ŷ

أحمد شاكر's Reviews > لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة

لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة by Khaled Khalifa
Rate this book
Clear rating

by
10655286
's review

liked it
bookshelves: رواية

أول ماسمعت بالاسم استغربته، رشحها لي صاحب مكتبة تنمية بوسط القاهرة، لما رآني أتفحص في ركن الروايات، قال: إنها مرشحة للبوكر وأتوقع أن تحصل عليها؛ الرواية جريئة. لكني كنت منشغلا بأعمال كونديرا، وهنري ميللر، اقتنيت يومها ثلاثية الصلب الوردي لهنري وكتاب آخر لكونديرا.

ومرت أيام، وظهرت القائمة القصيرة للبوكر، وكانت لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة ضمن القائمة. وكعادتي لا أحفل بمثل هذه الترشيحات والجوائز، فالكثير من الأعمال التي يرشحها الكثيرون، لا ترق لي، أو تكون دون المستوي. أذكر منها دروز بلغراد لربيع جابر مثلا. المهم أني فوجئت بسخط نجوم القراء بموقع جود ريدز علي هذه الرواية أكثر من غيرها. لماذا؟ لكي أعرف كان لا بد أن أقرأ الرواية، في طبعتها الثالثة الصادرة عن دار عين..

هنا لابد من أن أشير لنقطة فارقة: يقول بودلير في احدي شذراته الواردة بكتابه اليوميات: شعراء المقاومة. كتاب الطليعة: هذا الاستئناس بالاستعارات العسكرية، لا يدل علي عقول مناضلة، بقدر ما يدل علي عقول مخلوقة للانضباط، أى للامتثال، عقول مدجنة منذ الولادة لا تفكر إلا وهي في قطيع. انتهي كلام بودلير. وهنا تكمن خطورة موقع كجود ريدز في التعامل مع الثقافة والابداع، من حيث تأثيرها المسبق علي المتلقي في اصدار الأحكام. فكم من الكتابات لا تستحق ما وصلت إليه هي وأصحابها من شهرة. وكم من كتابات دفنت، أو بقيت مغمورة لأنها لم تحظي بانتشار وسط عالم جود ريدز.

قبل أن نبدأ. الرواية موزعة علي خمسة فصول: حقول الخس. وعنق ملوكي وحذاء أحمر. وجثث متفسخة. وطرق غامضة. والأم الميتة.

بدأت في الرواية، وعقلي تطارده الأحكام المسبقة، ويطاردها. ومع البداية، الأسطر الأولي، مع الاستهلال الذي جعلني أتوقف قبل أن أتابع: في طريقي إلي المنزل تذكرت أن أمي لم تبلغ الخامسة والستين من عمرها كي تموت بهذه الطريقة المفاجأة، فرحت في سري واعتبرت هذا الحدث تأخر عشر سنوات بسبب تشكيها الدائم من نقص الأوكسجين.. توقفت، وقلت بصوت سمعته فاطمة: هذا الاستهلال يشبه استهلال رواية الغريب لألبير كامو، وقفزت إلي المكتبة، واحضرت الغريب، وقرأت عليها: أمي ماتت اليوم. وربما كان ذلك بالأمس، لست أدري! فقد تلقيت برقية من دار المسنين تقول: "ماتت الأم. الدفن غدا. تحيات طيبة." وهذا لا يعني شيئا. فربما كان ذلك بالأمس. أخذنا نقارن: الاستهلال في الروايتين هو موت الأم. واللامبالاة هي الشعور الذي يسيطر علي البطلين، وكأن موت الأم عند بطل كامو، وعند بطل خالد خليفة لا يعني أي شيء. إنه مدخل عبثي بامتياز..

دعونا نكمل مع خالد خليفة: سوريا هي الموضوع، وهي الأزمة وهي الجرح، هي الحزن والخيبة والهزيمة، وهي الأمل الغائب عن حياة أبناءها المصادرة من الحزب. يتخذ خالد خليفة من حلب رمزا لسوريا، ومن العائلة التي تدور حولها الرواية أنموذجا للمجتمع، تظهر فيها كل متناقضاته، ومتاعبه، وخيباته، وأوهامه.

حلب/ المكان بطل رئيس معنا في الرواية، فخالد خليفة يحفظ المدينة، وتاريخها عن ظهر قلب. إنه يبكي المدينة ، فهي ضحية كباقي الضحايا تعاني من التشويه، والتغريب، والقهر.
وأبطال الرواية عائلة مفككة تشبه كل العائلات التي لا يهمها سوي صورتها خارج جدران المنزل، تعيش كجرذان خائفة من كل شيء، بلا أصدقاء، في نفق عزلة لا متناهي، تعيش حياة موازية مع الحزب الذي صادر الحريات، ومنع صدور الصحف وعطل البرلمان وفرض دستورا يمنح الرئيس صلاحيات مطلقة، بعد أن انقلب علي رئيس الجمهورية (سنة 1963) واعتقله هو ورفاقه، واستأثر لنفسه بكل المناصب الحساسة وفرض الطوارئ. (صورة طبق الأصل من واقعنا المأزوم).
البلد في تلك الفترة منقسمة إلي قسمين: مرتزقة لا يعرفون شيئا عن القسم الآخر الذي يعيش ببطء وهدوء ويعرف كل شيء عن القسم الآخر وعن حياته. (صورة طبق الأصل من واقعنا المأزوم).

الشخصيات الرئيسية في الرواية كثيرة، والثانوية أيضا. وكأن الكاتب كان منشغلا بفكرة تمثيل أكبر عدد ممكن من الشخصيات، أو الأنماط الشخصية الموجودة في البيئة/ المدينة التي يحكي عنها. لكن الشخصيات الأبرز فيها هي الأم: مهجورة، تركها الأب ورحل مع أخري لأمريكا. سوسن البنت: عاهرة. نزار الخال: مثلي/ شاذ جنسيا. الراوي/ البطل: لحظة ولادته كانت متزامنة مع لحظة وقوع الانقلاب، لذا فهو يعتبر حياته كلها سيرة خيبة كبيرة. رشيد الأخ: عازف كمان هارب من ذاته، غريب عنها (ككل شخصيات العمل).

كانت جرعة الايروتيكا بالرواية مبالغ فيها، وأحيانا بلا معني، لكن ما يلفت الانتباه هو دراسة الكاتب لشخصية المثلي واظهارها بتلك الصورة المطابقة للفكرة العلمية، وهذه تحسب للكاتب. وشيء آخر: لقد خفت صوت الراوي في حديثه عن الحزب الحاكم كلما تقدمنا في القراءة بعد أن كان عاليا في أول العمل. وجاء كلامه عن الاخوان المسلمين مقتضبا وغير مبينا. أما عن لغة الكاتب فهي لغة رائعة، شعرية ومحلقة. وطريقة رسمه للشخصيات جاءت باحترافية عالية، حيث أوصل لنا لكاتب مدي الشعور بالتفسخ والغربة والخيبة التي تحيط وتعشش بحياتهم، كحال الوطن الذي يعيشون فيه..

نقطة أخيرة: بالنسبة للروايات التي تتخذ من الواقع مجالا لها، يقول توفيق الحكيم في كتابه أدب الحياة أنها: تحتاج إلي قراء أقوياء الملاحظة علي جانب من الثقافة، وعلي قدر من الجلد والصبر علي المطالعة الدقيقة، ليستخلصوا الحقائق من بين السطور والصور.. فحين أن أدب الخيال سهل، لأنه لا يتطلب من القارئ خبرة بالحياة، ولا يحتاج منه أن ينغمر فيه، لهذا كانت القصص الخيالية هي متعة الأطفال.
18 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة.
Sign In »

Reading Progress

September 1, 2014 – Started Reading
September 1, 2014 – Shelved
September 2, 2014 –
page 111
41.26%
September 3, 2014 –
page 140
52.04%
September 6, 2014 – Finished Reading
September 13, 2014 – Shelved as: رواية

Comments Showing 1-3 of 3 (3 new)

dateDown arrow    newest »

message 1: by Shaimaa (new) - added it

Shaimaa Ali ريفيو يبدو أكثر امتاعاً من الرواية نفسها :-)
سلمت يدك


أحمد شاكر شكرا شيماء


message 3: by نوري (new)

نوري ريڤيو ريڤيو يعني مش هزار 😀


back to top