ŷ������

أكتبُ وأنا أهلوسُ من مرضي يا رضوى. لا أدري ما الذي دفعني للكتابة عنكِ في حالِ مرضي، وأنا قادرٌ على تأجيلِ ذلك بعضَ الوقت. لكنَّ ما أعلمه أنّني واثقٌ فحسب، أنَّ هذا هو أكثر الأوقات مناسَبَةً. وما أدريه أيضًا، أنّني لا أعلمُ ما الذي سأقوله بعد قليل، وهل سيكون نتاجَ مرضي، أم تأثيرَ كتابكِ الأخير يا رضوى!

صوتٌ رخيمٌ يجيء من قريب - ليسَ من بعيدٍ هذه المرة - شيءٌ يشبهُ رضوى، كتاباتِها، قسَماتِها، وطُرفِها التي تنثُرُها من سلّتَيْ الأمل اللتين تطوفُ بهما القاهرة في كلّ حين. شيءٌ يُشبهنا فعلًا. صوتٌ يحملُ الكثيرَ من التفاصيل. زهرة، غيمة، قصّة، ملبَس، ازدحام، كوب قهوة، معايدة، طفل، هديّة. يُواسينا في احتفاظنا بتفاصيلِنا الصغيرة. فنعلمُ أنَّ التفاصيل هي أكثرُ ما يبقى فعلًا، بعدمَا تبلى الذاكرة، غيرَ بعيدٍ من بلاءِ الجسد، في حين أنَّ الروح، تبقى عظيمةَ الجمال.

إذا كنتِ تركلينَ كلّ حجرٍ ترينَه في الطريق، فلا أذكرُ أنَّني تركتُ قنينةً بلاستيكيّةً ساكنةً ورائي وأنا أقطعُ ممرًّا. هذه الحياة مليئةٌ بالأشياء التي يُمكنُ أن تُحبَّ. الفرقُ يكمنُ فعلًا في مدى قدرةِ الإنسان على تمييزِها، وصناعةِ مفارقةٍ تخصُّ بعض الأشياء، مفارقةٍ لا تمتُّ لمعانيها الواقعيّة بصلة. كأن يرى امرُؤٌ في السماء وجهَ حبيب. كأن يقدِّسَ غيمة. كأن ينتظرَ منتصفَ الشهر، ويتأمّلَ القمر، ساكنًا في هجعته. كأن لا يفوِّتَ قهوةً ظهريّة! كأن يخاطبَ كتابًا. أو يعشقَ لوحة.

"هناك احتمالٌ آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قرّرنا أننا لن نموت قبل أن نحاولَ أن نحيا". هذه الجملة ليستْ دافعةً للأمل. أو طالبةً للتفاؤل. دعوةٌ لعيشِ الحياة فحسب. عيشِها بالتناقض، عيشِها بالأضداد. الحزنُ أيضًا عيش، والألم عيش، واليأسُ عيش. لن أقولَ بأنَّ على المرء أن يتصالحَ مع كلّ هذا. الأمرُ بسيطٌ إلى حدٍّ كبير: هذه الدنيا، لا تفوِّتُ الفرص، فلا تفوِّتْ فرصَتَكَ في عيشِها كما هي. عَيْشِ اليأس لأنَّه يأس، وأن تبكي لأنَّكَ تبكي وعليكَ أن تبكي. هكذا ببساطة. يقول الجليلُ العظيم: "((وأنَّه هو أضحكَ وأبكى))". كلُّنا بارعون في التنكُّرِ رضوى، لكنَّ على شخصيّاتنا المركّبة أن تطغى في النهاية.

تقول رضوى عاشور، أنَّ جميع كتاباتِها محاولةٌ للتعاملِ مع الهزيمة. هذا الكتاب كان سهمًا في صدرِ الهزيمة. هزيمةً لهزيمةِ المرض. ولعنةً على كلِّ ما قاتلَ الثورة. الهزيمة لا تفلحُ مع من هم كهؤلاء. أناسٌ يرونَ الحياةَ بكلّ تناقضٍ.. جميلة!

تمت.
سومر العبيد.
١٢ / ١٠ / ٢٠١٦م