Sherif Metwaly's Reviews > الأشياء تتداعى
الأشياء تتداعى
by
أفريقيا الساحرة
القارة السمراء ، المهضوم حقها فنياً وأدبياً
يخرج منها عمل أدبى من أجمل ماقرأت
لعل أجمل ما ميّز نجيب محفوظ ، وجعله على قمة الكُتّاب المصريين والعرب أجمعين، وجعله واحد من أعلام الكتابة فى العالم ،
هو قدرته الساحرة على رسم صورة المجتمع المصرى والحارة المصرية بكل تفاصيلها
وهذا مافعله الكاتب هنا
الكاتب نجح ببراعة فى استغلال موهبته الأدبية لرسم صورة كاملة للحياة فى أفريقيا وبالتحديد فى نيجيريا .
فيتخذ من قرية " أوموفيا " نموذجاً يوضح من خلاله الإطار العام للحياة فى ظلال هذا المجتمع تماماً كما فعل محفوظ مع الحارة المصرية حينما اتخدها نموذجاً لتوضيح معالم المجتمع المصرى
وماجعل الصورة كاملة بحق ، هو انه تعرض لأدق التفاصيل فى حياة أهل القرية
من أسلوب حياتهم ومسكنهم ، إلى مراسم دفنهم لموتاهم
وعقائدهم الدينيه ، وأكلهم وشربهم ، عملهم وتجارتهم
حياة كاملة تنبض بين الصفحات فى هذه الرواية
تحكى الرواية قصة مأساة " أوكونكو" أحد أقطاب قبيلة " أوبى " فى قرية " أوموفيا "
فيسرد الكاتب بأسلوبه الممتع سيرة أوكونكو منذ نشأته الأولى ، وجهاده ، وعمله المتصل ليصل إلى مركز مرموق فى القبيلة
وتتوالى الأحداث متعرضة لحياة أوكنوكو مع أبنائه وزوجاته الثلاث ، موضحاً الكاتب من خلالها الأبعاد الكاملة لشخصية أوكونكو .
فهو المصارع البطل ، والزوج العادل ، والأب العطوف.. بالرغم مما يبديه دائماً من الشدة والقسوة لأبنائه وزوجاته
وتمر الأيام ،ويتورط أوكونكو فى جريمة تقضى عليه بالنفى لمدة سبع سنوات خارج القبيلة
ثم تمر فترة العقوبة التى حدث فيها الكثير من الأحداث لاداعى لحرقها ، ويعود لقبيلته فيكتشف أن الدين المسيحىّ يتوغل فى قبيلته، وينصدم بانقلاب الحال فى القبيلة التى انقسمت مابين مؤيد ومعارض للدين المنافى لتقاليد الآلهة القديمة
وتتوالى الأحداث تباعاً فى صراع مابين التقاليد والدين الجديد ومابين كهنة الآلهة القديمة ودعاة الدين المسيحى .. حتى تأتى النهاية
تقول المترجمة فى مقدمة الرواية ، واتفق معها بشدة فى هذا الكلام
أن من أسرار جمال الرواية ، الحيادية التامة من الكاتب تجاه الأحداث
ستتسائل كثيراً وأنت تقرأ ، مالموقف الذى يتخذه الكاتب من كل هذه الأحداث ؟
وهذا يعنى بالطبع أن الصورة وحدها هى التى تتحدث إلى القارئ ، بما فى هذه الحياة من قسوة وقيم خاطئة ، ومن بساطة وجمال وشاعرية
ذكرت سابقاً أن أجمل مالمسته فى الرواية ، التفاصيل .
واذا تحدثت عن بعض هذه التفاصيل
فأقول أن الكاتب تعرض لكل شئ يمكن تخيله فى الحياة الاجتماعية تقريباً
طقوس الزواج ، وطقوس الزراعة
الأطعمة المتمثلة فى ثمار معدودة كثمار" اليام "التى هى أهم الأطعمة
وثمار "الكولا " التى تقدم فى مراسم الترحيب بالضيوف
ومراسم الترحيب بالضيوف لها قصة وحدها
وخمر النخيل ، وحساء الفوفو ،وحساء الورقة المرة
ثم يتعرض للعقيدة والدين
والآلهة المتعددة التى يؤمنون بها ، فهناك اله للأرض والزراعة ، وهنالك اله للمطر ، وهناك اله للتلال والجبال
، وفوق كل هذا ، لكل شخص الهه الخاص به المسؤول عن حظه فى الحياة
نترك أمور الدين ونتكلم فى القضاء
فالقبيلة تلجأ فى حكمها إلى جماعة يزعمون أنهم اشخاص تلبستهم أرواح الأسلاف الحكيمة ويدعونهم " جماعة الأوجوجو "
وهى تتكون من تسعة اشخاص تخرج بزى مهيب فى ساحات القضاء للفصل بين الناس
ويتميزون عن باقى الناس بزيهم الذى يبعث رهبة فى نفوس كل من يراهم
والرسوم على الوجه ، والريش على الرأس ، والعصا التى تدق الأرض بحساب
ثم يتحدث عن العادات الغريبة التى يناقشها بحيادية تامة
مثل ولادة التوائم، وأن التوائم لعنة فى نظر الكهنة ،فكلما تلد امرأة توأم يتركونهم فى غابة موحشة لإرضاء الآلهة .
وأن من يقتل أحداً بالخطأ يُنفى من القبيلة لسنوات
إلى آخره من من التفاصيل والتفاصيل التى ترسم المجتمع بصورة كاملة تجعلك تشعر أنك تعيش فى الرواية أثناء القراءة
أنا عن نفسى شعرت أنى فى أفريقيا بكامل إدراكى وانا أقرأ الرواية . وهذا دليل على سحر الرواية وتمكن الكاتب
حتى الجمال والحب الأفريقى .. رسمه الكاتب بطريقة من اجمل مايكون
الرجال ربما يتزوجون تسع زوجات فى وقت واحد ومع ذلك تُكِنّ له كل منهن حباً ووفاءً لا مثيل له
كل زوجة تحب ضُرّتها ، وتحب أبناء زوجها من زوجاته الأخريات
والزوج يبادلهن هذا الحب ، فتجده يحرص على أن تطهى له كل زوجة منهن وجبة كاملة فى كل موعد للطعام ، ولايردّ طعام أى منهن ، بل يأكل من كل الأطباق ومن أيدى كل الزوجات باعثاً فى أنفسهن الرضا والسرور ومقدراً لحب كل واحدة ، مطبقاً العدل والمساواة بينهن
ترجمة الرواية من أجمل مايكون ، رغم أن المترجمة ذكرت فى المقدمة أن السبب فى قلة اهتمام العالم بالأدب الأفريقى هو أن معظم مايكتبه الأفريقيون يكتبوه باللغات المحلية ، وهى لغات كثيرة جداً ومختلفة عن بعضها ومعقدة للغاية .
وأن مانجح فى الانتشار من الأدب الافريقى لايتعدى الأعمال التى تُكتب باللغة الانجليزية لأفارقة مهاجرين أو غيرها من اللغات الأجنبيه المعروفة ، ومهما كان .. فهم قليلون مقارنةً بالكتاب الأفارقة المتأصّلين فى افريقيا ذاتها
ختاماً
هذه الرواية ساحرة ، مفعمة بالتفاصيل والحكايات الممتعة
تكشف عن عالم ربما لم تقرأ عنه من قبل ،وربما لن تقرأ عنه فيما بعد كثيراً
رواية نجحت فى الوصول لشمس الشهرة إلى حد ما ، وسط آلاف الأعمال الأفريقية الأخرى التى تعثرت فى الوصول للعالمية
ولكنها مع ذلك كانت كفيلة لـ لفت انتباه العالم إلى أن افريقيا موجودة على خريطة الأدب
وأن افريقيا تستحق اهتماماً من القُرّاء وعالم الأدب بشكل عام أكثر من ذلك بكثير
تمت
by

أفريقيا الساحرة
القارة السمراء ، المهضوم حقها فنياً وأدبياً
يخرج منها عمل أدبى من أجمل ماقرأت
لعل أجمل ما ميّز نجيب محفوظ ، وجعله على قمة الكُتّاب المصريين والعرب أجمعين، وجعله واحد من أعلام الكتابة فى العالم ،
هو قدرته الساحرة على رسم صورة المجتمع المصرى والحارة المصرية بكل تفاصيلها
وهذا مافعله الكاتب هنا
الكاتب نجح ببراعة فى استغلال موهبته الأدبية لرسم صورة كاملة للحياة فى أفريقيا وبالتحديد فى نيجيريا .
فيتخذ من قرية " أوموفيا " نموذجاً يوضح من خلاله الإطار العام للحياة فى ظلال هذا المجتمع تماماً كما فعل محفوظ مع الحارة المصرية حينما اتخدها نموذجاً لتوضيح معالم المجتمع المصرى
وماجعل الصورة كاملة بحق ، هو انه تعرض لأدق التفاصيل فى حياة أهل القرية
من أسلوب حياتهم ومسكنهم ، إلى مراسم دفنهم لموتاهم
وعقائدهم الدينيه ، وأكلهم وشربهم ، عملهم وتجارتهم
حياة كاملة تنبض بين الصفحات فى هذه الرواية
تحكى الرواية قصة مأساة " أوكونكو" أحد أقطاب قبيلة " أوبى " فى قرية " أوموفيا "
فيسرد الكاتب بأسلوبه الممتع سيرة أوكونكو منذ نشأته الأولى ، وجهاده ، وعمله المتصل ليصل إلى مركز مرموق فى القبيلة
وتتوالى الأحداث متعرضة لحياة أوكنوكو مع أبنائه وزوجاته الثلاث ، موضحاً الكاتب من خلالها الأبعاد الكاملة لشخصية أوكونكو .
فهو المصارع البطل ، والزوج العادل ، والأب العطوف.. بالرغم مما يبديه دائماً من الشدة والقسوة لأبنائه وزوجاته
وتمر الأيام ،ويتورط أوكونكو فى جريمة تقضى عليه بالنفى لمدة سبع سنوات خارج القبيلة
ثم تمر فترة العقوبة التى حدث فيها الكثير من الأحداث لاداعى لحرقها ، ويعود لقبيلته فيكتشف أن الدين المسيحىّ يتوغل فى قبيلته، وينصدم بانقلاب الحال فى القبيلة التى انقسمت مابين مؤيد ومعارض للدين المنافى لتقاليد الآلهة القديمة
وتتوالى الأحداث تباعاً فى صراع مابين التقاليد والدين الجديد ومابين كهنة الآلهة القديمة ودعاة الدين المسيحى .. حتى تأتى النهاية
تقول المترجمة فى مقدمة الرواية ، واتفق معها بشدة فى هذا الكلام
أن من أسرار جمال الرواية ، الحيادية التامة من الكاتب تجاه الأحداث
ستتسائل كثيراً وأنت تقرأ ، مالموقف الذى يتخذه الكاتب من كل هذه الأحداث ؟
وهذا يعنى بالطبع أن الصورة وحدها هى التى تتحدث إلى القارئ ، بما فى هذه الحياة من قسوة وقيم خاطئة ، ومن بساطة وجمال وشاعرية
ذكرت سابقاً أن أجمل مالمسته فى الرواية ، التفاصيل .
واذا تحدثت عن بعض هذه التفاصيل
فأقول أن الكاتب تعرض لكل شئ يمكن تخيله فى الحياة الاجتماعية تقريباً
طقوس الزواج ، وطقوس الزراعة
الأطعمة المتمثلة فى ثمار معدودة كثمار" اليام "التى هى أهم الأطعمة
وثمار "الكولا " التى تقدم فى مراسم الترحيب بالضيوف
ومراسم الترحيب بالضيوف لها قصة وحدها
وخمر النخيل ، وحساء الفوفو ،وحساء الورقة المرة
ثم يتعرض للعقيدة والدين
والآلهة المتعددة التى يؤمنون بها ، فهناك اله للأرض والزراعة ، وهنالك اله للمطر ، وهناك اله للتلال والجبال
، وفوق كل هذا ، لكل شخص الهه الخاص به المسؤول عن حظه فى الحياة
نترك أمور الدين ونتكلم فى القضاء
فالقبيلة تلجأ فى حكمها إلى جماعة يزعمون أنهم اشخاص تلبستهم أرواح الأسلاف الحكيمة ويدعونهم " جماعة الأوجوجو "
وهى تتكون من تسعة اشخاص تخرج بزى مهيب فى ساحات القضاء للفصل بين الناس
ويتميزون عن باقى الناس بزيهم الذى يبعث رهبة فى نفوس كل من يراهم
والرسوم على الوجه ، والريش على الرأس ، والعصا التى تدق الأرض بحساب
ثم يتحدث عن العادات الغريبة التى يناقشها بحيادية تامة
مثل ولادة التوائم، وأن التوائم لعنة فى نظر الكهنة ،فكلما تلد امرأة توأم يتركونهم فى غابة موحشة لإرضاء الآلهة .
وأن من يقتل أحداً بالخطأ يُنفى من القبيلة لسنوات
إلى آخره من من التفاصيل والتفاصيل التى ترسم المجتمع بصورة كاملة تجعلك تشعر أنك تعيش فى الرواية أثناء القراءة
أنا عن نفسى شعرت أنى فى أفريقيا بكامل إدراكى وانا أقرأ الرواية . وهذا دليل على سحر الرواية وتمكن الكاتب
حتى الجمال والحب الأفريقى .. رسمه الكاتب بطريقة من اجمل مايكون
الرجال ربما يتزوجون تسع زوجات فى وقت واحد ومع ذلك تُكِنّ له كل منهن حباً ووفاءً لا مثيل له
كل زوجة تحب ضُرّتها ، وتحب أبناء زوجها من زوجاته الأخريات
والزوج يبادلهن هذا الحب ، فتجده يحرص على أن تطهى له كل زوجة منهن وجبة كاملة فى كل موعد للطعام ، ولايردّ طعام أى منهن ، بل يأكل من كل الأطباق ومن أيدى كل الزوجات باعثاً فى أنفسهن الرضا والسرور ومقدراً لحب كل واحدة ، مطبقاً العدل والمساواة بينهن
ترجمة الرواية من أجمل مايكون ، رغم أن المترجمة ذكرت فى المقدمة أن السبب فى قلة اهتمام العالم بالأدب الأفريقى هو أن معظم مايكتبه الأفريقيون يكتبوه باللغات المحلية ، وهى لغات كثيرة جداً ومختلفة عن بعضها ومعقدة للغاية .
وأن مانجح فى الانتشار من الأدب الافريقى لايتعدى الأعمال التى تُكتب باللغة الانجليزية لأفارقة مهاجرين أو غيرها من اللغات الأجنبيه المعروفة ، ومهما كان .. فهم قليلون مقارنةً بالكتاب الأفارقة المتأصّلين فى افريقيا ذاتها
ختاماً
هذه الرواية ساحرة ، مفعمة بالتفاصيل والحكايات الممتعة
تكشف عن عالم ربما لم تقرأ عنه من قبل ،وربما لن تقرأ عنه فيما بعد كثيراً
رواية نجحت فى الوصول لشمس الشهرة إلى حد ما ، وسط آلاف الأعمال الأفريقية الأخرى التى تعثرت فى الوصول للعالمية
ولكنها مع ذلك كانت كفيلة لـ لفت انتباه العالم إلى أن افريقيا موجودة على خريطة الأدب
وأن افريقيا تستحق اهتماماً من القُرّاء وعالم الأدب بشكل عام أكثر من ذلك بكثير
تمت
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
الأشياء تتداعى.
Sign In »
Reading Progress
Comments Showing 1-16 of 16 (16 new)
date
newest »


أنا حقيقي استمتعت بالريفيو ده
عبقري يا شريف"
حبيبى
خمسة مواه" من بتوع الام الفاضلة فيفى عبده" :D :D

شكرا على كلامك الجميل ياهبة
يارب الرواية تعجبك كمان :D

ستات ومتعايشين مع بعض ما لناش دعوة احنا :D
تسلمي يا نيرة :D

إبرايم اللي قفل أكونت الفيس وقاعد يستجم مع نفسه
مساء الفل يا كبير :D
أنا حقيقي استمتعت بالريفيو ده
عبقري يا شريف