Hnadialshammeri's Reviews > كاليسكا
كاليسكا
by
كاليسكا.. لـ ناصر الظفيري
قد يظن القارئ لهذه الرواية أنها تتناول قصة حُب بين شخصين تحول الظروف الاجتماعية عن الارتباط بينهما، لكن القصة أكبر!
في كاليسكا نواجه مرضنا المزمن، الذي لم نستطع رغم كل الشعارات الإنسانية التي ندّعيها من التخلص منه، نواجه "رفض الآخر" الآخر المختلف عنّا، وليس شرطا أن يكون مختلف في لون الجلد أو اللغة (رغم أن ذلك لا يبرر هذا الرفض أيضا) نرفض ذواتنا التي اختلفت فقط في الجهة التي ينتمي لها أحد أجدادنا الذين لا نريد أن نتذكر أين كانوا.. "جميعُنا هنا لا نريد أن نتذكر أين كان آباؤنا"
بِوعي الروائي الذي ينظر إلى مجتمعاتنا بعين الباحث والمدقق يختار ناصر الظفيري الموقف الذي تتكشّف فيه ذواتنا بِعريً فاضح. "الزواج" المحكّ الذي يركن فيه ذوي الشهادات العليا والمبادئ الإنسانية كل ما تعلموه وآمنوا به، حينها ينظرون فقط إلى انتماءه وماله وأصله غافلين بإرادتهم عن أي مميزات أخرى من الممكن التفكير بها بعد الانتهاء من مسألة الانتماء الطبقي "أنتَ رجل متعلم وخريج بريطانيا، لكنك هنا عنصري بغيض لا تختلف عن الجهلة رغم أنك تعرف من أنت!"
"رفض الآخر" ليس مرضاً محلياً فقط. نرى في الرواية حالة مشابهة في الغرب حصلت للهنود الحمر من خلال ستيفاني كاليسكا التي تحكي لبطل الرواية "العوّاد" ما حدث لهم عندما تم تشتيتهم إلى الشمال، ثم انتزاع الأطفال من أهاليهم وأخذهم إلى مكان لا يعرفه أحد.
كما تُقطف وردة من حديقة عامة ينتزع ناصر الظفيري هذه التفصيلة الاجتماعية من جدار حياتنا ويسقطها على واقعنا. البلد الذي لا ينظر للأجيال الأخيرة من البدون كمتعلمين وأصحاب شهادات يمكن الاستفادة منهم وإشراكهم في بناء الوطن.. الوطن الذي يكرّر السؤال بغباء حقيقي جيلا بعد جيل: من أين أتوا؟!
الكثير من الشخصيات في الفصول التي دارت أحداثها في الكويت وظّفت برمزية متقنة جدا، العقيد اليزّاز رمز السلطة التي ترفض الحوار وترى في العنف السبيل الوحيد لفرض سيطرتها، حتى الجزء الذي تسبب به للعواد بإعاقة دائمة كان "الأذن"، والد العقيد صالح اليزاز الإنسان السلبي الموافق على عجرفة وتخبط السلطة، الأم عواطف المعارضة لتلك السلطة المصادرة لحريتها هي وابنتها رشا، المجانين الأربعة مرهش باستسلامهم التام لكل ما يحدث حولهم ورضوخهم له أرى فيهم "البدون" بموافقتنا على كل ما يجري حولنا وتحط نتائجه علينا.
الإنسان كائن بشع عندما يتمادى في رفضك، هذا ما حصل للعوّاد (بطل الرواية) مع العقيد عبدالرحمن اليزاز أخ رشا (الفتاة التي يحبها العوّاد) رفض وَصَلَ إلى حد انتزاع جنسيته وإبعاده عن البلاد من خلال تهمة ملفّقة له، تم عرض ذلك بذكاء روائي تنقّل به من سجون الكويت إلى سجون سوريا، البلد الوحيد الذي يستقبل من هم في وضعه بتذكرة سفر. فصل سوريا لا يُقرأ مرة واحدة، الواقع العربي بشفافية تامة قرأته من خلاله، كيف تكمّم الأفواه قبل أن تُفتح، هذا الصمت المفروض على الجميع، الحقيقة التي تؤمن كل سلطة عربية "يضع يده على فمه إشارة ألا يتكلم بأي شيء هنا". فصل سوريا بأحداثه وحواراته يُقرأ أكثر من مرة، الصديق "فهد غانم" كان بطل هذا الفصل، ثبات شخصية فهد غانم مقابل تطور أغلب الشخصيات الأخرى في الرواية منح النص توزانا،ً ولمن هم على علاقة معه أماناً ممكن العودة إليه والانطلاق منه مرة أخرى، الوعي الذي كان يراه العواد "نقيضه الذي يتمنى أن يتعرف عليه عن بُعد من دون أن يلامسه أو يتماس معه". حتى الاسم المستخدم له "فهد غانم" اسم ثنائي مركب يوحي بثقل هذه الشخصية وتأثيرها على أحداث الرواية وعلى حياة صاحبه العوّاد.
العوّاد.. العوّاد
سلبيته في الكويت وسوريا، كل ما فعله كان ردة فعل لكل ما يحدث حوله، العاطفة قراره الوحيد، خذلانه لعمه في موقف يُفترض أن يكون قويا فيه، لم أر العوّاد يتخذ قراراته ويعيش حياته إلا في كندا، أحيانا يجب أن تكون وحيدا كي تتعرف على ذاتك.
مشهد التحول الكبير في شخصيته "نظر في مرآة السيارة المعلقة أمامه. كان فهد غانم ينظر إليه ويبتسم"هذا المشهد يذكّرني بدوريان جراي في رائعة أوسكار وايلد (صورة دوريان جراي). مشهد النهاية حين رأى اللوحة التي تشوّه جمالها بسبب أفعاله الشريرة في حين احتفظ هو بالشباب والجمال، لكن المفارقة أن هذا المشهد في كاليسكا كان بداية التطور الأكبر في شخصية العوّاد "الزمن الذي يحوّل القبيح إلى حسن والحسن إلى قبيح"
المرأة.. عواطف/ رشا/ ستيفاني. الشجاعة والإرادة التي تتخطى بها الرجل بمراحل "ليتَ أمّي رجلاً". العاطفة التي أثرت فصول الرواية بقوتها ورقتها في آنٍ واحد.
تبقى السجون في البلدان الثلاثة التي تنقّل بها العوّاد المرآة الأنقى لتلك البلدان، الظلام في سجون الكويت/ صرخات التعذيب في سوريا/ مباراة الهوكي في أوتاوا. السجن وتكرار وجوده في فصول الرواية كدلالة على حبس أنفسنا داخل فكرة/ انتماء/ جماعة. جميعنا نبحث عن الحرية في الوقت الذي يُصادِرها الآخر منّا، ولا نلتفت لأنفسنا التي تقتل هذه الحرية كل يوم بأفكار متوارثة.
كاليسكا.. عمل قيّم من روائي صاحب فكر وقضية، يطرح نرد الفكرة بمهارة يمتلكها من يحترم فن الرواية موضوعاً ولغةً، يحترم قراءه بتقديمه لهم عمل مُتقن فنيّاً وبنائيّاً..
كاليسكا.. تستحق أكثر من قراءة.
by

كاليسكا.. لـ ناصر الظفيري
قد يظن القارئ لهذه الرواية أنها تتناول قصة حُب بين شخصين تحول الظروف الاجتماعية عن الارتباط بينهما، لكن القصة أكبر!
في كاليسكا نواجه مرضنا المزمن، الذي لم نستطع رغم كل الشعارات الإنسانية التي ندّعيها من التخلص منه، نواجه "رفض الآخر" الآخر المختلف عنّا، وليس شرطا أن يكون مختلف في لون الجلد أو اللغة (رغم أن ذلك لا يبرر هذا الرفض أيضا) نرفض ذواتنا التي اختلفت فقط في الجهة التي ينتمي لها أحد أجدادنا الذين لا نريد أن نتذكر أين كانوا.. "جميعُنا هنا لا نريد أن نتذكر أين كان آباؤنا"
بِوعي الروائي الذي ينظر إلى مجتمعاتنا بعين الباحث والمدقق يختار ناصر الظفيري الموقف الذي تتكشّف فيه ذواتنا بِعريً فاضح. "الزواج" المحكّ الذي يركن فيه ذوي الشهادات العليا والمبادئ الإنسانية كل ما تعلموه وآمنوا به، حينها ينظرون فقط إلى انتماءه وماله وأصله غافلين بإرادتهم عن أي مميزات أخرى من الممكن التفكير بها بعد الانتهاء من مسألة الانتماء الطبقي "أنتَ رجل متعلم وخريج بريطانيا، لكنك هنا عنصري بغيض لا تختلف عن الجهلة رغم أنك تعرف من أنت!"
"رفض الآخر" ليس مرضاً محلياً فقط. نرى في الرواية حالة مشابهة في الغرب حصلت للهنود الحمر من خلال ستيفاني كاليسكا التي تحكي لبطل الرواية "العوّاد" ما حدث لهم عندما تم تشتيتهم إلى الشمال، ثم انتزاع الأطفال من أهاليهم وأخذهم إلى مكان لا يعرفه أحد.
كما تُقطف وردة من حديقة عامة ينتزع ناصر الظفيري هذه التفصيلة الاجتماعية من جدار حياتنا ويسقطها على واقعنا. البلد الذي لا ينظر للأجيال الأخيرة من البدون كمتعلمين وأصحاب شهادات يمكن الاستفادة منهم وإشراكهم في بناء الوطن.. الوطن الذي يكرّر السؤال بغباء حقيقي جيلا بعد جيل: من أين أتوا؟!
الكثير من الشخصيات في الفصول التي دارت أحداثها في الكويت وظّفت برمزية متقنة جدا، العقيد اليزّاز رمز السلطة التي ترفض الحوار وترى في العنف السبيل الوحيد لفرض سيطرتها، حتى الجزء الذي تسبب به للعواد بإعاقة دائمة كان "الأذن"، والد العقيد صالح اليزاز الإنسان السلبي الموافق على عجرفة وتخبط السلطة، الأم عواطف المعارضة لتلك السلطة المصادرة لحريتها هي وابنتها رشا، المجانين الأربعة مرهش باستسلامهم التام لكل ما يحدث حولهم ورضوخهم له أرى فيهم "البدون" بموافقتنا على كل ما يجري حولنا وتحط نتائجه علينا.
الإنسان كائن بشع عندما يتمادى في رفضك، هذا ما حصل للعوّاد (بطل الرواية) مع العقيد عبدالرحمن اليزاز أخ رشا (الفتاة التي يحبها العوّاد) رفض وَصَلَ إلى حد انتزاع جنسيته وإبعاده عن البلاد من خلال تهمة ملفّقة له، تم عرض ذلك بذكاء روائي تنقّل به من سجون الكويت إلى سجون سوريا، البلد الوحيد الذي يستقبل من هم في وضعه بتذكرة سفر. فصل سوريا لا يُقرأ مرة واحدة، الواقع العربي بشفافية تامة قرأته من خلاله، كيف تكمّم الأفواه قبل أن تُفتح، هذا الصمت المفروض على الجميع، الحقيقة التي تؤمن كل سلطة عربية "يضع يده على فمه إشارة ألا يتكلم بأي شيء هنا". فصل سوريا بأحداثه وحواراته يُقرأ أكثر من مرة، الصديق "فهد غانم" كان بطل هذا الفصل، ثبات شخصية فهد غانم مقابل تطور أغلب الشخصيات الأخرى في الرواية منح النص توزانا،ً ولمن هم على علاقة معه أماناً ممكن العودة إليه والانطلاق منه مرة أخرى، الوعي الذي كان يراه العواد "نقيضه الذي يتمنى أن يتعرف عليه عن بُعد من دون أن يلامسه أو يتماس معه". حتى الاسم المستخدم له "فهد غانم" اسم ثنائي مركب يوحي بثقل هذه الشخصية وتأثيرها على أحداث الرواية وعلى حياة صاحبه العوّاد.
العوّاد.. العوّاد
سلبيته في الكويت وسوريا، كل ما فعله كان ردة فعل لكل ما يحدث حوله، العاطفة قراره الوحيد، خذلانه لعمه في موقف يُفترض أن يكون قويا فيه، لم أر العوّاد يتخذ قراراته ويعيش حياته إلا في كندا، أحيانا يجب أن تكون وحيدا كي تتعرف على ذاتك.
مشهد التحول الكبير في شخصيته "نظر في مرآة السيارة المعلقة أمامه. كان فهد غانم ينظر إليه ويبتسم"هذا المشهد يذكّرني بدوريان جراي في رائعة أوسكار وايلد (صورة دوريان جراي). مشهد النهاية حين رأى اللوحة التي تشوّه جمالها بسبب أفعاله الشريرة في حين احتفظ هو بالشباب والجمال، لكن المفارقة أن هذا المشهد في كاليسكا كان بداية التطور الأكبر في شخصية العوّاد "الزمن الذي يحوّل القبيح إلى حسن والحسن إلى قبيح"
المرأة.. عواطف/ رشا/ ستيفاني. الشجاعة والإرادة التي تتخطى بها الرجل بمراحل "ليتَ أمّي رجلاً". العاطفة التي أثرت فصول الرواية بقوتها ورقتها في آنٍ واحد.
تبقى السجون في البلدان الثلاثة التي تنقّل بها العوّاد المرآة الأنقى لتلك البلدان، الظلام في سجون الكويت/ صرخات التعذيب في سوريا/ مباراة الهوكي في أوتاوا. السجن وتكرار وجوده في فصول الرواية كدلالة على حبس أنفسنا داخل فكرة/ انتماء/ جماعة. جميعنا نبحث عن الحرية في الوقت الذي يُصادِرها الآخر منّا، ولا نلتفت لأنفسنا التي تقتل هذه الحرية كل يوم بأفكار متوارثة.
كاليسكا.. عمل قيّم من روائي صاحب فكر وقضية، يطرح نرد الفكرة بمهارة يمتلكها من يحترم فن الرواية موضوعاً ولغةً، يحترم قراءه بتقديمه لهم عمل مُتقن فنيّاً وبنائيّاً..
كاليسكا.. تستحق أكثر من قراءة.
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
كاليسكا.
Sign In »
Reading Progress
Finished Reading
November 14, 2015
– Shelved