ŷ������

لم يعد من العسير على أي واحد من الشلة بانه قد اصبح فيه شيء من صالح هيصه. في الأول كنا نتفاكه حينما يتصرف الواحد منا تصرفا ما ثم يتضح لنا بعد أو أثناءه أنه كان صورة ممسوخة من صالح هيصه. نتقبلها ضاحكين مهما كانت درجة المسخ ماسخة. ثم صرنا نشجع من يصير تصرفه صالحيا هيصيا متقنا على نحو ما نراه في كل من قمر المحروقي و طلعت امبابي من قبل. حتى حياة البري أصبحت هي كذلك من المنافسين الأقوياء في تبني الصالحية الهيصية بشغف لا يقل عن شغفها أيام كانت مفتونة بالأفكار الماركسية في زمن الصبا الغض الغرير.

- انت شارب حاجه يا ولد؟
- شارب من كيعاني يا سيادة اللوا. و كمان حضرتك بتقولي يا ولد. يعني قتلتني.
- انت باين عليك بلطجي مش لاقي اللي يحكمك.
- بالعكس يا سيادة اللوا. دي مصيبتي في الحياة ان اللي بيحكموني ملهمش عدد. منين ما امشي الاقي اللي عاوز يحكمني. كل خطوة فيها اتنين تلاته لازم يدوني الأوامر. لازم آخد توقيعاتهم. لازم اضرب لهم تعظيم سلام. لازم استأذنهم عشان أدخل محل الأدب. عشان آكل. عشان أشرب. عشان أنام. زهقت يا مسلمين. طهقت. قلت ماينفعش الكلام ده. لازم أنا اللي أحكم نفسي بنفسي. فيها حاجه دي؟ مش عاوز أبقى خاضع لحد. حقي و الا مش حقي؟ وظيفة مش عاوز أتوظف. أنا حر. لعب مش عاوز ألعب. حد شريكي؟

لو أنور السادات قل عقله و فرَط في القطاع العام اطلعوا كلكم يد واحدة و قولوله: عندك. كله إلا القطاع العام. حيفضل للناس إيه لو خدته منهم. تلاته بالله العظيم ما هنلاقي سندوتش فول و لا قميص نلبسه و لا جزمه. كسوة العيال في العيد هيجيبوها منين؟ السمنه و الزيت و البيض و السمك المتلج و الفراخ المجمده حنلاقيها فين؟ صابونة نغسل بيها هدومنا. حد فيكم يقدر يشتري كيلو لحمه من عند الجزار؟ يمكن انتوا تقدروا لكن الشعب مايقدرش. الناس يا دوب تقدر تدفع أجرة الأتوبيس اللي بيتعجنوا فيه و تتهان كرامتهم و ينداس شرف نسوانهم يعملوا ايه دول. يركبوا التاكسي؟ إذا كان القطاع العام بايظ ما تصلحه طيب؟ شيل منه الحراميه اللي انت حاططهم فيه ينصلح حاله.

السكين سرقتنا لوقت طويل. كنا نظن خلاله أن الرئيس السادات يمزح بنكته مصرية متطرفة. ثم داخلنا الاعتقاد بأنه يناور لغرض في نفسه لا شك أنه سينقذنا من الورطه. يفك حصار الجيش الواقع بين كفي كماشه. لكننا فوجئنا بأن الأمر واقع شاخص نراه في التلفزيون عيانا بيانا. ها هو ذا الرئيس السادات يأخذ أعدائنا و يأخذونه بالأحضان. يجلس مع بيجين و شارون و ديان و جولدا مائير على مائدة واحدة في ديارهم المنتزعه منا عنوة و استقدارا.

أن ايه اللي يخليني أروح أشارك في صنع أسطورة زعامة جديدة؟ هي ناقصة؟ العرب كلهم ماستحملوش زعامة واحده هيستحملوا تلاتة أربعة؟ ثم انكم على علم بأن القذافي و ياسر عرفات وزعوا المثقفين العرب على بعض عشان كل زعيم فيهم في دماغه هيصه كبيره و يلزمه رجاله تعمل له أكبر هيصه و كل واحد منهم طمعان أن الهيصه بتاعته تاكل الهيصه بتاع التانيين حتى لو كلفته ميزانية قارون. صحف تنطق بلسانه في كل البلاد. إذاعات. تلفزيونات. كتب. ندوات. أفلام. مسرحيات. كل المثقفين سابوا مشاكل بلادهم الحقيقية و انشغلوا بتربية و تسمين الزعامات. و كله باسم الثورة. باسم العروبة. شوفوا بقى الثورة أصبحت بتكسب أد إيه. لا يا عم. الله الغني.

هل يتعين علينا أن نحرك الدعوى قضائيا لنثبت كذب الحكومة و نطالب بتقرير الطب الشرعي؟ أم الأفضل أن نختفي من المشهد كله حتى لا نعرض أنفسنا لمتاعب لسنا بقادرين على احتمالها سيما و أننا في مفتتح حياتنا الطموحة. علما بأن جميع مؤسسات التنفس الأدبي و الفني من صحف و نثر و غناء و تمثيل و مسرح و سينما و إذاعة و تلفزيون كلها ملك الدولة. و ليس بخاف علينا أن مستقبل الواحد منا في هذا البلد قد يوقف نموه لمجرد أنه تفوه بلفظه بريئة لم تعجب شخصا بعينه. مستقبل مصر نفسها مرهون بمزاج فرد من الأفراد.