قبل أن تتحوّل عنايات من كاتبة مجهولة إلى ندّاهة تطاردني، قبل أن أرى صورتها، وأسمع طرفًا من أخبارها، وأشعر أنني مشدودة من أنفي لمعرفتها، كنت أبحث عن الكنز، عن أرشيفها الشخصيّ الذي لا بد أنه هناك، متفرق بين البيوت وجغرافيا القاهرة وفي ذاكرة من تبقى من حياتها من أحياء تدمير أرشيف عنايات الشخصيّ، بدا لي مثل كارثة في أول الأمر، لكن غيابه جعلني أتتبع أثر ما تم طمسه. جعلني أفكر أن طموحي ليس عرض حياتها في صفحات كتاب، عرض حياة شخص ميت هو مشاركة في التسطيح والتفريغ المستمر للماضي من معناه. قلتُ لنفسي، لا يجب أن أتكلم باسمها، لا يجب أن أقدم مسودة لحياتها، هناك لحظة تقاطع بيننا، سأجعل هذه اللحظة تعمل مثل دليل روحي وسنختلف في كل ما عداها كثيرًا. ربما هي نفسها لا توجد إلا في هوامش نجت من سيطرة المؤسسات والأسرة والأصدقاء؛ ربما كان عليَّ أن أتتبع آثارها في "الهالِك"، في جغرافيا دارسة عاشت وماتت فيها، الشارع والمقبرة والمدرسة الألمانية ومعهد الآثار الألماني، في قانون الأحوال الشخصية وقضية الطلاق، في سياق رفض الرواية ونشرها، في الأحلام والصداقة والحب والاكتئاب والموت. لقد بدتْ لي قصص كل من تقاطعت حياته مع حياتها، وكأنها جزء من قصتها. أردتُ أن أعرفهم واحدًا واحدًا لأنهم مروا بحياتها
صدر لإيمان مرسال 1995 ممرّ معتم يصلح لتعلّم الرقص، دار شرقيّات، القاهرة. طبعة أولى ١٩٩٥ 2004 طبعة ثانية بينما صدرت الطبعة الثالثة عن مكتبة الأُسرة في 2013 المشي أطول وقت مُمكن، دار شرقيّات، القاهرة 1997 والطبعة الثالثة عن مكتبة الأُسرة في 2013 جغرافيا بديلة، دار شرقيّات، القاهرة. طبعة أولى 2006 وطبعة ثانية 2011 حتّى أتخلّى عن فكرة البيوت، دار شرقيّات ودار التنوير، القاهرة � بيروت 2013 ذبابة في الحساء، تشارلز سيميك. دار الكُتب خان، القاهرة، 2016 2020 الطبعة الثانية
كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها. كيف تـ مع مؤسسة مفردات، برلين - براسل، 2017 2018 طبعة ثانية أغسطس
في أثر عنايات الزيّات، الكتب خان، طبعة أولى نوفمبر 2019 طبعة ثانية، ١ يناير 2020
ولدت إيمان مرسال في المنصورة، مصر في 30 نوفمبر 1966 وشاركت في إصدار مجلة "بنت الأرض" المستقلة من 1986 إلى 1992. انتقلت إلى القاهرة في 1988 و نُشرت قصائدها في مجلات هامشية كانت نافذة للكتابة الجديدة في مصر مثل "الجراد" و"الكتابة الأخرى" ويعدّ كتابها "ممرّ معتم يصلح في تعلّم الرقص" واحداً من أهم الكتب الشعرية الصادرة عن جيل التسعينيات في الشعر العربي تركت مرسال مصر إلى مدينة بوسطن الأمريكية في 1998 بعد سنوات من العمل كمحررة في مجلة "أدب ونقد" القاهرية وبعد حصولها على الماجستير في الأدب العربي بعنوان "التناص الصوفي في شعر أدونيس"، ومن بوسطن إلى كندا حيث تعمل أستاذ مساعد للأدب العربي ودراسات الشرق الأوسط في جامعة ألبيرتا. أقامت مرسال في برلين كأستاذة متفرّغة للعام 2012- 2013 لإنهاء كتابها عن "أمريكا في كتابة الرحلة العربية" وهو تطوير لرسالتها للدكتوراة التي حصلت عليها في 2009. تُرجمت مختارات من عمل مرسال إلى أكثر من 22 لغة منها ترجمة خالد مطاوع لمختارات بالإنجليزيّة عن شيب مادوت برس - نيويورك في 2008 ومختارات إلى اللغة الهندية 2012 ترجمها الشاعر جيت شاتورفيدي، كما صدر "المشي أطول وقت ممكن" بالأسبانية عن دار نشر هيوجرا وفيرو بمدريد في يناير 2013 و ديوان "جغرافيا بديلة"عن دار نشر ليبرو دِل اير في مدريد في يناير 2014، وديوان ممرّ معتم يصلُح لتعلّم الرقص عن دار نشر هيوجرا وفيرو في ٢٠١٦، وقد قام بترجمة الكتب الثلاثة لورا سالجورو ومارجريتا أوزاريو منندز صدرت مختارات من قصائدها بالفرنسيّة في يناير ٢٠١٨ عن أكت سود، باريس كما صدرت الترجمة الإنجليزيّة لـ "كيف تلتئم عن الأمومة وأشباحها"، ترجمة روبن ميجور، في نوفمبر ٢٠١٨ ----------------
من هي عنايات الزيات؟ كاتبة مصرية نُشر لها بعد وفاتها روايتها الأولي والوحيدة "الحب والصمت "و تعمدت قراءاتها قبل قراءة هذا الكتاب وهي رواية أقل من عادية، من السهل جداً نسيانها-إنتحرت في سن ٢٧ بعد رفض الدار القومية نشر روايتها و أيضاً بعد خسارتها لقضية حضانة طفلها الوحيد بعد إنفصالها عن زوجها..
لأسباب غير مفهومة بالنسبة لي قررت الكاتبة إيمان مرسال أن تكتب هذا الكاتب الذي لا يعتبر سيرة ذاتية عن الكاتبة المغمورة ولكنه مجرد توثيق لرحلة البحث التي قامت بها الكاتبة لتتبع حياة عنايات سواء في العثور علي منزلها وقبرها ومقابلة أفراد من أسرتها وأصدقائها القدامي التي كانت من ضمنهم الممثلة الشهيرة نادية لطفي..
السؤال المهم هل الحماس والشغف اللي كان عند الكاتبة و المجهود المبذول منها لمحاولة العثور علي معلومات تخص عنايات -وهو الصراحة مجهود يُحترم و نحييها عليه -هل كل دة كافي لجعل هذا الكتاب ممتع أو حتي مهم؟ الصراحة وبمنتهي الأمانة.. لأ..
الكتاب ممل جداً و حياة عنايات لا يوجد بها أي حاجة مثيرة للإهتمام ولا ملهمة لكي تجعلني مستمتعة بقراءة هذا الكتاب! كمية التفاصيل والحشو واللت والرغي اللي في الكتاب غير عادية!
ليه قعد أنا أقرأ صفحات علي شجرة العائلة بتاعة عنايات وليه أقعد أدور علي قبرها وأكتشف إنها دُفنت في حجرة جانبية مش في المدفن الرئيسي؟!! ليه أقرأ عن خريطة حي الدقي القديمة عشان نوصل لبيتها القديم؟ ليه أعرف لون الحبوب المنومة اللي انتحرت بيها عنايات وتفاصيل عن المصحة النفسية اللي قعدت فيها فترة و تاريخ بناءها؟! ليه حضرتك يا أستاذة إيمان بتذكري لون الكنبة اللي كانت بتقعد عليها عنايات من ٦٠ سنة!!! والله العظيم دة لو نجيب محفوظ بجلالة قدره مش حهتم بمعلومة زي دي... الصراحة كمية الرغي لا حصر لها ولا داعي لذكرها كلها عشان هي تقريباً الكتاب كله!!
كتاب زي دة ليه يفوز بجائزة الشيخ زايد و لا يفوز الكتاب الرائع والملهم 'أن تعشق الحياة' للمبدعة علوية صبح ؟
كتاب ممل..غير مهم إلا للكاتبة فقط...لم يجعلني أتعاطف مع عنايات الزيات ولم يجعلني أحب قلم إيمان مرسال! نجمة للغة المحترمة ونجمة لمجهود الكاتبة..و ٣ نجوم ، مكافأة ليا أنا عشان قدرت أخلص هذا الكتاب!
يظل هذا النص السردي ضاربا في جذر شجرة الألم التي ينهمر في جذعها شجن الإبداع قاعة بحث تدخلها إيمان مرسال بمفردها في عقلها فرضية أن المبدعة تواجه حصارا شرسا تحاول إزاحته بطموحها وموهبتها ، وهي تحسن الظن بالسياق المحيط ، لكنها تجد الحياة قاسية ، والقامات التي كانت تراها سامقة تصبح هزيلة ، واليوم يلتهم الحلم ، وترحل تدخل إيمان عالم عنايات ، مثل المحقق كونان ، تلتقي بمن عاصر ، تجمع مادتها كباحثة متمكنة ، تضعها بالترتيب ، تعيد النظر فيها بالتداعي ، بالإحالة ، بالاستنباط ، بالرجاء ، كمن يقف على دار عبلة التي لا تستطيع التكلّم ، مثلها مثل الفرس التي تبكي بلا دموع ، وتشكو بلا صهيل تحاول أن ترى الملامح وتستنطقها ، من الطفولة والمدرسة الألمانية ، إلى المقابر وحيدة بين غرباء كأنها ترسل لها خطابا خاصا ، ولأنها لن تتلقاه فإن هناك من سيستقبله ، ويشعر بطوفان الأسى ، ويغلق صفحات الكبار الذين يستهلكون من حولهم ، وينتفعون بهم ، بلا عون ، بلا يد تمتد ، بلا نظرة عطف عمل بحثي شاق وشائق يطرح على كل من يسير في طريق إبداع هويته كلمة وحيدة هي استمر نص في سرد المقاومة لو أحسنا فهمه كن قويا أيها المبدع لا تتوقف مهما كانت الحواجز لا تستسلم كحصان مرهق لم تعد لديه رغبة القفز من أجل الفارس من أجل موهبته من أجل ميدالية لن يمنحه إياها غير ضميره الذي سيبتسم في قناعة بما وصل إليه مهما سبقه آخرون لا أظن أن قارئ العمل سيكتفي بالجانب السلبي لسيرة مبدعة يائسة خذلها المحيطون فتركوها في محيط العدم سيأخذ القارئ الوجه الآخر الذي أرهقت إيمان نفسها باستقصائه وجه المبدع الذي يبحث عن الحقيقة مدركا أن رحلته ستكون مضمارا لرحالة آخر يتخذ من المسار بوصلة لكنه يستطيع تعديلها وتوجيهها والتماس نورا يتنفس في شعوره حتى لو كان ضوءا خافتا يتسلل لمناطق النفس الداكنة ويزيح أمامه بعض ركام الواقع الصعب مثل العائش في الحقيقة كان البطل المحفوظي يبحث عن سيرة المنشد الذي يتطلع إلى السماء مثل غرفة المصادفة الأرضية كان بطل مجيد طوبيا يبحث عن مهجة تطلق إيمان ذاك المرسال الذي لا يكف عن استقصاء ظواهر الدنيا ليكتب بين دفتي كائن ورقي صغير دليلا للألم والفقد والطموح في أثر عنايات الزيات في طريق العذاب الإبداعي في مدينة استهلاك البراءة تترك إيمان خطا على رمال التواصل يقود لذاتها المبدعة التي سكنت فيها عنايات الزيات ابنة الستينيات والطموح والانكسار والأصوات التي تسري كنداهة على نهر الفن ذاك الجسر العابر بين الحقيقة والوهم كيف كتبت عنايات؟ لماذا كتبت؟ لمن كتبت؟ من خذلها؟ هل ظل أحد معها؟ هل كان يدري بها أحد؟ حين تموت سينشرون روايتها وتقدمها الإذاعة في مسلسل الخامسة والربع بكل جماهيريته وتمثّل دور البطلة زيزي البدراوي برومانسيتها الممزقة للقلوب ويكتب مصطفى محمود مقدمة الرواية ويتحدث أنيس منصور عن كاتبة تركت أوراقها وذكرياتها وحياتها والحب والصمت خطان يحيطان نصنا البشري تخترقهما إيمان مرسال لعل الحب يشرق من نص الرواية على نص الحياة ولعل الصمت ينطق مساءلة لتاريخ قريب عاشته الأمهات والآباء أنجزوا غربتهم في حكاياتهم وتوارت الحقيقة في بوح مكتوم خلف قناع تنزعه مرسال بشيء من الألم
خلقت إيمان مرسال كي تكتب مثل هذه الكتب وتثري المكتبة العربية بنوع نادر جدا من الكتابة وتضيف صوتا لا يشبه أي صوت آخر هذا كتاب مؤلم وشديد الصدق وبالغ العذوبة ولو أنك حاولت الانتحار يوما فستجد فيه تجربة وجدانية محزنة وسامية تذكرك بتجربتك الأليمة وتؤكد لك أنك لست وحدك في هذه الدنيا
واحد من أجمل الكتب التي قرأتها هذا العام. إن لم يكن أجملهم على الإطلاق. لغة بديعة وسرد شديد الذكاء. وعلى حسب علمي هي تجربة نادرة في اللغة العربية. مش عارف أوصف بالضبط نقطة ثقله الأساسية. لكن الواحد يقدر يقول إنه كتاب غني. غني بالتفاصيل والشخصيات والحكايات، والنقلات والمشاعر. تعبير غني تعبير مبهم يمكن. لكنه الأقرب لما فكرت فيه طيلة الكتاب. والحقيقة كتابة إيمان مرسال فعلًا واحدة من أكثر الكتابات المؤثرة بالنسبة لي. سواء في الشعر أو النثر، وعندها يختلط الاثنان طول الوقت. الكتاب تتبع لسيرة عنايات الزيّات وروايتها الوحيدة، وطول الوقت يشعر الواحد إن كتاب إيمان مرسال مزيج من الملاحظات الشخصية والنقد الأدبي والتدوين والقصة. مزيج جميل صنع كتاب مختلف ورائق فعلًا.
رحلت قبل تقرأ روايتها التي انتحرت من أجلها بعد أن رفضتها آنذاك كل دور النشر ...عنايات الزيات في حديث الكاتبة عن أفولها تتشعب حكايات إيمان مرسال الرائعة تقصت حالة من الحالات المبهمة في حيثياتها وتتفرد بسبقها عن عنايات الإنسانة قبل أن تسرد حالها الثقافي والفكري تلك المرأة التيصدرت روايتها الوحيدة بعد رحيلها بأربع أعوام أسلوب مشوق كتب بطريقة تتنافس مع الروايات لحالة شخصية لإمرأة واكبت الوسط الفني منذ سبعينياته ومن أفواه الكبار أمثال الراحلة نادية لطفي وغيرها تتقصى أثر إمرأة خلدها الموت..أنصح بها
من أفضل كتب السنة .. احنا مش بندور على عنايات صاحبة بولا .. لأ، أحنا بندور على عيون مرسال بتبص ازاي لعنايات .. مرسال واحدة ليها روح و قلب و ذكاء توريك التفاصيل بعينيها .. تفاصيل ممكن من غيرها، محدش ياخد باله منها .. أنها تربط حياتين حياتها بحياة عنايات . إيمان عاشت معانا رحلتها و شغفها بعنايات .. بدافع الفضول أو الهروب من مشاكلها أو حتى بدون دافع غير البحث عن حد يستاهل بصمة مسابهاش! أيا كان .. مرسال كانت عدسة ليها روح و قلب و ذكاء تدوق و تشم و تحس و تحلل الكلام، الصور، مقاطع ممزقة من مذكرات، بيت قديم، باب شقة حتى .. د واحدة ربطت روحها و بحثها بأدبها و حياتها و تجاربها و ملامحها .. د مرسال الى مزجت الأدب بالبحث بالعاطفة و الفكر .. أنا مفهمتش عنايات .. أنا فهمت إيمان و بحثها عن عنايات .. سلام لروح الزيات و عذاباتها و سلام لروح مرسال و موهبتها ❤️ 4.5/5 🌻
"بصي، الاكتئاب ده استعداد شخصي، مرض، هى كان عندها الاستعداد ده"
"إن امرأة سعيدة لا يمكن أن تنتحر من أجل كتاب" .. فكرة هذا الكتاب كانت وليدة الصدفة، فبعد أن وجدت "إيمان مرسال" رواية تسمى "الحب والصمت" ولم تكن قد سمعت عنها من قبل، بدأت في قراءتها. مرة وثانية وثالثة وحتى عاشرة، لا تعلم ما الذي يجذبها لهذه الرواية وكاتبتها بالذات. كاتبتها! التي أنهت حياتها وهى في عمر الخامسة والعشرين وتركت ابن ورواية هما كل ما تملكه!
تتتبع مرسال حياة "عنايات الزيات" وتسير في أثرها علّها تستطيع فك اللغز القابع خلف انتحارها
ه�� انتحرت لأن روايتها الوحيدة رُفضت ورأت الهيئة العامة أنها لا تصلح للنشر! أم لأنه بلغها بأن فترة حضانتها لابنها قد قاربت على الانتهاء وسيذهب ليعيش مع والده! أم لأنها كانت في صراع طويل مع الاكتئاب ولم يكن هناك من يشعر بها؟! .. مزيج هائل وصادق من المشاعر، ونبش في الماضي وفي الذكريات، محاولة للبحث عن الحقيقة التي قد تكون واضحة جلية وقد لا نعثر عليها أبداً. .. أحببت الحالة التي تركتني فيها هذه السيرة حالة التفكير العميق والتأمل
أحببت سيرة عنايات الزيات التي لم أكن أعلم عنها غير أن لها رواية تسمى "الحب والصمت".
شكراً "إيمان مرسال" على هذا الكتاب الجميل وشكراً على مجهودك وبحثك لعدة سنوات والسفر من أجل البحث عن الحقيقة .. الحقيقة فقط.
"تتبع الأثر لا يعني مل كل الفجوات، ولا يعني البحث عن كل الحقيقة من أجل توثيقها، إنها رحلة تجاه شخص لا يستطيع الكلام عن نفسه، حوار معه، ولا يمكن أن يكون إلا من طرف واحد" بصدفة غريبة تتورط إيمان مرسال في سيرة حياة مشروع كاتبة غامضة، لها رواية وحيدة نشرت بعد وفاتها، .فارقت الحياة باختيارها وهي لم تكمل بعد عامها السابع والعشرين سيصدمك في البداية هذا التعلق الغريب بأي خيط يقود إليها لكن إيمان مرسال ستصيبك بذات العدوى لتتلهف على تكشف أي معلومة عن عنايات الزيات. كتاب خارج التصنيفات الأدبية المعتادة هو ليس كتاباً للسيرة الرسمية للروائية ولكنه رحلة تقفي لأثر كل ما اتصل بها وتتبع لأثر إيمان مرسال لنفسها أيضاً في كتابة جميلة ينسجم فيها الخاص مع العام.
مصادفة نادرة جمعت الشاعرة إيمان مرسال برواية «الحب والصمت» للكاتبة عنايات الزيات، التي عرفت فيما بعد أنها ماتت في شقتها منتحرة عام 1963، من هذه الرواية ومن قصة الانتحار الغامضة تلك تبدأ رحلة استكشافية طويلة، وعلى طريقة التحقيقات الصحفية تتبّع إيمان مرسال أثر عنايات الزيات وتجمع ما يمكنها الوصول إليه من أوراقها وأخبارها المتناثرة لتتعرف على سيرتها الذاتية بشكل دقيق، وما الذي يمكن أن يكون قد قادها إلى تلك اللحظة المأساوية التي قررت فيها أن تتخلى عن أحلامها وكتابتها وابنها وعالمها وتترك الحياة وتقرر أن تموت!
لاشك أن الرهان كان صعبًا، ولكن يبدو أن الصدق والإخلاص في البحث والتقصِّي وشيء من روح الكاتبة الحاضرة الغائبة، جمع كل هذه المواد المختلفة من قصاصات الجرائد والمجلات إلى أقوال الجيران والأصدقاء وشهادات الشهود، والبحث الدؤوب والإصرار على الوصول إلى كل ما بقي من أثر تلك السيدة التي مضى على رحيلها نصف قرنِ من الزمان، ولم يبق من الشهود على حياتها وماضيها إلا عجائز، ولعل المصادفة الكبرى في حياة عنايات الزيات كانت صداقتها الوثيقة بالفنانة نادية لطفي. من الرواية تبدأ إيمان مرسال رحلة بحثها، التي يسهل التعرف على أنها رواية عن الموت، ليس موت أخ البطلة فحسب بل ـعلى حد تعبير إيمان مرسال ـالموت الذي تحاربه البطلة في داخلها وضجرها بهذه الحياة، ولكنها لا تتوقف عندها، رغم ما يمكن أن يستكشفه القارئ من تقطاعات أوضحتها بين بطلة الرواية «نجلاء» والكاتبة «عنايات»، إلا أن ثمة تفاصيل أخرى غير معروفة، خاصة في سيرة حياتها وطريقها نحو الكتابة وعلاقاتها بالمجتمع، سعت إيمان مرسال باجتهاد بالغ للوصول إليها وتقفي آثارها، بدءًا من صديقتها الفنانة «نادية لطفي» التي رحبت بشدة بالتعاون معها وحكت لها كل ما عرفته عن الأديبة الراحلة، مرورًا بأختها المترجمة عظيمة الزيات والمفارقة التي جمعت بينها وبين أختها في دار النشر القومية التي ظنت أنها رفضت روايتها قبيل انتحارها، حتى تصل إلى صديقاتها في المدرسة وتعرف وتكشف لنا جوانب من حياتها كانت مجهولة للجميع!
ولعل أجمل ما فعلته إيمان مرسال في الكتاب هو طريقة السرد التي اعتمدتها والانتقالات بين الحكايات والمصادر، والتي جعلت القارئ شريكًا معها في رحلة الاستكشاف تلك، فهي تقدم كل فصل بالحكاية القديمة التي قادتها إلى معلومة جديدة، وشيئًا فشيئًا يتعرّف القارئ معها على ما تجده من مفاجآت، وهي في كل ذلك تمزج بين سيرتها الذاتية ومواقفها الشخصية وبين حياة عنايات الزيات وحكايتها، حتى أنها تتصوّر بعض المشاهد والمواقف وترسمها بخيالها بطريقة أدبية وكيف كانت يمكن تعامل عنايات الزيات معها، فترسم مشهدًا لجلستها العائلية أثناء طلب الطلاق من زوجها، تلك التي كان لها أثر سيئ وتسببت لها في الكثير من المشكلات القضائية آنذاك، كما ترسم مشهدًا دقيقًا لدخولها المستشفى التي كانت تعالج فيها من الاكتئاب فترة طفولتها، وغيرها من المشاهد والمواقف. ..................................... على إضاءات
كتب علي عزّت بيغوفيتش: "إن المعنى النهائي للفنّ أن يكتشف الخصوصية الإنسانية في الذين أساءت إليهم الحياة؛ وأن يكشف عن النبل الإنساني عند أناس صغار منسييّن في خضمّ الحياة.. وكلما كان وضع الإنسان متدنيًّا في الحياة فإن اكتشاف نبله يكون أبلغ إثارة ". تلك العبارات تليق تماماً بهذا العمل الذي يجسد مسيرة إيمان مرسال لسنوات مقتفية أثر عنايات الزيّات؛ الشابة المصرية التي لاقت نهاية مأساوية بعدما تركت مخطوطة رواية وحيدة لم تجد من ينشرها. من هي عنايات الزيّات في ميزان المبدعين؟ وهل روايتها مميزة لحد الاحتفاء بها بعد ستين عاماً من رحيل مؤلفتها؟ تلك كلها أسئلة ثانوية، لأن هذا العمل الاستقصائي يتجاوز البُعد الفردي ليؤرخ لمرحلة هامة في الحالة المصرية، أقصد مرحلة الريادة. عنايات الزيّات تكاد تكون، بحضورها العابر الذي بتنا نحتفي بأثره أكثر من جوهره، تكاد تكون رمزاً لآخر أنفاس البورجوازية، بتقاطعها المكرر والهش مع أسماء أيقونية: أنيس منصور ومصطفى محمود ويوسف السباعي ولطيفة الزيّات ونادية لطفي وسواهم. أين كل أولئك الآن؟ وما علاقتهم بالحياة القصيرة للبطلة المنتحرة التي كان موتها أبرز محطات حياتها؟ هل كان ذلك ذنب أحد؟ بطريقة ما، فإن تتبع أثر عنايات الزيّات هو تأريخ لقاهرة الستينات. شبكة علاقاتها ومجدها القديم. لكنها أيضاً سيرة لمشروع نهضوي نسوي مُجتزأ. كتبت إيمان مرسال في وصف حالة عنايات: "حدث معها ما يحدث كثيراً.. يتحول الكاتب الذي لا يستطيع التواصل مع الآخرين إلى بطل مسرحي.. يتضخم إحساسه الوهمي بالظلم أو بالعظمة أو بانعدام معنى وجوده. ينتهي به الأمر في منصب ثقافي، أو يصبح حقوداً، أو عصامياً متعالياً مشغولاً بصورته كعصامي نزيه". بصورة ما، تكاد رحلة إيمان مرسال في البحث عن قبر عنايات نبشاً لرفات زمن مقبور، بكل ألقه وآماله. إعادة بعث لمرحلة مصرية-كوزموبوليتانية لن تعود، وإعادة رسم لخرائط طمسها واقع جديد. جدير بالذكر إن القيمة البارزة الأخرى للعمل يمثلها الجهد الاستقصائي الذي قامت به الكاتبة عبر سنوات إعداد هذه المادة. كل المقابلات والمكالمات والرحلات، والسعي المضنى ضمن شوارع ومستودعات أرشيف جار عليها الإنسان قبل الزمن. هذا النوع من الصحافة الاستقصائية قليل وبالغ الأهمية، وقد قدمته د. مرسال بأروع ما يمكن مازجة بمهارة وحرفية بين صوتها الشخصي وإرث عنايات كما ينقله معاصروها.. أو ما بقي منه ومنهم.
من أول ما مسكت الكتاب ما قدرتش أسيبه. كتابة في منتهى الجمال فعلاً ومالهاش تصنيف حقيقي، لأنها ما بين السيرة والتخييل والاستقصاء الصحفي والمقال. بس التصنيف مش هيبقى الشاغل الأساسي للي هيقرا لأن أي حد أحب كاتب بشكل خاص هيقدر يتفهم، ويعجب الحقيقة، بقدر الاهتمام إللي أولته إيمان مرسال لاستقصاء الموضوع. وفوق التفهم ده كمان هيقدر يتعاطف مع هاجس استكمال القصة بتاعت الكاتب ده من الأجزاء إللي نعرفها عنه وعن قصته، وتخيل الناقص منها، والكلام عنه والذهاب للأماكن إللي هو كان فيها والرجفة إللي ممكن تنتج عن ده. دي حاجة بعملها في حياتي، وبشكل شبه يومي تقريباً، وأول مرة أقرا حاجة توصف الحالة دي بالظبط، وتوصفها بالجمال والدقة دول.
وصف إيمان مرسال للحظة وصولها لمقبرة عنايات لوحده في منتهى الجمال.. دي كانت واحدة من أوقات كتير الواحد كان بيقرا فيها الكتاب من بين دموعه.. ربنا يرحم الجميع.
أو�� تماس بيني وبين إيمان مرسال حدث في شهر نيسان عام ٢٠١٣ عندما قرأت ديوانها الشعري ممر ضيق يصلح لتعلم الرقص. عثرت عليه بالصدفة وكنتُ أظن أنه ديوان خفيف يصلح كفاصل بين كتابين دسمين لكني فوجئت بأنه كتاب ثقيل جدًا جدًا. كان كل مقطع فيه وكأنه وتد دُق في خاصرتي بلا رحمة.
بعد هذا الديوان، شعرت وكأن هناك ارتباط روحي من نوعٍ غامض قد ربطني بهذه الشاعرة للأبد!
مرت السنون وفي عام ٢٠٢٠ فوجئت بصدور كتابها في أثر عنايات الزيات، وهنا فقط عادت ذاكرتي للوراء، لتلك الأيام والليالي التي قضيتها وروح عنايات الزيات تحوم حولي، ولا تتركني بسلام. كنتُ قد عثرت على خبر انتحارها بسبب رواية كتبتها في الستينات ورفض دور النشر لنشرها في ذلك الوقت وقد عادت (أي دور النشر) فيما بعد وفاتها لنشرها وهي رواية الحب والصمت.
بحثت عن الرواية وأي معلومات إضافية عن الكاتبة ولكني لم أعثر على أي شي�� يذكر. عشر سنوات كاملة مرت على تلك الحادثة، كنت قد بدأت في ذلك الوقت أي عام ٢٠١٠ في مشروع بحث وتقصي عن الرائدات الفلسطينيات وعثرت أثناء بحثي على عنايات وقمت باستثناءها من البحث لأنها مصرية.
فرغت من الدراسة التي عكفت عليها ثلاث سنوات ونشرتها في يوم المرأة الفلسطينية في الثامن من آذار عام ٢٠١٣. وفي أثناء إعادة ترتيب مكتبي بعد الفوضى التي حلت به ورغبتي في التخلص من مسودات الكتاب والأوراق غير اللازمة، عثرت على الأقصوصة التي تحمل اسم عنايات وروايتها وانتابني شعور غامض باليأس وصعوبة تقفي أثرها وشعرت بشغفي يخفت تجاهها دون مقدمات أو أسباب رغم أن طيفها لم يغب عن بالي وقد حلمت عدة مرات بأني اقتفي أثرها وابحث في تراثها، وقد عزمت على فعل ذلك حال انتهائي من بحثي قيد الدراسة، لكن على ما يبدو أن طيفها قد ملَّ من انتظاري فغادرني دون رجعة ليسكن في بال ووجدان أخرى كانت أكثر حماسة مني وأكثر تقديرًا ونشاطًا.
قبل أن تغادرني عنايات عرفتني على إيمان من خلال ديوانها سابق الذكر والذي قرأته مباشرة بعد صدور كتابي بحوالي شهر حسب موقع الجودريدز الذي يحتفظ بتواريخ قراءة كل كتاب. يا لها من مصادفة عجيبة، وكأنها رسالة من عنايات تقولي لي فيها: أقدم لكِ الحالمة الجديدة التي سوف تقتفي أثري من الآن فصاعدًا!
منذ صدور كتاب إيمان مرسال عن عنايات وأنا أتحرى شوقًا لقراءته، واقتفي أثر كل من قرأه وكتب عنه مراجعة أو رأي في الصحف الورقية والإلكترونية حتى جاء اليوم التي لمحت صورة غلاف الكتاب يظهر على جهاز الكيندل في صورة لإحدى الصديقات على الفيس بوك وقد أيقنت أنه قد أصبح متاحًا وشرعت بالبحث عن الرابط وحملت الكتاب وشرعت في قراءته.
بعد رحيل والدي في التاسع من يناير ٢٠٢١، دخلت في دوامة اكتئاب شديدة، حاولت جاهدة التخلص منها ولكني فشلت، كنتُ اشعر بأني في حفرة وكلما حاولت الخروج منها سقطت فيها مرة أخرى. اقترح زوجي عدة اقتراحات منها قراءة كتاب جيد وخفيف لكي يعدل من مزاجي الحاد. أثناء بحثي عن كتاب جيد وخفيف عثرت بالصدفة على (في أثر عنايات الزيات) وبدأت في القراءة، لم يكن أبدًا كتابًا خفيفًا بل ثقيل جدًا، لم يخرجني من دائرة الاكتئاب بل عمل بإخلاص على تضييق الدائرة حولي أكثر فأكثر.
ها أنا أقف أخيرًا وجهًا لوجه أمام عنايات الزيات بعد مرور عشر سنوات على زيارتها الأولى لي. قلت في نفسي يا ترى هل تشعر عنايات بالغضب تجاهي لأنني تخليت عنها ذات يوم عندما مزقت الأقصوصة وألقيت بها في سلة المهملات؟ هل التمست لي العذر؟ هل سامحتني؟ هل غفرت لي قلة حيلتي وضعف إمكانياتي ؟
طوال قرائتي للكتاب وأنا أشعر بالتماهي الشديد معها ومع الكاتبة وكأننا شخص واحد، روحٌ واحدة توزعت في ثلاثة أجساد!
تقاطعت مسارات حياتي بمساراتهن وتشابهت إلى الحد الذي أخافني وأفزعني حتى الموت! كنتُ خلال قراءة الكتاب اقرأ نفسي بوضوح بين السطور. أنهيته في جلستين متتاليتين وخرجت منه مُتعبة حد الموت ومُنهكة حد الوجع.
كان كتابًا مؤلمًا يشبه كثيرًا الحدث الجلل الذي أصابني في مقتل والذي حاولت تجاوزه بكل ما تبقى لي من طاقة وإرادة. لقد بدأت السنة الجديدة بداية مفجعة وحزينة جدًا برحيل والدي عن دنيانا، ولا أعلم صدقًا متى وكيف سوف أتقبل الوضع الجديد ومتى وكيف سوف أتقبل حياة لا وجود لأبي فيها.
نصيحة لوجه الله، لا تقرأ هذا الكتاب إذا كنت في حالة نفسية سيئة.
قبل سنوات ارتفعت ثقتي بما تكتبه إيمان مرسال بشكل عام، خصوصاً بعد كتابها [ كيف تلتئم.. عن الأمومة وأشباحها ]. لكن هنا في هذا الكتاب الوضع مختلف، التقصي عملية متعبة لكن الرحلة تستحق. عنايات الزيّات، اسم طرق أسماع أدباء مصر والعالم العربي في القرن الماضي، لكنه بقي في دائرة ضيقة، أما ذياع الاسم عربياً فلم يكن بسبب الرواية الوحيدة التي أنتجتها ( الحب والصمت )، بل كان بسبب الخاتمة الغريبة التي قررت ختم حياتها بها وهي في ريعان شبابها.. قررت الانتحار! من هذه النقطة تبدأ رحلة إيمان بالبحث عن أثر عنايات، وطوال قراءتي للكتاب كنت أتخيل عنايات تنظر لإيمان نظرة إعجاب وفخر، وظننتُ أنّهن لو التقيا معاً لأصبحتا صديقتين حميميتين. الاستقصاء الأدبي سمة بارزة في الكتاب، وأغلب المعلومات الواردة في جزئه الأخير قد لا يهمّ سوى المختص، لكنها ضرورية لفهم سياقات الحدث.
أكثر ما شدّني طريقة السرد والمزج بين حياتها الخاصة (إيمان ) وبين بحثها عن حياة ( عنايات ) وكأنّ حيوات الآخرين هي انعكاس شفيف لحيواتنا بطريقة أو بأخرى. والفصل الذي يبتدأ في البحث عن مقبرتها من أمتع الفصول.
«قلت لنفسي: مثلما تركت عنايات المدرسة الألمانية وبين الزوجية وسعد وابنها وحياتها نفسها، تركت المقبرة خلفها. هي المطرودة من الأرشيف الرسمي، والمنزوية في غرفة جانبية في مقبرة العائلة تعرف ماذا تريد. لقد أرادت أن تظلّ حرة وخفيفة وبلا أرشيف شخصي ولا شجرة عائلة ولا شاهد قبر. أنا مشيت في اتجاهها طويلاً.. هي من ستقرر من ستمشي تجاههم في المستقبل».
لعل هذه أجمل خاتمة يختم بها الكتاب ليوضح بالضبط ماذا أرادت "إيمان" أن تقول عن "عنايات".
في ٢٠١٣ وقعت يدي بالصدفة البحتة على نسخ إلكترونية لدواوين إيمان مرسال، "ممر معتم يصلح للرقص" و "المشي أطول وقت ممكن"، قرأت الديوانين في وقت قياسي وأظن -والله أعلم- بأنني جلست طوال السنة لا اقرأ إلاهما كلّما احتضنني اليأس أو جرّبني الاكتئاب. بعدها بفترة بسيطة قرأت "حتى أتخلى عن فكرة البيوت"، وقتها أتذكر بالضبط دهشتي وكيف لإنسانة أن تكون عناوين قصائدها قصائد قائمة بذاتها لا تحتاج لأي تكملة. أيقنت بأنني أحب إيمان وإنتاجها وعمقها الفذ الذي تختصره بجمل قصيرة حينما قرأت "كيف تلتئم عن الأمومة وأشباحها." الكتاب الذي يحز قلبي ويعتصره كلّما تذكرت تفاصيله أو مراجعتي الشخصية -الشخصية جدًا- له. الكتاب الذي استنزفني لكنني أعدت قراءته بمجرد انتهائي منه، لأنه كتاب إيمان ولأنها عادات وتقاليد مع كتب إيمان. في أحد دواوينها كتبت مرسال: "يبدو أنني أرثُ الموتى ويوماً ما سأجلسُ وحدي على المقهى بعد موتِ جميع مَن أُحبُّهم دون أيّ شعورٍ بالفقد حيثُ جسدي سلةٌ كبيرة ترك فيها الراحلون ما يدلّ عليهم."
وأعتقد جدًا بأن إيمان ورثت في جسدها عنايات الزيّات دون أن تعلم، وتحتاج أن ينقضي ردح كبير من الزمن لتنقر عنايات دواخل إيمان وتحركها، توجّهها وترشدها لهذا الاستقصاء المطوّل، لهذا التحقيق الذي امتد سنوات، لهذا المنشور الصحفي العميق والمكثّف والرقيق أن يصلنا. تبدأ الرحلة بصدفة بحتة أيضًا في أن تشتري إيمان رواية عنايات الوحيدة "الحب والصمت" أثناء بحثها عن كتاب آخر تمامًا. لكن الكتب هي التي تختارنا ونرجو أن تفعل ذلك في الوقت المناسب، لأنني أتفق مع إيمان حين قالت: "أحيانًا يهز كيانك عمل أدبي ما ولا يعني ذلك أنه عمل غير مسبوق في تاريخ الأدب، أو أنه أفضل ما قرأت في حياتك. إنها الصدف العمياء التي تبعث لك رسالة تساعدك على فهم ما تمر به، في اللحظة التي تحتاجها تمامًا، دون حتى أن تعرف أنك تحتاجها." أعمال ربما تكون في هذا الزمن بالية أو فقدت معناها وجوهرها، أعمال فقدت أهميتها بالتقادم بالزمن، لكنها وجدتنا في الوقت المناسب، أو استطاعت أن ترتّب دواخلنا بشكل ما وتلفت أنظارنا لحلول ربما. هذا ما حدث لإيمان مع عنايات، أصبحت الكاتبة في خلفية رأس إيمان تناديها وتسحبها من أذنها وكأنها مصرة أن تُعرف عن طريق إيمان وهي الكاتبة الرقيقة التي لم تحتمل ألم الحياة من فرط رقتها. عنّي أنا كقارئة تجذبني السِير الذاتية والمذكرات واليوميات بشتّى أنواعها، يذهلني الكلام عن شخص موجود بيننا وأحب أن أعرفه كما يريدني أن أعرفه تمامًا. لكن هذا الكتاب لا يمكن تصنيفه كسيرة ذاتية، هذا تتبّع أثر."تتبّع الأثر لا يعني ملء كل الفجوات، ولا يعني البحث عن كل الحقيقة من أجل توثيقها. إنه رحلة تجاه شخص لا يستطيع الكلام عن نفسه، حوار معه، ولا يمكن أن يكون إلا من طرف واحد." هكذا بدأت إيمان رحلتها، من المقابر في رحلة للبحث عن قبر عنايات وكأنه الوسيلة الوحيدة لها، اكشف أغوارها. "كان القبر هو المكان الوحيد الذي هي فيه فعلًا." يعجبني أن إيمان تتبع قلبها في البحث كما في الكتابة كما في علاقتها مع عنايات، أخذ الكتاب وقتًا طويلًا للكتابة وأخذ وقتها أطول في اتمام البحث والاستقصاء لأن مرسال كانت تنتظر تلميحات عنايات وتقدّر حذرها. كانت إيمان تعاملها كما الأحياء، تحترم حضورها وغيابها ونقرها شبه المستمر على حياة إيمان. سلسلة من الصدف السعيدة كما وصفتها هي التي أوصلت إيمان لإتمام الكتاب، والمرور بشخصيات كثيرة كي تخرج لنا بعمل رقيق كما صاحبتاه. "قلتُ لنفسي لا يجبُ أن أتكلّم باسمها، لا يجب أن أقدّم مسودة لحياتها، هناك لحظة تقاطعٍ بيننا، سأجعل هذه اللحظة تعمل مثل دليلٍ روحيّ وسنختلف في كل ما عداها كثيرًا." هذا بالضبط ما قامت به إيمان، كتبت المتاح الذي سمحت به عنايات، التي وافقت عليه ضمنيًا، التي عانت لكي يصلنا صوتها لكنها فقدت الأمل بسرعة أكبر من سرعة وصولنا لكتابها. ما سأقوله الآن ليس مهمًا جدًا لكنه هو الذي شدّ قلبي وآلمني فعلًا، في الفصل الثاني والعشرين كتبت إيمان وهي تستحضر أرواح الكاتبات العظيمات ما قبل عنايات أو ممن عاصروها وتجمعهن على طاولة صغيرة أمامها وتتخيلهن يمرون بأزمة يقومون على إثرها بجز شعرهن. "لا توجد كاتبة عظيمة إلا وتخرج من رحم كارثة ما." تتخيّل التيمورية ووردة اليازجي وميّ زيادة ودرية شفيق التي أهانها "أبونا جميعًا" طه حسين ولطيفة الزيّات يجززن شعرهم بعدمواقف أليمة تعرضوا لها في حياتهن، من فقد وإيذاء وإهانة وخيانة. "أخمن أن بعضكن جززن شعرهن مرة على الأقل...... الغريب أن أيًا منكن لم تكتب عن هذه اللحظة، لو حدث هذا لكان لدينا أنطولوجيا عظيمة عنوانها جزّ الشعور تؤرخ لحظات اليأس.." شخصيًا استيقظت ذات صباح كئيب، وموضع سريري يتيح لي أن أنظر لنفسي في المرآة مباشرة بعد الجلوس على السرير استعدادًا للنهوض، جلست أنظر لنفسي وشعري الغجري الذي لطالما شعرت بأنه أماني، متناثرًا يسخر مني في المرآة. نظرت على يميني التقطت المقص جززت منه مااستطعت ثم نهضت أكمل يومي كأن شيئًا لم يكن. لم تكن رغبة في تغيير الذات أو تشويهها كما تقترح مرسال لكن��ا كانت محارلة أخيرة للشعور، محاولة أخيرة لإرغام نفسي للشعور بعبثية الفعل، محاولة أن تكون هذه الفعاة صفعة تيقظني مما كنت نائمة خلاله. لا أعلم كيف تكتب إيمان تجعلني اقرأ كتبها دائمًا بشكل شخصي، أسقطه على نفسي واربط بيننا دون وعي. قرأت الكتاب لأنني أحب إيمان وأتممته وأنا أحب عنايات. في أحد اللقاءات مع بلال فضل قالت إيمان عن كتابها كيف تلتئم - بما معناه- أنها تركت الكثير لم تكتبه عن الأمومة لكي تتيح المجال لنساء أخريات كي يكتبنه كون تجربة الأمومة تجربة لصيق للمرأة. أما في هذا الكتاب ختمته بجملة "أنا مشيت في اتجاهها طويلًا. هي من ستقرر من ستمشي تجاههم في المستقبل." وكأنها تقول للحديث بقية لكن عنايات ستطرق على باب أحد منكم مستقبلوا، فارخوا مسامعكم.
" مش كل حاجة بنعرف نحط كلمة مطرحها الدنيا لسه فيها حاجات مبنعرفش نشرحها طول ما موجودة .. الدنيا متهدتش ميصحش آجي الدنيا كأني مجتش ! في شفرة جوانا لسه متفكتش وقدامها لسه كتير .. "
" مش كل طرح الدنيا كلام ولا كلنا ولاد النسيان لازم هتفضل ف الدنيا حاجة نقطفها بحاول أوصفها .. كأني بوصف لواحد أعمى ايه الألوان ! " = مصطفى إبراهيم ❤️ =
" طموحي ليس عرض حياتها في صفحات كتاب ، عرض حياة شخص ميت هو مشاركة في التسطيح والتفريغ المستمر للماضي من معناه " إيمان مرسال
هل قرأت " قطار الليل إلى لشبونة " ؟! هل فاجئك أن يقوم أستاذ اللغات بتتبع حياة الشاعر والطبيب أماديو بهذا الفضول والشغف والتعلق وأحياناً الهوس ؟!
حسناً .. هنا تحولت الرواية لقصة حقيقية ذكرتني إيمان مرسال كثيراً بغريغوريوس الذي أحببته
أحاول تخيل إحساس عنايات الزيات ولو أنها تعرف أن أحدهم تتبع حياتها وخطواتها وكلماتها وأصدقائها وكل مشاعرها إحباطاتها ويأسها .. حتى مذكراتها الشخصية بهذا الشغف وجعل كل هؤلاء يقرؤنها ويتكلمون ويكتبون عنها ويدعون لها ويشعرون بمعاناتها ! هل تعرف عنايات ذلك ؟! فأنا أؤمن بأن الميت يشعر بنا أعتقد أن روحها تبتسم لإيمان :) وتشكرها بالألمانية بقى ع كل هذا المجهود والجمال تخيل أن يأتي أحدهم بعد موتك بحوالي 50 سنة ليكتب عنك ويهتم بأدق تفاصيل حياتك ..
جعلني الكتاب أتسائل ألا يستحق كل إنسان مثل هذا الاهتمام والشغف به ؟! ليست حياة المشاهير فقط التي تستوجب البحث عنها وتوثيقها ليست فقط الإنجازات المادية والشهرة والمواهب هي الجديرة بأن تُعرف وقد أثبتت إيمان ذلك فعنايات فعلياً لم تحقق أي إنجاز مادي حتى روايتها الوحيدة صدرت بعد انتحارها ..
ألا يستحق كل منا ولو فرصة واحدة ليحكي قصته ليحكي أعمق مشاعره .. إحباطاته .. هزائمه .. انتصارته التي لا تمثل لأحد شئ وتمثل له كل شئ أؤمن أن كل إنسان يستحق هذا الحب وهذا الاهتمام يستحق أن يُبذل من أجله كل هذا الجهد
لإيمان أسلوب ساحر يشعرك بالشجن .. أسلوب به جمال خفي ❤️ أسلوب صادق جداً إيمان مفكرة من الطراز الأول
هذه ليست سيرة عنايات الزيات فحسب ولكنها أيضا سيرة إيمان مرسال .. أحببت رحلتها وذكرياتها ❤️ وكيف تقاطعت حياتهم ومشاعرهم ومخاوفهم كيف تواصلوا وبينهم كل هذه السنوات الفاصلة كيف وصفت عنايات في فقرات شعور إيمان وشعور كل أم والمعضلة التي تقع فيها وإحساسها بفناء ذاتها وضياع كيانها وذوبانها ف أولادها ..
أنت هنا لا تنظر لعنايات الزيات ولكن تنظر لها ومن خلالها للمرأة في هذا العصر المتعسف الظالم لها بل أنت تنظر للمرأة في كل العصور
إيمان مفكرة وباحثة ممتازة وحكاءة من الطراز الأول والكتاب دراسة شاملة .. دراسة اجتماعية تاريخية لمصر انفتح ع موضوعات لا حصر لها تناولتها بمنتهى الإمتاع انه سحر الحكايات 😍 من قصة صديقتها اليهودية التي هربت هي وأمها من ألمانيا النازية وكيف ساهم المصريون في إنقاذ عدد كبير من اليهود بالحيل الطبية إلى تاريخ مستشفى العباسية وكيف نهض بها ولأول مرة دكتور وارنوك بعد أن كان المرضى يتركون المستشفى ليتبركوا بالأولياء فيضيعوا ولا يعودوا ثانيةً أو تعود المريضة وهي حامل ! وبعد أن كانت المريضات يبيتن ف مكان أشبه باسطبل الخيل نهض بالمستشفى وغيرها جذرياً إلى قصة أول مستشفى نفسي خاص في مصر وتفاصيل إنشائه إلى العالم المتبحر الألماني الذي فضل الإقامة بمصر وعشقها ومات فيها وتخلى عن الجنسية الألمانية معادةً للنازية ومات وهو مصري الجنسية لدكتور العيون الألماني أيضا الذي رفض أن يعمل إلا في مصر لإشفاقه ع المرضى من انتشار أمراض العيون بها وافتتح عيادة للأغنياء وعيادة مجانية تماماً للفقراء وهو أيضاً تخلى عن الجنسية الألمانية ومات مصري ! ذلك الرجل العظيم الذي كُتب ع شاهد قبره " للعميان أعطى النور ، وللباحثين أضاءت حكمته " ❤️ لظلم وإجحاف قوانين الأحوال الشخصية المصرية في حق المرأة ومعاملتها وكأنها شطرنج يحركه الزوج كيفما يحب !
سيرة عنايات مأساوية بحق واكتملت المأساة بموت ابنها أيضاً 🥺 مما جعلني أتسائل هل كانت فرچينيا وولف جديدة ؟!
برغم كل ذلك كانت هناك تفاصيل كثيرة أسهبت في الكلام عنها ولم تجذبني إطلاقاً منها مثلاً جزئية البحث عن أي رشيد باشا يمت بصلة لعنايات .. هذه الجزئية أصابتني بالملل حقاً
كما أني أفكر في مدى أخلاقية هذا ! مدى أخلاقية نشر أجزاء من مذكرات ويوميات وخواطر لشخص ما ! حتى وإن وافق ذويه فأنا شخصياً لا أقبل هذا ع نفسي وبالتبعية فلا أقبله ع أحد هل مجرد موافقة أختها أو صديقتها يكفي حقاً لنشر حديثها لنفسها ع الورق أمام الكل !
ولكن في كل الأحوال فقد شعرت بصدق إيمان وولعها بعنايات ومدى تعلقها بها وإيمانها بوجود اتصال روحي بينهما حتى انها عندما وصلت أخيراً لقبرها رأت أن عنايات هي التي أذنت لها وأوصلتها إليها ! لطيف الكتاب ❤️ وربنا يرحمها رحمة واسعة عنايات وكل عنايات 🥺 25/1/2021
"تتبع الأثر لا يعني ملء كل الفجوات ولا يعني البحث عن كل الحقيقة من أجل توثيقها. إنه رحلة تجاه شخص لا يستطيع الكلام عن نفسه، حوار معه، ولا يمكن إلا أن يكون من طرف واحد"
تتقاطع رحلة إيمان مرسال مع عنايات الزيات صدفة في عام ١٩٩٣ عندما إشترت إيمان رواية عنايات الوحيدة الحب والصمت الصادرة في ١٩٦٧ من سور الأزبكية أثناء بحثها عن كتاب آخر.
ليثير فضولها الكاتبة المجهولة التي صدرت روايتها الوحيدة بعد إنتحارها بأربع أعوام وتحاول أن تتبع آثار خطواتها التي محاها الزمن وأن ترسم شجرة نسب أدبية وشخصية لعنايات المنسية.
لتستغرق منها رحلتها نحو عنايات قرابة العقد من الزمن ما بين إقامتها الدائمة في كندا وزيارتها المتكررة للولايات المتحدة يتبقى لها زيارات خاطفة للقاهرة حيث تتقفى آثر عنايات وشذرات سيرتها المبعثرة ما بين عائلتها وأصدقائها.
لم تكمن صعوبة الرحلة في إنقضاء أكثر من نصف قرن على رحيل الكاتبة ولا في تلاشي معظم إرثها الشخصي والأدبي ولكن في تبعثر خيوط حكاياتها وإنقطاع بعض تلك الخيوط من الأساس ولكن إصرار إيمان مرسال وفضولها كانا الدافع الإكبر لإستكمال المشوار.
صحبتني إيمان معها خطوة بخطوة أثناء بحثها الدؤوب فتمشيت معاها في شوارع الدقي وأحسست بحماسها لمقابلة ناديه لطفي وإستشعرت تعاطفها عند زيارة المصحة الألمانية، وتلمست ترددها من أسئلة كانت من الممكن أن تجرح السيدة عظيمة الزيات، وتماهيت مع دموعها عند قبر عنايات.
نادية لطفي كانت هي مفتاح سر حياة عنايات، فبولا صديقة طفولة عنايات من المدرسة الألمانية كانت الوحيدة مِن مَن أحبوا عنايات القادرة على "إستحضار صوتها بعد عقود على صمته"، لم تبخل بحكاياها على إيمان فسردت لها بوضوح تفاصيل طفولتهما ومراهقتهما المشتركة فكانتا بمثابة أختان. " حاجتين بس كنت بسعي ليهم الصداقة والحرية. أنا قدرت أتغلب على كل القيود وما اتكسرتش أبدا لا في علاقاتي ولا في شغلي إنما موت عنايات كسرني"
فجيعة إنتحار عنايات لم تلقي بظلالها على أسرتها فقط ولكنها إمتدت لتشمل رفيقة دربها بولا التي أصابتها الصدمة بإنهيار عصبي رفضت على إثره حضور جنازة عنايات.
فلم تكن صداقتهما التي تشاركتا فيها حب السينما وقراءة الروايات والإفتتان بفاتن حمامة ما كان يجمعهما فقط بل إنهما تشاركتا أيضا الإنتقال الإجتماعي والثقافي والنسوي لجيل ما بعد ثورة ٥٢.
فنادية التي سبقت عنايات في الزواج وإنجاب إبنها الوحيد سطع نجمها سريعا في عالم الفن بينما إنطفاء نجم عنايات بنفس السرعة على إثر زيجة لم يكتب لها النجاح.
فزوجها الطيار ابن التاجر الثري لم يكن يحب السينما ولا القراءة ولم يتقبل بحث زوجته عن ذاتها فما حاجة الزوجة والأم لذات.
إستمرت الزيجة بدون حب ولا تفاهم ولا إنسجام.
لتحطم عنايات قيود هذا السجن الزوجي وتعود إلى شقة الدور الثاني في بيت والدها بالدقي التي إستقلت بها عنايات بعد طلبها الطلاق من زوجها.
توجهت عنايات للمحكمة بعد ثلاث سنوات من الزواج لتطلب التطليق من زوجها الذي تحولت مشكلتها الزوجية معه لصراع وقضايا استمرت حتى رحيلها.
وربما كان الصراع الأكبر هو معركتهما حول حضانة طفلهما عباس الذي سمي على إسم جده لوالدته. هذا الطفل المشتت بين والديه. لا ذنب له في خلافهما ولكنه بطريقة أو أخرى كان يدفع ثمن هذا الصراع.
واحد من هذه الأثمان محاولة والده وزوجته في إستقطابه نكاية بوالدته، أن يقول لزوجة أبيه ماما وأن ينادي والدته طنط.
"نحن لا نملك أحدا ولا يملكنا أحد الحياة تتغير، والأشخاص، ولا شيء يبقى حتى الأبناء..... حتى الذين تكونوا بداخلنا وتغذوا على دمائنا ودفعنا ثمنهم آلام المخاض المروعة..... حتى هذا الذي ورث بعض صفاتي.... وملامحه ملامحي حتى هذا الذي إبتسامته إبتسامتي...... حتى هذا الذي أرضعته مع اللبن......حبي حتى هذا الذي أُرقت..... لينام حتى هذا يتغير.... حتى هذا ينساني.... أنه لم ير الحياة بعد.... بعد مازال على الشاطئ.... فماذا يفعل لو خاضها إلى ركبتيه... وهل يضيع مني للأبد؟....."
ثمن أخر دفعه الطفل هو إستخدام حقيقة خضوع والدته للعلاج من الإكتئاب في مصحة نفسية كدليل لعدم كفاءتها في قضية الحضانة.
لتقع عنايات مرة أخرى في براثن الإكتئاب، فهذا الموت اليومي كان رفيق عنايات منذ الطفولة فهي التي عولجت من نوبة من نوبات الإكتئاب في مصحة ألمانية وهي في الثانية عشر من عمرها وتلتها زيارات أخرى لنفس المصحة آخرها كان قبل إنتحارها بشهور.
في الخامسة والعشرين من عمرها عام ١٩٦١ وأثناء متابعتها لقضايا الطلاق والحضانة تقدمت عنايات إلى الدار القومية للنشر لمحاولة نشر روايتها الحب والصمت في دار معترف بيها وكانت ترفض إقتراح والدها بنشرها على حسابها الخاص.
فعباس الزيات والد عنايات كان مثال للأبوة في أبهى صورها. فكان الأب المثقف المتفهم سابق عصره الذي أصر على تعليم بناته الثلاث وساندهن في مشوارهن وكان هناك ليدعمهن ويمد لهن يده مهما كانت إختيارتهن.
لكنه لم يستطع إنقاذ عنايات من غدر الحياة بها.
فبعد عامان من التقدم بروايتها وبالتحديد يوم ٣ يناير ١٩٦٣ تلقت عنايات مكالمة تليفونية من الدار القومية للنشر برفض نشر الرواية بالإضافة لأنباء مؤكدة عن إنتقال حضانة إبنها الوحيد لوالده.
"كان الطلاق مكافأة، وكتابة الرواية مكافأة، والعمل في مركز الآثار الألماني مكافأة. لكن خسران قضية الحضانة هزيمة، ورفض الرواية هزيمة، إنشغال صديقتها عنها هزيمة، والتضحية بالحب من أجل الأمومة هزيمة. لا يكون أمام الفرد الحر أمام كل هذه الهزائم، ألا إن يقفز مرة أخيرة في الفراغ"
ربما تناولها لتلك الحبوب الوردية وهي في السابعة والعشرين هي الحلقة الأخيرة من صراع طويل مع مرض الروح المثقلة.
رسالة وداعها كانت موجهة لإبنها الوحيد عباس تقول فيها أنها تحبه ولكن الحياة كانت غير محتملة بالنسبة لها.
فالإبن الذي تخرج من كلية الآثار وكان يسكن في الدور الثالث فوق شقة والده بالمهندسين، سقط (بعد عشرين عام من إنتحار والدته )من شرفة شقته أمام أعين والده في نفس عمر والدته وقت رحيلها.
"أنا لا إعني شيئا عند أحد .... إذا ضعت أو وجدت سيان. وجدي كعدمي، أنا إن وجدت أو لم أوجد لن تهتز الدنيا. خطاي لا تترك أثرا وكأني أمشي على الماء، ووجودي لا يراه أحد كأنني كائن غير مرئي"
كانت رحلة إيمان نحو عنايات بمثابة إعادة ترسيم لخطوات عنايات التي تم محوها. فأعادت إيمان لعنايات صوتها الذي واراه الصمت.
كانت رحلتي مع كلتاهما هي خطوة من خطواتي التي يقودني فيها قلبي نحو كل إمرأة مبدعة كانت المعاناة رفيقة دربها.
إنتهت رحلتي الحالية مع إيمان وعنايات ولكن تستمر رحلتي نحوهما بالتأكيد.
عنايات الزيات، فتاة مصرية الملامح عاديّة تدرس بالمدرسة الألمانية، تسقط سنة دراسية لنوبات هلع وبكاء كانت تعتريها فتمنعها من خوض الامتحان، تدخل عنايات الصغيرة مصحة نفسية، ويُوصف لها عقار مهديء ومضاد للاكتئاب، كان هذا بالنصف الأول من القرن الفائت. بعد انتهاء دراستها، تتزوج صغيرة، من رجل ثريّ ذي نفوذ وعائلة مرموقة، تصف عنايات حياتها معه في مذكرة طلاقها إلى المحكمة بأنها "سلسة من المآسي"، إجمال بلا تفصيل، ربما حفظا لماء وجهها ولكرامتها. تخوض عنايات حربا للطلاق، يُرفض طلبها فتستأنف القضية، حرب بين ساحات المحاكم لسنوات، صغيرة لم تتجاوز الثالثة والعشرين من عمرها.
تكتب رواية وتخفق في نشرها، تعيش فترة صعبة ثم تُكتشف جثتها فوق سريرها، وبجوارها رسالة إلى ابنها تخبره فيها أنها تحبه لكن العالم لا يُحتمل، وقد تناولت عشرين حبة منومة من دوائها المسمى "فيرونال" -إشارة إلى هدوء وسكينة مدينة فيرونا الإيطالية-!
تُنشر الرواية بعد موتها، وتمر العقود والعام تلو الآخر، تسقط عنايات من ذاكرة التاريخ، عاشت فرديّة وماتت منسيّة. في التسعينات تسير الشاعرة المصرية وأستاذة الأدب العربي بإحدى جامعات كندا "إيمان مرسال" بشارع مصري ما يُراص فيه كتبا قديمة، تختار رواية "الحب والصمت" لكاتبة تجهلها، تعلم بموت الكاتبة صغيرة منتحرة، ولا مصدرا يدلي بمعلومات عنها، وكأنها عاشت على هامش التاريخ. يطاردها شبح عنايات، فيعبر معها القارات، ولا يتركها، تأتي مرسال لمصر، فتجول شوارع الدقي بحثا عن بيت لها قديم، أو جار لها رُد إلى أرذل العمر فتسأله عنها، تُصادق حارسي المقابر وهي تبحث عن رفات لها، تقابل نادية الجندي صديقتها، وتزور المشفى الصحي، وآثار المدرسة الألمانية، تصل إلى مذكراتها، وإلى خطاباتها إلى المحاكم وقتها، تلجأ إلى مؤرخ تاريخي، إلى هاوٍ لمقابر المماليك، فيساعدنها بمعلومة أو كلمة، تنسج عنايات خيطا خيطا، حماس يعتريها لسنوات ولا يأس أو فتور،
شيئان انطبعا داخلي، حياة أي فرد قد تكون شائقة وتصلح رواية مثيرة، بل أشد، لأنها مُعاشة ولها دلائل واقعية ملموسة، وهذا يُغري أكثر،
الشيء الآخر أن الشوارع والأحياء القديمة لها ذاكرة أكبر مما ينبغي، الدقي، المعادي، الزمالك، وغيرهم، طافتهم مرسال باحثة ومتأملة لتُكمل قصتها عنها، إن لكل مبنى حكاية، ولكل ساكن فيه أو عابر أمامه قصصا وقصصا، وهو أرشيف لا يمكن تثمينه، لأنه اكتسب قيمته من الزمن وحده، وهي قيمة لا يُمكن أن تُبخس أو تُنتزع.
الكاتب الجيد هو من يجعل القارىء يلهث خلفه وليس العكس .. وإن كنت أشهد بالمجهود الرائع والمكثف الذي بذلته الكاتبة في هذه المغامرة الأدبية ، إلا إنه سُرعان ما أصابني الضجر من كثرة التفاصيل ..
"أنا لا أعني شيئًا لأحد، إذا ضعت أو وجدت سيان، وجودي كعدمي، أنا إن وجدت أو لم أوجد لن تهتز الدنيا، خُطاي لا تترك أثرًا و كأني أمشي على الماء ووجودي لا يراه أحد كأنني كائن غير مرئي" 💔
هذا الكتاب عبارة عن تجربة خاصة ومميزة..
فجأة بتجد نفسك داخل قصة "د/إيمان مرسال" وترغب في البحث معها، لغتها سلسة وقدرتها على الوصف قوية بتخليك تعيش في كل مكان ومع كل حدث كأنك داخله، تنقلت في رحلتها كأني معها، وأشفقت عليها من كل ما اكتشفته ومن كل الصعوبات التي واجهتها لتصل.
نحن هنا لسنا أمام سيرة ذاتية لعنايات الزيات ولكن الكاتبة تتبع أثر عنايات الأديبة المغمورة وصديقة الطفولة الأثيرة للفنانة نادية لطفي، التي انتحرت تاركة رواية واحدة بعنوان "الحب و الصمت" نُشرت بعد وفاتها بسنوات، تتبع يخلق رابطة خاصة بين الكاتبة ونظيرتها الراحلة، و يخلق أسئلة عديدة على مدار الرحلة.
وقد نجحت الكاتبة في توثيق هذه الرحلة بلغة بديعة وأسلوب سرد شديد الجمال، لدرجة أني كنت بعيد قراءة بعض الفصول مرة واثنين وثالثة للاستمتاع بكل حرف.
وقفت كثيرًا أما عبارة إيمان لوصفها الفرق بين كتابة السيرة وتتبع الأثر: "تتبع الأثر لا يعني ملء كل الفجوات ولا يعني البحث عن كل الحقيقة من أجل توثيقها إنه رحلة تجاه شخص لا يستطيع الكلام عن نفسه، حوار معه، ولا يمكن إلا أن يكون من طرف واحد".
في الفصل الثاني والعشرين وقفت مبهورة أيضًا أمام أسلوب إيمان وكيف استحضرت أرواح الكاتبات العظيمات ما قبل عنايات أو ممن عاصروها ووصفت بإبداع تجربة جز شعرهن بعد مواقف أليمة تعرضوا لها في حياتهن، وقالت: "أخمن أن بعضكن جززن شعرهن مرة على الأقل.. الغريب أن أيًا منكن لم تكتب عن هذه اللحظة، لو حدث هذا لكان لدينا أنطولوجيا عظيمة عنوانها جزّ الشعور تؤرخ لحظات اليأس". 💔
هذا الكتاب أو هذه التجربة كما اسميها صعب تقيمها، وفي رأي الشخصي ليس هناك تقييم يعطيها حقها لأنه تجربة فريدة في النهاية استمتعت بكل لحظة قضيتها في أثر عنايات ومع د/إيمان وبشكرها من كل قلبي على هذه التجربة المبدعة
- اعتقد من حق الواحد، مع كتاب "في أثر عنايات الزيات" يتكلم ويلقي بتصوراته وتفسيراته ورأيه، أكتر من أي كتاب تاني، كون الكتاب وكاتبته، اللطيفة للغاية، إيمان مرسال، عماده هو تقفي أثر كاتبة رحلت عن عالمنا في سنة 67، وكل اللي تركته أو استطاعت مرسال الحصول عليه، لا يزيد عن رواية مختلف على جودتها، وشخبطات توحي بالشروع في رواية أخرى، ونوته عدد صفحاتها لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة تقريبا
- عندي كام ملاحظة مبدئية وهامشية، كون دي أول حاجة أقراها لإيمان، وهو إن كتابة الأكاديميين، بدأت اقتنع إن ليها هيبة، وبتفرض سلطة، وبتفرض تأني، وتفكير مرتين قبل اعتناق تصور ما عن الكتابة وكاتبها، أو عن ليه مثلا اختارت الكاتبة تقصي أثر كاتبة راحلة لا نسمع عنها من قريب أو بعيد زي عنايات، وما تركته لا يصنع "حدوته" كافية.. أو ليه بجمال كتابتها تلك، وجمال إشراكها لذاتها في بطولة الكتاب، مخليتش الكتاب سيرة ذاتية، أو تأملات، وتشغل حكاية عنايات فصل أو جزء منه.. فاعتقد، مهما حاول الإنسان يخفي ده، جزء من وعيه، أو لا وعيه، بيقوله "دي دكتورة وأكيد فاهمة هي بتعمل إيه"، وده الحقيقة بيكون مهم في مرحلة ما: أن الواحد يقتنع إن اللي بيقرأ له جدير بالقراءة، لحد الكتابة والحكاية نفسها، ما تجذبه.. وده بالمناسبة ظاهر أثره في ج��د جهيد قامت بيه إيمان في البحث والتدقيق عن أقل وأبسط معلومات مرتبطة ببطلة الحكاية
- كتاب "في أثر عنايات الزيات" نشراه الكتب خان ضمن سلسلة "بلا ضفاف"، ودي سلسلة المفروض بتضم الكتابات اللي صعب تصنيفها: كتابة أدبية لكنها ليست قصة ولا مسرح ولا رواية ولا شعر.. والحقيقة برغم حكي مرسال عن نفسها بجمال لا يقل عن حكيها عن عنايات، فصعب اعتباره كتاب سيرة.. وبردو رغم إنها حاولت تؤثر في القارئ بمعلومة إن دي الشاكلة اللي كانت بتتكتب بيها كتب التراجم العربية قديما: هوامش وتعليقات وحكايات ربما خاصة وشروحات على جانب الحديث عن الشخصية نفسها، لكن بردو صعب تعتبر ما تناوله الكتاب لا سيرة معلوماتية مختصرة لعنايات ولا استفاضة وتلقائية من مرسال في إلقاء ما يجول في رأسها، وهي بتلخلصنا سيرة عنايات.. هي عمل أدبي منظم ومتعوب ومبذول فيه جهد ليس بالقليل
- فيعني، أقرب قالب شعُرت إنه يحتوي تلك الكتابة وأنا بقرا، هو التحقيق الصحفي.. التحقيق اللي بتبقى سعيد فيه بمعرفة إزاي الكاتب وصل للمعلومة يمكن أكتر من المعلومة نفسها، وازاي تواصل مع المصادر تباعا، ورتب كلامهم قدامه، وما استنتجه تبعا لذلك، ثم ما أضافه لاستنتاجه بمسار أخر قرر أن يتخده في لحظة فارقة.. ألخ. واعتقد عشان كده، لو كنت قريت الكتاب كحلقات منشورة في موقع، كنت هتقبل ده وهبقى منتظر حلقاته بشوق.. واعتقد أقرب كتابة شبيهة قريتها كانت كتابة طلال فيصل لسرور بطريقة عجبتني، ثم لبليغ بطريقة شايفه بالغ فيها باستحضار ذاته في الرواية
- أخيرا، إن ما تضمنه دفتي هذا الكتاب، هو كتابة نسوية.. تجربة مختلفة بقى، إيمان في الكتاب مش بتحتفي بلطيفة الزيات ولا برواد الكتابة الأدبية عموما، وعندها مشاكل مع الكتابة السهلة/الساذجة، عن تجميع ورص أسماء كاتبات الستينات في كتاب أو دراسة، ورمي كلام مجعلص متمركز حوالين إزاي رواية "الباب المفتوح" كان نقلة في تعبيره عن الكتابات النسائية.. تمام، لكن بردو، وعزة وجلالة ربنا، دي كتابة نسوية، بتاخد الست (عنايات وإيمان) لحتة أعلى في التأمل في تفاصيل حياتهم، والتفكير فيهم بشكل مختلف، والتعامل مع أي حاجة بيعملوها بذوق وتوقعات تفوق المعتاد
- مش بس كتابة نسوية، لكن كتابة نسوية مرتبطة بطبقات عليا.. وجزء كبير من جمال حكايات وتأملات إيمان أعتقد جاي من التلصص على تصرفات وتعاملات وطرق نساء هذه الطبقة في الكلام والتعبير عن ذواتهم، سواء زمان بتتبع أثر عنايات، أو وقتنا الحالي بالشخصيات اللي قابلتهم إيمان عشان تعرف توصل لحكايات عنايات
- أعتقد من أجمل الحاجات في رواية مرسال الأخيرة، إنك بعد كل فصل بيكون عندك على الأقل واجب بحثي، سعيد وأنت بتعمله:
١- مرة عن الجيش اللي بعته الخديوي إسماعيل لاستعمار الحبشة فاتقتل أغلبه (أكتر من 3200 مجند وضابط) ٢- ومرة عن نادية لطفي اللي خدت اسم شهرتها "نادية لطفي" (اسمها الحقيقي بولا محمد) من دور حملت فيه فاتن حمامة هذا الاسم في فيلم "لا أنام عشان والدها كان رافض تستخدم اسم الأسرة ٣- عن رواية "العجوز الذي يقرأ الروايات الغرامية" لويس سبولفيدا اللي إيمان شايفاها أجمل من مائة عام من العزلة" ٤- عن تصور فوكو عن الأرشيف.. عن المدرسة الألمانية في باب اللوق ٥- عن صابون شاهين النابلسي ٦- عن مشروع الألف كتاب، ومحاولة نظام عبد الناصر فرض الرابط العجيب بين الاشتراكية والإسلام، فاتنشرت كتب بعناوين شديدة الكوميدية زي: "اشتراكية الإسلام" مصطفى السباعي. "أم الاشتراكية خديجة بنت خويلد" إبراهيم زكي الساعي. "الإسلام دين واشتراكية" أحمد فراج. "الفلسفة الاشتراكية الديمقراطية التعاونية" أحمد عز الدين. ٧- عن الشاعرة المصرية القديمة الجريئة نسبيا جليلة رضا ٨- عن حركة حدتو الشيوعية المصرية وكفاحها المسلح ضد الانجليز، وغيره من نشاطات اتكلم عنها صنع الله إبراهيم في مواضع أخرى ٩- شركة مصر للألبان، اللي تم انشائها تحقيقا لدعوة عبد الناصر "كوب لبن لكل طفل" ١٠- عن ميدان هيئة المساحة في الدقي، وإزاي دي هيئة تمثل "تول" مهم جدا للباحثين ١١- عن ظلم وجبروت قانون بيت الطاعة غير المستند على أي أساس ديني أو فقهي أو حتى عرف، قبل ما تدخل جيهان السادات وتلغيه ١٢- عن الباحث الألماني الجبار لودفيج كايمر ١٣- عن حلوان اللي كانت من أشهر منتجعات العالم لمرضى السل والربو بهوائها الجاف من 100 سنة، فجيه عبد الناصر وعمل مصانع أسمنت جمبها، فبقت من أكتر مناطق القاهرة تلوثا ١٤- عن جماعة ومدرسة شارل برومي، وخريجيها ١٥- عن مستشفى بهمن أول مستشفى نفسية خاصة في مصر، وطرق علاج المرضى وقتها.. وأن أكتر من 30% من حالات الجنون عند الرجال وقتها كان بيتشاف أن سببها الحشيش، وعند النساء سببه الجنس ١٦- عن لطيفة الزيات قائدة حركة العمال والطلبة سنة 46، واللي لما تركت المجال العام اتجوزت من عدو إيديولوجي، لأنها - وفق كلامه - شافته أول رجل يوقظ الأنثى فيها ١٧- عن محمود أمين العالم، اليساري اللي اتحبس 5 سنين بعد تأسيسه الحزب الشيوعي المصري سنة 55، وتاني يوم ما خرج اتصل بيه حد من مكتب سامي شرف، عشان يعرض عليه يتولى الأمور الثقافية في التنظيم الطليعي، ويبقى ليه مبنى في مجلس قيادة الثورة، فيوافق ويتولى الأمر ١٨- عن أرشيف ماسبيرو في الفترة من 98-2000 اللي مش موجود عشان مكنش فيه فلوس يجيبوا بيها شرايط جديدة، فكانوا بيمسحوا اللي صوروه، ويسجعلوا على الشريط تاني ١٩- عن خسة أنيس منصور في تغيير الحقائق، وتفاصيل الحكايات، عشان تخدم بس أنه يبقى أكتر حد بيكتب مقالات وبيطبع في جيله ٢٠- عن عائشة التيمورية، الست كانت تدعو لتعليم المرأة من سنة 1887، لكن هاجمت قاسم أمين لأنه متفرنج
- "أنا لا أصدق الأفراد غير المزاجيين" ده جزء من كلام إيمان مرسال عن نفسها، وجزء من الشعور العام اللي بيوصلك عن إيمان من الكتاب.. إن معندهاش خطة ممسوكة، أو تكنيك كتابة محدد، أو حتى أسباب واضحة لتتبع أثر عنايات.. وده، اعتقد، وبما أني انبسطت بالكتاب، كان بيعمق فكرة أنك بتقرا خواطر، وبتتلصص وبتراقب الكاتبة مش مجرد بتقرأ لها.
- "إننا دائما عندما نريد أن نترجم العواطف إلى كلمات فإننا نسلبها الكثير من أعماقها"، دي كانت من الجُمل اللي قدمت مواساة مرضية، لكتير من الحوارات والكلام اللي بنقراه على لسان شخصيات قابلتهم مرسال خلال عملها على الكتب، وشعرنا طول الكتاب، يا إما إنهم جامدين كشخصيات، يا إيمان معرفتش تطلع منهم مشاعر، يا طبيعة الحياة والأمور كون حادثة انتحار عنايات مر عليها حوالي نص قرن، أو لأنهم، زي ما هتقول مرسال بعد كده: "تأويل أرشيف عنايات الشخصي في ذاكرة المقربين منها، لم يتم وفقا لنظام صارم، بل وفقا لحاجة من أحبوها للتعايش مع الألم. أرادوا طوال خمسين سنة التصالح مع الشعور بالذنب تجاه أخت أو صديقة تخلصت من حياتها بالانتحار. ما قالوه لي كان سردا لما تم تأليفه في الذاكرة بعد أن تم هذا التصالح".. وطبعا محتمل لسنهم الكبير، وأن في سن زي ده بتمر على الواحد حوادث بشعة كثيرة، قد لا يكون الانتحار اسوأها
- "مع كل حالة انتحار، يعيش 6 أشخاص على الأقل التروما أو صدق قبول وفهم ما حدث".. زينب كانت حاضرة معايا بشدة وأنا بقرا كتاب مرسال، لكن أعتقد أن تأثير زينب كان متخطي 6 أشخاص بكتير.. لكن يظل الانتحار صدمة صعب الواحد يعبر عن فجاعة ما يشعر بيه لما حد قريب منه يقبل على خطوة زي دي.. واعتقد إيمان تأملت بهشاشة زينا، وككاتبة مرت بموجة إكتئاب، الأسباب اللي ممكن تكون خلت عنايات تقبل على خطوة زي دي: "قد تفكرن في عبث أن تذهب امرأة في الخامسة والعشرين من عمرها. عندها ابن لا تتصور الحياة بدونه، وأب حنون ومتنور، وعمل تحبه، ورواية ثانية تكتبها، لصالون حلاقة، ثم تنتحر. أنا أيضا فكرت في هذا كثيرا، وسألت أختها وبولا ومسيار ولم يجيبني أحد"
- حبيت جدا، من تأملات إيمان، تأملاتها في الوسط الثقافي، وفي أصدقائها اللي معرفتناش عليهم، وهي يتحكي أن "من أسباب انهيار الصداقات، هو ذلك القناع الذي تحمي به البرجوازية المصرية بعض أفرادها، يظل الفرد قلقا وهشا، وربما حميما حتى يشعر بتهديد ما، ساعتها يختار دون وعي أن يستعرض طبقته أو جدته التركية".. أو وهي بتتكلم عن أزمة مثقفين تشبه ما تعرضنا لها بعد ثورة يناير "يتحول الكاتب الذي لا يستطيع التواصل مع الآخرين، لبطل تراجيدي، يتضخم في عزلته إحساسه الوهمي بالظلم أو العظمة أو بانعدام معنى وجوده. ينتهي به الأمر في منصب ثقافي، أو يصبح متصوفا، أو حقودا، أو عصاميا متعاليا، مشغول بصورته كعصامي نزيه، أو مؤيد لسلطة من القتلة"
وطبعا عجبني تنصل إيمان من أي دور أو موقع قد يسبب لها اللوم "بنات العائلات يقلقهن البقاء في نفس الحيز مع الجريئات، والثوريات يتململن من المستهترات والمتقاعسات واليائسات، أما النسويات المتطرفات فهن يكرهن الجميع"، فهي مش منظرة مقدسة لرواية ودور لطيفة الزيات كما أغلب الكتاب حينما يتحدثوا عن هذا العصر وتلك الفترة، ولا نسوية متعصبة، ولا ثورية تنتظر أن ترشدها عنايات للطريق.. وحسيت ده منطقي بالنسبة للي أرسته من أول الكتاب، عن أننا هنلعب لعبة لطيفة، نسبر فيها أغوار شخصية توفت دون ضجة، بعدم صنع ضجة ونحن نبحث، وفي المقابل لا أريد ضجة أو "أفورة" في إجابة سؤال "لماذا كتبت هذا الكتاب أو تتبعت أثر تلك الكاتبة".
يستاهل كل تقييم ممتاز وكل الاحتفاء بيه كان عندي مشكلة بس انه على منتصف الكتاب مابقيتش عارف إيه الأسئلة اللي بتحرك البحث لقدام، يعني الباحثة عايزة تعرف ايه تاني أو تثبت ايه. دي كانت هتبقى مشكلة كبيرة لو كان الباحث أي حد غير ايمان مرسال. لكن ايمان فضل دايما عندها القدرة انها تطلع التفاصيل المشوقة والتحليل النقدي لمعلومات هامشية في القصة اللي يخلي القراية دايما جذابة. شكرا ايمان لهذا الكتاب المهول
" جمال تعس ، حقل الموت صامت وأرض معدومة الحواس ، والبرودة تسري في أجساد الورود ، فالحياة تمضي وتلد الموت قد شاهدت الأسكندرية مشاهد عشتها بخيالي من قبل وسمعت عبارات قديمة في أذني ورأيت ناسًا في ثياب أعرفها ، ولكن متى تمامًا . لست أدري ، هناك حاجز ذاب في ذاكرتي فاختلطت الحياتان ، ومع ذلك فأنا لا أعرف ماذا سيجيء به الغد |
تسحرنا كتب السير والتي تتبع شخصية منسية أو مغمورة أو ضائعة في التاريخ، هذا الفن الأدبي والإنساني له أهمية إنسانية من خلال التأريخ لشخصية ومرحلة ما، وأهمية أدبية لأن الشخصية محل الدراسة والبحث لها أهمية ما أو قصة ما يمكن لنا أن نطلع عليها ونتعلم منها أو نتماهى معها بشكل أو بآخر، تتبع إيمان مرسال شخصية فتاة مصرية عاشت وعانت وماتت منتحرة، فتاة كانت صديقة لإحدى أشهر الفنانات المصريات، فتاة ألفت كتاباً، تزوجت ورزقت بأطفال، ولكنها انتهت نهاية مؤلمة ومحزنة، هذه القصة وقليل من الصور دفعت مرسال للعودة إلى مصر، البحث بين المقابر والأماكن التي عاشت فيها عنايات، التقت بأقاربها وبالممثلة الشهيرة، محاولة لالتقاط ما بقي في الذاكرة وبناء صورة لعنايات وما الذي دفعها خارج عالمنا؟
كتاب جميل ومن جنس أدبي نادر. أنا فيه أجزاء سحرتني تماماً، مقطع تخيّل أنطولوجيا "جزّ الشَعْر" للكاتبات والأديبات العربيات ده قتلني، وحسيت بالأسى إن مشروع تخيلي زي ده مش موجود. حبيته جدا وبارشحه لأي حد عايز يقرا كتاب ممتع ومهم في نفس الوقت.
عمل قوي ومؤثر. أبدعت الكاتبة بأسلوبها ومفرداتها ودقتها، طريقة جمعها للمعلومات، فكرة الكتاب والاسقاطات المعنوية، الجزء اللي بتكلم فيه عن قانون الطلاق قديما وحديثا وعن جز الشعر ككناية للحظات اليأس والحزن اللي اتعرضت ليها الأديبات المصريات. العيب الوحيد فيه او العيبين علي وجه التحديد: الإسهاب المبالغ فيه في مواضيع جانبية والتفاصيل الكتير -الغير مهمة اطلاقا- اللي تلخبط بطريقة مزعجة احيانا من غير مغزي وغرضها الحشو. العيب التاني عدم تسلسل الاحداث زمنياً، اعتقد كان هيكون افضل لو نظمت رحلة البحث اكتر بتسلسل زمني عشان ترابط الاحداث يكون ادق.
كتاب ممتع.. رحلة استقصائية حول كاتبة مصرية غير مشهورة، لم تصدر لها سوى رواية واحدة، عنايات الزيات، التي عاشت وماتت وتركت وراءها نقاط استفهام كثيرة خاصة أنها توفيت منتحرة في ريعان شبابها. إيمان مرسال أخذت على عاتقها مهمة البحث ودوّنت لنا في هذا الكتاب رحلتها في أثر عنايات الزيات، رحلة لم تكن سهلة، خاصة وأن الراحلة لم تترك خلفها أرشيفا ولا أعمالا كثيرة ولا دلائل حول حياتها وملابسات موتها.
رحلة كانت ممتعة وشيقة وأسلوب إيمان ومرسال غاية في البراعة.
أعترف أني بدأت قراءة الكتاب لأعرف سبب الضجة التي أثارها لا لأن موضوعه جذبني. هو رحلة تتعقب فيها الشاعرة إيمان مرسال سيرة الكاتبة عنايات الزيات التي عثرت على روايتها الوحيدة "الحب والصمت" صدفة، وعلمت بانتحارها قبل نشر الرواية. لكن الرحلة لا تقتصر على غايتها فما نلقاه في الطريق قد يكون أثمن مما نسعى لبلوغه. .
بذلت الكاتبة جهدا واضحا في تقصي كل ما يتعلق بعنايات. تواصلت مع صديقاتها، وعائلتها، وجيرانها. بحثت عن أماكن سكنها ودراستها وعلاجها وعملها، وعن قبرها. تعقبت أرشيف الصحف وكل ما نشر عنها وما تركته من أوراق. وتتبعت تاريخ عائلتها. .
كتبت إيمان عن موقف مصطفى محمود، وأنيس منصور، ويوسف السباعي من عنايات وكتابها، في حياتها وبعد وفاتها. نبرة مرسال بها غضب واضح. عن نفسي لا أرى مشكلة فيما يتعلق بموقفهم من الرواية أثناء حياة كاتبتها، أما تغير الموقف بعد وفاتها، والمتاجرة بقصتها وتحديدا بالكذب خاصة من أنيس منصور، والإدعاء والاستخفاف، كلها أمور تبرر غضب مرسال، خاصة وهي لا تكتب بحث أكاديمي محايد تماما بل كتاب يتسع فيه المجال للعاطفة والرأي. كما أن كل ما نُشِر عن منصور موثَّق يسهل التأكد من صحته. .
الكتاب ليس عن عنايات الزيات بل عن رحلة إيمان في تتبع أثر عنايات كما يوضح العنوان، لذا به فصول تخص إيمان وما واجهته وما مرت به خلال سنوات جمع مادته وكتابته. بعض تلك الموضوعات لم يجذبني كثيرا كجولتها في حي الدقي ومعلومات هيئة المساحة. أيضا الإفاضة في تفاصيل الهيئات الثقافية ومؤسسات النشر في زمن عنايات. أو الفصل 23 عن تاريخ المعهد الألماني للآثار حيث عملت. وربما لم استمتع بقراءة التفاصيل الكثيرة عن الباحث الألماني لودڤيج كايمر الذي كان موضوع كتاب عنايات الثاني الذي لم ير النور، وإن كان من الجميل التعرف عليه وعلى صديقه طبيب العيون ماكس مايرهوف. ومعرفة أن عنايات تتبعت أثرهما و"كان من الصعب عليها أن تحدق في حياة شخص آخر دون أن تحدق في حياتها." تماما كحال إيمان مرسال في هذا الكتاب.
.
أحببت الفصول التي رأينا فيها رابطا بين إيمان وعنايات، ولقطات إنسانية من حياة إيمان توحي بالمشترك بينهما.
- والفصلان 11، 12 عن قانون الأحوال الشخصية المخزي والمهين، صفحات من العار تزداد ظلمًا وحقارة حتى يومنا هذا.
- كذلك 15 و16 عن المستشفى النفسي الذي تلقت فيه عنايات العلاج، وأوضاع الألمان ومؤسساتهم التعليمية والعلاجية، وتاريخ مستشفى العباسية ومستشفى بهمن، ونظرة على حال الطب النفسي وتطوره في تلك الفترة.
-كما استمتعت بالفصل 17 الذي تناول البحث عن قبر عنايات في مقابر عائلة جدها لأمها، والعثور عليه في غرفة جانبية للمنبوذات حيث رقدت هي وجدتها العبدة الحبشية. والفصل 18 عن تاريخ عائلة أمها التي سقطت من شجرتها سهوا.
- في الفصل 20 قدمت مرسال تحليلا لانعزال عنايات وانعدام تواصلها مع المجتمع، وعدم اندماجها في جماعة، ودوافع انتحارها.
- الفصل 21 من أهم الفصول فكرةً وأجملهم لغةً. بدأته بقضية إعدام الأرشيف في "لحظات الانحطاط التي تتضاءل فيها أهمية الذاكرة." عرضت تدمير عهدة ماسبيرو والفوضى التامة السائدة في أرشيف مؤسسات الدولة، مما ساهم في "القنوط من البحث والمعرفة" واللجوء للثقافة السمعية، وأتاح فوضى تناقل القصص دون مصادر. انتقلت لدور العائلة في الرقابة على أرشيف أبنائها. بل وحتى تغير الأرشيف وفق التأويل الذي تؤلفه ذاكرة الأحباء. وأخيرا شرحت بلغة جميلة الفرق بين كتابة سيرة وتتبع أثر.
بعدها فصل قصير عن الكاتبات وأنطولوجيا جز الشعر. .
لغة إيمان معبرة، لفتني أسلوب تخيلها لسيناريوهات ومواقف افتراضية لتوضيح أفكارها. وتركها إجابة سؤال: ما الذي دفعها لتتبع أثر مطموس لكاتبة منسية"لا توجد إلا في هوامش"؟ لفهم القارئ. . المقاطع المنشورة من "الحب والصمت" جيدة، أفضل مما توقعت. .
الكتاب في رأيي قيمته في الموضوعات التي تناولتها إيمان أثناء بحثها عن أثر عنايات.
كما نرى خلاله عنايات كإنسانة حاولت التحقق عبر الكتابة، خُذِلت، وانعزلت، وعانت من قوانين حقيرة حرمتها من وحيدها وهو بعد طفل في السابعة، فهزمها الاكتئاب الذي حاربته منذ طفولتها. لروحها ولروح ابنها السلام والرحمة.
. طيلة فترة قراءتي تتردد في ذهني قصيدة درويش "تُنسَى كأنك لم تَكُن"، ثم تأتي نهاية الكتاب بواقعة هدم المقبرة وتحرر عنايات من آخر قيد وآخر أثر، لـ"تظل حرة خفيفة، بلا أرشيف شخصي، ولا شجرة عائلة، ولا شاهد قبر". "تُنسَى كأنَّكَ لم تَكُنْ شخصًا ولا نصًّا، وتُنْسَى ... حرًا من غدي المقسوم من غيبي، ومن دنياي حرًّا من عبادَةِ أمسِ حرًا من كناياتي ومن لغتي فأشهد أَنني حرٌّ وحيٌّ حين أُنْسَى"