"وكان عليه بالتالي أن يعيش هكذا وحيدا على حافة الهاوية، بلا أحد يفهمه أو يشفق عليه."
"وبعيـدا عـن هـذا الكذب، أو بسببه، فأكثر مـا كان يعذب إيفـان إيلي"وكان عليه بالتالي أن يعيش هكذا وحيدا على حافة الهاوية، بلا أحد يفهمه أو يشفق عليه."
"وبعيـدا عـن هـذا الكذب، أو بسببه، فأكثر مـا كان يعذب إيفـان إيليتش ألا أحـد يشفق عليـه كمـا كـان يريد. وفي لحظات معينة، بعد معاناة مطولة، لم يكن يتمنى ( بالرغم من خجله من الاعتراف بذلك ) إلا أن يشفق عليـه أحـد مثلمـا يشفق علـى طـفـل مـريض.".
"إنها ليست مسألة زائدة دودية أو كل، بل مسألة حياة أو ... موت. نعم كان ثمة حياة، والآن تنتهي، تنتهي ولا أستطيع استيقافها. نعم ، فلماذا أخدع نفسي ؟ ألم يكن واضحا للجميع ما عداي ـ أنني أموت ، وأنها فحسب مسألة أسابيع أو أيام .. بل يمكن أن يحدث في هذه اللحظة. كان هناك نور وهناك الآن ظلام. كنت هنا، والآن ذاهب إلى هناك! "
"هذا الزيف المحيط به وبداخله كان له أكبر الأثر في تسميم أيامه الأخيرة."
"خطر بباله أن محاولاته التي يمكـن بالكـاد إدراكهـا للنضال ضد ما كانت الطبقات الأرقى تعتبره جيدا، تلك الاندفاعات الملحوظة بالكاد التي كان يقوم على الفور بقمعها، ربما كانت الشيء الحقيقي، وكل ما تبقى زائف. وواجباته الوظيفية، واهتماماته العائلية والرسمية، ربما كانت جميعا زائفة. حاول الدفاع عن كل ذلك إزاء نفسه، وفجأة أحس بضعف ما كان يدافع عنه، فلا شيء يستحق الدفاع عنه."...more
"إن سعي الإنسان إلى البحث عن معنى هو قوة أولية في حياته وليس تبريرا ثانويا لحوافزه الغريزية! . وهذا المعني فريد من نوعه حيث أنه لابد أن يتحقق بواسطة ال "إن سعي الإنسان إلى البحث عن معنى هو قوة أولية في حياته وليس تبريرا ثانويا لحوافزه الغريزية! . وهذا المعني فريد من نوعه حيث أنه لابد أن يتحقق بواسطة الفرد وحده..يزعم بعض علماء النفس أن المعاني والقيم ليست إلا "ميكانزمات دفاعية" ولكن إذا تكلمت عن نفسي وعن وجهة نظري فأنا لا ابتغي العيش من أجل "ميكانزماتي الدفاعية" ولست مستعدا للموت من أجل "تكوينات ردود الأفعال" فالإنسان مع ذلك قادر على أن يحيا وأن يموت من أجله مُثُله وقيمه وطموحاته" . فحينما يجد الإنسان أن مصيره هو المعاناة فإن عليه أن يتقبل آلامه، عليه أن يعترف بالحقيقة بأنه حتى في المعاناة فهو فريد ووحيد في الكون. ولا يستطيع أحد أن يخلصه من معاناته أو يعاني بدلا منه ففرصته الفريدة تكمن في الطريقة التي يتحمل بها أعباءه ومتاعبه. فمن الضروري أن نواجه كل المعاناة محاولين الاحتفاظ بلحظات الضعف وفترات الدموع المنهمرة ..بدون الحاجة للشعور بالخجل من الدموع. لأأن الدموع تحمل دليلا على أن الإنسان يحظى بأعظم شجاعة! شجاعة المعاناة.
لنبدأ إذا: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. يبحر بنا فرانكل الرائع في رحلة بداخل النفس البشرية ودوافعها وماهية وجودها، وما الذي سيجعل المرء متمسكا بحياته أصلا رغم كل شيء. بنمط فريد في العلاج النفسي بما يعرف بمدرسة المعنى ))Logo-therape)) فنري معا كيف كانت تلك الرؤية فعالة وإنسانية بدلا من هراء فرويد المرتكز على الغرائز كدوافع لا كثانويات تحرك الكتاب في 3 خطوط متوازية: أولهم الخط الذي يتحدث فيه عن تجربته في معسكر"آشويتز" والثاني والثالث تناولا الجانب النفسي بشكل علمي وقد كانا مهمين جدا وعميقين جدا. ولكن لأن الفصل الأول هو ما لمسني ..فسأتحدث عنه وفقط: توكلنا على الله :
ولننثر بعضا من تلك التجربة العميقة ذات المعني معا ----------------------------------------------------------------- خبرات في معتقل أشويتز:
●ولنق� أن هنا كانت النواة الحقيقية لاكتشاف ذلك النمط العلاجي . فبدلا من أن القول بأن جذور الاضطرابات تسببه الدوافع اللا شعورية والمتصارعة. يميز فرانكل أشكالا عدة تتسلسل وتتصل بفشل صاحب المعاناة في أن يجد معنى وإحساسا بالمسئولية إزاء وجوده وهو "إرادة المعنى" أن يكون الإنسان جديرا بمعاناته. فكيف استخلص فرانكل ذلك وسط تلك الأزمة الكارثية وكونه على شفا حفرة من الهلاك هو ومن معه. __ هي خبرات يعانيها المسجونين من وقت لآخر..هي قصة رواها أحد نزلاء المعتقل الذين بقوا على قيد الحياة...هي قصة لا تهتم بأحداث الرعب والفزع الهائلين ومما جرى وصفه بالفعل.. إنما هي قصة تهتم بألوان التعذيب الصغيرة والمتعددة.. إنها محاولة للإجابة على سؤال " كيف كانت الحياة في المعسكر تنعكس في عقل السجين" ؟ والحديث هنا ليس عن المعسكرات الكبيرة الشهيرة وليست للحديث عن موت الأبطال والشهداء العظام.. بل تهتم بمعاناة وتضحيات مجموعة ضخمة من السجناء العاديين الذين لم يحملوا أية علامات مميزة على أكمامهم.. إنها عن هؤلاء الذين لم يمتلكوا سوى القدر الضئيل مما يقتاتونه.. والذين امتلكوا ما هو أعظم وأشرف.
كان لصافرة القطار صوت غريب..أشبه بصراخ من أجل النجدة.. ثم فجأة تحول خط القطار ليقترب من المحطة الرئيسية! ..وفجأة تفجرت صرخة من بين الصفوف.. هناك ما يوحي بأننا في الآوشويتز..في هذه اللحظة تهاوت ضربات قلب كل فرد..ذاك بأن هذا الاسم ينطوي على كل رعب.. غرف إعدام بالغاز.محرقات الجثث. مذابح . وبتردد وبطء تحرك القطار كما لو أنه يريد أن يخفف عن ركابه المصير المفزع لأكبر فترة ممكنة!
في طب النفس توجد حالة معينة اسمها"وهم الإبراءة" Delusion of Reprieve في هذه الحالة يمتلك الشخص فورا قبل تنفيذ حكم الاعدام شعورا غامضا بأنه سوف يتم انقاذه من الاإعدام في اللحظة الأخيرة.. إن كل شخص في هذا المكان كان يعيش تحت سيطرة وهم بأنه سوف يخرج وبأن كل شيء سيصير على ما يرام! ..فهل كان وهما حقا! بعدما وصلوا المعسكر وقوبلوا بالضرب والركل والصفع والسباب من أشباه البشر.. تقدموا كل منهم ليتم فحصه وانتقائه. فقط حركة اصبع بين اليمين واليسار هي التي ستحدد مآل حياتك! تتخيل معي! إن مغزى حركة الاصبع هو الانتقاء الأول لهم بشأن أمرين الوجود وعدم الوجود! فأولئك من أشير لهم بالذهاب للميسرة بعد الفحص كان يتم تسييرهم من المحطة رأسا نحو المحرقة! ومن أشار لهم بالميمنة فهؤلاء كتبت لهم النجاة المؤقتة.! ((( كان يكتب على مبني المحرقة عبارة "حمام" بلغات أوروبية عدة وعند دخول المسجون حاملا بيده قطعة من الصابون يحدث ما يحدث)) ! :" قد تتساءل أيضا.. ماذا حل بصديقك الذي كان معك بعربة الشحن؟ ماذا بعد أن ذهب للميسرة! فيشير لك أحد الحراس إلي المدخنة الكئيبة القاتمة القائمة هناك! ..أترى هذا الدُخان هناك! على الأغلب هو صديقك!
- بعد مرحلة الوهم بقرب الفرج يظهر على المساجين نمط غريب من المرح! بل المرح وحب الاستطلاع! لقد رأى هؤلاء العراة في البرد أن ليس لديهم ما يفقدونه عدا تلك الحياة العارية! أليس هذا باعثا على السخرية بالفعل؟ وعن حب الاستطلاع عن إذا ما كنت ستخرج حيا من هنا أم لا ! ..نعم لقد سيطر هذا الشعور عليهم في المراحل الأولى وهو ((إحساس يعزل العقل على نحو ما من الظروف التي تحيط به ..في وقت كهذا كان يلجأ الإنسان إلى استزراع هذه الحالة كوسيلة للوقاية)) وسؤال مهم؟ كيف لم يصب الرجال بالبرد في كل هذه الظروف؟ واكتشافات اخرى بالطبع جديدة!
يقال مثلا أن الانسان لا يمكنه البقاء بدون نوم لعدد ساعات معين! هذا خطأ تماما؟ لقد اعترتهم الدهشة من قدرتهم على التحمل للعديد من الظروف! تسليم أناس للنوم في وسط الضوضاء الشديدة وهم خفيفو النوم. عدم غسلهم لأسنانهم وعدم اصابتها بالالتهابات بل زادت صحتها تقريبا! لم تصب أياديهم وأجسامهم القرحات رغم عدم تنظيف أجسادهم ورغم ارتداء نفس الملابس!
لماذا لا ينتحر هؤلاء إذا؟ : بالطبع راودت تلك الفكرة كل شخص منهم تقريبا.. ولكن لفترة قصيرة. وقد تولدت من الاحساس بالعجز حيال الموقف الذي كانوا فيه ومما يحدق فيهم من خطر! الموت مستمر في كل يوم وفي كل ساعة (موت من اجهاد العمل..موت من البرد ..الضعف ..الاعدام) ولكن فرانكل اتخذ القرار بألا يلجأ للانتحار أبدا. -وقد كان من ينتحر يصطدم بالأسلاك الشائكة التي تحيط بالمعسكر... -أما عن النزيل بصفة عامة فكانت النقطة تتعلق بالإقدام على الانتحار وهي أن توقع الحياة كان ضئيلا للغاية وأن هذا التوقع انبنى على حساب موضوعيي للفرص المحتملة للبقاء! . كما أن غرف الموت والحرق بالغاز فقدت ما تبعثه في السجين من رعب.! ((لكن شيئا واحدا ارجوه منكم! أرجوكم أن تحلقوا ذقونكم يوميا.. حتى لو استلزم ذلك منكم أن تستخدموا قطع من الزجاج.. فأنتم بذلك سوف تبدون صغار السن مما ستصنع عملية الكشط من وردية لون وجناتكم! وشيء آخر إذا أردتم البقاء على قيد الحياة .. عليكم أن تظهروا قدرة كافية على العمل..فإذا عرجتم أثناء المشي بسبب جرح بسيط في القدم ..فإذا لاحظ أحدهم ذلك فإنكم ستنحون جانبا وسوف يكون الإعدام بالغاز نصيبكم في اليوم التالي!! )) أنت هناك ! نعم (مشيرا لدكتور فرانكل الكاتب. أنت الوحيد من بينهم الذي ينبغي أن يخاف من عملية الاختيار القادمة !
البلادة والموت الانفعالي : المرحلة الثانية من ردود الأفعال العقلية:
يعيش السجين ألوان من الانفعالات المؤلمة التي يحاول أن يميتها وفي مقدماتها تشوقه العارم لبيته ولأسرته وغالبا ما يغدو هذا الإحساس حادا لدرجة يشعر معها بالاستنفاد والوهن من هذه اللهفة ويعقب ذلك حالة من الاشمئزاز والتقزز من كل ما يحيط به من قبح. في البداية لم يكن يستطيع السجين إلا أن يدير وجهه إذ رأى عقابا لمجموعة من السجناء.. أما بعد أسابيع وربما أيام كان السجين يقف في مواجهة البوابة ويري ويسمع صراخا ويرى كيف يطرح زميله أرضا ويجر من قدمه ويطرح مرات أخرى. أما السجين (وقد دخل في المرحلة الثانية من ردود الأفعال السيكولوجية) فإنه لم يعد يدير وجهه عن مثل هذه المشاهد. فقد صارت مشاعره متبلدة! لا مشاعر اشمئزاز ولا رعب ولا شفقة كان المسجونون يدنون من الواحد تلو الآخر وهو في فراش الموت ولازال جسده دافئا..فيقوم كل منهم حينها بسرقة بقايا قطعة طعام قذرة..يستولي على حذاء الميت..معطفه..
((حدث ان تجهت عيناي خارج النافذة وإذا بي أجد الجثة التي أخذوها من دقائق تحملق في بعينين جاحظتين لامعتين! ..وقلت لنفسي حينذاك أنني منذ ساعتين فقط كنت أكلم نفس الشخص.. ولكنني واصلت ارتشاف حسائي! والواقع انه لم يكن هذا النقص الانفعالي قد أثار دهشتي من وجهة نظر اهتماماتي المهنية لما كنت قد تذكرت تلك الحادثة.. لأانه لم توجد حينذاك الا مشاعر ضئيلة للغاية قد اندمجت معها!
الألم النفسي : مستمرين مع المرحلة الثانية للسجين: بغض النظر عن الجلد بالسياط الذي كان يقع لأتفه الأسباب على الأغلب. ولكن في تلك اللحظة (ما بعد الصفعة على الوجه) لم يكن الألم النفسي الذي يسبب الإيذاء الحقيقي.وإنما هو الألم النفسي مما ينتج عن الشعور بالظلم. وما تضمنه اللطمات من إهانة وعلى سبيل الإهانة كان إذا تلكأ أحد السجناء في العمل لا يقول لهم الحارس شيئا بل قد لا يسب بل يتناول قطعة حجر ويقذف بها السجين باستهتار. ويبدو ذلك أنها طريقة لفت انتباه حيوان..أو إعادة حيوانا منزليا إلى موقعه! . وهذا الحيوان هو مخلوق لا نشبهه(نحن الحراس) لهذا لا يخطر على بالنا عقابه! شعرت أن هناك متاعب في طريقها إلي بعد عملية الحفر.. جاء رئيس العمل بخديه الورديتين المكتنزتين لحما وذكرني وجهه تماما بالخنزير! ولاحظت أنه كان يلبس قفازين تعطيه دفئا في هذا الجو القارس! ثم بدأ : ((أنت يا خنزير!..لقد كنت أراقبك طيلة الوقت..سوف أعلمك أن تعمل..انتظر حتى تحفر القاذورات بأسنانك..سوف تموت كالحيوان! سوف أجهز عليك ما لم تبذل جهدا في العمل. من تظن نفسك يا خنزير.رجل أعمال) لذا استقمت في وقفتي وحملقت مباشرة في عينيه.. وقلت: (كنت طبيبا..طبيبيا إخصائيا) -ماذا طبيبا! واثق أنك كنت تجمع المال وتبتز الناس! وما حدث في الحقيقة أني قد قمت بمعظم العمل بلا مقابل..فكان جل عملي في عيادات للفقراء! وسرعان ما ألقى بنفسه عليا ودقني بالأرض محدثا جلبة وصياحا كالذي يصدر عن مجنون ولم أتذكر ما الذي كان يصيح به!
لقد أردت أن أبين بهذه الحكاية أنه توجد في حياة الانسان لحظات يمكن أن تظهر فيها نقمته..ففي ذلك الوقت اندفع الدم إلى رأسي لأنه كان علي أن أستمع إلى رجل يصدر أحكامه على حياتي دون أن تكون لديه أية فكرة عنها! وهو شخص يبدو متخلفا شرسا
/ تقهقر الحياة الداخلية للسجناء إلى المستوى البدائي! / اختفاء الدافع الجنسي والعاطفي:
ويتضح ذلك فيما تتضمنه أحلام السجين من أماني ورغبات. فقد كانت تدور حول الخبز والكعك والسجائر والحمامات الساخنة. أن تكون الرغبة في الطعام هي الغريزة البدائية الرئيسية التي تتمركز حولها حياته النفسية ..وهو ما يعد مدعاة للخطر إذا تحدث السجناء عن الأطعمة مع بعضهم البعض لأنهم في الوقت المفروض فيه أن يكيفوا أنفسهم لقدر ضئيل من الطعام! ..فعلى الرغم مما يترتب عليه المسلك من ارتياح نفسي وقتي، ألا أنه ليس إلا نهما يترتب عليه مخاطر فيسيولوجية. وقد نتج عن الانشغال وسوء التغذية والقلق إلي اختفاء الدافع الجنسي بل إن السجين حتى في أحلامه لم يكن يبدي اهتماما بالجنس ..فمن شأن الحياة البدائية والجهود المبذولة من أجل اهتمام السجين فحسب ((بأن يفلت بجلده)) فأدى بالطبع لعدم الاكتراث بأي شيء لا يخدم هذا الغرض. فمن هنا نستطيع تفسير النقص التام للعاطفة. لقد تملكني شعور محدد بأنني رأيت الشوارع والمنازل التي عشتها في طفولتي وذلك من خلال عيني إنسان ميت قد عاد لتوه من عالم آخر ويجول ببصره في مدينة من مدن الأشباح ..وبعد ساعات من التأخير غادر القطار المحطة ثم جاء الشارع الذي عشت فيه..وصار المسجونون الذين سيقضون سنوات في المعسكر والتي تمثل لهم الرحلة حدثا يحدقون بتفرس من خلال فتحة نافذة العربة..فأخذت أتوسل إليهم وأستعطفهم كي يدعوني أقف في المقدمة لمدة دقيقة واحدة! وحاولت أن أشرح لهم كم تعني بالنسبة لي نظرة واحدة في تلك اللحظة..ولكنهم رفضوا بكل فظاظة وسخرية قائلين" إنك عشت هنا كل تلك السنوات؟ حسنا لقد رأيت إذن ما يكفيك بالفعل!"
السبات الثقافي/الهروب إلى الماضي:
اتسمت الحياة هناك بما يسمى السبات الثقافي ولكن كان هناك استثناءان: الدين والسياسة..وعن الاهتمام الديني لدى المسجونين والذي نمى بسرعة شديدة فقد كان أكثر الاهتمامات صدقا..وأكثر المواقف تأثيرا في هذا الصدد هو الصلوات الارتجالية أو الخدمات الدينية التلقائية في ركن من أركان الكوخ أو في الظلام داخل عربة. ورغم كل مظاهر الانحطاط الجسمي والعقلي للحياة هناك..إلا انه كان من الممكن للحياة الروحية أن تقوى وتعمق. فالحساسون المعتادون على حياة عقلية غنية ربما عانوا من الالم لكن تعرضهم للألم الداخلي كان أقل.وبهذه الطريقة يمكن تفسير التناقض الظاهري بأن بعض المسجونين ذوي التكوين النفسي الأقل قدرة على الاحتمال قد أبدوا قدرة على المعايشة بدرجة أفضل من ذوي الطبيعة القوية.
وبين الفينة والأخرى كنت أنظر إلى السماء حيث النجوم تخبو والصباح يبدأ في أن ينتشر بصيص ضوئه خلف السحب القاتمة.إلا أن عقلي تعلق بصورة زوجتي..متخيلا إياها بدقة غريبة..لقد سمعتها تجيب علي..ورأييت ابتسامتها ونظراتها الصريحة المشجعة..وقد كانت أكثر إشراقا وتألقا من الشمس التي بدأت في الظهور.. وقد استحوذت إذ ذاك علي فكرة ولأول مرة في حياتي أرى الحقيقى كما يتغنى بها الكثير من الشعراء وكما ينادي بها الكثير من المفكرين على أنها الحكمة النهائية..بأن الحب هو الهدف الغائي والأسمى الذي يمكن أن يطمح الإنسان إليه.. إن خلاص الإنسان هو من خلال الحب وفي الحب. لقد فهمت كيف أن الإنسان الذي لم يبتق له شيء في الدنيا لايزال يعرف السعادة من خلال التأمل والتفكير في المحبوب.
الأنا والقيم:
تعاني الأنا عند الشخص في النهاية من فقدان القيم. وإذا لم يقاوم الشخص في المعسكر ضد ذلك حتى آخر جهد لديه فإنه يفقد الشعور بكون فردا وكائنا له عقل وحرية داخلية وقيمة شخصية..فهو حينئذ يعتقد أنه ليس إلا جزءا من حشد هائل من الناس ويهبط وجوده إلى مستوى الحياة الحيوانية(فقد كانوا يساقون كالحيوانات والقطعان من مكان لآخر فعلا) فلم يكن التفكير سوى في شيئين: كيف نتجنب الكلاب الشرسة(الحراس) وكيف نحصل على بعض الطعام . (تفكير حيواني للقطيع بالفعل) كما أنهم كانوا يتزاحمون بجبن كالخراف وسط القطيع تجنبا للطمات الحراس لمن هم في مقدمة والمؤخرة للطابور فكان الوسط بمثابة حماية من اللطم. تلك الرغبة الجامحة في الابتعاد عن الحشد ولو لفترة قصيرة كان السجين منهم يتوق لأن يكون وحده وأفكاره ومتشوق للعزلة والوحدة. لقد صار الشخص عبارة عن رقم من الأرقام: وسواء كان حيا أو ميتا فإن هذا ليس بالأمر المهم..أما حياة الرقم فلم تكن موضع اعتبار تماما وما يكمن وراء ذلك الرقم وتلك الحياة لم يكني يعني إلا القليل :" أخبرته أن هذا ليس أسلوبي في الحياة..فلقد تعلمت أن أدع الأقدار تأخذ مجراها وقلت له"إني قد أمكث هنا مع أصدقائي" فرماني بنظرة من عينيه تنم عن الشفقة! وصافحني في صمت كما لو كان ذلك وداعا .. سألني صديقي الحميمي بحزن: هل تنوي حقيقة الذهاب معهم؟ :') -نعم ..إني ذاهب. فانهملت الدموع من عينيه وحاولت أن أهديء من روعه ..ثم تذكرت شيئا, اسمع يا لوتو يا صديقي.. إذا لم أعد إلى زوجتي وإذا كنت ستراها مرة ثانية فأخبرها أولا أني كنت أحادثها في كل يوم وفي كل ساعة.. وأبلغها أني قد أحببتها أكثر من أي شخص , وأخبرها أن الفترة القصيرة لزواجنا قد تفوقت على أي شيء آخر بالرغم من كل ما أكابده هنا. أوتو. أين أنت الآن ..هل أنت على قيد الحياة؟ ما الذي حدث لك منذ آخر ليلة قضيناها معا؟ هل تتذكر كيف كنت أحفظك وصيتي عن ظهر قلب كلمة كلمة رغم دموعك الطفلية التي كانت تنهمر من عينيك؟ :"
__________________ مآخذ وملاحظات: - رغم بساطة وجماليات الفصل الأول إلا أنه اتسم ببعض العشوائية وابتعاد الفكرة المحورية عن الميدان لمدة طويلة وبعض التشتت بين الأفكار وقلة النظام في النهاية. -بعض الإسقاطات احتاجت لشرح أكبر أو لم تصف البعد النفسي بدقة. أو الموقف لم يسعفها. -الفصل الثاني كان أقوى فصل في الكتاب من الناحية العلمية وكان محكم ومنظم وعميق وقد سجلت العديد من النقاط عن هذا الفصل لم يسعني الوقت لوضعها هنا ولكي لا أطيل بالمراجعة (الي هي طويلة فعلا :"D) -الفصل الثالث كان فوق المتوسط لكنني سأعود له لأن هناك بعض الأشياء التي لم أفهمها -أعجبني تعليق ماسلو بشدة .
-الترجمة!! الترجمة كانت مزرية بحق.. جودة القصص وشاعرية فرانكل بعض الشيء أو لنقل إحساسه المرهف أنقذ المترجم الضعيف لغويا ووجدانا أيضا.. هناك بعض اللمسات التي يجب أن يقوم بها المؤلف بغض النظر عن ترجمة الكلمات الجافة .. المصطلحات القديمة التي عفى عليها الزمن التي ضايقتني جدا ك(العصاب ..الإبراءة..) والمزيد ممن دل على فقر المترجم اللغوي. وضف على ذلك الاخطاء الإملائية الصارخة والأخطاء النحوية التي لم يخل منها الكتاب صفحة صفحة والله! حسبي الله عليك يا عم :"D __________________________ خاتمة: في النهاية كانت تجربة جميلة وفريدة من نوعها . أكثر ما أعجبني فيها هو البعد اللامادي الذي اتخذه الكاتب والذي من المفترض أن يتم اتخاذه لأننا نتحدث عن "النفس" بشكل بعيد عن المادة الصرفة والنهج الغريزي المنحط. لقد كانت تلك محاولة تفسير سلوك الإنسان من ناحية المعنى. وقد كان منظور السجين عميق بشدة. ولكن ماذا عن حرية الإنسان ؟ ألا توجد حرية روحية فيما يتعلق بالسلوك ورد الفعل إزاء الأشخاص المحيطين بالفرد؟ هل تصح نظرية التي تعتقد أن الإنسان لا يعدو أن يكون نتاج عوامل بيئية وظرةف كثيرة؟ هل الإنسان هو النتاج العرضي لهذه العوامل فقط؟ هل ردود أفعال المسجونين إزاء العالم تثبت أن الإنسان لا يستطيع التخلص من التأثير المحيط به؟ أليس لنا اختيار؟ وما بينته الحياة في المعسكر أننا نستطيع أن يكون لنا الخيار في أفعالنا رغم كل شيء. والأمثلة البطولية كانت كثيرة. إن البلادة يمكن التغلب عليها وأن الإنسان في مقدوره أن يحتفظ ببقية من الحرية الروحية واستقلاله العقلي في الظروف المريعة. إننا الذين عشنا في المعسكر نستطيع تذكر هؤلاء الذين يمرون على الأجنحة ليهدئوا من روع الآخرين ويضحون بإعطائهم آخر قطعة خبز تبقت معهم..ربما كانوا هؤلاء قلة ..ولكنهم يبرهنون على أن كل شيء يمكن أن يؤخذ من الإنسان عد شيئا واحد: وهو أن يختار المرء اتجاهه في الظروف..أن يختار المرء طريقه بنفسه.
والحمد لله رب العالمين. _____________ شكرا للصديق والأخ العزيز منذر على القراءة المشتركة الثانية وعلى الاختيار الرائع � تمت بحمد الله....more