" أن تغلق هاتفك المحمول - مع التأكيد على أن التبكير بإغلاق هاتفك يتناسب طردياً مع تركيز وجودة ما ستتعاطاه من خلال الجوزة أو أياً كانت وسيلة التعاطي - وأنت ترتقي لآفاق عقلية أوسع وأرحب من خلال الحشيش وتكتسب صدقاً لا تقدر - وأنت في كامل وعيك - على التفاعل معه؟
أليست هذه الإجراءات، بالذات، عبارة عن احتياطات الأمن والسلامة الواجب اتباعها، وأنت في جلسة "ضبط المزاج وعَدْلُه"، خوفاً من أن تقول الحقيقة في الوقت الذي تستطيع فيه � وبكل جرأة وشجاعة � أن تقول رأيك حقاً وأن تخرج كل كلمة منك صادقة، واضحة، قطعية الدلالة لا تقبل تأويلاً ولا تفسيراً؟
لقد وجد صالح هيصة طريقه لكي يتحدث بحق، ومارسه، وترك من خلاله أثراً حقيقياً في الآخرين. ربما يتحتم علينا نحن أيضاً أن نبحث عن طريق يمكننا من خلاله التحدُّث بحق مثلما تحدَّث صالح هيصة لعلنا نترك أثراً حقيقياً في غيرنا.
سبعة وسبعون عاماً بالتحديد - لا يزيدون يوماً ولا ينقصون - بين لحظة ميلاد عم خيري شلبي ولحظة إنهائي لروايته "صالح هيصة"
لعل هذه هي الطريقة الأرقى والأجمل لكي أهنئه في عيد ميلاده قائلاً: "كل سنة وأنت طيب وجميل وبيننا دائماً يا عم خيري .. ألف رحمة ونور عليك وعلى صالح هيصة"
والسلام على عم خيري وكل من أعرفهم ومن لا أعرفهم من رافضي الهيصة؛ كمبدأ أو حتى من باب المشاركة فيها للانتفاع ... أينما كنتم؛ سلامٌ عليكم.
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
صالح هيصة.
Sign In »
Reading Progress
May 16, 2014
– Shelved
May 16, 2014
– Shelved as:
to-read
January 20, 2015
–
Started Reading
January 31, 2015
–
Finished Reading