ŷ������

الالياذة و��وميروس يجعلان منك طفلاً صغيراً تتحدث مع نفسك طيلة ايام قراءة الملحمة تمارس الهلوسة الهوميرية بكل جنونها، تستفيق هواية المعارك في مخيلتك، تتحمس، تغضب،تشارك بعقلك وانفعالاتك، تبكيك مشاهد مصرع الابطال، تلهبك ساحة المعارك المكتظة بصليل السيوف وتدافع الاجساد المتعطشة للدماء والمجد قبل كل شئ، يتلاعب بك ��وميروس كيفما يشاء هو وآلهته الخالدة وأبطاله شبه المجانين ، يرتحل بك في العالم القديم في بلاد الاغريق، في طروادة، في معبد دلفي، في جبال الاولمبوس.. نادر أن تشعر بالغربة وأنت تقرأ في الملحمة نادراً ما تجد نفسك بعيداً هناك، لم يكن من الجيد أن تقوم بإخفاء نفسك خلف جدران طروادة العظيمة، لم يكن لك الحق في التخلي عن المعركة ،فهنا إما أن تكون أو لا تكون، هيكتورياً أو مواكباً لغضبة " أخيليوس " سريع القدم المتدثر دائماً بلباس الحرب والغضب معاً، لقد ولد مع الغضب وارتحل مع جنونه اينما حل.. حينما سمع بمقتل " باتروكلوس " كاد أن يجز رقبته بخنجره لولا أن قبض على يديه ومنعه إبن نيستور الحكيم..



صراع محتدم بدأ بإختطاف الجميلة "هيلينا" من أرض الاغريق على الكسندروس "بارس" ذاك الشقي الذي جلب الويلات لبلاده الذي وصفه هيكتور ذاته مرة " ايها المعتوه، ليت الارض قد بلعتك من قبل أن ترى النور في مدينة برياموس" ..أتفق أن باريس كان هواياً للنساء مفتونا بجماله ومحباً لهذا النوع من المغامرات التي تدفعه نفسه إلى خطف النساء والرجوع بهن إلى طروداة كـ سبيات وأسيرات في قصره، لم يخطر أنه قد جلب الوبال على شعبه قد تسبب في هلاك أمته ومحوها من خريطة العالم حين أفتتن بـ " هلينيا" الجميلة زوجة مينلاؤس شقيق الملك أجامنون، إختطفها من القصر وأبحر بها إلى طروادة لتصبح محظية له هناك..
ما أن أدرك مينلاؤس ذلك الذي حدث حتى قام بتحفز أخيه على تجهيز العدة وشن غارة على طروادة التعيسة، أجابه شقيقه إلى ذلك بل وأجتمع جميع قبائل وملوك وسادة الاغريق على مشاركة الحملة الساعية أولاً لأرجاع زوجة مينلاؤس وثانياً نهب كنوز طروادة التي كانت ذائعة الصيت في مقدار كنوزها وغناها التي كانت تتباهى بها في العالم القديم..
وصل المدد من كل مكان واحتشدت القوات الاخيبة والدانائيين مجتمعين لبدء الحملة والسطو على طروادة المجيدة معقل هكتور ومن قبل ذلك برياموس ذلك الشيخ الهرم حبيب الالهة.. بعد تسع سنوات من الابحار ومكابدة العناء كما تصف الملحمة، وصلت الحشود العظيمة يتقدمها أجاممنون الملك بنفسه ومع شقيقه المترف الأحزان، وسيد الغضب والقتال سريع القدم كما يصفه ��وميروس " أخيليوس " أو أخيل البطل الاغريقي الخالد الساغي دائماً وراء المجد وتحطبم اسوار المدن العتيقة والابنية الشاهقة على رؤوس اصحابها وسبي اجمل نساء البلاد الاخرى.. أخيليوس الذي لم يداهمه يوماً الشبع من قتل الابطال في صيحات القتال ولا منازلة الجبابرة وسحقهم في مشاهد درامية كثيرة، كان آخرها مع هكتور صاحب طروادة..
أخيليوس هناك جالساً في خيمته غاضباً تغني إلهة الشعر نفسها في وصف عنفوان غضبه، يصب اللعنات على اليوم الذي قرر فيه الابحار ومقاتلة اهل طروادة، ذلك لم يكن بسبب تلك المحظية التي قرر اجاممنون أن يبقيها لنفسه، خريسئيس الفاتنة التي عشقها أجاممنون وتمرد على بطله اخيليوس وانتزع تلك الجميلة من بين ذلك الاسد الهائج المسمى أخيليوس..
أخيليوس وحيوان الغضب في داخله تحولا إلى جبل لا يتزحح قرر فيها أن يترك الآخيين ليواجهوا مصيرهم في مواجهة الطرواديين الذي كانوا يتلهفون لمثل هذا النزاع المؤدي إلى فصل اكبر قوة عن ميدان ابناء الاغريق، الذي قرروا ان يواصلوا الحرب بدونه..



تلك الغضبة هي التي تأسست عليها الإلياذة - اي غضبة أخيليوس - وهي التي كانت البداية لكتابة هذه الملحمة الخلابة.. والتي مطلعها :-



" غّنِ لي يا ربة الشعر عن غضبة أخيليوس بن بيليوس المدمرة، التي ألحقت بالآخيين مآسي تفوق الحصر ، ودفعت إلى العالم الآخر (هاديس -العالم السفلي) بأرواح الكثيرين من الابطال البواسل ،بينما جعلت من أجسادهم لقمة سائغة للكلاب وكل أنواع الجوارح، وهكذا تحققت مشيئة زيوس ، غّنِ ممن جاءت هذه الغضبة بادئة من حيث أخذ الشقاق بين (أجاممنون) ملك الرجال وبين أخيليوس (شبيه الآلهة) ... من مِن بين الآلهة هو ذلك الذي دفع الأثنين إلى الصراع فيما بينهما.. أنه (أبوللون) الوضاء، فهو الذي أدى غضبه إلى انتشار الطاعون المشؤوم بين المقلتلين وإلى هلاك الرجال "




ما أن بدأت بقراءة هذا الأبيات الأولى حتى شعرت بألفة غريبة تجاه ما أقرأ وكأنها منحوتة لتبقى خالدة وعصية على النسيان وعلى ظهر الحياة تدب كلماتها ورونقها الساحر الملئ بالمتناقضات والجنون، مساحة كبيرة من الخيال والشغف تمنحها لك الأبيات الأولى وهي تقنتص عمداً مخيلة القارئ للذهاب بعيداً جداً حيث لا وجود إلا لتلك الثلة من الأبطال والمدن الحصينة والسفن المقوسة التي تحمل على ظهرها ذلك العدد الهائل من المقاتلين المطالبين بالمجد، تلك السفن السائرة في ضباب البحر ومشاهد الغروب الخالدة..



وكم كان قلب أخيليوس قاسياً حينها وهو يجدف في حق أصحابه هناك ويتركهم سريع القدم وهم يُقتلون على يد هيكتور أبن برياموس وبقية الطرواديين، صرخات نيستور الحكيم تملأ ساحة القتال منادياً بالويل على من ينسحب من المعركة ويذكرهم بالمجد في كل حين،أجاممنون في حالة الغضب والرثاء وهو يشاهد حشود الطرواديين متقدمة نحو سفن الآخيين منذرة بإحراق السفن نفسها.. أوديسيوس ربيب الآلهة يصيد أرواح الطرواديين برحمهه الذي لا زال يخترق الأجساد الطروادية، الثنائي أياس يتضرعان للآلهة أن لا يمنح النصر للطرواديين، ومازالت رماح الآخيين تنحرف عن مسارها بإرادة " زيوس " الذي لم يكن يأبه لتلك التضرعات الذي قدمها أجاممنون ومن قبله نيستور الحكيم ولا للقرابين التي تم ذبحها لهذا الإله القاسي الذي مكن الطرواديين من الغلبة في الكثير من الجولات حتى كاد أجاممنون أن يعلن الانسحاب نحو السفن خوفاً من إحراق السفن المقوسة والوقوع في شرك أعدائهم، لولا يقظة الثنائي أياس الذين استبسلا للدفاع عن السفن والذود عن آخر ما تبقى من المعنويات للآخيين المتمركزين عند السفن، نقطة التحول حدثت عندما هب باتروكلوس يحض أخيليوس على القتال ويذكره بمآل الاغريق الذي سيكون بشعاً على يد الثائرين من اهل طروادة ومن خلف بعض الآلهة التي كانت ترغب في سحق الجيش الاغريقي.. باتروكلوس حاول ان يسكن غضبة اخيليوس، لم يستطيع ذلك الشقي ان يفعل شيئاً سوى يتدرع بدرع اخيليوس ويواجه حشود الطرواديين وحده..



ولقد علم اخيليوس هنالك معنى الالم معنى الغضب لأول مرة، معنى الفناء، معنى العدم، معنى الخواء، معنى ان تفقد كل شئ لأجل لا شئ.. معنى أن تكون محبطاً حتى من نفسك، من يقينك انك قد عاينت احزان العالم في قلبك، استجواب ذرات الحقيقة الخافتة التي تنادي بك إلى العالم الفاني.. لم يكن غضباً بل حزناً دفيناً وكأنه كان يعلم أن الايام تخبئها له وهو على أرض طروادة.. أخيليوس تمزق هناك ومزق ماحوله..




*** *** *** *** *** *** *** ***



هذه الملحمة أستطيع أن أقول من أجمل ما قرأت وما سأقرأ حتى، تحفة أدبية مذهلة حقاً وهي تحكي تلك الأحداث بصورة مشوقة ساحرة عصية على الادراك أنها كلمات مجردة ،كأنها أستخرجت من بئر الجمال القابع في سحر هذا العالم كله.. مذهلة تبقى هذه الملحمة في مخليتي صعبة النسيان والتأليف مرة أخرى.... عاطفي تلقائي غريب ساحر بارع .. ليست مجاملة بل هي حقيقة، بل وقطرة ساكنة من بحر جمال هذه الرائعة الانسانية..



وأدرك تماماً أن لو اجتمع ممثلوا وفنانوا العالم على أن يجسدوا هذه الملحمة على أرض الواقع أو كلوحة أو لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا..



~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~




من الملاحظ عدد الشخصيات في الملحمة كبير جداً جداً لا يمكن حصرها ، أسماء كثيرة لمقاتلين وآلهة وأبطال معظمها تأتي كشخصيات هامشية لا وزن لها في عملية بناء الملحمة ،إن هي إلا مجرد ورقة يلقي بها ��وميروس في صيحة الحرب فأما أن تتعرض للقتل مباشرة بعد ذكرها وهو غالباً مايحدث، أو أنها تتعرض للنسيان من قبل ��وميروس وكما قال النقاد " أن ��وميروس كان يغفو أحياناً أثناء تأليفه للملحمة " ، ومن الجدير بالذكر أن هناك شخصية تعرضت للقتل في بداية المعارك التي أشتعلت بين الطرواديين والدانائيين ثم ذُكر بعد ذلك وهو يقاتل ثانية في صيحة الحرب وللسوء حظه قُتل مجدداً .. ذلك ما يضفي في رأيي جواً من البراءة والغرابة في القصة وكأنها تجري خارج حدود الزمن.. ونصيحة لا تحفظ إلا أسماء الشخصيات الرئيسية في الملحمة وإلا سيختلط عليك الشخصيات ويصيبك نوع من الملل تجاه الكتاب، تابع دائماً ولا تهتم، جمال الملحمة في الاستمرارية ومواكبة جنون وحالات هذيان ��وميروس..




~~~~~~~~~~~~~~~~~~




يكفي أن أقول أن الترجمة التي قرأتها لا توجد كلمات تصف مدى اتساقها وجمالها وأبداعها الادبي والذوق الرائع في إختيار المفردات والجمل وعمق حقيقي في الترجمة، المترجم أحمد عتمان ومعه عدد من المترجين الآخرين قضوا سنوات عدة ليخرجوا بهذه الطلة البهية الراقية، من أجمل الترجمات التي قرأتها، يستحق الثناء والتقدير والشكر لهذا المجهود الجبار الذي هو بالفعل تحفة لا يقدرها إلا أصحاب الذوق الأصيل في الأدب..



..............



ليست مراجعة هي تلك التي كتبتها، بل مجرد خواطر عن الكتاب راق لي أن أضيفها هنا..