كانتْ حياتي لا تنتمي إلى هذا الكون، وسِيرتي لا تُشبِه أيّةَ سيرة. وأبي يُنكِره الأقربون قبل الأبعَدِين. وجدّتي لا يُدرك أحدٌ ما هَمَستْ لي به في الصّبا فشّكل كلّ خواطري وعَزائمي. وزوجتي لم يرها في حياتي سِواي؛ كانتْ أحدَ أحلامي الموؤودة، وسِرًّا من أسراري الّتي لا تنتهي. وخولةُ كانتْ هِيَ الأخرى حُلُمًا منذورًا للموت، وقد نَهَشَها فيما نهَشَ من أحلامي قبلها، وما سينهشه بعدَها. وأخي كان أعمى. وأختي لم يكنْ يعرفُ رغائبها أحدٌ إذا خلتْ بنفسِها في اللّيالي المُوحِشات، ولا يدري كيفَ تنظرُ إلى أخيها الّذي ملأ الدُّنيا. وابني كان حارِسي من الموت الّذي كان يضحك مِنّي ومنه. ورُواتي لم يكونوا بشرًا، كان يروي عنّي الحجر والرّمل والصّخر والشّجر في الأرض، وكانتْ تروي عنّي الملائكة والنّجوم والكواكب والأفلاك في السّماء، وكان يروي عنّي الجِنّ والطُّيوف فيما بينهما، فأنّى لي أنْ أموتَ بعدَ هذا كلّه؟!!
الاسم: أيمن علي حسين العتوم. تاريخ الميلاد: 2 / 3 / 1972م. مكان الميلاد: جرش � سوف. الجنسيّة: أردنيّ. الحالة الاجتماعيّة: متزوّج. مكان الإقامة: عمّان � الأردنّ.
الدّراسة والشّهادات:
- دكتوراة لغة عربيّة، من الجامعة الأردنيّة، بمعدّل (4) من (4)، وتقدير: ممتاز عام 2007م. - ماجيستير لغة عربية، من الجامعة الأردنية، بمعدّل (3.75) من (4)، وتقدير ممتاز، عام 2004م. - بكالوريوس لغة عربيّة، من جامعة اليرموك، بمعدّل تراكميّ 92 %، عام 1999م. - بكالوريوس هندسة مدنيّة، من جامعة العلوم والتّكنولوجيا، بمعدّل مقبول، عام 1997م. شهادة الثانويّة ، الفرع العلميّ، . المعدّل (94.4 %).
الخبرات: - مدرس للّغة العربيّة في أكاديميّة عّمان ( 2006 � 2010). - مدرس للّغة العربيّة في مدارس الرّضوان ( 2003 � الآن). مدرّس للغة العربية في مدرسة اليوبيل (2013-2015)
- مدرس للّغة العربيّة في مدرسة عمّان الوطنيّة (2002 � 2003). - مدرس للّغة العربيّة في مدارس الرّائد العربيّ (1999 � 2003). - مهندس تنفيذيّ، في مواقع إنشائية، 1997 � 1998م.
النشاطات: - مؤسّس (النّادي الأدبيّ)، في جامعة العلوم والتّكنولوجيا، عام 1994، وعضو هيئة إداريّة فيه 1994 � 1996م. - مؤسّس (لجنة الأدب) المنبثقة عن اتّحاد الطلبة في جامعة العلوم والتّكنولوجيا، ورئيس لها للأعوام 1995 � 1997م. - مؤسّس (لجنة الأدب) المنبثقة عن اتّحاد الطلبة في جامعة اليرموك، ورئيس لها للأعوام (1997 � 1999م) . وقد عملت اللجنة على المتابعة الأدبيّة والفنيّة لإبداعات الطلبة في الجامعتين على مدى الأعوام المذكورة. - عضو نقابة المهندسين الأردنيّين منذ عام 1997م إلى اليوم. - عضو هيئة تأسيسيّة لجمعية (الأدباء المهندسون) المنبثقة عن نقابة المهندسين الأردنيين.
المؤلفات: - الدّواوين: 1. قلبي عليك حبيبتي. 2. خذني إلى المسجد الأقصى. 3.نبوءات الجائعين . 4. الزنابق.
الرّوايات: 1. يا صاحبي السّجن 2. يسمعون حسيسها. 3. ذائقة الموت. 4. حديث الجنود. 5. نفر من الجن. 6. كلمة الله
- المسرحيّات: 1. مسرحية (المشرّدون). 2. مسرحية (مملكة الشّعر).
حصلت على هذه النسخة بتوقيع من العتوم نفسه ولما ناولتهُ الرواية قال لي: تريد أن تقرأ عن المُتنبي؟ فقلت: نعم، فأجابني: سيزداد المُتني مُعجبا. وصدق والله. جمال الأدب أن الخيال فيه قد يرسم صورة صادقة أجمل بكثير من الواقع فالأدب يمنح ظلالا للقصص التي لا ظلال لها وما يفعله العتوم في هذه الرواية يفوق كل وصف. تحفة أدبية ومن تلك الروايات القلائل التي يعزّ عليك فراقها، صفحات من السحر والجنون، يأخذ بيدك الكاتب ليريك الوجه الآخر للمتنبئ، متعلماً، ثائراً، مغامراً، محباً، أبيّاً، فارساً، ناصراً، مخذولاً، فيلسوفاً، وشجاعا.
تروي "ساحرٌ أو مجنون" قصة أحمد بن الحسين المثيرة والمعقدة، تلتقط انتباه القارئ من الصفحة الأولى وتحمله في رحلة مشوقة.
تدور قصة الرواية حول حياة بطلها من المهد إلى اللحد. يتم تقديم شخصية المنتبي بشكل متقن، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش معه التجارب والمشاعر .
أحد الجوانب المميزة في "ساحرٌ أو مجنون" هو أسلوب الكتابة الجميل الذي يجذب القارئ ويجعله يشعر بالمتعة والتشويق أثناء قراءته. وهذا ما اعتدنا عليه في روايات أيمن العتوم. يستخدم الكاتب وصفًا دقيقًا ولغة عالية تحاكي لغة المتنبي.
لا يمكنني إلا أن أوصي بشدة برواية "ساحرٌ أو مجنون" لأي قارئ يبحث عن حقيقة المتنبي�
اقتباسات: "في الدروب الملتوية، والأزقة الضّاجّة، أرى الناس ولا أراهم، هذا الحيُّ البائس لن يحتل بؤسه قلبي، الناس أشباح، الأجساد جثث، الكؤوس بلّور، البلور خمر، الخمر وَلَه، الوله بَلَه، الجواري متاع، المتاع خِداع، الخداع ابتداع، الحقيقة هنا، هنا فحسب، وأنقر رأسي بطرف إصبعي وأسير"
"الأمل رقية المُتأمّل، ولولاه لهَلك"
"الحياةُ دون ثورةٍ موت. الوجود دون مَرامٍ يثقبُ أفئدة النّجوم عَدم. كَرُّ الأيام دون أن تُغبّر في السَّرايا مَلَل"
سيخبرك الغلاف أنها رواية عن المتنبئ فهو الساحر أو المجنون هنا، وعندما ستشرع في القراءة ستحار هل هذا سحر المتنبئ وحده أم أن لقلم العتوم أيضاً نصيباً من السحر، هل هذا جنون شاعر أم خيال كاتب تطبع بخيال بطل روايته!!
تناسى كل ما تعلمته عن المتنبئ وما تعرفه ودع العتوم يأخذ بيدك ليريك الوجه الآخر للمتنبئ، متعلماً، ثائراً، مغامراً، محباً، أبيّاً، فارساً، ناصراً، مخذولاً، فيلسوفاً، وشجاعا.
وستجد أنك أمام عمل سحري ومجنون كسيرة بطله وستتلذذ به.
"وماذا بَعْدُ ماذا بعدُ يا أَملِي؟! سَرى في القلب تذكارٌ على السُّلُوّ، وسقى جديبَ القلب فأينع، فهل أنا قد جُنِنتُ بِك أم أنّ جنوني أجهزَ على ما تبقّى فِيّ من عقل؟! مَنْ يدري اليوم أنّني ما صُغتُ قصيدةً من الشّكوى إلاّ كانتْ شكوى الحرمان من امرأةٍ مثلك؟"
"ولق� عانَيْتُ أمورًا لو رَكِبَتْ ظهور الشواهق لخرّتْ، ومتون البِحار لَسُجِّرت.. أفبَعْدَ هذا كلّه أخاف من شرذمةٍ من العلويّين الوُشاة؟! أفرأيتِ أقذر مِمّن يدّعي أنّه معكَ في العلن ويطعنك في السر؟! لا والله يا جَدّتي"."
رواية استثنائية ليس هناك كلمات تعبر عن الجمال في هذه الرواية مزيج عجيب بين روائع المتنبي و رواية حكايته بلغة العتوم ومع سحر اسلوب العتوم وقدرته على الوصف ان تقرأ القصة فقط بل ستعيش معها كل تفاصيلها .
رواية عظيمة تليق بأحمد بن الحسين صاحب الكبرياء والشجاعة ومحبا للسفر والترحال اذا يخوض العتوم في محطات حياته من نشأته في الكوفة وفكرة ادعائة النبوة والى ترحاله المستمر بين الملوك والبلدان .
الكتاب : ساحر أو مجنون الكاتب : أيمن العتوم عدد الصفحات : 568 دار النشر : المؤسسة العربية للدراسات و النشر
" ألخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ". تحكي الرواية حكاية الشاعر الثائر أحمد بن حسين (المتنبي)، بقلب محارب، ولسان شاعر، شهوة بالرئاسة و نرجسية مفعمة. تنقسمُ الرواية إلى سبعِ مراحل، كلُ مرحلة تتحدث عن طرفٍ من حياته، بداية مع ولادته في المرحلةِ الأولى "في حمد أحمده" ، إلى آخر المراحل " النايات". أحببت كيف جُعل المتنبي ببلاغتهِ و فصاحتهِ و نظمهِ للشعر منذُ الصغر كشخصٍ أستثنائي حتى عند الولادة وذلك يظهرُ في المرحلة الأولى " في حمد أحمده ". و تجيب المَرْحَلتين الثانية " نكبات الدهر و الثورة " و الثالثة " في السجن " عن الإدعاءات التي لازمته لوقتنا هذا، وعن كل ما يخصُ سبب تسميته بالمتنبي. أما المَرْحَلتين " الكافوريات " و " النايات " أصعبها على المتنبي في حياته. كانت مرحلتي المفضلة من الرواية هي " "السيفيات" عن حياتهِ في كنَف ( سيف الدولة ) و رعايته، عن شعره المميز فيها و كرمِ سيف الدولة، عن الفارابي و الفلسفة عن خولة المحبوبة، أستمتعت بكل جزءٍ فيها. ما يميز هذه الرواية عن غيرها ممن - تحدثُ عن حياة أبو الطيب المتنبي - هو اللغة القوية و الصعبة لتناسب قوة المتنبي اللغوية و الشعرية فقد كان من شعراءِ العربِ الأكثر تمكناً من الّلغةِ العربيةِ بقواعدِها ومفرداتِها وأصولِ البلاغةِ فيها بحيث أنَّهُ يتمتع بمكانةٍ مرموقةٍ في تاريخِ الأدبِ العربيِّ ولمْ يسبقْ لغيرهِ من الشعراءِ أنِ احتلّها، كما كان المتنبي أيضًا مترفعاً عن المجونِ وليس كنظرائِهِ من بعضِ الشُّعراءِ الذينَ كانوا يفخرونَ بتعددِ الحبيباتِ وشربِ المدامةِ فقد كانَ دائماً يحبُّ أنْ يظهرَ حسنَ الصّورةِ . ولا ننسى التفاصيل و الأوصاف المميزة في الرواية والتي جعلتني أشعر أثناء القراءة أنني أصحبُ أبو الطيب المتنبي في ترحاله و تنقله، فلم يَسْهُو الكاتب عن أي طرفٍ من أطرافِ الرواية بل أعطى كل جزءٍ حقه.
" سيَعلَمُ الجمعُ ممَّن ضمَّ مَجلسُنا بأنَّني خيرُ مَن تسعى بهِ قَدَمُ أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي وأسْمعَت كلماتي مَن بهِ صَمَمُ ". ولا عجب أنه من دَأبِ أهل الأدب أن يجعلوا شعر المتنبي آخر ما يدرسونهُ خشيةَ أن يزهدهم في شعر غيره . رواية أقل ما يقال عنها " ساحرة ".
اللغة عجينة في يدي العتوم يطوعها كيف يشاء... لذلك خرجت الرواية كأجمل ما يكون من تعابير والفاظ وتناسق... رغم ذلك لم أنهها كما يجب، تجاوزت الصفحات وانا أعلم أنه قد فاتتني أحداث، و لم أهتم لذلك، أردت أن أنهيها وكفى. ربما طول السرد و شيئ من التمطيط أصابها... استمتعت ببعض الأبيات والقصة وراء أشهرها، وتعرفت على بعض من ملامح المتنبي....
قليل من الاقتباسات ... ، فيها شيئ شد انتباهي ... فتشاركتها معكم...
…فأفرد� منه شيئًا، وأعدته، ووضعته في صحفة، وطبخته على النار، ثُمّ لم يمض وقت طويل حتى نَضَجَ ، فقدمته إلي، وهتفت: «كل يا سيدي». فقلت: «لا تقولي سيدي». فردّت بدلال: «كل يا حبيبي»، وسرت الكلمة هذه المرة في جَسَدِي سَرَيانا غريبًا، وشعرت لأول مرة بعاطفة تجاه هذه الصغيرة، وبشيء لا يُفسّر من المودة، ثمّ إنّها لم تمد يدها قبلي، وانتظرت حتى أبدأ أنا، فلما مضغتُ اللقمة الأولى شعرتُ من جديد أن هذه الصغيرة التي صارت قدرًا زوجتي تذوب في وجداني شيئًا فشيئًا. وأكلنا، وضحكنا معًا، ولا أذكر أنني ضحكت في حياتي من قبل، ولا أن سرورًا كهذا الذي أعيشه معها قد زارني فيما مضى�
... لم أنم على غير عادتي، وطويلٌ ليل عاشق، وأطول منه ليل تائق ...
� كيف يمكن للكلمات أن تُعبّر عن الحزن؟! لا تملك الكلمات ما يملكه الحزن من صدق، الكلمات صورة والحزن أصل، الكلمات صدى والحزن صوت�
…فَرَكِبَن� الهم، وأوقعني في شراكه، وإذا نَشِبَ في القلب تذرذرتُ نُتفًا مذبوحا على قوارع الحبّ�
� وبقيت ثلث الليل أمشي وأبكي، وما في الوجود حُزن في قلب مفؤودٍ إلا جذبه إِلَيَّ حُزني، فلج بي حتى أثقلني، فهويت إلى منعرج هناك والليل يسجو، فأويت إلى صخرة، فربطت بها ناقتي، ثُمَّ هِمْتُ في النجوم البعيدة تتلألأ على ما تبقى من الليل في رحيله الدوري�
…أر� على أرق ومثلي يأرق وجوى يزيد وعبرة تترقرق وحاولت أن أقول البيت الثاني، فأدفع به القصيدة إلى الأمام، ولكنه حبس علي طرده الهم، ودفعه رأس يتدهدى على صخرة يحسبها وسادة. ثُمّ رُحتُ أعد النجوم، فمللت، فانتقيتُ منها ما أسميته بأسماء حبيبة إلى قلبي، فما ظفرتُ إلا بثلاثة أسماء، غاروا كما غارت هذه النجوم، فقذفتهم في بئر النسيان، وردمتُ عليهم، وصرخت في أعماقي مُغضَبًا: سأعيش وحيدًا وأموتُ وحيدًا». ولم يتحرك حولي لغضبتي هذه شيء، وبقي كل شيء حولي ساكنًا، فصرخت صرخة أقوى من سابقتها : ثكلتني أمي إن لم أطعن هذه النجوم وأجعل دمها يسيل بين قدمي». وضحكت هزا بهذه المقولة، فكيف تثكلني أمي وأنا لا أعرفُ مَنْ أمي، وندت ضحكة أخرى من صميم وجعي وقهري فتداخلت مع البكاء، ورحت أبكي وأضحك معًا، وأنا لا أدري لم أفعل ذلك، وصمت فجأةً، ومسحت دموعي، وقمت أركل كل شيء في هذه الخرابة، وقذفت بحجارتها المهدمة على ما تبقى من جدرانها فزدتها تهديما، ورحت أهذي، ثُمّ سكنتُ للحظات، وصرخت: أبي ... أبييييي وما تحرك في المكان غير صوتي، وخمد الصوت وعادت الخرابة إلى الهدوء في هذا ��لليل البهيم، الذي تجرح سوادَهُ نَثَراتٌ فِضّيّة من نجوم خلتُ أنها تبكي لبكائي
... أمامك سفر طويل، وعقَبات كأْداء، فأحملْ ما تجد على الصبر والعنادْ يكن لك ما تريد، وإياك واليأس فإنه كُفْر، وإنّ الصُّعود من الوديان الى الذرا شاقّ وأنت فيه. وإنّ الهُبوط من الذّرا إلى الوديان سهل فلا تكن فيه. ألم تسمع ما جاء في كتابنا " ذو المروءة ترفعه مروءته من المنزلة الوضيعة إلى المنزلة الرفيعة والذي لا مروءة له يحط نفسه من المنزلة الرفيعة إلى المنزلة الوضيعة، والإرتفاع من ضعة المنزلة إلى شرفها شديد المؤونة، والإنحطاط منها إلى الضعة هيّن يسير" ...
…جلس� على صخرة في البحر صباح اليوم، وتذكرت جلوس الفلاسفة الذين مَضَوا. وقد هَبَطَ عَلَيَّ الهم: «إن هؤلاء الملوك لا يعدلون أقل من الهباء، وإنّهم لا هم لهم إلا بطونهم وفروجهم، وأما عقولهم فصارت في أستاههم، تحركهم الشهوة، ويهزهم منظر الجواري والقيان، وأما الدولة، فلا دولة. وأما حضور العقل فغياب، ومتى تقوم لنا قائمة إذا استمر الأمر على هذا النحو ؟». ثُمّ رميتُ نفسي في البحر�
…ذَلَ� مَنْ يَغِبط الذليـل بعيش رب عيش أخف منه الحِمام�
... فتقحمتني عينه ...
... فلا عند من لا يعرفني مكث ولن انتمي الى اهل بيت يجهلون قدري ...
... يجوع اللفظ ويشبع المعنى ...
... ولم يكن لي من غاية الا الغاية ...
... ولم تحرك الكلمة فيه ادنى ساكن من مروءته ...
... ولم أُلقِ للأمرِ بالا فقدْ تَودَّعتُ من كلِّ شيء ...
في هذه الرائعة الادبيه يتفوق الدكتور ايمن العتوم على نفسه في روايه تربط بين الحقيقه والخيال، تتناول سيرة الشاعر المحارب (احمد بن محمد، المكنى: بابي الطيب المتنبي) بأسلوب عربي بحث، وبألفاظ عربية قح، تثري رصيد القارئ اللغوي قبل ان تروي ضمأه الادبي. تغوص بك الروايه في عمق الصحراء العربيه، تسفعك حرارة رمالها، ويلسعك برد ليلها، تسافر على ظهر النوق تاره، وتارة حافي القدمين ممزق النعلين، تجالس الأمراء وتسكن افخم الدور تاره، شريدا طريدا تارة اخرى، تزور قصور حلب والفسطاط، تمدح وتهجي وترثي، وحين تظن انك انتهيت منها، ستكون هي قد انتهت منك.
رواية مذهلة, ساحرة , و الأكيد أنها ستخلد خلود المتنبي أجاد المؤلف جدا توظيف العناصر الغامضة في سيرة المتنبي روائيا بحيث تصبح جزءا ملفتًا و مميزا في القصة . شغف الكاتب بالمتنبي واضح من الصفحة الأولى أيمن العتوم, شكرا لكل هذا الجمال قصةً, و لغةً , و سردًا و أسلوبًا
اعتزلت العالم، بهذه الرواية الساحرة، الرائعة، وحزنت على انتهاء صفحاتها التي عشت بين طياتها ورأيت المتنبي وقصته التي طالما استهوتني وتمنيت سماعها بلسانه، تلك هي رواية '' ساحر او مجنون'' للدكتور ايمن العتوم، وحينما يجتمع شعر المتنبي وحكايته الثائرة مع اسلوب ايمن العتوم فهذا يعني بأنها رواية أعجوبة زمانها كالمتنبي تمامًا !
رواية تأخذك سريعًا الى عالمها بسرد متين، واسلوب يليق بهذا الشاعر الرائع، وحبكة ممتازة بلا شك. ستعيش تفاصيل الرواية واحداثها، وستكون مع المتنبي، حيث الصحراء، والملوك، والترحال، والحزن، والذكريات، وسيف الدولة، والقصائد، والعواصم، والبلاد، ثم ستندم على أدمان قراءتها لانها ستنتهي سريعًا بين يديك ومازلت عالقًا بها، ترجو المزيد من الاحداث، المزيد من الشجاعة، المزيد من ذلك الشعر الرائع، وتحزن على موت المتنبي والغدر به كأنك تدرك للتو بأنه مات وتفصل بيننا الألاف السنين!
تقع احداث الرواية في سبعة مراحل كل مرحلة من عشرة افصل، وكان اجملها مرحلة: السيفيات، واحبها الى قلبي، وأحزنها مرحلة: النايات، حيث نهاية تلك الأعجوبة، ولكن عن اي نهاية اتحدث؟ فما زال شعر المتنبي لا يقارن، وما زالت كلماته تردد، وتعلم، وتدرس، فالكلمات لا تموت، والشعر لا يفنى!
" كم هو قاتل ان تعيش في بلد يذكّرك بالراحلين، وبيتٍ يسمعك صوت الموتى، انه قلقٌ مستمر، وذات الصوت الذي يجذبك ويدعوك أن تبقى، ماسحًا على شغاف قلبك بالحنين! "
منذ القراءة الأخيره للعتوم شعرت بالملل وأن الرواية تحمل استعراض مبالغ لتمكنه من اللغه والكتابه ولكن غلاف هذه الروايه يُخبرك أنها تتحدث عن المتنبي فأشرعت بالبدء بها واليوم انتهيت منها الروايه مقسمه إلي مراحل كل مرحله تتحدث عن طرفٍ من حياة المتنبي *في حمد أحمده *نكبات الدهر والثورة *السجن *الخروج إلى العالم والعودة إلى الأم *السيفيات *الكافوريات *النايات وصف كامل لحياة المتنبي ليس كشاعراً فقط بل كمتعلماً، ثائراً، مغامراً، محباً، أبياً، فارساً ناصراً، مخذولاً، فيلسوفاً، وشجاعا. أبدع الكاتب في سرد حياة المتنبي بصورة وبأسلوب يكتب له خلود فوق خلوده ازددت حباً للمتنبي بعد هذه الروايه
أحيا وَأَيْسَرُ ما قَاسَيتُ ما قَتَلا وَالبَينُ جَارَ عَلَى ضَعفي وَمَا عَدَلا
ساحرٌ أو مجنون للكاتب : أيمن العتوم عدد الصفحات : ٥٦٨ عن الكاتب : كما عهدتُ العتوم من قبل ،إختياراته للشخصيات الملهمة التي يكتبُ عنها موفقة دوماً ،وللحقيقة العتوم هو نفسه كاتبٌ ملهمٌ جدًا بالنسبة لي وأعتقد لكثيرٍ من القُراءِ أمثالي . أُحب ما يكتب وتستهويني مفرداته اللُغَوية المنتقاة بحرصٍ وعناية لتزيد من إبداعهِ وتثقل من سحر كلماته ،لن أطيل بمدحهِ أكثر من ذلك لأنه يعرف حق المعرفة بأنني لنْ أوفيه حقهُ ككاتبٍ روائي .
الرواية هي المخطوطة الثالثة من المخطوطات التي جمعها الكاتب عند سفرهِ من بلدٍ إلى آخر وكتب عن شخصياتها الملهمة من قبل ..! الأولى كانت برواية أرضُ الله _ حكاية عمر بن سيد الفوتي والثانية رواية مسغبة _ حكاية عبد اللطيف البغدادي أما المخطوطة الثالثة فهي ؛ ساحرٌ أو مجنون _ حكاية الشاعر الثائر أحمد بن الحسين الجعفي ( الملقب بأبي الطيب المتنبي )
عن الرواية : بدايةً ..!! الخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ #أبوالطيبالمتنبي ساحرٌ أو مجنون .. تحكي الرواية قصةُ حياة الشاعر أحمد بن الحسين منذ صغره إلى مماته ،بلسانه هو ولكن بقلمِ الكاتب وكأن روح المتنبي كانت بداخله تُستنزف . هو أحمد بن الحسين أو ( بن محمد ) الملقب بالمتنبي ولد في الكوفة لوالدين مجهولين لم يعرفهما ،كبُرَ وترعرع عند جدتهِ فهي من حرصت على تربيتهِ وتعليمهِ على يد أفضل معلميين ،تمييز عن باقي أقرانه بعلمه و ذكاءه وحفظه السريع لما يُقرأ أمامه مباشرةً و إلقاءهِ للشعر العربي الفصيح وهو فتى لم يتجاوز العشر سنوات ،أصبح يشّك في نفسه هل هو جنيٌّ أم بشري !! أم جنيٌّ بهيئة بشريٍ صعلوك !! فقد كان جسدهُ شديد النحول من شدةِ الفقر والجوع الذي عاناه بصغرهِ ..! كَفى بِجِسمي نُحولاً أَنَّني رَجُلٌ لَولا مُخاطَبَتي إِيّاكَ لَم تَرَني كما ظَلَ طيفُ أبيه يلاحقهُ في صحوتهِ ومنامهِ وحتى في خُلوتهِ مع نفسه ،حاول جاهداً معرفة ماذا حل به ولماذا جدتهُ تُصِّرُ عليه بأن يثأرَ له !! دخل القرامطى إلى الكوفة و استولوا عليها و قتلوا الكثير من ناسها ،أصرت عليه جدتهُ بأن يهرب من بطشهم خوفاً على حفيدها ،من هنا قرر الترحال إلى بلاد الشام ،ضرب عرض الصحراء الخاوية بقدميه فقد صاحبَ القمر والنجوم السابحات في السموات فوق رأسه ،شهِدَ تبدُلَ الليل والنهار ،الظلام والنور ،وحتى اقتراب الوحوش المفترسة منه التي فغرت فاهها أمام وجهه ،جاع كثيراً و عَطِشَ أكثر من ذلك ولكن لذة الوصول والأمل الذي كان يعتمر داخل قلبه كانا أكبر من كل ما عايشه من مخاوف . برحلته هذه وصل إلى مدنٍ عديدة منها ( سَلميّة ) جلس فيها وأسس حزب لنفسه ألتحق به عددٌ ليس بالقليل من الرجال والشباب والفتيان ،وهو فتى الخمسة عشرة عاماً قادهم جميهاً دَرَّبهُم على الفروسية والقتال وعندما وصلَ خبرهُ إلى والي بلاد الشام أمر أمير حِمص بأن يأتي به ويسجنه ..!! تحركَ جيشٌ كبير منهم إليه وخاضوا معركةً معه وجيشه الذي هرب معظمه ومات الكثير منه و لم يبقى إلا عددٌ قليلٌ جداً تحارب معه ،كان الموت حليفهم إلا أن سمعوا منادي ينادي بأنه يريده هو فقط ،يريد أحمد بن الحسين من بينهم جميعاً وكان لهم ما أتوا لأجله . نُقل إلى مدينة حِمص و سُجِن هناك و اتُهِم بإدعائه للنبوة وبأنه رسول الله الذي ارسله هدايةً للناس و نصرةً للحق في زمانه هذا !! ولهذا لُقِبَ بالمتنبي . بقيى في السجن مدة عامين ولم يخرج منه إلا عندما كَتَبَ قصيدةً لأمير حِمص .. بعض منها : دَعَوتُكَ عِندَ اِنقِطاعِ الرَجاءِ وَالمَوتُ مِنّي كَحَبلِ الوَريدِ دَعَوتُكَ لَمّا بَراني ��لبَلاءُ وَأَوهَنَ رِجلَيَّ ثِقلُ الحَديدِ خرج من السجن ومن حِمص بأكملها مطروداً منها . رماهُ بالكفر كل ذي لسانٍ و نكرهُ كل أحدٍ ، تلفت يمينةً و يُسرى فلم يجد إلا الفراغ يحاصره من كل جانب ،كان وحيداً بلا رفيقٍ ولا معين ولا حتى حبيبةً تنتظره ليلاً بدارهِ ،وحدهُ كما جاء وكما سيموت . بعد كل هذه الوحدة أتاه خبرٌ من جدته أرادت له بأن يتزوج ويكون له ولدٌ صالحٌ يدعوا له امتثل لأمرها وتزوج وأصبحت زوجته شريكة الترحال من هنا لهناك ،بعد مدةٍ قصيرة وصله خبرُ وفاتها ومن ثم توفيت زوجته بعدما أنجبت لهُ ابنه الوحيد ( مُحسد ) أصابتها الحُمى ولم يقوى جسدها عليها فوافتها المنية ،فحزُنَ حزناً شديداً عليهما ،ولكن الحياة ستستمر أكمل ترحالهُ فكانت وجهته إلى حلب ،أقام عند سيف الدولة الذي أكرمه و خصهُ عن بقيى الشعراء الموجودين ،خاض معه عدة حروب مع الروم وكان يلازمه دوماً ليكتب له قص��ئدَ مدحٍ فيه ،ويصف الحروب التي خاضوها سوياً . كان المتنبي يطمح في الولاية أن يكون له مدينةٌ أو حصنٌ و جنود !! ولكن كما نعلم بأن الملوك يجّودونَ في كل شيء عدا المُلك والسلطة . أحب خولة أُخت سيف الدولة ولكن الحسد والبغض من المحيطين به كانا أقوى منه ومن حبهِ لها ،فحاولوا قتله والظفر به فشاءت أقداره بأن يولي ظهره لحلب و لسيف الدولة الذي خذله !! يا أعدلَ الناسِ إلا في معامَلتي فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخَصْمُ والحَكَمُ لقد أحبه كثيراً و أحب سنواتهِ معه فقد وُجَدَ بحلب ما لم يجده ببلدِ أخر و لقيى من أميرها كل حُبٍ و عطاء و مودة . مالي أكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي وتَدَّعي حبَّ سيفِ الدَولَةِ الأمَمُ ضربَ لجامَ فرسهِ إلى مِصر الذي دعاه إليه العبد الذي يُدعى كافور ، أمِلاً به بأن يحظى بولايةٍ عنده و صرّح بذلك في شعرهِ تصريحاً ؛ إِذا لَم تَنُط بي ضَيعَةً أَو وِلايَةً فَجودُكَ يَكسوني وَشُغلُكَ يَسلُبُ منعه كافور الخروج من مصر لكي لا يمدحَ ملكاً غيره .! لكنه استطاع الهروب منه رغم الحصار الشديد عليه و ضبط أبواب الفسطاط فلما صار في طريق العراق قال ؛ وَبِتنا نُقَبِّلُ أَسيافَنا وَنَمسَحُها مِن دِماءِ العِدا لِتَعلَمَ مِصرُ وَمَن بِالعِراقِ وَمَن بِالعَواصِمِ أَنّي الفَتى اتجه إلى وطنه الذي تركه قبل ثلاثين عاماً للكوفة إلى بيتِ جدته وعادته ذكرياته معها ،للذكرى وقعٌ مؤلمٌ في دواخلنا فلم يألف المكان من بعدها فشد رحالهِ إلى بغداد فلم يلقى بها ضالته ومن هناك دُعيىَ إلى فارس و حَلَ عند عضد الدولة الذي كان ملك بني بويه في شيراز ،أراد من المتنبي مثل ما أراد أسلافه من الملوك بأن يُخلده بشعره ويكتب عنه وعن بطولاته ،لم يعجبه البقاء هنا وهو الذي أعتاد الرحيل والبحث عن نفسه ،لم يكن لهُ أحدٌ في هذه البلاد ولم يألفها فلم يكونوا يتكلمون اللغة العربية ووطن الشاعر لغته لهذا لم يبقى طويلاً في كنفه فتركه وترك ما أمناه عليه من أموال و ذهب ،ورحل دون أن يدري إلى أين !! أرادوا أكثر الملوك قتله والتخلص منه وكان ما أرادوه فقد رويَّ بأنه وأثناء عودتهِ إلى بغداد هو وابنه مُحسد واثنين أخرين معه واجههم شخص يُدعى ( ضُبّة ) و عددٌ ليس بالقليل من اللصوص الذي يريدون سرقته وقتله واجههم كثيراً ولكن لم تمهله سيوفهم ولا رماحهم بأن يعيش أكثر من سنونه هذه . كان المتنبي شُجاعاً مِقداماً ذو علمٍ وشأنٍ عظيمٍ وهمة ،لا يقبل بالذل والإهانة ،عاش حياته وفي داخله حلمٌ بأن يكون ملكاً لولاية ما ولكن حُلمه كان بعيدَ المُنال . حرص المتنبي على أن تُخلد أشعاره وحياته فتكفل بهذا شخصٌ يدعى علي بن حمزة البصري فقد لزمه في أواخر حياته لربما عامين أو أكثر من ذلك ! كتب عنه أشعاره الذي أراد المتنبي بأن تبقى له في هذه الحياة الدنيا وأمَنَهُ عليها . في الختام .!! أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي وأسْمعَت كلماتي مَن بهِ صَمَمُ ممتنة للعتوم على كل ما يكتب لولاه لما حظيت بمعرفة هكذا شخصية تستحق المعرفة والكتابة عنها ،كانت معرفتي به كشاعرٍ عادي مثلهُ مثل البقية ولكن اليوم هو بنظري شاعرٌ ليس كسائر الشعراء و يستحق بأن يُخلده التاريخ لقوة وجمال شعرهِ ،كما أنني أرى بأن الروائي والشاعر أيمن يسير على هذا النهج في حياته .
الكتاب رقم 64/2023 ساحر او مجنون: حكاية الشاعر احمد بن الحسين المتنبي أيمن العتوم
على قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ وتَــأتِي عَـلَى قَـدْرِ الكِـرامِ المَكـارِمُ وتَعظُـمُ فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها وتَصغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ يكلف سَـيفُ الدَولَـةِ الجَـيشَ همه وقـد عَجَـزَتْ عنـهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ وَيَطلُبُ عندَ النّاسِ ما عندَ نفسه وَذلكَ ما لا تَدّعيهِ الضّرَاغِمُ
"في الدروب الملتوية، والأزقة الضّاجّة، أرى الناس ولا أراهم، هذا الحيُّ البائس لن يحتل بؤسه قلبي، الناس أشباح، الأجساد جثث، الكؤوس بلّور، البلور خمر، الخمر وَلَه، الوله بَلَه، الجواري متاع، المتاع خِداع، الخداع ابتداع، الحقيقة هنا، هنا فحسب، وأنقر رأسي بطرف إصبعي وأسير
كانتْ حياتي لا تنتمي إلى هذا الكون، وسِيرتي لا تُشبِه أيّةَ سيرة. وأبي يُنكِره الأقربون قبل الأبعَدِين. وجدّتي لا يُدرك أحدٌ ما هَمَستْ لي به في الصّبا فشّكل كلّ خواطري وعَزائمي. وزوجتي لم يرها في حياتي سِواي؛ كانتْ أحدَ أحلامي الموؤودة، وسِرًّا من أسراري الّتي لا تنتهي. وخولةُ كانتْ هِيَ الأخرى حُلُمًا منذورًا للموت، وقد نَهَشَها فيما نهَشَ من أحلامي قبلها، وما سينهشه بعدَها. وأخي كان أعمى. وأختي لم يكنْ يعرفُ رغائبها أحدٌ إذا خلتْ بنفسِها في اللّيالي المُوحِشات، ولا يدري كيفَ تنظرُ إلى أخيها الّذي ملأ الدُّنيا. وابني كان حارِسي من الموت الّذي كان يضحك مِنّي ومنه. ورُواتي لم يكونوا بشرًا، كان يروي عنّي الحجر والرّمل والصّخر والشّجر في الأرض، وكانتْ تروي عنّي الملائكة والنّجوم والكواكب والأفلاك في السّماء، وكان يروي عنّي الجِنّ والطُّيوف فيما بينهما، فأنّى لي أنْ أموتَ بعدَ هذا كلّه؟
"من هو ابو الطيب" هو نادرة الزمن واعجوبة العصر أَبُو اَلطَّيِّبْ أَحْمَدْ بْنْ اَلْحُسَيْنْ اَلْجَعْفِي اَلْكَنَدِيَّ اَلْكُوفِيِّ تعد قصائده افضل ما قيل في الشعر، فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء. وأحد مفاخر الادب. وتدور معظم قصائده حول نفسه ومدح الملوك. ولقد قال الشعر صبيًا، فنظم أول أشعاره وعمره 9 سنوات، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكرًا. وكان المتنبِّي صاحب كبرياء وشجاعة وطموح ومُحبًّا للمغامرات، وكان في شعره يعتزُّ بعروبته، ويفتخرُ بنفسه، وأفضلُ شعرهِ في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك، إذ جاء بصياغة قوية مُحكمة. وكان شاعرًا مبدعًا عملاقًا غزير الإنتاج يعد بحق مفخرة للأدب العربي، فهو صاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة. وجد الطريق أمامه أثناء تنقله مهيئًا لموهبته الشعرية الفائقة لدى الأمراء والحكام وفي الكتاب الذي بين ايدينا حاول ايمن من خلال 571 صفحة طباع 2023 واصدار المؤسسة العربية للدراسات حلول ان يضع النقاط الاساسية لشاعر عظيم رفض الخنوع.
ابدع الكتاب بعدد صفحات 571 صفحة واصدار مؤسسة الدراسات في نقل حياة المتنبي من المهد إلى اللحد. حيث يتم تقديم شخصية المنتبي بشكل متقن، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش معه التجارب والمشاعر.
قسم الكاتب الرواية من خلال 571 صفحة الى : سبعة اقسام روت قصة حياة المتنبي من المهد الى اللحد
� البداية : ابتدأت الرواية بذكر الكاتب قصته مع بائع المخطوطات وحصوله على مخطوطة نادرة لمحمد بن الحسين وكيف قام بنسخه أو بمقابلته مع نسخته المتوافرة فالبداية كانت بغداد وبغداد تقدم لنا كل ما هو جميل من خلال شارعها شارع المتنبي.
� في حمد أحمد: . قصة ولادة الطفل وهو احمد المتنبي ولد في طقوس غريبة كانه مصاحب العالم الاخر او ان والدده ينتمي الى ذلك العالم وعاش في كنف جدته بعد أن ماتت الأم أثناء ولادته وقامت جدته بالاعتناء الشديد له وحرصها على تنشئته العلمية وزرعت فيه روح حب الإطلاع وطلب العلم مما أدى إلى أن يكون دائم الترحال حيث قام بالرحيل إلى عدة بلدان في الشام وانطاكية وقد برع في الشعر حتى عرف في كل مكان يذهب اليه بالاضافة الى الفروسية، "في حوار بينه وبين جدته عندما كان طفلا واقتبس "فتساءلت مستنكرا ،هل يبيعون النساء في هذا السوق يا جدتي ؟ إنهم يبيعون كل شيء يا بني أصبر قليلا بني فإن هؤلاء الجواري سيصبحن ملكات هذه البلاد الواسعة وسيعزلن الولاة ويعين القادة وستغدو المواكب إلى مخادعهن وتروح"
� نكبات الدهر والثورة : وبسبب طموحه وتنشئة جدته على حب الثورة والقتال والاخذ بالثار بالاضافة الى رغبته في أن يكون الأفضل دائماً ، قام بتجربة في أن يسيطر على بعض القرى في بلاد الشام بمساعدة بعض الصعاليك الذين تأثروا بشعره وبحماسه مما أدى إلى دخوله السجن الذي مكث فيه فترة طويلة إلى أن فتن شعره إبن والي حمص الجديد فسعى إلى أن يشفع له عند والده كي يطلق صراحه فكان ما أراد بعد عدة محاولات فاشلة.
� السجن: كانت تجربة السجن صعبة جدا حيث سجن مع المجذومين وحرم من ابسط حقوقه ولم يكن معه قلم او ورقة فقام بكتابة يومياته وشعره على حيطان السجن حيث قضى بالسجن فترة جيدة في كوتكين قرب حمص، وكانت فترة السجن فترة جميلة حيث دخلت إلى أغوار نفسه وتفكيك حالاتها، وهي على حداثة سنه في تلك الفترة، إلا أنها كانت مركّبة يتنازعها الغضب والحنق من جانب والرجاء والأمل من جانب آخر..لقد كان محكوما بالأمل برغم الحديد والصفصاف تتحرك بين الثورة وادعاء النبوة التي ربما تكون قد ألصقت به منذ كوفيّته المبكرة عندما قال: "ما مقامي بأرض نخلةَ إلا كمقام المسيح بين اليهودِأنا في أمّةٍ تداركها الله غريبٌ كصالحٍ في ثم
� الخروج إلى العالم والعودة الى الام": الام هنا هي الجدة التي لعبت دورا مهما في حياته وعندما خرج من السجن ذهب إلى الكوفة ليجد جدته ويعود الى دروس العلم الى ان قرر الرحيل عندما شعر بالخطر لكن لجدته كا رايا اخر فتزوج حيث كانت جدته فتزوج وخرج مع زوجته ليجوب الارض ، ذلك الترحال الذي دفعت زوجته ثمنا عظيما له وهو حياتها .
� السيفيات: مرحلة سيف الدولة الحمداني هي مرحلة مهمة في حياة المتنبي إلحيث فتحت الدنيا أبوابها باستقبال كبير لأمير حلب سيف الدولة واجزل له العطايا بعد مفاوضات شرط فيها المتنبي شروطاً تعزز له الفخر والاعتزاز بالنفس حتى أصبح الشاعر المفضل للأمير وحضر معه معظم غزواته مع الروم مما أدى إلى ظهور أعداء له بسبب الحسد من شعراء وعلماء وفرسان في بلاط سيف الدولة إلى أن قام إبن عم الأمير أبو فراس الحمداني بمكيدة تطيح بكبرياء الشاعر أمام أميره المفضل بسبب حبه لخولة أخت الأمير وهذا الذي جعل المتنبي يترك بلاط سيف الدولة. على قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ وتاتي على قدر الكرام المكارم
� الكافوريات : في رسالة موجهة الى حاكم مصر قال المتنبي "إن زبانيتك يزيدون في المكوس ويبالغون في الضرائب ويغلون في الأسعار وينهبون كل شيء. أنظر إلى الوزراء ستجد خزائنهم تفيض بأموال الشعب. أنظر إلى قضاتك ستجد أوراقهم تضج بأحكام القتل والحبس على الناس البسطاء ممن زينو لك أنهم يثورون ضدك وما ثاروا إلا ضد الفقر والبؤس" وفنحن هنا في مص�� حيث الهوان بعد العز الذي ذاق عنده المتنبي أصعب أيامه من الإهانة والمرض والسجن والمراقبة وغيره وكل ذلك بسبب طموحه في أن يكون واليا على صيدا إلى أن اتيح له فرصة الهرب في أحد أيام العيد حيث بعث إلى كافور الاخشيدي قصيدة هجاء أبدع فيها مطلعها عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ أ َمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ لَولا العُلى لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَةً أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي شَيءً تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جيد
� النايات : كما البدايات كانت النايات في الكوفة في بيت جدته حيث عاش ما عاش الى ان قرر الرحيل الى بغداد بغداد ثم بلاد فارس وعند عودته منها تعرض في الطريق لقطاع الطرق فكانت نهايته وهو صائم حيث تكاثر عليه اعدائه فقتلوه .
"لن تنتهي الثورات الداخلية ،لن تستقر هذه الدولة ،ليست حمص وحدها ،إن الخروج على القادة يظهر في كل مكان وينتشر في كل صقع. ماذا تبقى من الخليفة الذي عليه أن يجمع أمر المسلمين ؟ لا شيء إنه يقبع في قصره يأتمر بأوامر قائد جيشه الذي لا يحسن العربية. ليست حمص بدعا من الثورات إن أمر الأمة في تمزق ،إنه قد انتحى كل فقيه أو شيخ أعور أو قائد اعمش أو علج ابخر بكل بقعة في بلادنا ونصب نفسه أميرا ،ما أكثر الأمراء والملوك في زماننا وما أقل الناس!
الكتاب ساحر أو مجنون الكاتب أيمن العتوم عدد الصفحات 573 الطبعة الأولى 2023 من دار الرموز العربية للنشر والتوزيع الكتاب عبارة عن سيرة روائية عن الشاعر أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبي وقد قسم الكاتب الكتاب على سبعة مراحل وهي في حمد أحمد نكبات الدهر والثورة السجن الخروج إلى العالم والعودة إلى الأم السيفيات الكافوريات النايات ابتدأت الرواية بذكر الكاتب قصته مع بائع المخطوطات وحصوله على مخطوطة نادرة لمحمد بن الحسين وكيف قام بنسخه أو بمقابلته مع نسخته. ثم بدأ بسرد قصة ولادة الطفل في طقوس عجيبة ونشأته في كنف جدته بعد أن ماتت الأم أثناء ولادته وقامت جدته بالاعتناء الشديد له وحرصها على تنشئته العلمية وزرعت فيه روح حب الإطلاع وطلب العلم مما أدى إلى أن يكون دائم الترحال حيث قام بالرحيل إلى عدة بلدان في الشام وانطاكية وقد برع في الشعر حتى عرف في كل مكان يذهب إليه وقد امتهن مدح الأمراء لقاء لقمة العيش وأن يعين نفسه على الترحال في بادئي الأمر وبسبب طموحه في أن يكون الأفضل دائماً قام بتجربة في أن يسيطر على بعض القرى في بلاد الشام بمساعدة بعض الصعاليك الذين تأثروا بشعره وبحماسه مما أدى إلى دخوله السجن الذي مكث فيه فترة طويلة إلى أن فتن شعره إبن والي حمص الجديد فسعى إلى أن يشفع له عند والده كي يطلق صراحه فكان ما أراد بعد عدة محاولات فاشلة وعندما خرج من السجن ذهب إلى الكوفة حيث كانت جدته فتزوج ثم أعاد إلى الترحال مرة أخرى ورجع إلى مهنته المعتادة ألا وهي مدح الأمراء والملوك إلى أن فتحت له الدنيا أبوابها باستقبال كبير لأمير حلب سيف الدولة واجزل له العطايا بعد مفاوضات شرط فيها المتنبي شروطاً تعزز له الفخر والاعتزاز بالنفس حتى أصبح الشاعر المفضل للأمير وحضر معه معظم غزواته مع الروم مما أدى إلى ظهور أعداء له بسبب الحسد من شعراء وعلماء وفرسان في بلاط سيف الدولة إلى أن قام إبن عم الأمير أبو فراس الحمداني بمكيدة تطيح بكبرياء الشاعر أمام أميره المفضل بسبب حبه لخولة أخت الأمير وهذا الذي جعل المتنبي يترك بلاط سيف الدولة ويضطر إلى أن يرمي بنفسه في رحمة حاكم مصر أن ذاك كافرو الاخشيدي الذي ذاق عنده أصعب أيامه من الإهانة والمرض والسجن بسبب طموحه في أن يكون واليا على صيدا إلى أن اتيح له فرصة الهرب في أحد أيام العيد حيث بعث إلى كافور الاخشيدي قصيدة هجاء أبدع فيها مطلعها عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد ثم وصل إلى الكوفة بعد مغامرات وحوادث تعرض لها في الطريق ومكث فيها إلى أن قرر الرحيل إلى بغداد ثم بلاد فارس وعند عودته منها تعرض في الطريق لقطاع الطرق فكانت نهايته.
الرواية جدا رائعة وهي مليئة بالاسقاطات السياسية منها على سبيل المثال لا الحصر في صفحة 20 في حوار بينه وبين جدته عندما كان طفلا واقتبس "فتساءلت مستنكرا ،هل يبيعون النساء في هذا السوق يا جدتي ؟ إنهم يبيعون كل شيء يا بني أصبر قليلا بني فإن هؤلاء الجواري سيصبحن ملكات هذه البلاد الواسعة وسيعزلن الولاة ويعين القادة وستغدو المواكب إلى مخادعهن وتروح"
وفي صفحة 191 ذكر الكاتب على لسان الراوي "لن تنتهي الثورات الداخلية ،لن تستقر هذه الدولة ،ليست حمص وحدها ،إن الخروج على القادة يظهر في كل مكان وينتشر في كل صقع.ماذا تبقى من الخليفة الذي عليه أن يجمع أمر المسلمين ؟ لا شيء إنه يقبع في قصره يأتمر بأوامر قائد جيشه الذي لا يحسن العربية. ليست حمص بدعا من الثورات إن أمر الأمة في تمزق ،إنه قد انتحى كل فقيه أو شيخ أعور أو قائد اعمش أو علج ابخر بكل بقعة في بلادنا ونصب نفسه أميرا ،ما أكثر الأمراء والملوك في زماننا وما أقل الناس!"
وفي صفحة 457 على لسان المتنبي وهو يوجه كلامه إلى كافور الاخشيدي "إن زبانيتك يزيدون في المكوس ويبالغون في الضرائب ويغلون في الأسعار وينهبون كل شيء. أنظر إلى الوزراء ستجد خزائنهم تفيض بأموال الشعب. أنظر إلى قضاتك ستجد أوراقهم تضج بأحكام القتل والحبس على الناس البسطاء ممن زينو لك أنهم يثورون ضدك وما ثاروا إلا ضد الفقر والبؤس "
وفي صفحة 519 يبرز مثال آخر واقتبس "الجيش يحاول أن يكون دولة داخل الدولة ، ورأس الجيش يحاول أن يزيح رأس الدولة أو يكون دولة بينهما "
وغيرها الكثير من الاسقاطات اتركها للقارئ.
لغة الرواية لغة عربية فصحى متقنة والمتعة مضمونة ممزوجة بالفوائد البلاغية في مائدة الساحر المجنون"المتنبي" لما في الرواية من درر أشعاره.
أن تقرأ حياة شاعرٍ عظيم كالمتنبي بقلم راوٍ مُجيد كأيمن العتوم يعني أن يُمسك ديوانه ويحوله لروايةٍ وسردٍ محكم، أن يحول الشعر إلى نثرٍ عبر فكِّ التفعيلات والغوص في بحورها واستخراج ما وراء البيت والقصيد من المقاصد والبُعد النفسي�
وليس ثمَّ من هو أجدر وأحقُّ بالكتابة عن المتنبي من العتوم المغرم به، الذي صحبه أربعين سنةً متتبعاً أخباره، وقارئاً لكل من شرحوا ديوانه� وشارحاً إياه بنفسه شرحاً موسوعياً شاملاً في حلقات برنامجه الموسوم بكرسي المتنبي..
وبعد؛ الرواية تصحبك بالمتنبي من قبل مولده لما بعد وفاته بطريقة خيالية فذة ومشهدية سينيمائية فريدة تُشعرك أنك بالفعل معه، خصوصاً وقد سُبكت بصيغة المخاطب -يخاطبك المتنبي- كما يليق بنفسية المتنبي وأناه المتضخمة المستعلية على كل شيء..!
وهي واقعة في خمسمئة وسبعين صفحة تقريباً، وهي من رواياته الطويلة، وأظن السبب وراء ذلك هو إيراد الكثير من أبيات أبي الطيب في سياق القصة مما أخذ مكان الكثير من الفقرات�
تنقسم الرواية إلى سبعة فصول، متضمنة نشأته وإرهاصاته ودعوى تنبُّئه، معرِّجةً على سجنه والمرحلة المفضلة للكثيرين؛ مرحلة سيف الدولة متبعةً بالمرحلة الأصعب؛ مرحلة كافور الإخشيدي، انتهاءً بالغربة الأخيرة، والموت�
كعادة الكاتب، عنون كل رواياته بأسماء من القرآن الكريم، وحظيت هذه الرواية باسمها استلهاماً من بطلها الذي يتركك واجماً أمام سلطان شعره ومهارته في الارتجال والإتيان بصورٍ بديعة لم يسبقه إليها أحد من الشعراء والفلاسفة لتقول؛ هذا سحر أو جنون� ولا يقوله إلا ساحر أو مجنون، كما وُصف من أقرانه وحاسديه في حياته�
إنَّ أول ما يخطر في ذهنك حين تسمع اسم المتنبي هو شعره، ولكن في هذه الرواية ستتعرف إلى المتنبي الساحر والمجنون والشاعر والشجاع والثائر والمحارب والرحالة والمغترب والعاشق والعفيف والوحيد والمتعطش للعلم والعروبة، الشاعر الذي قضى حياته سعياً وراء حلمه الذي لم يطله؛ حلم اعتلاء العرش وتولي السلطة لتوحيد العرب واستعادة الخلافة�
مما أحبه في روايات العتوم بشكل عامٍّ جودة ووفرة مصطلحاتها ومفرداتها الفصيحة غير المطروقة التي تجعلك تضع بجانب الرواية معجماً ترجع إليه، فالرواية التي لا تحوِجني لذلك روايةٌ لم تضف شيئاً إلى رصيدي اللغوي وبالتالي لم أستفد منها.
وبجانب المعجم اللغوي، قد تحتاج لمعجم البلدان لتشكل صورةً أوضح عن المشهد، فستتعجب من كثرة ورود أسماء المدن والقرى والجبال والوديان التي تنقل بها المتنبي الرحالة في حياته، ولابُدَّ أنَّ دقَّة وصفها تطلَّبت جهداً واضحاً من الكاتب.
المتنبي، كما يقول أيمن العتوم: حالةٌ فريدة، فلا تكاد تجد شعوراً نفسياً إلا وتطرق له وعبر عنه في شعره كأبدع ما يكون الوصف.. وفي هذه الرواية، لابدَّ أن تستفزك الهمة والأنفة وبعد الشأو وعلوَّ الغاية في حياة المتنبي منذ نعومة أظفاره، ولا بدَّ أن يعتصر قلبك ألماً على الخيبات في نهايات هذا الشاعر العظيم الذي اختزل شعره كله ببيته الحزين: ”حَتَّ� رَجَعْتُ وَأَقلامِي قَوائِلُ لِي المَجْدُ لِلسَيفِ لَيْسَ المَجْدُ لِلقَلَمِ�
•عنوا� الكتاب: ساحر او مجنون •اس� الكاتب: أيمن العتوم •التصني�: رواية •دا� النشر: مكتبة الزهور العربية •عد� الصفحات : 569 •الطبع� : الثالثة
[[ مؤشر التحدي : ٤٥ لعام ٢٠٢٤ ]] التحدي الرابع في تحدي بين السطور
•اʤبذ�: رواية تحكي حكاية الشاعر الثائر أحمد بن الحسين (المتنبي)
•الرأ� الشخصي:
رواية أجمل ما فيها هو عمق اللغة و فصاحتها و جزيل التفاصيل ولكن الأحداث لم تنل إعجابي كثيرًا بسبب ربط الكاتب سيرة المتنبي بالجن والعالم الآخر كما أن بها مماطلة في السرد و الأحداث و شعرت بالملل كثيرًا وأنا اقرأها..
أعتبرها من الروايات التي نالت شهرة واسعة ولكنها لا تستحق.
رواية فتحت شهية لا تنتهي ولو قرأتها زمنا طويلا مرارا ، وتكرارا ، فقد تكلم عن حياة فيها حياة من كل عظيم ، وعن وطن هو فيها كل وطن ، فقد كان الدكتور أيمن العتوم نديم ذلك الساحر أو المجنون لأكثر من أربعين سنة طوال يبيت معه الليالي ، ويقرع معه الكؤوس يلثم من رضابه، ويسكر من خمر بيانه ،ويضرب معه طبول الحرب فيشهد الوقيعة ولا يعف عند ��لمغنم ، يسايره من بلد إلى بلد ، من ملك إلى أمير في ظلمة الليل، وفي قيظ الحر ، فتبدأ القصة في أحد الأزقة في بغداد وكان الدكتور أيمن يتفاوض مع بائع كتب على أن يبيعه تلك المخطوطة _ مخطوطة أحمد بن الحسين _ يستعطفه حينا ، ويغريه أحيانا ، لكنه رفض رفضا قاطعا ؛ فأقام أسبوعا كاملا يأخذ زيادات تلك المخطوطة ، ويضيفها عن النسختين اللآتي يمتلكهن . يأخذ بيدنا الدكتور أيمن إلى مشهد مهيب فيه مخلوقات عجيبة يعرفنا عليهم جن نصيبين ، وهؤلاء جن أنطاكيا فهم عرفوه قبل أن نعرفه ، وتناقلوا شعره قبلنا " حتى أنشد شعره في كل بقعة ، فما من شجر ، ولا مدر، ولا وبر ، ولا حضر ، ولا ماء ، ولا يابس إلا سرت عليه كلماته ، وانسربت فيه حروفه " وإذا أردتَ شعرا فإن الأخطل الصغير يقول : عرس من الجن في الصحراء قد نصبوا له السرادق تحت الليل والقببا كأنه تدمر الزهراء مارجة بمثل لسن الأفاعي تقذف اللهبا أو هضبة من خرافات مرقعة بأعين من لظى أو من رؤوس ظبى تخاصر الجن فيها بعدما سكروا و بعدما احتدمت أوتارهم صخبا فأفزع الرمل ما زفوا وما عزفوا فطار يستنجد القيعان والكثيا تكشف الصبح عن طفل وماردة له على صدرها زأر إذا غضبا
فصارت أقرب إلى الحقيقة منها إلى الشك !!؟ وبدأنا نراقب عن كثب طلبه للعلم ، وأخذه له ، كأن العلم كان يتنظره منذ زمن ؛ليغدق عليه العطايا ، ويأتيه بسحر البيان ، ومن حكمة الأزمان ، فمن حلقات المسجد إلى مدارس الأشراف ، وكان يسمعنا مما يحفظ فمن المعلقات إلى النقائض ، ومن أبي تمام إلى البحتري ، عرفنا على جدته، وأما أمه لم يعرفها ، وكذا أبوه لم نعرفه ، و همس عن خولة ، لكنه لم يقل شيئا عن زوجته ؟!! وعن احتكاكه بالفلسفة ،والمنطق، واللغة فمابين جلوسه للفارابي ، وتعرفه على القالي ، ومصاحبة تلاميذه و ابن دريد وجمهرته ، ومواقفه مع أهل اللغة والنحو و الشعراء كابن خالوية وأبي علي الفارسي وابن جني وأبي فراس الحمداني وأبي الفرج الأصفهاني _ صاحب الأغاني الذي لم يترجم له في كتابه ولو بعث الآن ورأى ما للمتنبي من حظوة _ بعد أكثر من ألف سنة _ وصفها الثعالبي قبل قرون طويلة بقوله : " فليس اليوم مجالس الدرس، أعمر بشعر أبي الطيب من مجالس الأنس. ولا أقلام كتاب الرسائل، أجرى به من ألسن الخطباء في المحافل، ولا لحون المغنين والقوالين، أشغل به من كتب المؤلفين والمصنفين، وقد ألفت الكتب في تفسيره، وحل مشكله وعويصه، وكسرت الدفاتر على ذكر جيده ورديئه. وتكلم الأفاضل في الوساطة بينه وبين خصومه، والإفضاح عن أبكار كلامه وعونه وتفرقوا فرقا في مدحه والقدح فيه والنضح عنه، وتفرده عن أهل زمانه، بملك رقاب القوافي، ورق المعاني، فالكامل من عدت سقطاته، والسعيد من حسبت هفواته وما زالت الأملاك تهجى وتمدح _" لاستصدر كتابه " بعد بسم الله الرحمن الرحيم هذه ترجمة أحمد بن الحسين ... الملقب بالمتنبي ، و المكنى بأبي الطيب . وأورد نصوصه وأشعاره _ وغيرهم من العلماء والفلاسفة . وأخذنا معه في أسفاره ، وترحاله ما لو أردنا أن نعدد المواضع التي مر فيها لجفت الأقلام ، ولتزاحمت الصحف ،: أَواناً في بُيوتِ البَدوِ رَحلي وَآوِنَةً عَلى قَتَدِ البَعيرِ أُعَرِّضُ لِلرِماحِ الصُمِّ نَحري وَأَنصِبُ حُرَّ وَجهي لِلهَجيرِ وَأَسري في ظَلامِ اللَيلِ وَحدي كَأَنّي مِنهُ في قَمَرٍ مُنيرِ وحضرنا معه وقوفه بين الوزراء والملوك والأمراء فما بين أبي العشائر وسيف الدولة وكافور وابن العميد و عضد الدولة وغيرهم من الذين لولا أنه امتدحهم أو هجاهم لنسيهم التاريخ ، ولذهب بهم العدم . " يا أبا الفضل إنني رجل ملقّى من هؤلاء الملوك ، أقصد الواحد بعد الواحد ، وأُملِّكهم شيئا يبقى بقاء النّيّرَين ، ويعطونني عرضا فانيا ، ولي ضجرات واختيارات ، فيعوقونني عن مرادي ، فأحتاج إلى مفارقتهم على أقبح الوجوه " " ومن ركب الثور بعد الجواد أنكر أظلافه والغبب " بهذه الكلمات وبهذا البيت لخص لنا علاقته بهم جميعا فإنهم كانوا ركائبه إلى حيث غايته سواء أحبهم أم كرههم مدحهم أو هجاهم . صحبناه في ثورته ، وتقلباته في سجنه ، وحريته ،وفي رضاه ، وفي غضبه وإن لم يتم له الرضا ؛ ذلك أن زمنه كثر فيه التشرذم ، وسادت عليه الفرقة فمابين حمدانيين وإخشديين وبويهيين و ترك وقرامطة وما تبقى من بقية الدولة العباسية فكل هذا العوامل هيأت أن يمن علينا بهذا العطاء ، وأن نتدول أشعاره ، وحكمه فما أشبه زمانه بزماننا ! . فيقول عن سجنه : " كُن أَيُّها السِجنُ كَيفَ شِئتَ فَقَد وَطَّنتُ لِلمَوتِ نَفسَ مُعتَرِفِ لَو كانَ سُكنايَ فيكَ مَنقَصَةً لَم يَكُنِ الدُرُّ ساكِنَ الصَدَفِ". والتي أصبحت قلادة في قلب كل مسجون ظلما . وإن كان حتى بعد خروجه منه مسجونا في زمانه "وَما أَنا مِنهُمُ بِالعَيشِ فيهِم وَلَكِن مَعدِنُ الذَهَبِ الرَغامُ" وأما عن ثورته فينشدنا " عِش عَزيزاً أَو مُت وَأَنتَ كَريمٌ بَينَ طَعنِ القَنا وَخَفقِ البُنود ِ" ويقول " رِدي حِياضَ الرَدى يا نَفسُ وَاِتَّرِكي حِياضَ خَوفِ الرَدى لِلشاءِ وَالنعَمِ إِن لَم أَذَركِ عَلى الأَرماحِ سائِلَةً فَلا دُعيتُ اِبنَ أُمِّ المَجدِ وَالكَرَمِ " وأما عن هروبه من مصر _ بعد أن خاب فيما يؤمله ، بل وضيق عليه كافور ، فإن الأقلام لتتعب في وصفها ، وإن العيون لتذهل من قراءتها ، وإن العقول لتحار فيها : فَلَمّا أَنَخنا رَكَزنا الرِماحَ فَوقَ مَكارِمِنا وَالعُلا وَبِتنا نُقَبِّلُ أَسيافَنا وَنَمسَحُها مِن دِماءِ العِدا لِتَعلَمَ مِصرُ وَمَن بِالعِراقِ وَمَن بِالعَواصِمِ أَنّي الفَتى وَأَنّي وَفَيتُ وَأَنّي أَبَيتُ وَأَنّي عَتَوتُ عَلى مَن عَتا وَما كُلُّ مَن قالَ قَولاً وَفى وَلا كُلُّ مَن سيمَ خَسفاً أَبى وأما عن غربته في بلاد فارس فيقول : مَغاني الشَعبِ طيباً في المَغاني بِمَنزِلَةِ الرَبيعِ مِنَ الزَمانِ وَلَكِنَّ الفَتى العَرَبِيَّ فيها غَريبُ الوَجهِ وَاليَدِ وَاللِسانِ مَلاعِبُ جِنَّةٍ لَو سارَ فيها سُلَيمانٌ لَسارَ بِتَرجُمانِ وهذا يجول بنا ويصول حتى اقتربت المنية ، وبعد المطلب ، وقل المساعد ، وتفرق الخلان ، واجتمع القتلة من ملوك ولصوص ، وتنزلت ملائكة الرحمة ، وهو يقول "وَأَيّا شِئتِ يا طُرُقي فَكوني أَذاةً أَو نَجاةً أَو هَلاكا" فقُتِل شهيدا دون ماله ونفسه ، ومات معه ابنه المحسد فشيعته اللغة ، وبكى عليه الشعر، وأقام الدهر عليه الحداد في ثوب قوله : � فالخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـم". كل هذا وأكثر كان في هذا البيت المعمور في ( ساحر أو مجنون ) . ثم إن الدكتور أيمن أبدع أيما إبداع في رسم تجليات النفس عند أبي الطيب ، وفي تقلبات مزاجه ، كما أبدع الكاتب الروسي الكبير دوستويفسكي في وصف ما يعتري النفس البشرية من اضطرابات وجدانية في رواياته . فكان حقٌ له عندما ختم الرواية بملحوظة غير مهمة بعد ذكر مخطوطتيه( أرض الله )و (مسغبة) أن يقول " وأما المخطوطة الثالثة ( ساحر أو مجنون _ حكاية أحمد بن الحسين ) فكُتِبتْ في العام ٣٥٤ه� _ وهو العام الذي قتل فيه المتنبي _ حين فرغ صاحبها لها " فشكرا لعلي بن حمزة البصري راوية المتنبي الأول ، وشكرا لابن جني شارح المتنبي ورفيقه ، وشكرا للدكتور أيمن العتوم على ( ساحر أو مجنون ) ذلك المتنبي إما ساحر أو مجنون ؛ لكنه _ قطعا_ لم يكن نبيا . نادى ابوه عظيم الجن عترته فأقبلوا ينظرون البدعة العجبا ماذا نسميه قال البعض صاعقة فقال كلا فقالوا عاصفا فأبى فقام كالطود منهم مارد لسن وقال لم تنصفوه اسما ولا لقبا سنبعث الفتنة الكبرى على يده فنشغل الناس والأقلام والكتبا ونجعل الشعر ربا يسجدون له فإن غووا فلقد نلنا به الأربا واختال غير قليل ثم قال لهم سميته المتنبي فانتشوا طربا .
"ساحر أو مجنون" للروائي الأردني أيمن العتوم ليست مجرد رواية تاريخية عن حياة المتنبي، بل هي رحلة ساحرة إلى أعماق النفس البشرية، حيث يتداخل الواقع بالخيال، والمنطق بالجنون. يقدم العتوم شخصية المتنبي بشكل جديد ومثير للجدل، شخصية غامضة تترك القارئ في حيرة بين تصديقه شاعرًا عبقريًا ذا قدرات خارقة أم مجنونًا يعيش في أوهامه.
يتميز أسلوب العتوم بالجمالية والسلاسة، حيث ينسج الكلمات بخفة ورشاقة، مما يجعل القراءة تجربة ممتعة وشاعرية. اللغة المستخدمة في الرواية غنية بالصور البلاغية والاستعارات الجميلة، مما يضفي على النص سحرًا خاصًا ويأسر القارئ.
الرواية غنية بالرمزية والإسقاطات التاريخية، حيث تحمل كل شخصية وكل حدث دلالة أعمق، مما يفتح الباب أمام تأويلات متعددة للقارئ ويضفي على الرواية أبعادًا جديدة. لا يكتفي العتوم بسرد الأحداث التاريخية، بل يستخدمها كأدوات لاستكشاف الذات الإنسانية بكل تعقيداتها وتناقضاتها.
لا تكتفي الرواية بسرد الأحداث التاريخية، بل تتطرق إلى تساؤلات فلسفية عميقة حول طبيعة الوجود والهوية والعبقرية والجنون، مما يجعلها أكثر من مجرد قصة مسلية، بل هي دعوة للتأمل في الذات الإنسانية. يطرح العتوم أسئلة وجودية مهمة حول العلاقة بين العبقرية والجنون، وهل يمكن للفرد أن يكون عبقريًا ومجنونًا في نفس الوقت؟
إنّه صوت المتنبي ومن غيره ، ذلك الصوت الذي دوّى في أرجاء الكوفة وبغداد وبلاد الشام والمعمورة. الصوت الذي صدح حباً بسيف الدولة وكرها بكافور الإخشيدي، ذلك الصوت الذي تزيّن بالحكمة فقال: إذا الجودُ لم يُرزق خَلاصاً مِن الأَذى / فلا الحَمدُ مَكسوباً ولا المالُ باقياً وُلِلنّفسِ أخلاقٌ تَدلُّ على الفَتَى / أَكان سخاءً ما أتى أَم تساخياً. وهو القائل: ما كُنتُ أَحسبُني أَحيا إِلى زَمَنٍ / يُسيءُ بي فيه كَلبٌ وَهو مَحمودُ
آلاف الأبيات قيلت وقيل مقابلها ، ما من شاعر كالمتنبي. صاغ العتوم في هذا الكتاب قصة هذا الشاعر العظيم على لسانه فجاءت لغته الأدبية بديعة جميلة، وجاءت صياغتها ملامسة للقلب . لا فُضّ فوك أيمن العتوم ..
لقد أنهيت هذا الكتاب لِتَوي، بعد أن سكبت عليه أنهار دموعي، وسالت عليه دماء قلبي الذي نُكِأت جراحه. ولذا، فإن جل ما سأخطه هنا تسطره العاطفة وقليلٌ منه يمليه عليّ العقل.
لقد حفظت من أشعار المتنبي مذ كنت في السابعة، وحفظت قصيدته "الحُمّى" عندما كنت في الرابعة عشرة. ولقد تركت في نفسي أثرا كبيرا، إذ كنت أترنم بأبياتها رواح جياء. وعندما رأيت العنوان في أواخر الكتاب، عرفت أن قراءتي هذه التي كانت لأجل حبي لأبي الطيب ذاته، وللكاتب وروايا��ه ستأخذ منحناً آخر تماما. لا أبالغ إن قلت أن آخر مائة صفحة مضت بين شهقة هنا ونحيب هناك، دمعة حَرّى تنسل دون أشعر بها حتى أراها تبلل الكتاب.
إن هذا الكتاب يحكي قصة المتنبي، ولكنه أيضا يحكي قصصاً أخرى. إنه يحكي قصة غلام بدأ نكرةً يمشي حافيا في الصحراء، تتمزق نعاله وتتشقق قدماه ويهيم على وجهه في البوادي، يبحث عن المجد بنفس تملأها الأنفة والعزة، ليصير رجلا تعرفه العرب والعجم. � سيعلم الجمع ممن ضمّ مجلسنا... بأنني خير من تسعى به قدم إنه يحكي قصة الحفيد المحب الذي ملأت عليه جدته جُلّ حياته. جدة "لا تملك له سوى الكلمات". الجدة التي علمته الشعر في المهد، التي قالت له: "أخاف من بقائك أن يقتلك، وأخاف من رحيلك أن يقتلني!". ثم قتلها الرحيل ... � وما انسدت الدنيا علي لضيقها... ولكن طرفا لا أراك به أعمى ثم يحكي قصة الزوج المحب، الذي كان جُل همه أن يؤمن لزوجته حياة كريمة، الرجل الذي داس على كبريائه وامتدح الملوك ليضمن راحة زوجته. الزوجُ الذي بكاها دما ورثاها ألما وخلّدها حباً فقال � لم يكن لك أن تخرجي من بيت أهلك وقد نشأت فيه مطمئنة ناعمة فتأتي معي إلى هذه البلاد الغريبة القاتلة، فتموتي دون أن يعرف بموتك سواي... إنه يحكي قصة الأب. الأب الذي كد وجهد ليعيش ابنه آمنا، الأب الذي رآه يكبر ويشتد عوده، الأب الذي علمه الشعر ثم رآه يقتل أمامه قبل أن يلحق به فتصعد روحه إلى السماء. إنه يحكي قصة رجل وحيد ليس له إلا الشعر والذكريات. عاشق هامت به الدنيا. صديق يمزق قلبه خنجر الخيانة ويكوي فؤاده الحنين، صعدت حرارة الألم من قلبه فبكى! إن هذا الكتاب يروي قصة الرجل الذي قال : " يريدون مني أن أظل صامتا حتى أكون عاقلا في نظرهم، لن يقبلوني إلا إذا صرت نسخة منهم، أو صورة عما يفكرون، أما وأنا أنا، ينطق لساني عن وجداني ـ فانا عدوهم اللدود." إنه يحكي قصة رجل قُتِل وابنه في الصحراء وهو يقاتل سبعين رجلا، فحق فيه قوله وصَدق شعره حين قال وإذا لم يكن من الموت بدٌ... فمن العار أن تموت جباناً فما مات جباناً.
لقد بكيت المتنبي في هذا الكتاب. بكيته لغة وشعراً، وبكيته دمعاً ودماً. بكيته حين قال: " لقد ذهب الفتى الذي كان يجوب الفلوات يتحدى الجن، لقد مات الفتى الذي كان يأنف أن يقول قصيدة شكوى أو تعتب، فصار هو نفسه الشكوى والتعتب، لقد رحل الفتى الذي كانت الدنيا توسعه شمّاً وضمّاً، وتفتح له ذراعيها، وجاء الكهل الذي تدوسه النكبات بكل خُفٍ، وتعلوه بكل منسم!!" ثم بكيته أخرى حين قال: " ماتت جدتي فمات جزء مني بموتها، وماتت زوجتي فمات جزء آخر، وكذب سيف الدولة وعده بشأن خولة فمات كل شيء!" وحين قال:"وها أنذا، الكوفة بلد، وبغداد بلد، والعراق كلها بلد، وحلب بلد، والأردنّ بلد، ومصر بلد، واللاذقية بلد، وأنطاكيّة بلد، ودمشق بلد، والرّملة بلد، وغزة بلد، و... العواصم كلها بلد... ووحده شعري هو الوطن!" بكيت حتى لم يعد باستطاعتي البكاء
إن قبر المتنبي"سيكون كقبر الإمام علي؛ حنّى عليه الغمام ولا أحد يعرف له موضعاً...!"
لطالما حيكت القصص عن المتنبي، حتى أصبح وكأنه أسطورة ولم يكن ببشري. في هذه الرواية كم ارتحلنا، من بلد إلا بلد ومن وطن إلى وطن، كم قابلنا من الملوك وجلسنا في دواوينهم ومجالسهم، كم سمعنا من الشعر والنثر والفلسفة والحكمة، حتى أننا في بداية الطريق دخلنا عوالم الجن ومدنهم، كم كان الترحال جميل وخاصة عندما تتفكر أن بلادنا برغم كل ما كان فيها من تفكك وتشرذم إلا أنك تستطيع أن تنتقل بين حواضر عالمنا العربي والإسلامي من غير أن يوقفك أحدهم ويقول لك : جواز سفرك!؟ يا أحمد بن الحسين أيها المتنبي، يا فارس الشعر وملك الحرف، يا من ارتسمت صورته في مخيلتي بتمثالك الذي يستقبل الزوار على الدرب الذي عرف ب اسمك في دار السلام. جاء من ينصفك ، بل من عرف قدرك، هو سيد الحرف والكلمة في زماننا ، والذي بسحر كلماته ونثره جال بنا من أقبية السجون وسما بنا إلى برزخ الروح، هو سيد الشعر لا تلقي سيفك يا أيها العتوم مهما تجمعت الذئاب وأطبق الليل وتحسد الجراد. جزاك الله خير الجزاء ونفع الله بك العباد والأمة
و جدت فيها من أجمل ما قرات وقد وقع في قلبي هذا الإقتباس:
"ثم إن الله خلق الرأس أعلى من كل مكانة في الجسد، و كرمه، وجعله رمزا للعزة، وإن العرب إن ذلت ذل بذلها كل عزيز، واني لعربي قح آنف أن أركع لغير الله، وإنك لتعرف ما للهامة عند العرب من قيمة"
رواية ممتعة تسرد رحلة الشاعر الكبير المتنبي وان كان بها مبالغة وتفخيم في الكثير من المواقف التي اتخذها المتنبي اثناء تجواله بين قصور الملوك والأمراء،،ونحن جميعاً نعلم ان ما هكذا كانت تسير الأمور ابداً مع الإقرار التام على عظمة ومكانة ابو الطيب المتنبي وجودة شعره وفصاحة قوله لكن في النهاية كان يُفيد بالمدح ويستفيد بالعطايا !!
رواية في غاية الروعة والجمال ستأخذك إلى سحر الماضي وعبق التاريخ مع قصائد سيد الكلمة والشعر أبو الطيب المتنبي أظن أن روح المتنبي تحلق فرحا بهذه الرواية الفريدة والمميزة فما أروع أن تعرف عن المتنبي منه ومن شعره
الرواية جيدة بالمجمل ولكن كنت اتمنى من الكاتب ان يشرح بعض الكلمات المستعملة وأن يزيد من عدد بيوت الشعر المكتوبة وان يتم التركيز أكثر على مرحلة سيف الدولة الحمداني فهي أهم مرحلة في حياة المتنبي