Tharwat's Reviews > كافكا على الشاطئ
كافكا على الشاطئ
by
by

الحمد لله مكور الليل على النهار، لابد للسبب من مسبب يا إخوتي، صحوت في الساعة الثامنة كعادة كل يوم زهيد، كنت في قمة يأسي، دورة مثيرة للغثيان من لا شيء، عمل لا قيمة له ولا طموح فيه، محاط كل يوم بوجوه كريهة كارهة، لا أعلم ما الداعي للذهاب كل يوم للتصادم مع مدار أحزاني، كنت محاطًا بشيء يخنقني، حلمت أن شخصًا ما يطاردني بين الشوارع بمسدسه الذي يطلق منه الطلقات في لهفة لقنص رأسي المتعب، كنت أحاول الاختباء منه عن طريق الالتفاف في الشوارع الجانبية لشارع حلمي الرئيس، بلا جدوى، وسط الناس، جابهت الموت من قبل في الحقيقة مرات ومرات، كنت أختبئ من الرصاص وسط الجموع الهاربة على أمل ألا تقتنص رصاصات الظالمين رأسي المتهالك، كان الموت أقرب لي من وجوه أحلامي الراثية.. ماذا أفعل، بعد أسابيع عدة قيل لي أن أتجهز لمعرض الكتاب، سنشارك هذه المرة في ألمانيا أ، الجناح السعودي لم يقام هذه السنة، كان تغيير جيد لروتيني العجيب، بدأت في قراءة "ميرامار" لنجيب محفوظ في تلك الفترة، كنت اشتريتها من معرض الكتاب منذ سنتين من دار مكتبة مصر، بالإصدارات "الجيب" التي أصدرتها الدار لأعمال محفوظ مخفضة الثمن، في إحياء جديد من عندي لإعادة شراء أعمال محفوظ، أعماله كانت عندي قديمًا، حدث شيء منذ سنين بعيدة وبدأت أختي في القراءة، ثم بدأت في تسريب أعمال محفوظ من مكتبتي لصويحباتها، كانت طبعات تولى أخي تجليدها بأغلفة صلبة حمراء وزرقاء، ضاع وقتها عدد لا بأس به من أعمال محفوظ من عندي، لم أعد أتذكر ما قرأته وما نسيته، لكن كانت رواية ميرامار جيدة الآن لتجديد الذاكرة بخصوص أسلوب محفوظ الذي انتهجه في عدد من رواياته بخصوص الاعتماد على سرد مميز لشخوص روايته كلٍ على حدة والتي تشكل بوتقة حدث واحد معين لا قيمة له في ذاته، حيث يبث من خلال تنوع شخصياته وتناقضها ما يشاء من آراء دون خوف من قلم رقيب أو استهجان سلطوي، فعل هذا في حديث الصباح والمساء والكرنك وأفراح القبة، وفي كثير من رواياته، وكانت حيلة نافعة للغاية، ميرامار كانت مرضية لي على الدوام، بدأت بعدها في نسخة جيب أخرى لمجموعة قصصية لمحفوظ اسمها شهر العسل، أغلب قصص محفوظ يعتمد فيها في بعض الأحيان على ميتافيزيقية خيالية عبثية يبث من خلالها أفكار مجردة لا قيمة لها على الإطلاق، لكن كان يخيل لي وأنا أقرأها أني أقرأ حوارات أشبه بحوارات مسرحية، لكن هذه المجموعة كانت متعبة لعيني، وإن رأيتها شبيهة بمجموعة "الجريمة" في بعض قصصها الميتافيزيقية، كنت أتقدم في القراءة ببطء، وكنت أعاني من شيء آخر أريدكم أن تحيطوا به علمًا، من كثرة ما اشتريته من تلك الروايات للكتاب القدامى كنت أحيانًا لا أعلم هل قرأت الرواية من قبل أم لا، كنت أشتري المجموعة القصصية لنفس الكاتب مرتين بل وربما ثلاثة، اشتريت حصاد الهشيم للمازني على سبيل المثال ثلاث مرات في فترات زمنية متباعدة، كل هذا الإهمال الذهني راجع لعدم الاستمتاع بعادة القراءة كما الأيام الخوالي، عندما اصطدمت بواقعي المأزوم الحالي وأنا على مشارف الثلاثين تبددت بساطة الحياة ونعمة القراءة في عيناي، عذرًا يا إخواني على كل هذا السرد المتهافت، إن خرائي لا يشبه أي خراء آخر، ولكنه خراء جيد على أية حال، لا بأس... لكن لوهلة اصطدمت برواية "ماروكامي" - "كافكا على الشاطئ"، الرواية الجيدة هي التي تستطيع قراءتها بكل سلاسة ويسر دونما توقف أو ضيق عسر فهم، كانت أول تجربة لي مع هذا الكاتب الذي سمعت عن رواياته الكثير وبخاصة هذه الرواية، لم أدرك في البداية السر وراء تلك الفصول العجيبة التي يدمجها ماروكامي وسط قصة الصبي "كافكا" إلا مع التقدم في قراءة القصة، عرفت وقتها أن الرجل يعمل على مشروع روايته بحبكة مميزة أشبه بأفلام هيتشكوك، التي نكتشف في نهايتها العلاقة بين أحداث الطفولة وما يجابهه الشخص ويصطدم به مع تقدمه في العمر وخوضه في التجارب، ماذا أقول، أنا مثل ناكاتا، لا أستطيع قراءة الوجوه، لا أستطيع الحديث مع البشر دونما عفوية، أبحث عن أي حجر لأحركه، أستطيع مخاطبة الآلات كما يستطيع ناكاتا مخاطبة القطط، ولكن في بعض الأحيان أعمل بمازوخية على مشروعاتي الحياتية كما مازوخية النحات المجهول آكل أكباد القطط، ماروكامي ذكر أن لعبة الألغاز والأحاجي التي وضعها في روايته ليست بحاجة لتفسير، أعتقد أن وضع ألغاز شيء يستطيع أي كاتب هاو وضعه كما كتب المغامرات المراهقاتية، لكن توظيفها في طابع روائي هو الأمر الجيد، وإن ما زالت فكرة ساييكي وأخت كافكا ولغزيهما أمر ساذج قد تفهمه بعد وقت قصير من قراءة الرواية، في النهاية الرواية أرضت غروري لا لشيء سوى لترجمة هذه المترجمة البارعة "إيمان رزق الله" كما لو أن الرواية مكتوبة بالعربية قصدًا، وإن كنت بحثت في الإنترنت عن الحنكليس لفهم ماهية هذا الشيء الذي يحبه ناكاتا، أما لماذا اختيار اسم (كافكا) لفتى روايته المراهق، فهذا راجع أن فرانز كافكا نفسه كاتب قدير استطاع أن يستأثر بالقدر الأكبر من اهتمام الأدب العالمي في القرن العشرين رغم قلة عدد ما كتبه، إلى جانب قصة حياته البائسة المازوخية، كل تلك العذابات الإنسانية، الاضطرابات الوجدانية، أنا لن أشتري شيئًا ذلك العام من معرض الكتاب وإن كنت اشتريت ثلاث روايات مخفضة من فرع مكتبة الأسرة فقط لكي أتغلب على غيظي من ارتفاع أسعار الكتب هذا العام، اشتريت زوربا لكازانتازكيس، والسيمونية البيضاء للكاتبة البرازيلية "أدريانا ليسبوا" وحواديت الأخوين جريم، اشتريتهم بخمسة عشر جنيهًا بعد تخفيض آخر، كنت أريد أن أحدثكم عن يومياتي بمعرض الكتاب هذه الأيام، لكن أعتقد أن هذه الخاطرة قد طالت وستظل تطول إن لم أنهها، سبحان مكور الليل على النهار، عمري يضيع في تعاقب الأيام والليالي..
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
كافكا على الشاطئ.
Sign In »
Reading Progress
Finished Reading
December 26, 2015
– Shelved
Comments Showing 1-2 of 2 (2 new)
date
newest »

message 1:
by
Fatma Al Zahraa
(new)
-
added it
Mar 16, 2018 01:07AM

reply
|
flag