Ice Jabar's Reviews > أولاد حارتنا
أولاد حارتنا
by
by

"هل يريدُ اللهُ أنْ يمنعَ الشر، لكنهُ لا يقدر؟
حينئذٍ هو ليسَ كُليَ القدرة...
هل يقدر، لكنه لا يريد؟
حينئذٍ هو شرير، ليسَ إلا...
هل يقدر ويريد؟
فمن أي يأتي الشرُ إذًا؟!"
تساؤلٌ مهمٌ لطالما راودني:
"من أي يأتي الشرُ إذًا؟"
وفي أحدى مراجعاتِ هذه الرواية، عرفتُ انهُ تساؤلٌ مطروحٌ راودَ البشريةَ منذُ آلاف السنين، وهو مطروح أعلاه على لسان "أبيقور"، أحد الفلاسفة اليونانين، وفي هذهِ الرواية وجدتُ إجابتي، لكننا سنعرج على هذه النقطة لاحقًا، قربَ نهايةِ المراجعة.
_____________________
فلنعدْ الآنَ إلى ما قبلِ البداية، ب أقتباسٍ آخر...
"الكتاب الذي كادَّ ان يودي بحياة كاتبه"
هكذا يتم التسويق ل"أولاد حارتنا"، هكذا تعرفتُ على هذه الرواية أولَ مرة، وهكذا كانت بدايتي في رحلةِ بحثٍ عن مزيد.
جملةٌ في ظاهرها؛ مجردُ محاولةٍ رخيصة، لكنها مثيرةٌ للاهتمام، وفي هذه الحالة -وعلى غير العادة- فأنها ليست مجرد جملة دعائية كاذبة، بل هي حقيقة، ويمكنك أن تفهم أثناء قراءتك للقصة الأولى، من خمسِ قصص، لماذا تم طعن نجيب محفوظ، في محاولةِ إغتيالٍ لم تكن الأولى، فأقلُ ما يقال عن العمل، أنه جريء، وكوني أعاني، حتى يومي هذا من عقولٍ منغلقة تأبى تقبل الآخر، تأبى التفاهم، بل وتأبى حتى الاستماع للغير، فلا يسعني سوى أن أثني على الشجاعة في محاولته لنشرِ شيءٍ مماثل، قبل ما يزيد عن الستين سنةً، حينَ كانت العقول أقلَ انفتاحًا، والناسُ أقلَ تفهمًا، وفي مجتمعٍ قد يكون أكثر تشددًا والتزامًا من ما أعاني منه اليوم...
حين بدأتُ قرائتي، متابعًا حوارَ أدهم وأميمة، وكيف أنها أصرت على دفعهِ نحو ما لا تحمدُ عقباه، (ولم أكُّ وقتها قد أدركتُ بعد من تمثل هذه الشخصيات، ومن هو المقصود بهذه القصة) فكرت أن هذه الحوارات وما هو على شاكلتها مدعاةٌ ليعيشَ الأنسانُ حياتهُ راهبًا، وبعد أن أكملتُ قراءةَ القصةِ الأولى، وأدركت ما لم اكن لهُ بمُدرك، زادَ اقتناعي بما جالَ في خاطري.
في القصة الأولى أعجبتني طريقة تصوير الجبلاوي، بهذه الضخامة التي تضربُ بها الأمثال، وتاريخه الذي حيرَ أبناء حارته، حدة طباعه، عدالتهُ التي لا تقبلُ أيَّ مساومة، عقابهُ الذي لا رجوعَ عنه، وما كانَ يحيط به وبمقتنياته من غموض، كما هو الحال مع الحجة، والرغبة الجامحة في معرفة الشروط العشرة.
وكم هي مميزة تلك الحقبة الزمنية التي أختارها محفوظ لاسفاره، وذلك المكان الشهير، ف"حارة الجمالية" التي ولد فيها محفوظ شخصيًا، "جبل المقطم" الذي ما زال يميز القاهرة القديمة، "الفتوة" و"النبوت"، كلها مفردات تمثل معالم راسخة، ومن رسخها هو تلك القصص التي طالما تابعتها عبرَ الأفلام والمسلسلات التي تبنت أعماله، وما أكثرها، وما أعمقها...
ننتقل بعدها إلى القدرة الإبداعية التي مكنت الكاتب من تصوير حياةٍ مليئة بالمعجزات، ضمن إطار درامي تاريخي خالي من أيِ ظَواهرَ خارقة، بعيد كل البعد عن الفانتازيا، ليتم سردها بطريقة واقعية، ومع ذلك تستمر بمحاكاةِ تلكَ المواقف الإعجازية، التي تمثل محطات مهمة جدًا في حياة أبطالنا، بل قد تكون الأهم، وهو شيء يستحق الوقوف عنده، حيث ان ما قرأتهُ يحتاجُ كمًا لا بأسَ بهِ من الأبداع والقدرة على التصوير، ومن أمثلةِ ذلك حادثةُ شق البحر الأحمر، وكيف رسمها الكاتب بطريقةٍ تلائمُ قصةَ "جبل"، تساهم في تطورها ودفعها إلى حيثُ يجبُ أن نذهب، وكلُ هذا من دونِ أنْ يُحسَ القارئُ أنها مقحمةٌ داخل الأحداث، غريبةٌ عليها.
أعجبني أيضًا أننا دائمًا ما كنا نعود إلى الجريمة الأولى على الأرض، لتحكى على شكل قصة على لسان أحد رواد المقاهي، أو الشعراء، فيتمَ أختيارُ أحد أجزاءِ القصة بعناية تكاد تكون مثاليةً، تضعنا في مقارنة دائمة بين ما يحدث كل يوم، وكيف أنهُ دائمًا بشكلٍ أو ب آخر، مرتبط بتلك الجريمة إرتباطًا وثيقًا...
"لكنَ آفة حارتنا النسيان"
ليس هذا فحسب، بل أن مثل هذه المداخلات تهدف أيضًا إلى توضيح كيف أن الأنسان يميل إلى الاستغراق في ذكرياته، وكيف انه يمكن أن يشغل نفسه بماضيه، لدرجة نسيان حاضره، ومن لا حاضر له، لا مستقبلَ له.
احببتُ قصةَ "رفاعة" إلى حدٍ كبير، فرسم الشخصية، علاقاته العائلية، ونسيج الحارةِ وقتها كان في أعلى مستوياته، ولكنها برأيي كانت ظالمة لمن تمثله، فمن الصعب تصديق أن هذا الشخص الهزيل، الهش، هو من يتبعهُ ما يقارب المليارين ونصف المليار شخص، مؤمنينَ برسالته، مصدقين لما جاءَ به رغم مرور ما يزيد عن ألفي سنة!!
أين معجزاته!
فقد كانَ معجزةً حتى قبلَ أن يولد!!
وقد كان التمثيلُ ظالمًا فيما يخصُ جانب الشر كذلك، فلم يوفق الكاتب في عكس ما عاناه بطلنا، وعكس أنواع العذاب والهوان التي لاقاها في حياته على قِصَرها 💔
هذا وقد أزعجتني أيضًا مشاهد المعارك في قصة "قاسم" بكل تفاصيلها المبالغ فيها، تفاصيلٌ كثيرةٌ، متشابكة، تفقدُ معها الإحساس بالمكان والحدث، وكأنها وجدت لتضفي شيً من الملحمية، لكنها لم تصلني على هذا النحو، بل على العكس، أفقدتني تركيزي...
لكن عدا ذلك، لم يكن هنالك أي شوائب تؤثر على تجربة القراءة، فمعظم القصص ممتعة بشقيها المباشر والرمزي، مليئة بالإسقاطات ومحملةٌ بالرسائل ♥️
لكنَ أفضلُ ما يمكن أن تفيدهُ من قرأتك لهذه الرواية هو بعض التساؤلات الوجودية، العقائدية التي يطرحها الكاتب على لسان شخصياته، ليدفعك نحو آفاقٍ جديدة، لم تكن لتجرؤ على التعريج نحوها، لولا أن شخصياتنا تمت قولبتها بقوالب بشرية عادية، تشبهنا تمامًا، مما يجعلُ كلَّ شيءٍ ممكنًا، وقابلًا للافتراض.
-هنا وجدتُ إجابتي التي لطالما بحثتُ عنها منفردًا في دواماتٍ لا نهائية-
من أهم التساؤلات التي تم طرحها، هي جدوى المناهج السماوية، بعضها على الأقل أكثر من غيرها، وعن السبب الذي أمست به البشرية، أحيانًا كثيرة، أكثر سوءًا مما كانت عليه ربما، قبل وصول هذه المناهج على يد المرسال البشري، أيًا كان، وعن أختلاف الطرق التي قد يتبناها المرسال عن من سبقوه من أقرانه في نشر الرسالة، وعن أهمية الطريقة التي يتبناها هذا المرسال في نشر هذه التعاليم، وترجمة هذا المنهاج إلى الحياة اليومية، بأفعالهِ قبلَ أقواله.
وبما أنهُ لا يمكن أن تقتصر المحصلةَ في النهاية على الإيجابيات، ولا على السلبيات، بل لا بدَّ أن تكون خليطًا من الإثنين، كما كلُ شيء، فعلى أي أساسٍ تتفاوت جودة المحصلة النهائية، بين مرسالٍ وآخر؟
هل المشكلة في تصميم المنهاج نفسه؟
هل أن المصمم يفيدُ من تجاربه السابقة ليصبح منهاجه أكثر اكتمالًا كلَّ مرة؟
أم أن المحصلة تعتمد بشكل مباشر على شخص المرسال نفسه، وعلى النهج الذي يتبعه؟
يميل الكاتب إلى دفعنا -ولو بشكل غير مباشر- نحو الافتراض الأخير، وهو الأكثر منطقية، فأن يكون مصدر الثغرات -التي يتم أستغلالها بأبشع الطرق، لتسويف المنهاج وحرفه عن مساره الإصلاحي، بل واستخدامه ليكون مصدرًا لشقاء البشرية وتعاستها، أكثر من كونه مُخلصًا لهم- هو المرسال البشري، لا المنهاج نفسه، ولا مصمم المنهاج، وهو بالتأكيد الافتراض الأكثر قبولًا، والأقلُ جرأةً، رغم ما يحتاجه مجرد التفكير بكل هذا من جرأة، جرأةً كونه قد يهدد ما كنتَ تظنه راسخًا، ما تم إملائه عليك أيامَ فطرتك، وما من شيءٍ أكثرُ خطرًا على الأنسان من أن يعيش بلا أيمانٍ راسخ، مهما كانت طبيعة هذا الأيمان، وهويةُ ما يؤمن به، ومثل هذا الرحلات الفكرية رغم خطورتها، لكن نتائجها عادةً تكونُ مكافِئةً لمرتحليها، ليكون النتاجُ أيمانًا أكثر رسوخًا، وإنسانًا أكثرَ قناعةً بما يؤمن به.
فشكرًا لنجيب محفوظ، المجدُ كانَ لكَ في حياتك، وهو كذلكَ بعدها، والخزي والعارُ لكلِ من لم يفهم، لكلِ من لم يحاول أن يفهم، ولكلِ من حاول إسكاتَ صوتك، فقط لأنهُ لم يفهم...
وعليه ولكل ما سبق، فأن تقييمي النهائي هو...
⭐️10/10⭐️
وهذا لو أفترضنا أنَّ لكلِ قصةٍ من القصص الخمسة حسبها من التقييم، نجمة، رغم أن القِصَةَ الأخيرةَ وحدها تستحق النجومَ الخمسةَ مجتمعين!!
حينئذٍ هو ليسَ كُليَ القدرة...
هل يقدر، لكنه لا يريد؟
حينئذٍ هو شرير، ليسَ إلا...
هل يقدر ويريد؟
فمن أي يأتي الشرُ إذًا؟!"
تساؤلٌ مهمٌ لطالما راودني:
"من أي يأتي الشرُ إذًا؟"
وفي أحدى مراجعاتِ هذه الرواية، عرفتُ انهُ تساؤلٌ مطروحٌ راودَ البشريةَ منذُ آلاف السنين، وهو مطروح أعلاه على لسان "أبيقور"، أحد الفلاسفة اليونانين، وفي هذهِ الرواية وجدتُ إجابتي، لكننا سنعرج على هذه النقطة لاحقًا، قربَ نهايةِ المراجعة.
_____________________
فلنعدْ الآنَ إلى ما قبلِ البداية، ب أقتباسٍ آخر...
"الكتاب الذي كادَّ ان يودي بحياة كاتبه"
هكذا يتم التسويق ل"أولاد حارتنا"، هكذا تعرفتُ على هذه الرواية أولَ مرة، وهكذا كانت بدايتي في رحلةِ بحثٍ عن مزيد.
جملةٌ في ظاهرها؛ مجردُ محاولةٍ رخيصة، لكنها مثيرةٌ للاهتمام، وفي هذه الحالة -وعلى غير العادة- فأنها ليست مجرد جملة دعائية كاذبة، بل هي حقيقة، ويمكنك أن تفهم أثناء قراءتك للقصة الأولى، من خمسِ قصص، لماذا تم طعن نجيب محفوظ، في محاولةِ إغتيالٍ لم تكن الأولى، فأقلُ ما يقال عن العمل، أنه جريء، وكوني أعاني، حتى يومي هذا من عقولٍ منغلقة تأبى تقبل الآخر، تأبى التفاهم، بل وتأبى حتى الاستماع للغير، فلا يسعني سوى أن أثني على الشجاعة في محاولته لنشرِ شيءٍ مماثل، قبل ما يزيد عن الستين سنةً، حينَ كانت العقول أقلَ انفتاحًا، والناسُ أقلَ تفهمًا، وفي مجتمعٍ قد يكون أكثر تشددًا والتزامًا من ما أعاني منه اليوم...
حين بدأتُ قرائتي، متابعًا حوارَ أدهم وأميمة، وكيف أنها أصرت على دفعهِ نحو ما لا تحمدُ عقباه، (ولم أكُّ وقتها قد أدركتُ بعد من تمثل هذه الشخصيات، ومن هو المقصود بهذه القصة) فكرت أن هذه الحوارات وما هو على شاكلتها مدعاةٌ ليعيشَ الأنسانُ حياتهُ راهبًا، وبعد أن أكملتُ قراءةَ القصةِ الأولى، وأدركت ما لم اكن لهُ بمُدرك، زادَ اقتناعي بما جالَ في خاطري.
في القصة الأولى أعجبتني طريقة تصوير الجبلاوي، بهذه الضخامة التي تضربُ بها الأمثال، وتاريخه الذي حيرَ أبناء حارته، حدة طباعه، عدالتهُ التي لا تقبلُ أيَّ مساومة، عقابهُ الذي لا رجوعَ عنه، وما كانَ يحيط به وبمقتنياته من غموض، كما هو الحال مع الحجة، والرغبة الجامحة في معرفة الشروط العشرة.
وكم هي مميزة تلك الحقبة الزمنية التي أختارها محفوظ لاسفاره، وذلك المكان الشهير، ف"حارة الجمالية" التي ولد فيها محفوظ شخصيًا، "جبل المقطم" الذي ما زال يميز القاهرة القديمة، "الفتوة" و"النبوت"، كلها مفردات تمثل معالم راسخة، ومن رسخها هو تلك القصص التي طالما تابعتها عبرَ الأفلام والمسلسلات التي تبنت أعماله، وما أكثرها، وما أعمقها...
ننتقل بعدها إلى القدرة الإبداعية التي مكنت الكاتب من تصوير حياةٍ مليئة بالمعجزات، ضمن إطار درامي تاريخي خالي من أيِ ظَواهرَ خارقة، بعيد كل البعد عن الفانتازيا، ليتم سردها بطريقة واقعية، ومع ذلك تستمر بمحاكاةِ تلكَ المواقف الإعجازية، التي تمثل محطات مهمة جدًا في حياة أبطالنا، بل قد تكون الأهم، وهو شيء يستحق الوقوف عنده، حيث ان ما قرأتهُ يحتاجُ كمًا لا بأسَ بهِ من الأبداع والقدرة على التصوير، ومن أمثلةِ ذلك حادثةُ شق البحر الأحمر، وكيف رسمها الكاتب بطريقةٍ تلائمُ قصةَ "جبل"، تساهم في تطورها ودفعها إلى حيثُ يجبُ أن نذهب، وكلُ هذا من دونِ أنْ يُحسَ القارئُ أنها مقحمةٌ داخل الأحداث، غريبةٌ عليها.
أعجبني أيضًا أننا دائمًا ما كنا نعود إلى الجريمة الأولى على الأرض، لتحكى على شكل قصة على لسان أحد رواد المقاهي، أو الشعراء، فيتمَ أختيارُ أحد أجزاءِ القصة بعناية تكاد تكون مثاليةً، تضعنا في مقارنة دائمة بين ما يحدث كل يوم، وكيف أنهُ دائمًا بشكلٍ أو ب آخر، مرتبط بتلك الجريمة إرتباطًا وثيقًا...
"لكنَ آفة حارتنا النسيان"
ليس هذا فحسب، بل أن مثل هذه المداخلات تهدف أيضًا إلى توضيح كيف أن الأنسان يميل إلى الاستغراق في ذكرياته، وكيف انه يمكن أن يشغل نفسه بماضيه، لدرجة نسيان حاضره، ومن لا حاضر له، لا مستقبلَ له.
احببتُ قصةَ "رفاعة" إلى حدٍ كبير، فرسم الشخصية، علاقاته العائلية، ونسيج الحارةِ وقتها كان في أعلى مستوياته، ولكنها برأيي كانت ظالمة لمن تمثله، فمن الصعب تصديق أن هذا الشخص الهزيل، الهش، هو من يتبعهُ ما يقارب المليارين ونصف المليار شخص، مؤمنينَ برسالته، مصدقين لما جاءَ به رغم مرور ما يزيد عن ألفي سنة!!
أين معجزاته!
فقد كانَ معجزةً حتى قبلَ أن يولد!!
وقد كان التمثيلُ ظالمًا فيما يخصُ جانب الشر كذلك، فلم يوفق الكاتب في عكس ما عاناه بطلنا، وعكس أنواع العذاب والهوان التي لاقاها في حياته على قِصَرها 💔
هذا وقد أزعجتني أيضًا مشاهد المعارك في قصة "قاسم" بكل تفاصيلها المبالغ فيها، تفاصيلٌ كثيرةٌ، متشابكة، تفقدُ معها الإحساس بالمكان والحدث، وكأنها وجدت لتضفي شيً من الملحمية، لكنها لم تصلني على هذا النحو، بل على العكس، أفقدتني تركيزي...
لكن عدا ذلك، لم يكن هنالك أي شوائب تؤثر على تجربة القراءة، فمعظم القصص ممتعة بشقيها المباشر والرمزي، مليئة بالإسقاطات ومحملةٌ بالرسائل ♥️
لكنَ أفضلُ ما يمكن أن تفيدهُ من قرأتك لهذه الرواية هو بعض التساؤلات الوجودية، العقائدية التي يطرحها الكاتب على لسان شخصياته، ليدفعك نحو آفاقٍ جديدة، لم تكن لتجرؤ على التعريج نحوها، لولا أن شخصياتنا تمت قولبتها بقوالب بشرية عادية، تشبهنا تمامًا، مما يجعلُ كلَّ شيءٍ ممكنًا، وقابلًا للافتراض.
-هنا وجدتُ إجابتي التي لطالما بحثتُ عنها منفردًا في دواماتٍ لا نهائية-
من أهم التساؤلات التي تم طرحها، هي جدوى المناهج السماوية، بعضها على الأقل أكثر من غيرها، وعن السبب الذي أمست به البشرية، أحيانًا كثيرة، أكثر سوءًا مما كانت عليه ربما، قبل وصول هذه المناهج على يد المرسال البشري، أيًا كان، وعن أختلاف الطرق التي قد يتبناها المرسال عن من سبقوه من أقرانه في نشر الرسالة، وعن أهمية الطريقة التي يتبناها هذا المرسال في نشر هذه التعاليم، وترجمة هذا المنهاج إلى الحياة اليومية، بأفعالهِ قبلَ أقواله.
وبما أنهُ لا يمكن أن تقتصر المحصلةَ في النهاية على الإيجابيات، ولا على السلبيات، بل لا بدَّ أن تكون خليطًا من الإثنين، كما كلُ شيء، فعلى أي أساسٍ تتفاوت جودة المحصلة النهائية، بين مرسالٍ وآخر؟
هل المشكلة في تصميم المنهاج نفسه؟
هل أن المصمم يفيدُ من تجاربه السابقة ليصبح منهاجه أكثر اكتمالًا كلَّ مرة؟
أم أن المحصلة تعتمد بشكل مباشر على شخص المرسال نفسه، وعلى النهج الذي يتبعه؟
يميل الكاتب إلى دفعنا -ولو بشكل غير مباشر- نحو الافتراض الأخير، وهو الأكثر منطقية، فأن يكون مصدر الثغرات -التي يتم أستغلالها بأبشع الطرق، لتسويف المنهاج وحرفه عن مساره الإصلاحي، بل واستخدامه ليكون مصدرًا لشقاء البشرية وتعاستها، أكثر من كونه مُخلصًا لهم- هو المرسال البشري، لا المنهاج نفسه، ولا مصمم المنهاج، وهو بالتأكيد الافتراض الأكثر قبولًا، والأقلُ جرأةً، رغم ما يحتاجه مجرد التفكير بكل هذا من جرأة، جرأةً كونه قد يهدد ما كنتَ تظنه راسخًا، ما تم إملائه عليك أيامَ فطرتك، وما من شيءٍ أكثرُ خطرًا على الأنسان من أن يعيش بلا أيمانٍ راسخ، مهما كانت طبيعة هذا الأيمان، وهويةُ ما يؤمن به، ومثل هذا الرحلات الفكرية رغم خطورتها، لكن نتائجها عادةً تكونُ مكافِئةً لمرتحليها، ليكون النتاجُ أيمانًا أكثر رسوخًا، وإنسانًا أكثرَ قناعةً بما يؤمن به.
فشكرًا لنجيب محفوظ، المجدُ كانَ لكَ في حياتك، وهو كذلكَ بعدها، والخزي والعارُ لكلِ من لم يفهم، لكلِ من لم يحاول أن يفهم، ولكلِ من حاول إسكاتَ صوتك، فقط لأنهُ لم يفهم...
وعليه ولكل ما سبق، فأن تقييمي النهائي هو...
⭐️10/10⭐️
وهذا لو أفترضنا أنَّ لكلِ قصةٍ من القصص الخمسة حسبها من التقييم، نجمة، رغم أن القِصَةَ الأخيرةَ وحدها تستحق النجومَ الخمسةَ مجتمعين!!
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
أولاد حارتنا.
Sign In »
Reading Progress
March 29, 2018
– Shelved as:
to-read
March 29, 2018
– Shelved
May 25, 2020
–
Started Reading
June 17, 2020
–
Finished Reading
Comments Showing 1-2 of 2 (2 new)
date
newest »


قد يتضايق مني الكثير ولكن الرمزية في الرواية م..."
حبيبي ي محمد ♥️
بالنسبة لي الرمزية خلَت من أي تحديات، ممتعة في العادة، فكانت أوضحَ من اللازم 😕
قد يتضايق مني الكثير ولكن الرمزية في الرواية من وجهة نظري لم تكن بالمستوى الذي أتوقعه من نجيب محفوظ