“قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القسوة والغفلة�!�
فتدبرت السبب في ذلك فعرفته�.�
ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفة من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها لسببين�.�
أحدهما�:� أن المواعظ كالسياط والسياط لا تؤلم بعد انقضائها، وإيلامها وقت وقوعها�.�
والثاني�:� أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلة قد تخلى بجسمه وفكره عن أسباب الدنيا وأنصت بحضور قلبه فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها وكيف يصح أن يكون كما كان�!�.�
وهذه حالة تعم الخلق إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأثر�.�
ـ فمنهم من يعزم بلا تردد ويمضي من غير التفات فلو توقف بهم ركب الطبع لضجوا كما قال حنظلة عن نفسه�:� نافق حنظلة�!�.�
ـ ومنهم أقوام يميل بهم الطبع إلى الغفلة أحياناً ويدعوهم ما تقدم من المواعظ إلى العمل أحياناً فهم كالسنبلة تميلها الرياح�!�.�
ـ وأقوام لا يؤثر فيهم إلا بمقدار سماعه كما دحرجته على صفوان�.�”
―
ابن الجوزي,
صيد الخاطر