“وانقضت خمس دقائق. كان راسكولنيكوف يذرع الغرفة طولاً وعرضاً، دون أن يتكلم، ودون أن ينظر إليها. واقترب منها أخيراً. كانت عيناه تسطعان. أمسك كتفيها بيديه. وأنعم النظر إلى وجهها الغارق في الدموع. كانت نظرته جافة، ملتهبة، حادة. وكانت شفتاه تختلجان اختلاجاً قوياً جداً... وانحنى فجأة بحركة سريعة، فسجد أمامها، وقبّل قدميها. تراجعت صونيا مروّعة كأنها ترى مجنوناً. والحق أن هيئته كانت هيئة مجنون.
تمتمت تقول شاحبة الوجه، منقبضة الصدر انقباضاً أليماً:
� ماذا تفعل؟ ما هذا الذي تفعله؟ أأمامي أنا، تسجد؟
نهض، وقال لها بلهجة وحشية:
� أنا لا أسجد أمامك أنت... بل أمام معاناة البشرية كلها..”
―
فيودور دوستويفسكي,
الجريمة و العقاب