ŷ

Batool's Reviews > في أثر عنايات الزيات

في أثر عنايات الزيات by إيمان مرسال
Rate this book
Clear rating

by
3311567
's review

it was amazing
bookshelves: favorites

في ٢٠١٣ وقعت يدي بالصدفة البحتة على نسخ إلكترونية لدواوين إيمان مرسال، "ممر معتم يصلح للرقص" و "المشي أطول وقت ممكن"، قرأت الديوانين في وقت قياسي وأظن -والله أعلم- بأنني جلست طوال السنة لا اقرأ إلاهما كلّما احتضنني اليأس أو جرّبني الاكتئاب. بعدها بفترة بسيطة قرأت "حتى أتخلى عن فكرة البيوت"، وقتها أتذكر بالضبط دهشتي وكيف لإنسانة أن تكون عناوين قصائدها قصائد قائمة بذاتها لا تحتاج لأي تكملة.
أيقنت بأنني أحب إيمان وإنتاجها وعمقها الفذ الذي تختصره بجمل قصيرة حينما قرأت "كيف تلتئم عن الأمومة وأشباحها." الكتاب الذي يحز قلبي ويعتصره كلّما تذكرت تفاصيله أو مراجعتي الشخصية -الشخصية جدًا- له. الكتاب الذي استنزفني لكنني أعدت قراءته بمجرد انتهائي منه، لأنه كتاب إيمان ولأنها عادات وتقاليد مع كتب إيمان.
في أحد دواوينها كتبت مرسال:
"يبدو أنني أرثُ الموتى
ويوماً ما
سأجلسُ وحدي على المقهى
بعد موتِ جميع مَن أُحبُّهم
دون أيّ شعورٍ بالفقد
حيثُ جسدي سلةٌ كبيرة ترك فيها الراحلون
ما يدلّ عليهم."

وأعتقد جدًا بأن إيمان ورثت في جسدها عنايات الزيّات دون أن تعلم، وتحتاج أن ينقضي ردح كبير من الزمن لتنقر عنايات دواخل إيمان وتحركها، توجّهها وترشدها لهذا الاستقصاء المطوّل، لهذا التحقيق الذي امتد سنوات، لهذا المنشور الصحفي العميق والمكثّف والرقيق أن يصلنا.
تبدأ الرحلة بصدفة بحتة أيضًا في أن تشتري إيمان رواية عنايات الوحيدة "الحب والصمت" أثناء بحثها عن كتاب آخر تمامًا.
لكن الكتب هي التي تختارنا ونرجو أن تفعل ذلك في الوقت المناسب، لأنني أتفق مع إيمان حين قالت: "أحيانًا يهز كيانك عمل أدبي ما ولا يعني ذلك أنه عمل غير مسبوق في تاريخ الأدب، أو أنه أفضل ما قرأت في حياتك. إنها الصدف العمياء التي تبعث لك رسالة تساعدك على فهم ما تمر به، في اللحظة التي تحتاجها تمامًا، دون حتى أن تعرف أنك تحتاجها."
أعمال ربما تكون في هذا الزمن بالية أو فقدت معناها وجوهرها، أعمال فقدت أهميتها بالتقادم بالزمن، لكنها وجدتنا في الوقت المناسب، أو استطاعت أن ترتّب دواخلنا بشكل ما وتلفت أنظارنا لحلول ربما.
هذا ما حدث لإيمان مع عنايات، أصبحت الكاتبة في خلفية رأس إيمان تناديها وتسحبها من أذنها وكأنها مصرة أن تُعرف عن طريق إيمان وهي الكاتبة الرقيقة التي لم تحتمل ألم الحياة من فرط رقتها.
عنّي أنا كقارئة تجذبني السِير الذاتية والمذكرات واليوميات بشتّى أنواعها، يذهلني الكلام عن شخص موجود بيننا وأحب أن أعرفه كما يريدني أن أعرفه تمامًا.
لكن هذا الكتاب لا يمكن تصنيفه كسيرة ذاتية، هذا تتبّع أثر."تتبّع الأثر لا يعني ملء كل الفجوات، ولا يعني البحث عن كل الحقيقة من أجل توثيقها. إنه رحلة تجاه شخص لا يستطيع الكلام عن نفسه، حوار معه، ولا يمكن أن يكون إلا من طرف واحد."
هكذا بدأت إيمان رحلتها، من المقابر في رحلة للبحث عن قبر عنايات وكأنه الوسيلة الوحيدة لها، اكشف أغوارها. "كان القبر هو المكان الوحيد الذي هي فيه فعلًا."
يعجبني أن إيمان تتبع قلبها في البحث كما في الكتابة كما في علاقتها مع عنايات، أخذ الكتاب وقتًا طويلًا للكتابة وأخذ وقتها أطول في اتمام البحث والاستقصاء لأن مرسال كانت تنتظر تلميحات عنايات وتقدّر حذرها. كانت إيمان تعاملها كما الأحياء، تحترم حضورها وغيابها ونقرها شبه المستمر على حياة إيمان.
سلسلة من الصدف السعيدة كما وصفتها هي التي أوصلت إيمان لإتمام الكتاب، والمرور بشخصيات كثيرة كي تخرج لنا بعمل رقيق كما صاحبتاه.
"قلتُ لنفسي لا يجبُ أن أتكلّم باسمها، لا يجب أن أقدّم مسودة لحياتها، هناك لحظة تقاطعٍ بيننا، سأجعل هذه اللحظة تعمل مثل دليلٍ روحيّ وسنختلف في كل ما عداها كثيرًا." هذا بالضبط ما قامت به إيمان، كتبت المتاح الذي سمحت به عنايات، التي وافقت عليه ضمنيًا، التي عانت لكي يصلنا صوتها لكنها فقدت الأمل بسرعة أكبر من سرعة وصولنا لكتابها.
ما سأقوله الآن ليس مهمًا جدًا لكنه هو الذي شدّ قلبي وآلمني فعلًا، في الفصل الثاني والعشرين كتبت إيمان وهي تستحضر أرواح الكاتبات العظيمات ما قبل عنايات أو ممن عاصروها وتجمعهن على طاولة صغيرة أمامها وتتخيلهن يمرون بأزمة يقومون على إثرها بجز شعرهن. "لا توجد كاتبة عظيمة إلا وتخرج من رحم كارثة ما."
تتخيّل التيمورية ووردة اليازجي وميّ زيادة ودرية شفيق التي أهانها "أبونا جميعًا" طه حسين ولطيفة الزيّات يجززن شعرهم بعدمواقف أليمة تعرضوا لها في حياتهن، من فقد وإيذاء وإهانة وخيانة.
"أخمن أن بعضكن جززن شعرهن مرة على الأقل...... الغريب أن أيًا منكن لم تكتب عن هذه اللحظة، لو حدث هذا لكان لدينا أنطولوجيا عظيمة عنوانها جزّ الشعور تؤرخ لحظات اليأس.."
شخصيًا استيقظت ذات صباح كئيب، وموضع سريري يتيح لي أن أنظر لنفسي في المرآة مباشرة بعد الجلوس على السرير استعدادًا للنهوض، جلست أنظر لنفسي وشعري الغجري الذي لطالما شعرت بأنه أماني، متناثرًا يسخر مني في المرآة. نظرت على يميني التقطت المقص جززت منه مااستطعت ثم نهضت أكمل يومي كأن شيئًا لم يكن. لم تكن رغبة في تغيير الذات أو تشويهها كما تقترح مرسال لكنها كانت محارلة أخيرة للشعور، محاولة أخيرة لإرغام نفسي للشعور بعبثية الفعل، محاولة أن تكون هذه الفعاة صفعة تيقظني مما كنت نائمة خلاله.
لا أعلم كيف تكتب إيمان تجعلني اقرأ كتبها دائمًا بشكل شخصي، أسقطه على نفسي واربط بيننا دون وعي. قرأت الكتاب لأنني أحب إيمان وأتممته وأنا أحب عنايات.
في أحد اللقاءات مع بلال فضل قالت إيمان عن كتابها كيف تلتئم - بما معناه- أنها تركت الكثير لم تكتبه عن الأمومة لكي تتيح المجال لنساء أخريات كي يكتبنه كون تجربة الأمومة تجربة لصيق للمرأة.
أما في هذا الكتاب ختمته بجملة "أنا مشيت في اتجاهها طويلًا. هي من ستقرر من ستمشي تجاههم في المستقبل."
وكأنها تقول للحديث بقية لكن عنايات ستطرق على باب أحد منكم مستقبلوا، فارخوا مسامعكم.
20 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read في أثر عنايات الزيات.
Sign In »

Reading Progress

July 4, 2020 – Shelved
July 4, 2020 – Shelved as: to-read
October 26, 2020 – Started Reading
October 26, 2020 –
page 105
43.21%
October 29, 2020 – Finished Reading
October 30, 2020 – Shelved as: favorites

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)

dateDown arrow    newest »

message 1: by Mohadgome (new)

Mohadgome مرة بيرفكت بتول


back to top