نسرين غندورة's Reviews > دام
دام
by
استبشرت خيراً عندما عرفت أن فهد الفهد أصدر رواية، دائماً أقرأ مراجعته واستفيد من معلوماته وأراءه، لذلك تحمست لروايته هَدَام واستقبلتها بحاوفة في مكتبتي الصغيرة.
لا يمكن لشخصين أن يقرأ نفس الكتاب. أنا مقتنعة بهذه الفكرة، لأن كل شخص له نظرته وتفكيرة وأسلوبه الخاص في تأويل النص الأدبي. قد يقيم شخصان النص ذاته بـ 5 نجوم ولكن لكل منهما أسبابه المختلفة.
أنا شخصيا أبحث عن الابتكار والاستقلالية لدى الكاتب. وقد وجدت ذلك في دام. التي تُصنف ضمن فئة الديستوبيا ولكنها تختلف عن غيرها، تمكن فهد من وضع وسمه الأدبي الخاص عليها، واستخدم العناصر الأدبية للرواية بتمكن ليكتب نص يخاطب العقل دون أن يتجاهل العاطفة.
عندما بدأت بقراءة هَدَام وجدت نفسي في "مسبح" الأحداث منذ السطر الأول.
حيث يقف مُجند يتلقي تعليمات صارمة من قائده "لا أسرى".
ثم يصف نفسه وهو واقف تحت الرذاذ والماء يجري من تحته ويقطر من ثيابه وسلاحه.
أثار المشهد الغامض الكثير من التساؤلات في ذهني، تابعت القراءة إلى أن عثرت على أجوبتها في المشهد الأخير، الذي فسر المشهد الأول وكشف عن هوية ذلك المُجند ودوافعه لخوض المعركة واختيار الفئة التي يقاتل في صفها.
تجدر الإشارة هنا إلى أن المشهد الأول يأتي بعد المشهد الأخير حسب التسلسل الزمني للأحداث. أظن أن الغرض من هذا التقديم هو التعبير عن دائرة العنف التي لا يمكن تحديد بدايتها أو نهايتها. وقد يكون بهدف التشويق فقط.
تحكي هَدَام عن الماء الذي تحول من مصدر للحياة إلى سبب للوفاة، عندما أغرق المطر المدينة الصحراوية. فمنذ البداية تذكرنا الرواية أن كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده. تستمر أحداث الرواية تحت السماء التي تحولت إلى محيط مقلوب وتراوحت شدة المطر بين الرش والوابل. كل فصل معنون بأحد أسماء المطر (رش - هطل � نضح - عباب - رذاذ � وابل � رذاذ - نضح � هطل � نضح � وابل � رذاذ � هطل � نضح - وابل � رذاذ � وابل - طل � رذاذ - ثم توقف المطر) ومرة أخرى أجد نفسي أفكر في دورة المطر التي يصعب التنبؤ بتقلباتها.
بين السماء الممطرة والأرض الغارقة تطفو شخصية ماجد الرجل البسيط الذي ينطلق في مغامرة، بهدف إنقاذ زوجته ذات الملامح المنهكة. يتوقف في عدة محطات منها مقهى بات فيه ليلته الأولى خارج بيته، في الصباح حاول أن يغادر المقهي لكنه كان حائراً وهو يفكر في طريقة تُمكنه من اجتياز النهر العظيم الذي كان أمامه، بالقرب منه وقف رجل بدين له لحية خفيفة وجبهة عريضة يقول "هذه نقمة". تابع ماجد صراعه مع المطر والتقي بشاب لطيف صموت اسمه صالح، كان طريقهما واحد فوحدهما الهدف والمصير. وبعد ذلك ظهر الرائد خالد الذي غرق في الحيرة وهو يحاول أن يجد طريقة للقيام بعمله في هذه الأجواء الكارثية، ومعه مساعده النقيت أديب الذي لا يكف عن التدخين وتقديم الحلول المقترحة لرئيسه. تستمر الأحداث والمطر. ماجد يتابع طريقة وحيدا ويتحول إلى كائن برمائي نوعا ما، فقد اكتسب خبرة في التأقلم مع المطر. الرائد خالد يغرق في التقارير. النقيب أديب يتخذ العديد من القرارت الحاسمة. الشيخ عبد الله، هو الرجل البدين ذو اللحية الخفيفة والجبهة العريضة صاحب نظرية "النقمة"، يجمع أتابعه وينقلهم من مدرسة إلى مول ويطلقون عليه اسم "المقر". ثم يتغير مجرى الأحداث عندما يتكون تيار جديد بقيادة سليمان ذو اللحية الكثة، وصاحب نظرية "النعمة" يلتف حوله مجموعة من المؤيدين، وبالتالي ينشقون عن "النقميين" ويتقلون إلى مكان جديد ويطلقون عليه اسم "المعقل". ثم يبدأ القتال بين "النعميين" و"النقميين". يقرر النعمون ألا يأخذوا أي أسرى. وسط هذه الفوضى العارمة تظهر شخصية قاتل غامض، يعرض المساعدة على التأهين ثم يستدرجهم لوكره ليعذبهم ويقتلهم ببطء. يتابع ماجد مغامرته، ويلتقي في إحداى نقاط التجمع بشاب نحيل مفرط الحركة بنظرات كبيرة وابتسامة مخبولة يحمل حقيبة ظهر مليئة بأشياء غربية، يؤكد الشاب لماجد أنه مستكشف بارع. يقرران المغادرة معا، ماجد مازال يبحث عن زوجته أما الآخر فيقول له أنه يبحث عن شيء ولا يضيف أي تفاصيل. خالد يبدأ بالتحقيق في قضايا القتل ويحاول القبض على القاتل الغامض. يعترف المستكشف لماجد أنه تألف مع المطر منذ البداية وأنه يأوى إلى المنازل المهجورة ويقضي فيها ليلتين غالبا ثم يأخذ تذكار ويرحل، هكذا امتلئت حقيبة ظهرة بكل ما فيها من عجائب. أثناء رحلتهما يضطران لقضاء ليلة في ضيافة رجل مسن يستقبلهما بكرم ويعرب عن استغرابه من الحرب وعدم فهمه لها. ثم يلي ذلك مشهد يقدم تفسيراً الحرب من خلال حوار:
مذهبهم غريب كيف يؤمنون أن المطر نعمة؟
هم لا يؤمنون بذلك مذهبهم مبني فقط على مخالفتنا.
تتصاعد الأحداث ويقع رجل مسن في قبضة خمسة مقاتلين نعميين في العشرينات من أعمارهم، يسألونه عن قوله في المطر أهو نعمة أم نقمة. لا يتمكن الرجل من تميز الفئة التي ينتمون إليها فيلجأ إلى الحيلة ويعطيهم جواباً دبلماسياً.
هل ينجو الرجل المسن؟ هل ينجح الرائد خالد في المحافظة على الأمن وتطبيق القانون؟ ماذا سيفعل النقيب أديب بعدما ينفد مخرون السجائر والأسلحة؟ هل سيجد ماجد زوجته؟ هل سينال القاتل جزاءه؟ ما هو الشيء الذي كان يبحث عنه المستكشف؟ ماذا حدث لصالح بعد ما افترق عن ماجد؟ ومن منهم يا ترى هو المُجند الذي التقينا به في المشهد الأول؟
هَدَام تجيب على كل هذه الأسئلة بطريقة غير متوقعة. يصور مشهد النهاية توقف المطر والجثث التي غرفت في القاع أو جرفها التيار فالموت لا يفرق بين نعمي أو نقمي أو محايد.
وبالرغم من كل ما حدث استمر القتال، فقد توقف المطر ولكن طوفان العنف مازال يجتاح كل العقول ويغرق التقوى والرحمة والتعقل فلا سبيل للنجاة أو الخلاص.
إما إن تكون قاتلاً أو مقتولاً "لا أسرى".
إذن السبب الحقيقي للقتال ليس كارثة طبيعية (المطر) بل كارثة الطبيعة البشرية (العنصرية والتعصب).
رواية رشيقة ومتقنة ومبتكرو. جديرة بالقراءة والتأمل.
هَدَام هي أول الغيث. وهي شهادة ميلاد لروائي يمتلك موهبة فريدة وعقلية واعية. استطاع أن يقدم إضافة نوعية للأدب السعودي منذ العمل الأول.
أدعو الله أن يوفق فهد. سأكون بانتظار روايته الجديدة.
by

استبشرت خيراً عندما عرفت أن فهد الفهد أصدر رواية، دائماً أقرأ مراجعته واستفيد من معلوماته وأراءه، لذلك تحمست لروايته هَدَام واستقبلتها بحاوفة في مكتبتي الصغيرة.
لا يمكن لشخصين أن يقرأ نفس الكتاب. أنا مقتنعة بهذه الفكرة، لأن كل شخص له نظرته وتفكيرة وأسلوبه الخاص في تأويل النص الأدبي. قد يقيم شخصان النص ذاته بـ 5 نجوم ولكن لكل منهما أسبابه المختلفة.
أنا شخصيا أبحث عن الابتكار والاستقلالية لدى الكاتب. وقد وجدت ذلك في دام. التي تُصنف ضمن فئة الديستوبيا ولكنها تختلف عن غيرها، تمكن فهد من وضع وسمه الأدبي الخاص عليها، واستخدم العناصر الأدبية للرواية بتمكن ليكتب نص يخاطب العقل دون أن يتجاهل العاطفة.
عندما بدأت بقراءة هَدَام وجدت نفسي في "مسبح" الأحداث منذ السطر الأول.
حيث يقف مُجند يتلقي تعليمات صارمة من قائده "لا أسرى".
ثم يصف نفسه وهو واقف تحت الرذاذ والماء يجري من تحته ويقطر من ثيابه وسلاحه.
أثار المشهد الغامض الكثير من التساؤلات في ذهني، تابعت القراءة إلى أن عثرت على أجوبتها في المشهد الأخير، الذي فسر المشهد الأول وكشف عن هوية ذلك المُجند ودوافعه لخوض المعركة واختيار الفئة التي يقاتل في صفها.
تجدر الإشارة هنا إلى أن المشهد الأول يأتي بعد المشهد الأخير حسب التسلسل الزمني للأحداث. أظن أن الغرض من هذا التقديم هو التعبير عن دائرة العنف التي لا يمكن تحديد بدايتها أو نهايتها. وقد يكون بهدف التشويق فقط.
تحكي هَدَام عن الماء الذي تحول من مصدر للحياة إلى سبب للوفاة، عندما أغرق المطر المدينة الصحراوية. فمنذ البداية تذكرنا الرواية أن كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده. تستمر أحداث الرواية تحت السماء التي تحولت إلى محيط مقلوب وتراوحت شدة المطر بين الرش والوابل. كل فصل معنون بأحد أسماء المطر (رش - هطل � نضح - عباب - رذاذ � وابل � رذاذ - نضح � هطل � نضح � وابل � رذاذ � هطل � نضح - وابل � رذاذ � وابل - طل � رذاذ - ثم توقف المطر) ومرة أخرى أجد نفسي أفكر في دورة المطر التي يصعب التنبؤ بتقلباتها.
بين السماء الممطرة والأرض الغارقة تطفو شخصية ماجد الرجل البسيط الذي ينطلق في مغامرة، بهدف إنقاذ زوجته ذات الملامح المنهكة. يتوقف في عدة محطات منها مقهى بات فيه ليلته الأولى خارج بيته، في الصباح حاول أن يغادر المقهي لكنه كان حائراً وهو يفكر في طريقة تُمكنه من اجتياز النهر العظيم الذي كان أمامه، بالقرب منه وقف رجل بدين له لحية خفيفة وجبهة عريضة يقول "هذه نقمة". تابع ماجد صراعه مع المطر والتقي بشاب لطيف صموت اسمه صالح، كان طريقهما واحد فوحدهما الهدف والمصير. وبعد ذلك ظهر الرائد خالد الذي غرق في الحيرة وهو يحاول أن يجد طريقة للقيام بعمله في هذه الأجواء الكارثية، ومعه مساعده النقيت أديب الذي لا يكف عن التدخين وتقديم الحلول المقترحة لرئيسه. تستمر الأحداث والمطر. ماجد يتابع طريقة وحيدا ويتحول إلى كائن برمائي نوعا ما، فقد اكتسب خبرة في التأقلم مع المطر. الرائد خالد يغرق في التقارير. النقيب أديب يتخذ العديد من القرارت الحاسمة. الشيخ عبد الله، هو الرجل البدين ذو اللحية الخفيفة والجبهة العريضة صاحب نظرية "النقمة"، يجمع أتابعه وينقلهم من مدرسة إلى مول ويطلقون عليه اسم "المقر". ثم يتغير مجرى الأحداث عندما يتكون تيار جديد بقيادة سليمان ذو اللحية الكثة، وصاحب نظرية "النعمة" يلتف حوله مجموعة من المؤيدين، وبالتالي ينشقون عن "النقميين" ويتقلون إلى مكان جديد ويطلقون عليه اسم "المعقل". ثم يبدأ القتال بين "النعميين" و"النقميين". يقرر النعمون ألا يأخذوا أي أسرى. وسط هذه الفوضى العارمة تظهر شخصية قاتل غامض، يعرض المساعدة على التأهين ثم يستدرجهم لوكره ليعذبهم ويقتلهم ببطء. يتابع ماجد مغامرته، ويلتقي في إحداى نقاط التجمع بشاب نحيل مفرط الحركة بنظرات كبيرة وابتسامة مخبولة يحمل حقيبة ظهر مليئة بأشياء غربية، يؤكد الشاب لماجد أنه مستكشف بارع. يقرران المغادرة معا، ماجد مازال يبحث عن زوجته أما الآخر فيقول له أنه يبحث عن شيء ولا يضيف أي تفاصيل. خالد يبدأ بالتحقيق في قضايا القتل ويحاول القبض على القاتل الغامض. يعترف المستكشف لماجد أنه تألف مع المطر منذ البداية وأنه يأوى إلى المنازل المهجورة ويقضي فيها ليلتين غالبا ثم يأخذ تذكار ويرحل، هكذا امتلئت حقيبة ظهرة بكل ما فيها من عجائب. أثناء رحلتهما يضطران لقضاء ليلة في ضيافة رجل مسن يستقبلهما بكرم ويعرب عن استغرابه من الحرب وعدم فهمه لها. ثم يلي ذلك مشهد يقدم تفسيراً الحرب من خلال حوار:
مذهبهم غريب كيف يؤمنون أن المطر نعمة؟
هم لا يؤمنون بذلك مذهبهم مبني فقط على مخالفتنا.
تتصاعد الأحداث ويقع رجل مسن في قبضة خمسة مقاتلين نعميين في العشرينات من أعمارهم، يسألونه عن قوله في المطر أهو نعمة أم نقمة. لا يتمكن الرجل من تميز الفئة التي ينتمون إليها فيلجأ إلى الحيلة ويعطيهم جواباً دبلماسياً.
هل ينجو الرجل المسن؟ هل ينجح الرائد خالد في المحافظة على الأمن وتطبيق القانون؟ ماذا سيفعل النقيب أديب بعدما ينفد مخرون السجائر والأسلحة؟ هل سيجد ماجد زوجته؟ هل سينال القاتل جزاءه؟ ما هو الشيء الذي كان يبحث عنه المستكشف؟ ماذا حدث لصالح بعد ما افترق عن ماجد؟ ومن منهم يا ترى هو المُجند الذي التقينا به في المشهد الأول؟
هَدَام تجيب على كل هذه الأسئلة بطريقة غير متوقعة. يصور مشهد النهاية توقف المطر والجثث التي غرفت في القاع أو جرفها التيار فالموت لا يفرق بين نعمي أو نقمي أو محايد.
وبالرغم من كل ما حدث استمر القتال، فقد توقف المطر ولكن طوفان العنف مازال يجتاح كل العقول ويغرق التقوى والرحمة والتعقل فلا سبيل للنجاة أو الخلاص.
إما إن تكون قاتلاً أو مقتولاً "لا أسرى".
إذن السبب الحقيقي للقتال ليس كارثة طبيعية (المطر) بل كارثة الطبيعة البشرية (العنصرية والتعصب).
رواية رشيقة ومتقنة ومبتكرو. جديرة بالقراءة والتأمل.
هَدَام هي أول الغيث. وهي شهادة ميلاد لروائي يمتلك موهبة فريدة وعقلية واعية. استطاع أن يقدم إضافة نوعية للأدب السعودي منذ العمل الأول.
أدعو الله أن يوفق فهد. سأكون بانتظار روايته الجديدة.
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
دام.
Sign In »
Reading Progress
March 6, 2017
– Shelved
March 6, 2017
– Shelved as:
to-read
May 8, 2017
–
Started Reading
May 10, 2017
–
Finished Reading