ŷ

Youssef Al Brawy's Reviews > التجديد والتحريم والتأويل بين المعرفة العلمية والخوف من التكفير

التجديد والتحريم والتأويل بين المعرفة العلمية والخوف من التكفير by نصر حامد أبو زيد
Rate this book
Clear rating

by
49324083
's review

it was amazing
bookshelves: 2018, نصر-حامد-أبو-زيد, فكر


رحلة فكرية مميزة، يضع نصر أبو زيد القرآن في السياق التاريخي للفعالية الاجتماعية والبشرية التي يتوجه إليها ومقارنة اعتباره كنص وكخطاب في هذا السياق، ثم يوضح ما يستدعيه ذلك من فهم في ضوء المعطيات الثقافية والتاريخية للحظة انبثاق الوحي وتنزلّه لمُستقبِل الخطاب الحقّ، وهو بذلك يعارض أشد المعارضة تكبيلَ الإنسان بإلغاء فعاليته وإهدار خبرته، والسعي إلى المحافظة على المستقر والثابت، وتكريس الماضي بإضفاء طابع ديني أزلي.

في أربعة أبواب يعرض نصر أبو زيد بعضًا من فكره..
الباب الأول عن تجديد الخطاب الديني، ودوافع هذا التجديد: المبرر المعرفي، المبرر التاريخي، الاستخدام النفعي للدين، الفزع من التأويل العصري، العولمة وإله السوق، أزمة النقد في بنية الثقافة المعاصرة، أزمة الحداثة ومشروع الإصلاح الديني، الاتصال لا الانفصال بين الديني والدنيوي، الوحي والتاريخ، أنسنة الوحي بالعقائد والأفكار، البنية الأساسية للدين، التوظيف السياسي للدين، وأخيرًا نقد الخطاب الديني، وهو من خلال تلك الفصول يتعمق في العلاقات بين الدين والمجتمع والسياسة والاقتصاد مع عرض وافي ومفصل في كل موضوع.
الباب الثاني عن الفن وخطاب التحريم، وفي هذا الباب يعرض علاقة الدين بالفن وفلسفة التحريم في أربعة فصول يكون العرض شاملًا لكل الأديان، ثم ينتقل بعدها إلى الإسلام والفنون بدايةً بعلاقة التصوير والنحت بالإسلام، ثم الموسيقى والغناء، ثم مجمع الفنون -أي باقي الفنون كالمسرح والتمثيل.. إلخ- وهنا يُكمل ما بدأه سيد قطب وأمين الخولي من حديث في هذا الموضوع، بعدها يتكلم عن التوتر بين الوحي والشعر، والمخالفات الفكرية في هذا الموضوع، وقبل الخاتمة يتكلم عن الإعجاز الأدبي في القرآن ومرجعية الشعر في تفسيره بناءً على ما أنتجه أمين الخولي من مناهج التجديد في التفسير والبلاغة والنحو والأدب، وينتهي الباب بخاتمة توضح سبب ما يثيره الفن من سخط مُدَّعي حماية الأديان الديكتاتوريين، وأسباب الخلط الفكري الحادث في هذا الجانب.
«حياة بلا فن هي حياة جافة مبتذلة رخيصة. الفن حياة والدين حياة، فكيف يتخاصمان؟».
«الدين لا يُحرِّم الفنون، إنما يحرمها من يتصورون أنفسهم حماة الدين والأخلاق والأعراف والتقاليد.».
من خلال هاتين الجملتين يسعى أبو زيد في هذا الباب إلى تأكيدهما بالأدلة والتساؤلات والنقد.
الباب الثالث -وهو الأصعب من رأيي- عن إشكالية تأويل القرآن قديمًا وحديثًا، فبعد أن فكّ أبو زيد الشبهات والالتباس حول مصطلح «تأويل» وبيان معناه الحقيقي في الباب الأول يتوسع في هذا الباب عارضًا لصراع المصطلحات عمومًا ويخص مصطلح التأويل بالذكر، ثم يوضح إشكالية التأويل في الماضي وما أنتجته من خلافات ومناهج مختلفة في تحديد المشبه والمحكم من الآيات، فالمعتزلة اتجهوا لمقولة «المجاز» في حل إشكالية التعارض بين النص والعقل، والاتجاه إلى قياس الغائب على الشاهد لإدراك المطلق عن طريق مخالفته -لا مطابقته- للمحدود من كل وجه، واتجه المتصوفة إلى القياس البسيط من الوجهة العقلية كقياس تطابق لا مخالفة، واتجه أهل الحديث والفقهاء إلى النفور من كلا الفكرين، مما دفعهم إلى مقولة «الناسخ والمنسوخ» ووضع قواعد فقهية لا يقبلها العقل كقولهم إن «الاستواء معروف والكيف مجهول والحديث عنه بدعة!» في مسألة استواء الله على العرش. وبعد ما سبق يتجه إلى عرض الإشكال في العصر الحديث وبيان ما أصاب الفكر الحديث من ركود وتفكك وخوف بسبب سلطة من يعتبرون أنفسهم حماة الدين وهم أقل مما يدعونه، ثم الثورة الفكرية على يد الإمام محمد عبده، ومن هنا يبدأ عرض نصر أبو زيد لفكر المجددين بداية بجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ثم علي عبد الرزاق وطه حسين، ثم أمين الخولي وتلاميذه، ومحمد أركون ومحمد عبد الله دراز والكثير ممن لا يسع ذكرهم هنا وهؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، ومناهجهم في التأويل القرآني وما تبعه من عواقب أصابتهم لا يقبلها إنسان كالتكفير والرغبة في القتل.
ثم يأتي الباب الرابع وهو الأخير كمقاربة جديدة للقرآن والنظر إليه بطريقة تأويلية إنسانوية كخطاب لا كنص، وهنا يعرض أبو زيد الميزات التي لا تحصر والاختلافات التي ستُبعد عند النظر إلى القرآن كخطاب، مُفصِّلًا بعدها خصائصَ القرآن كتعدد الأصوات، الحوار مع المشركين والمؤمنين، الحوار التفاوضي والجدلي مع النصارى، والحوار مع اليهود من التفاوض والجدل إلى الحرب، وفي هذا الباب تتجلى قدرة نصر حامد أبو زيد الفكرية التي ترد الأمور إلى أصلها الصحيح.
ثم ينتهي الكتاب بتساؤل أبو زيد الاستنكاري عمّا سيحدث من تطور تفكري بعد هذه النظرة إلى القرآن كخطاب، وما سيؤول إليه حال الفكر من حال الصراع والاختلاف والمحاربة إلى التقبل واحتواء المختلف والتطور بعد فك الاختلافات الفكرية بين المعتزلة والأشاعرة والمتصوفة -التي سبق وعرضها في الباب الثالث- كنتيجة لهذه النظرة.

كل ما يقدمه أبو زيد هو في سبيل تحرير العقل والإرادة الإنسانية، والتثوير الفكري ضد الظلم والاستغلال والهيمنة والاستبداد، وأهم من ذلك كله: نقض الاستخدام النفعي للدين وتأويله حسب ما يهوى كل شخص، وهو بذلك يصوغ منظومة مفاهيمية منفتحة على العصر، تقدس العقل، تحترم التعددية، تقبل الآخر، وتدفع إلى التساؤل، التفكير، البحث، وهدم التابوهات الفكرية المتوارثة التي لا تمت إلى الدين بأدنى صلة.

رغم أن هذه رحلتي الأولى مع نصر أبو زيد، لكني أحببته كثيرًا، وأحببت فكره الثوري الفريد ومنهجه العقلاني المتماسك، رحمه الله.
14 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read التجديد والتحريم والتأويل بين المعرفة العلمية والخوف من التكفير.
Sign In »

Reading Progress

July 28, 2018 – Started Reading
July 28, 2018 – Shelved
July 30, 2018 – Shelved as: 2018
July 30, 2018 – Finished Reading
July 31, 2018 – Shelved as: نصر-حامد-أبو-زيد
July 31, 2018 – Shelved as: فكر

No comments have been added yet.