“إن الإستشراق ، رغم أوجه الفشل المذكورة ، و رطانته المؤسفة ، و نزعته العنصرية التي لا تكاد تخفى ، و جهازه الفكري الهزيل ، يزدهر اليوم بالأشكال التي حاولت وصفها ، إذ تحفل صفحات الكتب و المجلات المنشورة بالعربية بتحليلات من الدرجة الثانية يكتبها العرب عن "العقل العربي" و عن "الإسلام" ، و غير ذلك من أقوال في عداد الأساطير...
و يحق لنا أن نعتبر التكيف بين الطبقة المثقفة و بين الإمبريالية الجديدة يُعد انتصاراً من انتصارات الاستشراق الخاصة ، فالعالم العربي اليوم تابع فكري و سياسي و ثقافي يدور في فُلك الولايات المتحدة ، و ليس هذا في ذاته ظاهرة يؤسف لها ، لكن ما يؤسف له هو شكل علاقة التبعية المذكورة....
و علينا هنا أن نتسلح بالواقعية الكاملة في وصف الأوضاع الناجمة ، إذ لا يملك باحث عربي أو إسلامي أن يتجاهل ما يُنشر في الدوريات العلمية و لا ما يحدث في المعاهد و الجامعات في الولايات المتحدة و أوروبا و العكس ليس صحيحاً....
و النتيجة المتوقعة لهذا كله هى أن الطلاب الشرقيين (و الاساتذة الشرقيين) لا يزالون يريدون أن يأتوا ليتعلموا من المستشرقين الأمريكيين ، حتى يعودوا ليكرروا على مستمعيهم المحليين نفس القوالب الفكرية و اللفظية التي وصفتها بأنها عقائد إستشراقية جامدة. و مثل هذا النظام من التكاثر أو الإستنساخ يدفع الباحث الشرقي حتماً إلى إستخدام تعليمه الأمريكي في الإحساس بالتفوق على أبناء وطنه بسبب قدرته على "الإحاطة" بالنظام الإستشراقي و تطبيقه ، و لكنه يظل مصدر معلومات وطني في علاقاته برؤسائه من المستشرقين الأوروبيين أو الأمريكيين.”
―
إدوارد سعيد,
Orientalism