تقدم الجندي قليلاً، ثم تقدم أكثر حتى خاض في النهر، ورغم كل هذا بدا له الحطام بعيداً لا يطال، حبس أنفاسه وتمتم بأدعية قبل أن يطلق، غاص الطفل للحظات ثم طفى صارخاً، لقد أصابه ولكن لم يقتله، يا للمنكود!! احمرت أذنا الجندي ولم يلتفت ليرى تأثير ما حدث على وجوه من حوله، كان يمكنه سماع شتائمهم ولعناتهم، تقدم أكثر، عض على شفتيه ليمنع نفسه من البكاء، تمايل وهو يشعر بأنه سينجرف في أي لحظة، لم يعد يسمع شيئاً، تركزت كل حواسه على عينه وإصبعه
هذه الرواية مختلفة، ليست من النمط السائد من الأعمال. كما لم تكتب لقارئٍ عجول ونافد الصبر. العمل ديستوبيا، هناك نبرة سخرية خافتة تعلو قليلاً هنا وهناك. بنية العمل مذهلة. القصص المتقاطعة في حرفية بديعة. هذه الرواية ليست رواية ماجد ولا حتى رواية المعسكرين المتقاتلين ولا حتى المطر. الرواية تدور في نظري حول الإنسان عندما تقع الكارثة. الجنون هنا ذكوري بحت كما هو حاصل في العالم الآن. ربما كان هذا السبب حول التغييب الكامل للعنصر النسائي. إسقاطات النعميين والنقميين ذات رمزية عالية وتكاد تنسحب على كل كوارثنا التاريخية والدينية على وجه التحديد. يقول الفهد على لسان إحدى شخوصه أنها مدينة مجنونة، كانوا بحاجةٍ فقط إلى كارثة حتى يتبين حجم الجنون. لا يمكن لهذه الرواية إلا أن تتركك مشوشاً.
حسنٌ.. كان يمكن لهذه أن تكون رواية ملحمية.. وكان يمكن أن تُكتب بشكل أكثر حبكة وتماسكاً. لكن تلك الملاحظة تنطبق على الأعمال الأدبية كلها بالمجمل! وأعتقد أن الضعف في السرد تعززه الفكرة ويجبره توقيت النشر. دام تستحضر خوفنا المُحدث من المطر وخوفنا البدائي من عناصر الطبيعة، وتستحضر هشاشة حضارتنا المتقدمة كذلك. إنها ببساطة تذكرنا بكم نحن في دواخلنا متوحشون وعلى شفا المدنية. كارثة واحدة متطاولة كفيلة بتمكين غرائزنا الأساسية. في هذه الرواية (الدوستوبية).. يقدم لنا فهد الفهد أحداثاً محلّية الطابع جداً.. وهذه قيمة بالغة الأهمية حقاً. أنت كقارئ سعودي/خليجي/عربي ستتواصل بشدة مع الأحداث والشخوص. ستحس بالخوف وسيعتريك البلل وستتخبط أيديولوجياً مع المتخبطين.. لأن كل ما وقع هنا –للدهش�- واقعي غير مستبعد بتاتاً. يكفي أن يتكرر ما حصل بنجد (سنة الدام) قبل 60 عاماً، حين هطل المطر لستين يوم بلا انقطاع. تلك هي الثيمة الأساسية للقصة ومنها استمد العنوان. لكن نحن وضعنا أسوأ بكثير مما كان عليه القوم قبل 60 سنة. لقد صرنا أثرى وأضعف وأكثر اعتيالاً على المدنية والتقنية. صرنا مكشوفين أكثرنا ومناعتنا الوجدانية انخفضت كثيراً بفضل المجمعات الاسمنتية التي تؤينا. في ظل كارثة طوفانية ماحقة كيف سنتعايش؟ وماذا عن أمراضنا النفسية والاجتماعية الكامنة؟ ماذا سيحل بالضعيف والفقير والعاجز؟ وماذا عن الحكومات؟ والشرائع؟ من سيكون الأولى بدور نوح الجديد؟ بطبيعة الحال فإن الاحتمالات لا حصر لها هنا. ولذا قلت بأن هذه الرواية كان يمكن لها أن تتحول إلى ملحمة مطوّلة. لكن الكاتب قرر عكس ذلك. قرر أن يقدم لنا نفحة مما يمكن أن يحصل. وضعنا بسرده في أول الدرب الفكري وشرع أمامنا كل أبواب الاحتمالات الأخرى. هذه رواية متحررة ببراعة من قيد الزمان والمكان وعقدتها الجدلية قائمة لما بعد الصفحة الأخيرة. لذا فهي تستحق كل تقدير كعمل أول لكاتبها المُجيد.
بدأت قراءة هذه الرواية في صباح غائم. كانت رائحة المطر تعطر المكان وبدا هطوله وشيكًا. هدوء ذلك الصباح كان مشابهًا للهدوء الذي بدأت به القصة. كل الوجوه مستبشرة بقدوم المطر، يمدون أيديهم إلى السماء، يصافحون قطراته الأولى ومع اشتداد هطوله بات الجميع يردد: اللهم صيّبًا نافعًا.
تبددت الغيوم وأصبح الجو صحوًا وجففت الشمس بذيلها الأصفر كل الأرصفة والطرقات التي عبرتها وأرسلنا مع السحاب المنقشع أمنيات إلى السماء بأن تزورنا غدًا وتمطر من جديد. ولكن ذلك هو نقيض ما حدث في الرواية. فلقد عقب ذلك الرشّ هطل ووابل وتحول سرور سكان المدينة إلى وجوم. السيول التي جرفت الناس والسيارات وكل ما اعترض طريقها ستجرف القارئ أيضًا وتزجّ به في كل ما سيحدث لاحقًا. سيجد نفسه في النهاية مبللاً، خائر القوى، جاحظ العينين وفاغر الفاه، نازف القلب، يتحسس ما بقي من إنسانيته التي عطِنت بعد تركها طويلا في ذلك المجتمع الآسن الذي تفسّخ وانهزم أمام جحافل السماء التي انقضّت عليه بلا رحمة وابتلعت في طريقها كل شيء.
ينتمي هذا العمل إلى أدب المدينة الفاسدة (ديستوبيا) ويكشف عن تأثر الكاتب بالوضع السياسي الراهن في المنطقة حيث الصراعات والعداءات التي تنشأ من اختلافات عديدة تمسّ بشكل أو بآخر قناعات الطرف المقابل فينزع كل طرف إلى إثبات صحة ما يرمي إليه وإسباغ ذلك النزاع صبغة دينية تلعب على وتر مشاعر الأفراد المنتمين إليه والملتفين حوله. فإذا هم جماعات سهلة القياد، شديدة التعصب، يقبضون على الفكرة الضالة ويتمسكون بها ويذودون عنها ويجدون في كل ما يقومون به من حماقات شرفًا وشجاعة ونبلاً.
إلى جانب ذلك سنجد بأن هناك من رفض الخوض في تلك المعمعة واستغل الفوضى العارمة وغياب القانون ليحقق مآرب أخرى تدفعه إليها نقائصه البشرية ونزواته المريضة فيتصيّد دون رحمة ضحاياه العالقين في تلك المتاهة ويمارس كل ما من شأنه إشباع غرائزه وميله اللاأخلاقي إلى ما يندى إليه الجبين من أفعال بشعة وممارسات محرمة كان القانون قبل ذاك يحول بينه وبين القيام بها. أما الآن ومع انهيار كل شيء فما الذي قد يمنعه!
الكارثة تجلب أخرى، والنوائب تتوالى. سقوط المطر المستمر بلا توقف أدّى إلى سقوط الإنسان أيضًا. في قالب أدبي جميل ومتماسك، مرعب وساخر، خياليّ أبعد ما يكون عن الواقع، وواقعيّ أقرب جدًا إلى الخيال، أثار فهد الفهد الكثير من القضايا الإنسانية في سرد ممتع وأحداث شيّقة. وكعمل روائي أول للكاتب أجدها مميزة جدًا وتبشّر بالكثير.
اسم مُلفت بالمناسبة! دام.. يعيد للذاكرة سنة الدام، سنة طوفان نجد التي حدثت قبل أكثر من نصف قرن، والتي استمر هطول المطر فيها لمدة ٥٨ يوماً.. الكلمة لوحدها ملفتة جدا وموفّقة. مع أنها بحروفها الهادئة والتي تمنح شعور الوداعة بدايةً، إلا أنها تقتضي قدوم العاصفة أو تلك الزلزلة المفاجئة والخاطفة.
فكرة الرواية تستحق التأمل. لمست جراح عميقة ثم بالغت فينكئها. هذا الحدث الفانتازي الذي يغرِق المدينة الاسمنتية في شرّها. لا أقول في ماءه أبداً. فالغرق الحقيقي هنا هو شر النفوس المتطاحنة. هذا التصور المنطقي عن المدن الناهضة في الخليج والتي استقام عودها على ذهب أسود سرّع من نهضة فاسدة لا تستطيع الوقوف أمام مطر!
أعجبتني التجزئة للفصول حسب وصوف المطر. موقفة للغاية. في كل مرة أبدأ فصلاً يحفّني صوت المطر كما وسم الفصل. تتراوح الأحداث والمشاهد حسبما يهيئ المدخل لها، وإن كانت هناك بعض المباغتات التي كرهتها ثم أحببتها. الكره هنا هو شعور الاندماج والأخذ والتصديق بالرواية.
لم تتوقف الفكرة عند تجسيد الفساد وإدانة الحكومة على ضعف البنى التحتية لمدن تبتلع ملايين الريالات والبشر الباحثين عن فرص حياة أفضل، بل أزاحت الستار عن بعبع التيارات الدينية المتناحرة على غير هدى والتي فتكت بعقول الشباب ثم أرواحهم وأرواح أبرياء من حولهم. الرواية استقرت بجانب السهم المغروز في ذاكرة الفارين من الصحوة وما ولّدت من أجيال أضعف من أن تتقبل رأي الآخر وتبحر في فضاء المجادلات والنقاشات الفكرية التي تولد الإبداع والتجديد خصوصا في الخطاب الديني. الرواية أيضاً احتضنت وجع أبناء القرى والأرياف الذين خلَّفوا الحياة وراءهم وهرولوا نحو نصف حياة تترنح بين زيف وضيم وغربة. وما الحياة إن لم تعش كاملة!
التيارين الذين أبدع الكاتب في صوغهما وصوغ مسمياتهما كانت ملفتة وتستحق وقفة. نبرة السخرية تطالهما فلا يلبث القارئ -بعد أن يضحك- أن تغصّه العبرة. تيار يتنازع في نوع المطر إن كان نعمة أو نقمة! ثم يصبحون رسمياً نعميون ونقميون. أي جنون قد تخرج به عقول مكبوتة عن التفكير والخلق غير نوع معوق يخرج من قوالب لا يستطيع الحياد عنها فتأتي معاقة هشّة وإن كانت ضارية وفتَّاكة. بين هذا وذاك كان ما يجعل الوضع أكثر تأزماً هذا الإنعدام التام لصوت الحكومة. لا حكومة! لا شيء! فوضى مخيفة تضع حملها على عاتق هؤلاء القلة من الجنود الذين وجدوا أنفسهم أمام تحديات تميل كل الميل إلى جهة الهلاك. اختلاط المسؤليات وتراخي حبال السلطة، لمن؟ وعلى من!؟، وتمازج سلطة الدين بالدولة جعل الدنيا تغرق أضعاف ما سكبته السماء. لازلت أشير كل حين أن فكرة الرواية رائعة. إن جو الفوضى العارمة الذي أغرقتنا فيه الرواية شوّشت وجه الجريمة إلا أنها لم تحجبه أبداً. تحوّل الشخصيات هنا من رئيسية كبداية، كماجد وذات الملامح المجهدة مثلاً، والمستكشف جامع التحف،والنقيب خالد، والشيوخ، تحول هؤلاء من شخوص رئيسة تنمو وتتمدد في نفوسنا ثم تصير ومضات من بعيد يُلمّح لها كأمثلة للخسائر هنا وهناك الذي أحدثها دام خلفه! أعجبتني..!
أبارك للصديق فهد روايته الأولى، ولا شك ننتظر جديده
هذه المراجعة ستبدأ بمقدمة قصيرة هي - في نظري - مهمة كي تتفهم/ـي عزيزي/تي القارئ/ـة كيف قرأتُ (أنا) دام ولم كتبت هذه المقدمة كذلك!
لم تبدأ معرفتنا - معشر القراء على تويتر - بفهد الفهد منذ إصدار دام، عرفنا فهد قارئا سعوديا صغير السن على مشارف الثلاثينيات من عمره، لطالما لقبناه بمولانا لأنه من القلة الذين نعرف جيّدًا بأنه دودة كتب من العيار الثقيل [ندق على الخشب :)]. عبر السنين، كان فهد دو��ا يبدأ مراجعاته لأعمال أصدقائه ومعارفه بـ:"أشعر دوما بحرج جديد حين يُطلب مني مراجعة عمل أحد الأصدقاء". اليوم، وحينما أنهيت دام قبيل أيام معدودة عرفت جيّدًا ما عناه فهد بذلك.
تلقيت دام ممتنة، معنونة بإهداء لطيف من صاحبها، والتي اعتدتُ أن أسميها - الرواية - بـ"العنقاء" كما كان فهد يتحدث عنها حينما يسألونه كيف حال الرواية؟ ألم تنته بعد؟ وكما كتب فهد في إهدائه في وصف عنقائه دام: "والتي مازالت تنثر غبارها". تناولت دام وأنا - لأول مرة - على وشك قراءة عمل لقارئ - كما أسلفت - لم نعرفه بالأمس فقط، بل عرفناه ناقدا لأعمال غيره ومستشارا حينما نُقبِل على قراءة كتاب ما أو في مجال ما، كان فهد - ومازال - هو خير من يعطينا رأيه والذي نحرص على البحث عن مراجعاته الثمينة حتى قبل أن نشتري الكتاب أحيانا!
أقول هذا لأنني أثق بأن فهد لا يبحث عن المجاملة، لأنه يعلم جيدا بأن المديح لا يبني كاتبا، وأن النص أي نص معرض للنقد دوما، راجية بأن يتقبل فهد هذه المراجعة مني بصدر رحب.
مطر نجد، الذي استمر ٥٨ يوما، الفوضى والصراعات التي كشفها المطر والحقائق التي محّصها الطوفان، صاحب المكتبة الذي نأى بنفسه عن كل أحد ولم يسلم من هذا الطوفان الذي لم يكن طوفان الماء بل طوفان جهل بيده مصائر البشر، صراع السلطة الذي “ينهش� في كل أزمة يحاول البعض احتواءها بجهد جهيد، النعميين والنقميين الذين حملوا راية الحق “صورة� فلم يُر منهم سوى الباطل. الأزمة التي لم يتوقعها أحد، والفوضى التي أهلكت ولم تذر. كل ذلك رسمه فهد الفهد تحت لوحة واحدة: دام.
لاشك، بأن فهد روائي سعودي قدّم عملا يُعَد في الساحة الأدبية السعودية فريدا من نوعه، ويبشّر بأعمال قادمة أخرى لتنقذنا من المنتوج الأدبي السعودي المُشَوَّه (باستثناء البعض) في الآونة الأخيرة. دام شملت صراع التيارات، أزمة مواجهة الفوضى والوحش الصغير الذي يختبئ داخل الكل - إلا قليلا - وما يلبث أن يلتهم الأخضر واليابس إذا ما تسنت له الفرصة. قرأتُ دام وأنا أسترجع كيف دخلت علينا الشبكة العنكبوتية كطوفان مازلنا نحاول احتواءه، وكيف تسارعت أحداث العالم العربي من ٢٠١١ حتى اليوم والتي لم نستوعبها حتى الساعة. قرأتها فوجدت روائيا جسّد الفوضى حوله في رواية خاط لباسها من مشهد تاريخي (طوفان نجد) أشك بأنه قد تم تسليط الضوء عليه أدبيا وفنيًّا قبل ذلك كما قدّمه لنا فهد الفهد في دام.
دام التي وصفها فهد بالديستوبيا والتي كُتِبَت عنها مراجعات جميلة وثرية لغويا استخدمت مصطلحات النقد الأدبي - الذي لا أجيده كما لا أجيد زخرفة الكلمات - والتي كتب عنها أحدهم “ل� تُكتَب لقارئ عجول”� خذلتني قليلا في معارك النعميين والنقميين، والتي في رأيي كان فيها شيء (كثير) من التطويل والذي - في رأيي كذلك - كان من الممكن اختصاره كثيرا. أجدني أتفق مع إحدى المراجعات التي تساءلت عن حضور الأنثى في دام، وأجدني معللة ذلك لطبيعة المنطقة التي اتخذتها دام مسرحا لأحداثها، الرياض، نجد والتي أفترض بأن مشهد اتخاذ زمام الأمور وحرية التنقل لم يكن من الممكن إدخال المرأة فيها، أقول لربما كتحليل خاص ورأي خاص كذلك.
حمدا لله على سلامة العنقاء (دام)، وشكرا لفهد لأنه قدّم لنا رواية تستحق مسماها الأدبي، ولأنه احترم القارئ السعودي في فترة زمنية يعيش فيها النشر الأدبي السعودي “طوفانا� من الغث السمين أتت دام لتعلن عن مولد روائي سعودي حقيقي نفخر به قارئا وكاتبا على حد سواء
كنت متحمسة جدًا لقراءة هذه الرواية، بالضبط مثل أغلب أصدقاء فهد أو متابعيه كقارئ عظيم على مدى السنوات السابقة. وحصلت عليها سريعًا -نسبيًا- وقرأتها في ظرف ثلاث أيام. رواية مختلفها ومميزة، ذكرتني بشكل غريب برواية العمى وانكشاف الغطاء عن الوحش البشري الذي يقبع داخل الإنسان ولا يخرج إلا بعد حدوث المصائب. يقدم فهد قصته عن كارثة محلّية وهامّة جدًا، ولا أشك أن تكون هذه الرواية كأساس في الأدب السعودي الذي يدخل تحت تصنيف dystopia سنة الطبعة/ الغرقة/ أو الدام ببساطة، شهرين يتساقط فيهما المطر بشكل متواصل، ليلًا نهارًا. لكن المطر هو أهون ما سيقابلك كما قال أحد شخصيات الرواية. ستتبلل ويعتريك الخوف وتتوتر مع الشخصيات، لكنّي أحسست وكأن الشخصيات مربوطة تخشى أن تتحرر. كنت أريدها أن تتمرد وتصدمني. شعرت وأنا اقرأ كأنني أشاهد حلقة من مسلسل the walking dead ونهاية العالم وتقسّم البشرية والصراع على البقاء، واتضاح مدى هشاشة الإنسان كلّما رضخ تحت الكارثة. عتبي فقط على انعدام الحضور النسائي، حيث اقتصر ذكرهم على انهم شخصيات تحتاج حماية من الرجال وتصنيفهم في بند واحد مع الأطفال. ما زلت أقول أن القارئ العظيم هو بالضرورة كاتب عظيم أو في طريقه لذلك. أحب أن اقرأ لفهد مستقبلًا.
دام من مراجعات الأصدقاء حولها، افترضت أنها تتحدث عن حدث في تاريخ السعودية القديم، وعنوانها جعلني أفكر أنها كانت ستصف خراب المدينة مثلما حدث في سنة "الدامة" في الكويت على سبيل المثال. لكن قراءتها كانت أمرًا مختلفًا تمامًا. كان نطاق الحدث يتسع شيئًا فشيئًا، تمامًا مثل الدوامات التي تتشكل على سطح المياه المتجمعة في أنهار كبيرة، قسمت المدينة الصحراوية وشتتتها. بدأت الدائرة صغيرة (بقصة ماجد الذي يبحث عن زوجته) لتتسع شيئًا فشيئًا لتصبح بعدها رحلة تتعلق بالبقاء، ولم يعد الأمر محصورًا بشخصين، لقد طغى على مدينة كاملة، المدينة التي كانت جافة على الدوام ثم تحولت إلى النقيض تمامًا. هذا التناقض لا يقف عند هذا الحد، بل إنه بالأحرى يتبادر إلى الذهن منذ قراءة العنوان "دام"، الذي يفترض بالضرورة وجود بناء مسبق لا يقتصر على عمران المدينة، فالخراب تسلل إلى نفوس سكان المدينة ونخرها من الداخل، أولئك الذين أظهرت الكارثة أقبح ما فيهم... غريب كيف تكشف هذه الكوارث نزعات النفس البشرية، وتظهر ما كان مختبئًا في الطبقات السفلى للروح. حينها يرتاب المرء في كل من حوله، ويتساءل إن كان بإمكانه أن يأمن لجاره، الذي يوقن أنه لم يكن يعرفه حقًا! من الواضح أنه بعد انحسار الماء واستواء الأرض لن يتمكن أحد من استعادة طمأنينته القديمة، فكل خطوة مثيرة للارتياب وكل مبادرة مدعاة للشك، سيظل الخوف من الآخر يقف حاجزًا حتى بين المرء وابنه، جنون البقاء على قيد الحياة ذلك الذي سيدفع الجميع إلى اقتراف القتل والسلب، الهدم أيضًا طال القوانين والأخلاق والأعراف ولم يبق سوى قوة الذراع ضمانًا وحيدًا للنجاة! حين جفت الأرض بعد طوفان نوح، كان ذلك وعدًا بحياة جديدة نظيفة، حياة تبدأ من الصفر بذاكرة ليست بيضاء تمامًا، لكنها تجعل الحياة ممكنة - بتحريف قول سعد الله ونوس- ولكن ما نوع الحياة التي تنتظر الناجين من الغرق، الذين نجا كل منهم وهو يحمل وصمة ستلاحقهم دومًا؟ رواية جميلة جدًا، وفيها نفس طويل عميق برغم تعابيرها البسيطة. الرتابة التي بدأت بها كانت الأنسب لأجواء المطر الخفيف الذي يدوم طويلًا ويثير في النفس شيئًا من السأم، وكلما زاد المطر تصاعدت حدة التوتر وتواتر الحدث... إن كنت مستعدًا لمواجهة الطوفان، فأقدم ...
هذه رواية مختلفة ومكتوبة بإتقان مذهل.. البناء السردي عظيم، لا تكاد تجد فيه أي ترهل أو جملة في غير محلها. والاهم من كذلك أنها ممتعة منذ أول صفحة. هنيئا لفهد هذه الرواية وهنيئا لنا بالروائي فهد الفهد.
إنها لمتعة حقيقية أن تقرأ عملاً ذكياً إلى هذه الدرجة! تأخذك هذه الرواية إلى أكثر حالات الإنسان وضوحاً؛ حالته عندما يكون تحت النازلة الإلهية. يستقرأ الفهد عبر حادثة -كهطول المطر المتواصل- الماضي؛ الذي يبني عليه الإنسان اعتقاداته الأصولية، تماماً كواقعنا بوجه من الأوجه! كتب التاريخ، والبطولات التاريخية، أصل الجماعات الدينية، العنصرية، التعسف في استخدام السلطة، الثورات والخيانات، قتل الأطفال رحمة بهم، وحشية الإنسان الأولى تحديداً. كل هذا يتم استعراضه هنا بقصص تتمازج مع الحدث الأم. هذا العمل مميز حقاً. الكتابة هنا مبللة، غائمة، ولا تصلح للقراءة إلا في ساعات الفجر الأولى.
استبشرت خيراً عندما عرفت أن فهد الفهد أصدر رواية، دائماً أقرأ مراجعته واستفيد من معلوماته وأراءه، لذلك تحمست لروايته هَدَام واستقبلتها بحاوفة في مكتبتي الصغيرة. لا يمكن لشخصين أن يقرأ نفس الكتاب. أنا مقتنعة بهذه الفكرة، لأن كل شخص له نظرته وتفكيرة وأسلوبه الخاص في تأويل النص الأدبي. قد يقيم شخصان النص ذاته بـ 5 نجوم ولكن لكل منهما أسبابه المختلفة. أنا شخصيا أبحث عن الابتكار والاستقلالية لدى الكاتب. وقد وجدت ذلك في دام. التي تُصنف ضمن فئة الديستوبيا ولكنها تختلف عن غيرها، تمكن فهد من وضع وسمه الأدبي الخاص عليها، واستخدم العناصر الأدبية للرواية بتمكن ليكتب نص يخاطب العقل دون أن يتجاهل العاطفة. عندما بدأت بقراءة هَدَام وجدت نفسي في "مسبح" الأحداث منذ السطر الأول. حيث يقف مُجند يتلقي تعليمات صارمة من قائده "لا أسرى". ثم يصف نفسه وهو واقف تحت الرذاذ والماء يجري من تحته ويقطر من ثيابه وسلاحه. أثار المشهد الغامض الكثير من التساؤلات في ذهني، تابعت القراءة إلى أن عثرت على أجوبتها في المشهد الأخير، الذي فسر المشهد الأول وكشف عن هوية ذلك المُجند ودوافعه لخوض المعركة واختيار الفئة التي يقاتل في صفها. تجدر الإشارة هنا إلى أن المشهد الأول يأتي بعد المشهد الأخير حسب التسلسل الزمني للأحداث. أظن أن الغرض من هذا التقديم هو التعبير عن دائرة العنف التي لا يمكن تحديد بدايتها أو نهايتها. وقد يكون بهدف التشويق فقط. تحكي هَدَام عن الماء الذي تحول من مصدر للحياة إلى سبب للوفاة، عندما أغرق المطر المدينة الصحراوية. فمنذ البداية تذكرنا الرواية أن كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده. تستمر أحداث الرواية تحت السماء التي تحولت إلى محيط مقلوب وتراوحت شدة المطر بين الرش والوابل. كل فصل معنون بأحد أسماء المطر (رش - هطل � نضح - عباب - رذاذ � وابل � رذاذ - نضح � هطل � نضح � وابل � رذاذ � هطل � نضح - وابل � رذاذ � وابل - طل � رذا�� - ثم توقف المطر) ومرة أخرى أجد نفسي أفكر في دورة المطر التي يصعب التنبؤ بتقلباتها. بين السماء الممطرة والأرض الغارقة تطفو شخصية ماجد الرجل البسيط الذي ينطلق في مغامرة، بهدف إنقاذ زوجته ذات الملامح المنهكة. يتوقف في عدة محطات منها مقهى بات فيه ليلته الأولى خارج بيته، في الصباح حاول أن يغادر المقهي لكنه كان حائراً وهو يفكر في طريقة تُمكنه من اجتياز النهر العظيم الذي كان أمامه، بالقرب منه وقف رجل بدين له لحية خفيفة وجبهة عريضة يقول "هذه نقمة". تابع ماجد صراعه مع المطر والتقي بشاب لطيف صموت اسمه صالح، كان طريقهما واحد فوحدهما الهدف والمصير. وبعد ذلك ظهر الرائد خالد الذي غرق في الحيرة وهو يحاول أن يجد طريقة للقيام بعمله في هذه الأجواء الكارثية، ومعه مساعده النقيت أديب الذي لا يكف عن التدخين وتقديم الحلول المقترحة لرئيسه. تستمر الأحداث والمطر. ماجد يتابع طريقة وحيدا ويتحول إلى كائن برمائي نوعا ما، فقد اكتسب خبرة في التأقلم مع المطر. الرائد خالد يغرق في التقارير. النقيب أديب يتخذ العديد من القرارت الحاسمة. الشيخ عبد الله، هو الرجل البدين ذو اللحية الخفيفة والجبهة العريضة صاحب نظرية "النقمة"، يجمع أتابعه وينقلهم من مدرسة إلى مول ويطلقون عليه اسم "المقر". ثم يتغير مجرى الأحداث عندما يتكون تيار جديد بقيادة سليمان ذو اللحية الكثة، وصاحب نظرية "النعمة" يلتف حوله مجموعة من المؤيدين، وبالتالي ينشقون عن "النقميين" ويتقلون إلى مكان جديد ويطلقون عليه اسم "المعقل". ثم يبدأ القتال بين "النعميين" و"النقميين". يقرر النعمون ألا يأخذوا أي أسرى. وسط هذه الفوضى العارمة تظهر شخصية قاتل غامض، يعرض المساعدة على التأهين ثم يستدرجهم لوكره ليعذبهم ويقتلهم ببطء. يتابع ماجد مغامرته، ويلتقي في إحداى نقاط التجمع بشاب نحيل مفرط الحركة بنظرات كبيرة وابتسامة مخبولة يحمل حقيبة ظهر مليئة بأشياء غربية، يؤكد الشاب لماجد أنه مستكشف بارع. يقرران المغادرة معا، ماجد مازال يبحث عن زوجته أما الآخر فيقول له أنه يبحث عن شيء ولا يضيف أي تفاصيل. خالد يبدأ بالتحقيق في قضايا القتل ويحاول القبض على القاتل الغامض. يعترف المستكشف لماجد أنه تألف مع المطر منذ البداية وأنه يأوى إلى المنازل المهجورة ويقضي فيها ليلتين غالبا ثم يأخذ تذكار ويرحل، هكذا امتلئت حقيبة ظهرة بكل ما فيها من عجائب. أثناء رحلتهما يضطران لقضاء ليلة في ضيافة رجل مسن يستقبلهما بكرم ويعرب عن استغرابه من الحرب وعدم فهمه لها. ثم يلي ذلك مشهد يقدم تفسيراً الحرب من خلال حوار: مذهبهم غريب كيف يؤمنون أن المطر نعمة؟ هم لا يؤمنون بذلك مذهبهم مبني فقط على مخالفتنا. تتصاعد الأحداث ويقع رجل مسن في قبضة خمسة مقاتلين نعميين في العشرينات من أعمارهم، يسألونه عن قوله في المطر أهو نعمة أم نقمة. لا يتمكن الرجل من تميز الفئة التي ينتمون إليها فيلجأ إلى الحيلة ويعطيهم جواباً دبلماسياً. هل ينجو الرجل المسن؟ هل ينجح الرائد خالد في المحافظة على الأمن وتطبيق القانون؟ ماذا سيفعل النقيب أديب بعدما ينفد مخرون السجائر والأسلحة؟ هل سيجد ماجد زوجته؟ هل سينال القاتل جزاءه؟ ما هو الشيء الذي كان يبحث عنه المستكشف؟ ماذا حدث لصالح بعد ما افترق عن ماجد؟ ومن منهم يا ترى هو المُجند الذي التقينا به في المشهد الأول؟ هَدَام تجيب على كل هذه الأسئلة بطريقة غير متوقعة. يصور مشهد النهاية توقف المطر والجثث التي غرفت في القاع أو جرفها التيار فالموت لا يفرق بين نعمي أو نقمي أو محايد. وبالرغم من كل ما حدث استمر القتال، فقد توقف المطر ولكن طوفان العنف مازال يجتاح كل العقول ويغرق التقوى والرحمة والتعقل فلا سبيل للنجاة أو الخلاص. إما إن تكون قاتلاً أو مقتولاً "لا أسرى". إذن السبب الحقيقي للقتال ليس كارثة طبيعية (المطر) بل كارثة الطبيعة البشرية (العنصرية والتعصب). رواية رشيقة ومتقنة ومبتكرو. جديرة بالقراءة والتأمل. هَدَام هي أول الغيث. وهي شهادة ميلاد لروائي يمتلك موهبة فريدة وعقلية واعية. استطاع أن يقدم إضافة نوعية للأدب السعودي منذ العمل الأول. أدعو الله أن يوفق فهد. سأكون بانتظار روايته الجديدة.
القشرة الحضارية التي نفتخر بها تتفسخ مع أول كارثة طبيعية، وتظهر عنفها مع أول مواجهة فعلية أمام جبروت الطبيعة. كيف يمكن للإنسان الذي يظاهر بتهذيب الحضارة لأخلاقه وأفعاله أن يتكسر أمام اللاتمييز للطبيعة ويصبح عنيفًا مثلها أو أشد.
ثم إنني مع النعميين، أي المطر نعمة ! أولست قائد جيشهم المبجل؟ :)
تدرج بناء الرواية ممتاز، تصميم الكتاب كذلك حتى الغلاف جميل. نجحت في إصابتي بالدام، شعرت بأني أنا من يغوص في المياه الراكدة وأنا من أطلق تلك الرصاصة الخاطئة. رائعة لدرجة أني أقطر ماءً. دائرة القرارات ومسؤليتها بانت لي بطريقة أخرى حيث أتساأل ماهو حجم تبعات بعض القرارات ولو كان القرار عدم القرار. ختاماً، عتبي كل عتبي النهاية !!! في انتظار المزيد من أعمالك مع نهاية أجمل.
روايه فاقت ما كُنت اتوقعه .. من إصدار آول وبـ هذا المستوى الجميل آمر رائع جداً ومُبشر للأجمل والآكثر إتقآن في الآصدارات القادمه إن شاء الله ،
"Ķدام" عِندما يكون كل شيء من حَولك آيـلٌ لـ السقوط عِند آول هَزه آمر مُسلّم بهِ ان يستحضر القارئ من عنوآن الراويه آحداث مليئه بـ الهدم وعند قراءتي لمراجعات القُراء تكونت عندي فكره شبه مُكتمله عن مطر وغرق مدينه، وربمآ آحداثها تدور في حقبه مِن زمنٍ مرت بها ارآضي المملكه السعوديه ولكن ..! وعند قرآءتي للروآيه وجدتها كارثه "طبيعيه وبشريه بدأت برذاذ مطر، ومدينه لايتوقف فيها المطر وزوج بائس يبحث عن زوجته على امل ان يجدها بين جزعٍ وخَوف يتنقل من نقطه لـ آخرى على امل ان يجدها لـ تتسع الدآئره فيما بعد وتَسبح المدينه بـ بحرٍ من السيـول الجآرفه من الامطار والجثث التي تقاذفها المُتصارعون على البقاء بـ قآنون " البقـاء للأقوى .. إتساع الدائره كان بشكل جيد فلم اتوقع ان تجري الآحداث بـ هذا التسلسل ولكنها النظره الرائعه والبعيده للكاتب فهد الفهد بـ مسمى "دام فـ الهدم الذي طآل الروآيه كان اكبر من مجرد سقوط منآزل واهتدام طرقات المدينه كانت النفوس البشريه ايضاً والارواح، والإنسانيه والايادي التي تُحاول ان تتشبث بـ الحياة والصفوف التي تسعى ان تبقى مُنتظمه دون شتآت جميعهآ هُدم وبلآ رحمه يا تُرى هل كان الدمآر الذي تسببه المطر سَبباً كافياً في كل هذا النزاع ..؟ آلم يكن يتوجب امام كارثة غرق المدينه ان يقفوا جميعاً صفاً مُتلاحمين لـ يعبروا هذهِ المِحنه بـ سلام .؟ هل هيَ النزعه البشريه ومحاولة تصيد الفُرص المناسبه لـ شق الصف والوصول الى مآرِب صانعيهآ .؟ النهايه الضبابيه التي اوصلني إليها الكآتب جعلتني اتسآءل ايضاً في نهاية الأمر وهو ذات السؤال الذي تكرر ذِكره في الروايه …�. هل المطر نعمه ام نقمه ..؟
، روايه جميله كـ إصدار اول، خفيفه وبــ سرد سهل وشيق وكآتب رائع وطموح ذا فكره بعيده وتطلعات لـ نظره مُستقبليه مُبهره استاذ / فهد الفهد سلمت يمينك ووفقك الله
سررتُ بقراءة مسودة هذا العمل البكر لأخي وصديقي فهد. فهد لمن لم يعرف حوت سلة مهملاته الكثير من المخطوطات الروائية التي لم تعجب طبع القارئ الحاذق فيه. فهد قارئ مختلف، لقيته للمرة الأولى منذ ما يزيد عن العقد بقليل، حينها كان يقام معرض الكتاب في جامعة الملك سعود، كنت أجوب المعرض وقد نشرت روايتي الصغيرة الأولى، في أحد المعارض شيء من الائتلاف الروحي الأدبي خلطني به فأهديته نسخةً من الكتاب، طلبتُ منه أن يرسل لي رأيه على البريد الإلكتروني المرفق على آخر صفحةٍ من الكتاب، فعل فيما بعد، فنشأت بيننا صداقة جميلة احتضنها مقهى في وسط الرياض، كان شاهداً على مسوداتنا، مشاركاتنا في المنتديات، قراءاتنا الجديدة، المفضلة، الخط الروائي لكاتبٍ ما، قصيدة تتشكل كسحابة تعتلي ما بيننا في بعض الأحيان، لم ينتهِ ذلك الطقس؛ لكن المقهى ذاته لم يعد شاهداً على شيء منذ سنةٍ تقريباً. دام، رواية مائية تغوص في الجفاف الإنساني العميق الذي تكشفه النعمة حينما تتحول إلى نقمة. أحكم فهد سيطرته على أبعاد البناء الروائي إلى حدٍ بعيد، الشخصيات المنسلة من وقع الخطوط السردية كانت أشبه بومضة تنير بلحظة خاطفة لصالح الحدث / المطر الذي كان لا يعبأ بالكثير. المدينة الفاسدة، كان يبنيها أولئك الذين جعلوا من الحدث وسيلة لإثبات أفكارهم معتقداتهم، أطباعهم الشائبة، من هناك تنشأ نواة تعتقد أن ما يحدث ليس سوى نقمة من الله على أهل هذه المدينة بسبب ذنوبهم، تكبر النواة، ثم يحدث لها انقسام حيوي معتبر ليتحول فيما بعد لنظير مضاد حين يرى فيما يحدث نعمة، تتشابك الأحداث، تتعقد، يظهر فيما بين ذلك شخصيات تعيش الحدث بشكل مختلف كسارق الكتب، والمتعطش للدماء، وباحث عن ملامح منهكة. سكت فهد في بعض الأماكن، المقاطع، التفاصيل، ترك مساحة حرة مناسبة للقارئ لي��حدث، ليفكر، يتأمل، يؤول. أخيراً، أحب أن أقول لمن أعجبتهم هذه الرواية ومن لم تعجبهم، فهد سيكتب أفضل منها بكل تأكيد.
هَدام او سنة الغرقة كما أعتدت سماعها من معاصرين الجيل السابق " الجدات "التي بالعادة تُذكر لغرض تأريخ القصص والحكيات .والاحداث بدايةً لم أربط اسم الرواية بهذه الحكيات التي كانت تلوح مشوشة بذاكرتي السمعية . وهي ليست كذلك تمامًا وان كانت القصة حاضرة بشكل كامل مع استحداث التاريخ والزمن . و لكل زمن كارثته .!
يعيد لنا فهد سنة الدام لكي نكون داخلها في مدينة تشبه الكثير من المدن الهشة التي نعيش فيها ، حيث صمود مدينة أمام كارثة بصروحها الشاهقة ذات الانشقاقات البنيوية وصراعتها الاجتماعية والدينية أمرٌ محبط ومخيف . وكعادة هذا النوع من الأدب التي يتناول فكرة كارثة ما مفاجئة فهي بكل اتساع تكشف ماتنتجه هذه الوقائع على المجتمع والفرد.
اعتمد الكاتب على الأسلوب القصصي البسيط للأحداث التي كان تتسارع حينًا وتشتد ثم تهدأ وتتباطأ حسب مسميات الفصول مابين "الرذاذ والوابل "مع الحوارات القصيرة المقتضبة نوعا ما لكنها تؤدي غرضا رمزيًا يخدم الاطار العام .ولأن الكارثة عامة فقد كانت شخصيات الرواية حاضرة لخدمة الفكرة على .الأغلب بالرغم من بروز ملامح بعضها
أشيد في النهاية لجمال سرد المشاهد الحربية والوصف المكاني . وأبارك للصديق فهد رائعته الأولى ..
فكرة العمل جيدة جدا، موازية لفكرة رواية العمى لساراماغو. وجدت الثلث الأول من الرواية سلس و مثير و يحفز القارئ على المتابعة. ثم يسقط الكاتب في فخ السرد المطول و الاحداث المفتعلة و الحوارات التي لا تدفع الحبكة. مما جعل شخصيات العمل -في نظري- ليس لها مبررات واضحة لكل ما يفعلونه أو يؤمنون به.
أعجبتني لغة الكاتب في بعض المقاطع و أيضاً فكرة العمل ككل؛ مدينة يغرقها المطر و يغرق ساكنوها في حيرتهم لأسباب هطوله، فينقسمون إلى فئة تظن أن المطر نقمة من الله و فئة أخرى تظن/تؤمن أن المطر نعمة. تدخل الشخصيات في صراعات على هذا المستوى و تنتج حروبا أهلية في المنطقة.
استغربت بشدة صراحةً عندما قرأت مراجعات ايجابية بحق هذا العَمَل.
فكرة العمل ممتازة و غير مكررة، اللغة نفسها لا عيب فيها، لكن الحبكة، او لعله تسلسل الاحداث، او ربماً شيء آخر لا أعرفه، جعل هذه الرواية مملة بشكل لا يصدق. لم يسبق ان أضجرتني رواية الى هذا الحد.
مطر لا يتوقف، مدينة منكوبة ببنية تحتية متهالكة وسلطة عاجزة عن مواجهة الموقف، وتطرّف، تطرّف في الفعل ورد الفعل. فنحن كما يقول الكاتب "متطرفون .. كل فعل طبيعي في الحياة نأخذه إلى أقصاه. إذا تدينّا تطرفنا في الدين، وإذا أحببنا تطرفنا في الحب. نأخذ كل ما نفعله إلى حدوده القصوى" لا عجب إذاً أن نتطرّف أكثر وبشكل بشع إذا ما جوبهنا بموقف غير طبيعي، بمطر لا يتوقف كما في هذه الرواية.
الرواية تكشف عن موهبة رائعة عند كاتبها في عمله الأول هذا. يبقى التحدي الأكبر في العمل التالي في ابتداع الأفكار، إذ أن المطر الكثيف وعجز البنى التحتية والتطرف من الأمور التي كثر الحديث عنها في السنوات القليلة الماضية. السؤال الذي يلح الآن، الى أين ستحملنا مخيلة فهد الفهد في روايته القادمة؟ بالإضافة إلى هذه النقطة، عابت الرواية نهايات أحداثها التي غابت عن بعضها الإثارة والمأثرة فبدت وكأنها وصلات موسيقية بديعة دون قفلات تطرب لها الآذان.
دام رواية جمعت بين التاريخي والإنساني والمُتَخيّل بصورة حركيّة، تنسج انهيار الإنسان في الشكل والصورة عند تماسه مع صدر الكارثة، ومن ثم انقلابه على ذاته بالعداء. خطّ الروائي صدوع الإنسان المتوالية في زمنه النفسي ، بين الرجاء والانتظار في سلسلة بصرية متواترة .
واستخدم الطبيعة والتي تعد من " الدوافع الإيحائية للأدب" في التطعيم الفني المتخيل واللازم لبناء القصة حسياً في ذهن القارئ ( النهر، المطر بإيقاعه وأثره الحركي، ،...) رش، نضح، عباب، رذاذ، وابل، رذاذ، نضح، هطل، نضح، وابل، رذاذ، هطل، وابل، رذاذ، وابل، طل، رذاذ، مشكلاً جسده الروائي على هيئة متواليات صورية ؛ "والتكرار هنا له دلالة نفسية وصوتية" تشي بمعارك النفس واضطرابها الذي يترجم عبر الحس الخارجي. كما وظف الذاكرة الجسدية لخلق الحس المادي للمكان . وبدى الزمن ك-الدائرة مستديرة ومثقوبة.
على المستوى الفكري للسرد، وظف نموذج الفكر اللامنطقي و اللاذهني، والذي يلمسه القارىء في الصراع الدائر بين النعميين والنقميين ؛ وكذا الأيديولوجيا من جهة والكبت من جهة أخرى، إضافة إلى ازدواجيته بين الاقتضاب والفيض، بين الوجد والتحليل، بين التزام الحدود والحماسة، مع اعتنائه بإبراز تعقد المعاناة البشرية عبر تعدد المنظورات والأصوات + معركته مع الشكل الخارجي .
أشباح المطر القيامي تقتحم روحي قراءة في رواية دام لفهد الفهد
(ظننتُ أنّي سأُمضي كل وقتي في القراءة... الكثير من الكتب لا تَملك رفاهيةَ قراءتها ومدينتُكَ مدمَّرة).
(الموتُ يحوم فوقَ رؤوسِنا في كل لحظة ولكننا مع ذلك نجِد شيئاً نتقاتل عليه). (على ماذا تتقاتل هذه العصابات... يتقاتلون على طبيعة المطر، هل المطر نقمة أم نعمة من الله؟).
** � في هذه العجالة حاولت إخراج جميع الأشباح التي اقتحمَت روحي أثناء إبحاري في أمواج رواية دام للروائي الشاب فهد الفهد. � اتجهت بعض القراءات التي كتبَها بعض المراجعين إلى رواية دام اتجاهاً غريباً، فتعامل بعض هؤلاء مع العمل وكأنهم يقرؤون لطالب متدرِّب لديهم في ورشة للكتابة، مع أنني من خلال قراءة العمل أُصبتُ بالهيبة، لأنني وجدت أنني أمام قارئ موسوعي لا يمكن أن يكون غير مطلع على شتى تقنيات السرد. � سبقت رواية أخرى بعنوان (الدام) وكتبها موسى النقيدان، سبقت هذه الرواية إلى عالم النشر، وصدرَت عن دار طوى، وقد قرأت تلك الرواية قبل قراءتي دام الفهد، ولدي بعض الإشارات التي يستدعيها أن الشيء بالشيء يُذكر، فمن ذلك أن رواية النقيدان مؤرخة (تأريخ النص) بعام 1422هـ وهذا دفعني إلى التساؤل: هل أراد النقيدان، الذي نشر العمل بعد ذلك بستة أعوام، أن ينبهنا على أن روايته سبقت رواية يوسف المحيميد (الحمام لا يطير في بريدة)؟ التي صدرت في زمن متقارب مع روايته؟ احتمال مرجوح. � تميزت (الدام) للنقيدان بأنها مادة خام لرواية استثنائية، يصور فيها الحفرة (بريدة) بسرد مترع بالواقعية السحرية، في ملحمة هجائيّة لم أقرأ مثيلاً لها، لكن رواية النقيدان - ويا للأسف - لم تُكتب بلغة عربية، بل هي أشبه بنص عامي لكاتب عامي يحاول بمجهوده الذاتي تحويله إلى سرد فصيح؛ وبهذا تحولت رواية النقيدان إلى مايشبه على طريقة ضرب الأمثال محاولة تشكيل قصيدة عامية بديعة بعلامات إعراب فصيحة ثم إلقاءها على الجمهور، كان عملاً استثنائياً، لكنه عولج معالجة سيئة، كما أن دار (طوى) التي تبنّت الرواية ومن بعدها (مدارك) لم تراجعاه أصلا؛ بسبب كسلهما المعتاد؛ ومن هُنا يُتوقع - وهذا توقُّع محض - أن رواية النقيدان (الدام) سيكون لها حظ أكبر لو أنها تُرجمَت إلى لغات أخرى بعد شيء يسير من التحرير، لأن العيوب الأسلوبية والصياغية والأخطاء اللغوية التي احتشدت بها ستكون غائبة عندئذ، لا سيما أن مضمونها الحكائي وحبكتها ذات أصالة وفرادة واضحة. � إن هدا دفعني إلى التساؤل: لماذا اختار كاتبنا فهد الفهد أن يضع عنوان (دام) وسماً لروايته، مع علمه بوجود رواية تحمل العنوان نفسه؟ هذا سؤال حيّرني، فروايته لا تشبه رواية النقيدان إلا في استعارة حادثة الدام، وكان بإمكانه أن يختار عنواناً آخر، لكنني بعد تأمل اقتنعت باختيار المؤلف. وكان سبب اقتناعي باختياره هذا العنوان لروايته هو أنه يريد أن يقارن بين دامين، دام قديم، ودام محتمل، وبهذا أصبحت الرواية من وجهة نظري تنتمي إلى عائلة روايات (ماذا لو) وليس إلى روايات المدينة المنكوبة (من وجهة نظري)، لأن في الاقتصار على هذا الأمر تقليلا من قيمة العمل. تانك النقطتان السابقتان استلهمتهما بعد تأمل، وبعد قراءتي مراجعات تناولت الرواية، مع أني أكرر أن بعض المراجعات ظالمة، بسبب أنها كانت تطالب الكاتب بتلبية رغباتها، مثل تقديم شخصيات متحررة! أو إعطاء مجال أكبر لشخصية المرأة! أو تحويل الرواية إلى عمل مطول! وكأنه متدرب لديهم في ورشة! � لا أستطيع أن أنكر أن العمل ربما احتاج إلى مزيد من الاهتمام بما يجري في نفوس أبطاله، أو مزيداً من التفاصيل الإنسانية المثرية، لكن ذلك لا يصل إلى حد أن أحوّل قراءتي إلى محاولة تشكيل العمل وفقاً لرؤيتي ليشبه رواية غربية أو فيلما هوليودياً مستحقاً للرضى. كما أنني لم أستطع أن أحكم على دقة وقائع رواية الفهد فيما يتعلق بعلم نفس الكوارث ونفسيات الجماعات فيه، ولا على مستوى دقته كذلك من حيث التفاصيل البيئية، والأمراض، والعسكرية، ولكن هذا الأمر نفسه يحصل لي مع أعمال مقروءة ومرئية مشابهة. وفي الوقت نفسه كانت تنتابني بعض التساؤلات حول كيفية تحول مجموعات من المواطنين العاديين بهذه السرعة، ودونما نموّ كافٍ، إلى مايشبه كتائب عسكرية مدربة خبيرة بالقتال، كما أن تفاصيل طريقة خوض المعارك بالهراوات والرماح والسيوف في مدينة حديثة (ألا تذكرنا بالرياض) ظلت غائمة، لكني استخدمت خيالي في ترميم الوقائع الغائبة. تلك هي طريقة القراءة التي أراها مناسبة، وهي أن يحاول القارئ ترميم الوقائع الغائبة بالخيال في الأعمال التي لا يمتلك القدرة على التأكد من تفاصيلها، ويحضرني أن بعض القراء الذين يبالغون في نقد هذه المواضع لو حاولوا تصوير هذه المشاهد فلربما عجزوا عن تصويرها بأفضل مما صورها به المؤلف. � ثمة عدد من الأعمال السردية التي يمكن رصد بعض أجوائها لدى فهد الفهد في دام، سبقني بعض المراجعين إلى الإشارة إلى بعضها، ومن هذه الأعمال رواية العمى لجوزيه ساراماغو، ورواية أخرى له لا أظن أن أحداً أشار إليها أثناء مراجعته عن هذه الرواية وهي انقطاعات الموت، ومنها عمل مهم للإسباني ثيلا، وهو (لحن ماثوركا على ميتَين)، وهو عمل مرتبط بالقتل والثأر والانتقام تحت زخات مطر دائب لا ينقطع. ومن تلك النصوص أيضاً مونولوج إيزابيل الذي استخرجه ماركيز من رواية ١٠٠ عام من العزلة ونشره على حِدة، وقد كتب عن ذلك في إحدى مقالاته. كما أن من الأعمال التي تعرضت لأجواء مشابهة أعمال وليام فوكنر، ومنها على سبيل المثال: النهر العجوز، وبينما كنت أرقد محتضرة. � أما الإصدارات السينمائية التي تتقاطع مع هذا العمل، فحدّثْ عنها ولا حرج، لكن من أهمها كما لا يجهل الجميع: عالم الماء، والطريق، وبعد 28 يوماً، وغيرها. � كما نستطيع أن نرصد في الرواية أطيافاً من المشاهد التاريخية والمعاصرة: فتوح الإسلام، حروب الخوارج، الصراع العربي الإسرائيلي، داعش والنصرة، داعش والجيش العراقي... إلخ، وعلى سبيل المثال: هذا مشهد من كتاب مصارع الأعيان لمصرع القائد الخارجي شبيب، وهو يشابه مصرع القائد أديب في رواية دام. � إن هذا كله يدل على الثراء المعرفي والموسوعي لدى الكاتب الروائي فهد الفهد، ويدل على أن مفاتيح النص كانت بيده في أثناء كتابته النص ومعالجته، وعلى أنه استخدم مصادر عدة: مصادر بيئته الأصيلة، ومصادر أدبية وفنية عالمية، ومصادر تاريخية قديمة ومعاصرة، وهذا من أسرار تميّز عمله وصدقه؛ فقد لقد عالج العمل بفنية عالية ما يصفه بعض السياسيين العرب بـ(الخصوصية) في العالم العربي والإسلامي، وهو أنه حالما يحدث فراغ سيادي في منطقة ما فإن ثمة تشكيلات كامنة ستبدأ في التشكل، وتعتقد بأن لها الحق المقدّس، وأن البشر الواقعين في ظل نفوذها أمام خيارين: إما الانضمام، وإما الموت. � ومع معالجة الرواية هذا الأمر فإنها لم تقع في المغالاة الأيديولوجية، كما لم تحاول التظاهر بأنها ذات طبيعة رسالية، لم تحاول أن تبكي الإنسانية أو أن تتغنى بالحريّة، ولم تكن تدّعي أن الحبّ قادر على كل شيء، ولا أن الإنسان قادر على أن يحقق مصيره بنفسه، ولا غير ذلك من القوالب الجاهزة. وهذا الأمر منح العمل مزيّة الأصالة الذاتية، وصبَغه بلون الحياد الطبيعي، والانحياز في الوقت نفسه للوقائع الافتراضية ورصدها، في عالم سردي متعدد الأصوات (الأخبار، الإشاعات، الخُطب، النقاشات، الكتُب، المنشورات الجدارية). � وأخيراً... لقد تسلل من الرواية إلينا شغف المؤلف بالقراءة، عبر خوض ثلاثة من أبطاله عوالم المكتبات والقراءة، رغم مصيبة النكبة الحائقة بالمدينة وأهلها... � كما لا يفوتني أن أدعو المؤلف ودار النشر إلى مراجعة العمل لغوياً وأسلوبياً جيداً قبل إعادة طباعته للمرة الثالثة... � وإلى اللقاء،،،
" دام " رواية قامت على فكرة قوية، ومذهلة، لها جذور تاريخية، استغل الكاتب الحدث التاريخي ببلورةٍ جديدة. استعرض فيها بدايات نمو الجنون البشري والعنصرية ..الفكرة المؤدية للعنف، ترك باب الاختلاف مفتوحًا وواقعيًا دون أن يتطرق لمعالجةٍ من أي نوع. لا أعرف هل هذه الواقعية هي ما جعلت الحكاية تسير في خطٍّ مستقيم ومتكرر، وبلغة رتيبة، مع أن الكاتب لديه القدرة على تنوع السرد، وصناعة الدهشة، ونمو الحدث وقد أثبت ذلك في بداية الرواية! فهد، القارئ الحارق .. سيكتب دهشةً أعلى !
This entire review has been hidden because of spoilers.
ذكّرني ببداية مشاهدتي لـ the walking dead وكيف إني اندمجت في المسلسل وأحداثه اللي كانت تتطور بشكل جيد بدايةً لغاية ماوصلت لمرحلة من الفشل إنه صار مُستهلك ومايستاهل تضييع الوقت عليه.
ماكنت عارفة بسنة الدام، ونقدر نقول إنه هالسرد خلاني أرجع لقوقل وأشوف ايش كانت وايش صار فيها.