Saleh Al-Nabhan's Reviews > كاليسكا
كاليسكا
by
by

كاليسكا
في مجتمع بدأ يتكون حديثاً دون جذور سابقة في الأرض من الطبيعي جداً أن تكون للمهن وللحرف، وللعاهات أيضاً ما يكنى به الناس ويُعرفوا ويتمايزوا فيما بينهم.. ولكنهم جميعاً هنا لا يريدون أن يتذكروا أين كان آباءهم.
يواصل ناصر الظفيري الطرق على ثيمة الثأر في رواية كاليسكا في تبادل أدوار المطاردة ما بين القيوط والغزال. فالقيوط هنا (كصورة رمزية) في الكاف الأولى يصبح غزالاً في الكاف الثانية. والغزال في الكاف الأولى أصبح قيوطاً في الكاف الثانية. وفي كلتا الحالتين نتساءل بعيداً عن تلك المطاردة وأدوارها التبادلية، هل كان القيوط ليصبح قيوطاً لولا الدفع النفسي غير الواعي في حالته الأولى (اليزاز) والدفع القسري في حالته الثانية (العواد). سنطارد نحن بدورنا كل تلك الدوافع عبر أكبر عمل درامي (من وجهة نظري) في المنجز السردي للروائي ناصر الظفيري.
الأبعاد النفسية لبطلي الحكاية العواد / اليزاز.
العواد.
شخصية العواد في الرواية شخصية مسالمة، فهو غير ساخط على المجتمع ولا توجد لديه مشكلة مع لقب العائلة، أما لقب العواد المستهجن من المجتمع في بيئة بدوية محافظة كبيئته فيمكنه التغلب عليه بشهادة الهندسة. كما لا يوجد لديه ثأر سابق مع أحد قبل أن يدفعه العقيد اليزاز دفعاً نحو ثأر أخذ يكبر ويتعاظم مع تصاعد أحداث الرواية. فكان رغم ذلك محافظاً على شخصيته من السقوط في فلك الثأر. فنجده حتى عندما اختلى بحبيبته (شقيقة العقيد اليزاز) ليتزوجها ويضعه أمام الأمر الواقع كحل أخير؛ نجد أنه خشي أن يتذكره في نفس تلك اللحظة فيشعر أنه ينتقم منه.
العقيد عبدالرحمن اليزاز.
شخصية ساخطة على المجتمع بسبب وضاعة أصل الأب كحلاق خراف فقير قادم من بلد مجاور طلباً للرزق (بمفهوم الجد التاجر) وفساد الأم ومداراة فضيحتها وزواجها من الأب صالح اليزاز ثم تحللها بعد ذلك من كل الأعراف الاجتماعية التي كان يرى أنها تضر بسمعته، بالإضافة إلى كون العقيد عبدالرحمن أحد الذين لا يريدون أن يتذكروا أين كان آباؤهم. فحاول بالإضافة إلى سلطة المال، كما يصفها جده "مالك سلطتك الوحيدة" أن يحصل على سلطة أخرى.. سلطة النفوذ الوظيفي وممارسة الوصاية الصارمة على والديه وشقيقته من بعد، ساعده في ذلك تربية جده التاجر عبدالرحمن وحكاية زواج والديه كما تشي بذلك الدلالات اللغوية في العمل، مثل: "الحكاية التي لا يرغبون بذكر تفاصيلها "(ص80 كاليسكا) أو كما تقول الأم "لو بيده لأنكرني وتبرأ من والده" (ص121 كاليسكا). كل ذلك جعله شخصاً موتوراً شكاكاً ناقماً. لقد زرع فيه الجد نزعة الثأر والانتقام دون أن يعي أنه كان يدفعه دفعاً باتجاه الشعور بعقدة النقص فحاول أن يغطي نقصه بالمال والسلطة والنفوذ الوظيفي فخلقت له هذه المحاولة أزمة نفسية عميقة عندما تعلق الأمر بشكل مباشر بشرفه الشخصي وكأنما وضعه القدر ليوقف تكرار فضيحة أخرى. ولكن "الأمور التي لا تستقيم في بداياتها لا تستقيم أبداً" كما يقول السارد العليم في الفصل الثاني من الكتاب الأول.
الصراع
بدأ الصراع عندما رفض العقيد زواج العواد من شقيقته وأهان والده وهدده على انفراد وطلب منه أن يبتعد عن شقيقته وعندما لم يفعل استدعاه ووالده لمبنى إدارة الجنسية وأسقط جنسيته لأنه كان قد اكتسبها عن طريق عمه الذي رباه لا عن طريق والده الذي توفي في حادث وهو طفل صغير. وعندما أوضح المحقق أن هذا الإجراء حسب القانون قال والد العواد "لماذا لا يطبق قانونك على هذا الرجل ابن حلاق الخراف في جنوب العراق".. لطمه العقيد على وجهه، فكان بهذا الفعل يشعل كل حرائق الثأر الممكن إشعالها في قلب العواد.. العواد الذي شعر بعد إسقاط جنسيته بأنه لا أحد، لقد ألغى العقيد وجوده تماماً. ورغم كل هذا التوهان والقلق؛ ما كان يؤلمه هو صوت الكف الذي ضُرِب به والده. (ص132 كاليسكا). فهل كان ما ينوي العواد القيام به هو دفاع عن حبه كوسيلة وحيدة للإبقاء عليه، أم هو انتقام همجي لا يقل بربرية عن دفاع العقيد عن أخته وسمعة عائلته من رجل طارئ خارج ميزانه الاجتماعي، ذلك الدفاع / الانتقام الذي بلغ ذروته في تلفيق اتهام العواد بتفجير المقهى الشعبي ومن ثم التعذيب الجسدي في أقبية السجون تسبب له بعاهة مستديمة مما استدعى في النهاية إلى تسوية هذه القضية بالموافقة على ترحيله لإنهاء عذاباته، بينما في الحقيقة كان ترحيله خلاصاً للعقيد اليزاز بعدما ألقي القبض على الجناة في حادث تفجير المقهى الشعبي.
كانت عاهة العواد وصوت كف العقيد اليزاز على وجه والده يلازمانه أبداً، "يسقيان بذرة الانتقام التي تنمو بداخله غصناً أحمر بوردتين من نار" وحين وصلت رشا إلى أوتاوا "كانت شجرة انتقامه تنتصب قائمة بداخله" فخطط جيداً لإحضار العقيد اليزاز إلى أوتاوا للقصاص العادل منه، القصاص العادل كما يراه هو.. كما عاشه وعايشه ذلاً وألماً وعاهةً وغربةً: "منحتني فرصة لكي أعيش ليس رغبة في حياتي وإنما خوفاً عليك، وسأمنحك فرصة لتعيش ليس رغبة في حياتك وإنما خوفاً من إثم دمك وعقابه" (ص338 كاليسكا). فصفعه صفعة واحدة وهو يذكره "هذا هو ثأري الوحيد منك، هذه لوالدي وليست لي". فتركه يواجه مصيره بنفسه تماماً مثلما واجه العواد مصيره رغم يقينه بأنه لن ينجو. ولم يفكر وهو يرسله إلى حتفه بغير الحقد الذي ملأه عليه حتى أعمى كل ما هو إنساني داخله "ليس لي أن أغفر له فأنا لستُ إلهاً ولا نبياً. لستُ سوى موسيقي بائس تحولت بسببه إلى قاتل أكثر بؤساً منه. (ص339 كاليسكا).
لقد أنهى مهمته، ولا تهمّه القيامة التي بدأت الآن أو ما سيرويه في المحكمة. وبدوره، تركها الكاتب كنهاية مفتوحة بعد أن ترك أمر علاقة العواد برشا وستيفاني لهما يحددانها بنفسيهما.
جزء من مقالة طويلة تجدونها على الرابط التالي
في مجتمع بدأ يتكون حديثاً دون جذور سابقة في الأرض من الطبيعي جداً أن تكون للمهن وللحرف، وللعاهات أيضاً ما يكنى به الناس ويُعرفوا ويتمايزوا فيما بينهم.. ولكنهم جميعاً هنا لا يريدون أن يتذكروا أين كان آباءهم.
يواصل ناصر الظفيري الطرق على ثيمة الثأر في رواية كاليسكا في تبادل أدوار المطاردة ما بين القيوط والغزال. فالقيوط هنا (كصورة رمزية) في الكاف الأولى يصبح غزالاً في الكاف الثانية. والغزال في الكاف الأولى أصبح قيوطاً في الكاف الثانية. وفي كلتا الحالتين نتساءل بعيداً عن تلك المطاردة وأدوارها التبادلية، هل كان القيوط ليصبح قيوطاً لولا الدفع النفسي غير الواعي في حالته الأولى (اليزاز) والدفع القسري في حالته الثانية (العواد). سنطارد نحن بدورنا كل تلك الدوافع عبر أكبر عمل درامي (من وجهة نظري) في المنجز السردي للروائي ناصر الظفيري.
الأبعاد النفسية لبطلي الحكاية العواد / اليزاز.
العواد.
شخصية العواد في الرواية شخصية مسالمة، فهو غير ساخط على المجتمع ولا توجد لديه مشكلة مع لقب العائلة، أما لقب العواد المستهجن من المجتمع في بيئة بدوية محافظة كبيئته فيمكنه التغلب عليه بشهادة الهندسة. كما لا يوجد لديه ثأر سابق مع أحد قبل أن يدفعه العقيد اليزاز دفعاً نحو ثأر أخذ يكبر ويتعاظم مع تصاعد أحداث الرواية. فكان رغم ذلك محافظاً على شخصيته من السقوط في فلك الثأر. فنجده حتى عندما اختلى بحبيبته (شقيقة العقيد اليزاز) ليتزوجها ويضعه أمام الأمر الواقع كحل أخير؛ نجد أنه خشي أن يتذكره في نفس تلك اللحظة فيشعر أنه ينتقم منه.
العقيد عبدالرحمن اليزاز.
شخصية ساخطة على المجتمع بسبب وضاعة أصل الأب كحلاق خراف فقير قادم من بلد مجاور طلباً للرزق (بمفهوم الجد التاجر) وفساد الأم ومداراة فضيحتها وزواجها من الأب صالح اليزاز ثم تحللها بعد ذلك من كل الأعراف الاجتماعية التي كان يرى أنها تضر بسمعته، بالإضافة إلى كون العقيد عبدالرحمن أحد الذين لا يريدون أن يتذكروا أين كان آباؤهم. فحاول بالإضافة إلى سلطة المال، كما يصفها جده "مالك سلطتك الوحيدة" أن يحصل على سلطة أخرى.. سلطة النفوذ الوظيفي وممارسة الوصاية الصارمة على والديه وشقيقته من بعد، ساعده في ذلك تربية جده التاجر عبدالرحمن وحكاية زواج والديه كما تشي بذلك الدلالات اللغوية في العمل، مثل: "الحكاية التي لا يرغبون بذكر تفاصيلها "(ص80 كاليسكا) أو كما تقول الأم "لو بيده لأنكرني وتبرأ من والده" (ص121 كاليسكا). كل ذلك جعله شخصاً موتوراً شكاكاً ناقماً. لقد زرع فيه الجد نزعة الثأر والانتقام دون أن يعي أنه كان يدفعه دفعاً باتجاه الشعور بعقدة النقص فحاول أن يغطي نقصه بالمال والسلطة والنفوذ الوظيفي فخلقت له هذه المحاولة أزمة نفسية عميقة عندما تعلق الأمر بشكل مباشر بشرفه الشخصي وكأنما وضعه القدر ليوقف تكرار فضيحة أخرى. ولكن "الأمور التي لا تستقيم في بداياتها لا تستقيم أبداً" كما يقول السارد العليم في الفصل الثاني من الكتاب الأول.
الصراع
بدأ الصراع عندما رفض العقيد زواج العواد من شقيقته وأهان والده وهدده على انفراد وطلب منه أن يبتعد عن شقيقته وعندما لم يفعل استدعاه ووالده لمبنى إدارة الجنسية وأسقط جنسيته لأنه كان قد اكتسبها عن طريق عمه الذي رباه لا عن طريق والده الذي توفي في حادث وهو طفل صغير. وعندما أوضح المحقق أن هذا الإجراء حسب القانون قال والد العواد "لماذا لا يطبق قانونك على هذا الرجل ابن حلاق الخراف في جنوب العراق".. لطمه العقيد على وجهه، فكان بهذا الفعل يشعل كل حرائق الثأر الممكن إشعالها في قلب العواد.. العواد الذي شعر بعد إسقاط جنسيته بأنه لا أحد، لقد ألغى العقيد وجوده تماماً. ورغم كل هذا التوهان والقلق؛ ما كان يؤلمه هو صوت الكف الذي ضُرِب به والده. (ص132 كاليسكا). فهل كان ما ينوي العواد القيام به هو دفاع عن حبه كوسيلة وحيدة للإبقاء عليه، أم هو انتقام همجي لا يقل بربرية عن دفاع العقيد عن أخته وسمعة عائلته من رجل طارئ خارج ميزانه الاجتماعي، ذلك الدفاع / الانتقام الذي بلغ ذروته في تلفيق اتهام العواد بتفجير المقهى الشعبي ومن ثم التعذيب الجسدي في أقبية السجون تسبب له بعاهة مستديمة مما استدعى في النهاية إلى تسوية هذه القضية بالموافقة على ترحيله لإنهاء عذاباته، بينما في الحقيقة كان ترحيله خلاصاً للعقيد اليزاز بعدما ألقي القبض على الجناة في حادث تفجير المقهى الشعبي.
كانت عاهة العواد وصوت كف العقيد اليزاز على وجه والده يلازمانه أبداً، "يسقيان بذرة الانتقام التي تنمو بداخله غصناً أحمر بوردتين من نار" وحين وصلت رشا إلى أوتاوا "كانت شجرة انتقامه تنتصب قائمة بداخله" فخطط جيداً لإحضار العقيد اليزاز إلى أوتاوا للقصاص العادل منه، القصاص العادل كما يراه هو.. كما عاشه وعايشه ذلاً وألماً وعاهةً وغربةً: "منحتني فرصة لكي أعيش ليس رغبة في حياتي وإنما خوفاً عليك، وسأمنحك فرصة لتعيش ليس رغبة في حياتك وإنما خوفاً من إثم دمك وعقابه" (ص338 كاليسكا). فصفعه صفعة واحدة وهو يذكره "هذا هو ثأري الوحيد منك، هذه لوالدي وليست لي". فتركه يواجه مصيره بنفسه تماماً مثلما واجه العواد مصيره رغم يقينه بأنه لن ينجو. ولم يفكر وهو يرسله إلى حتفه بغير الحقد الذي ملأه عليه حتى أعمى كل ما هو إنساني داخله "ليس لي أن أغفر له فأنا لستُ إلهاً ولا نبياً. لستُ سوى موسيقي بائس تحولت بسببه إلى قاتل أكثر بؤساً منه. (ص339 كاليسكا).
لقد أنهى مهمته، ولا تهمّه القيامة التي بدأت الآن أو ما سيرويه في المحكمة. وبدوره، تركها الكاتب كنهاية مفتوحة بعد أن ترك أمر علاقة العواد برشا وستيفاني لهما يحددانها بنفسيهما.
جزء من مقالة طويلة تجدونها على الرابط التالي
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
كاليسكا.
Sign In »
Reading Progress
Finished Reading
February 5, 2017
– Shelved