Helmi Chikaoui's Reviews > التجديد والتحريم والتأويل بين المعرفة العلمية والخوف من التكفير
التجديد والتحريم والتأويل بين المعرفة العلمية والخوف من التكفير
by
by

لماذا كان ممكنا في القرن التاسع الهجري لمفكر موسوعي مثل جلال الدين السيوطي ( توفي سنة 909 هجري ) أن يعلن الرأي القائل بأن " القرأن " الكريم أوحي الى محمد عليه السلام بالمعنى فقط وأنه هو الذي وضع صياغته باللغة العربية ، ولم يعد ممكنا اليوم مجرد مناقشة هذا الرأي أو حتى الإشارة إليه ! هنا تكمن أزمة النقد في بنية الثقافة المعاصرة
تجديد الخطاب الديني ، لماذا ؟
إن قانون الفكر هو التجديد ، التجديد حاجة دائمة ، سيرورة إجتماعية وسياسية وثقافية ، بدونه تتجمد الحياة ، وتدخل الثقافات نفق الاندثار والموت
التحريم : كان نصر أبو زيد يقول أنه كلما ضعف المجتمع وقلت حيويته ، كلما توسعت دوائر التكفير والتحريم ، والعكس صحيح ، مم يخافون ! هل يخافون من الوقوع في الخطأ ؟ كلا . إنهم يخافون من أن تصبح المعرفة الدينية غير محصورة بالفقهاء . يخافون من وجود من يعارضهم الرأي ، فيشاركهم في ما يدعونه من معرفة محصورة بينهم ، يخافون من هدم سلطتهم التي يؤكدون كل يوم أنها مستمدة من أحكام الله ليجعلو منها سلطة مؤبدة .
التأويل : تناول الدكتور نصر أبو يزيد هذا الموضوع في معظم كتبه ، وهو هنا يتسائل كيف أن القرأن ، الكتاب الأعظم في الثقافة العربية ، يتم التعامل معه على أساس ضيق يضيق على المسلمين حياتهم ، في حين أن التأويل يفتح فتح الباب مشرعا أمام المؤمنين لفهم النص القرأني خارج إطار الوصفة التي يرددها كل يوم فقهاء السلطة الدينية ، وهذا يفتح الباب للعلاقة بين المؤمن وربه ، من دون المرور الاجباري بتفسيرات وتأويلات الفقهاء الرسميين ، وكل ما كان الطريق بين المؤمن وربه مشرعا ، كلما ازداد المؤمن ايمانا ، ولكنه إيمان مختلف عن إيمان غيره ، إيمان نابع من ذاته ومن رؤيته ، إيمانه الحر
فلسفة التأويل وسؤال الحقيقة
لماذا طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته وجعلها حكرا على الفلاسفة ؟
إن مشكلة افلاطون تتمثل في مشكلة " الحقيقة " ، حيث وضع أفلاطون الحقيقة في " عالم المثل " واعتبر الواقع المعاش تشويها للحقيقة بما هو صورة انعكاسية لعالم المثل ، وبما إن الشاعر يأخذ مادته الشاعرية من الواقع ( الذي هو صورة مشوهة للحقيقة ) فإن الشعر يصبح تزييفا للحقيقة ، فإذا اضفنا الى ذلك أن أفلاطون إعتبر الشعر " تشويها ثانيا " للواقع المشوه أصلا ، أدركنا أن الشعر عند أفلاطون ، يشوه الحقيقة تشويها مركبا ، إن الفلاسفة وحدهم هم القادرون على معرفة الحقيقة .
هنا تكمن مشكلة أفلاطون ، ومشكلة خطاب التحريم في كل العصور ، وهي مشكلة عدم التمييز بين " مستويات الحقيقة " وتجلياتها المختلفة ، فهناك الحقيقة الفلسفية ، والحقيقة الثقافية ، والحقيقة الدينية ، والحقيقة الفنية .. كل هذه الحقائق لا تتماثل وإن كانت تتقاطع وتتفاعل ، مشكلة أفلاطون أنه جعل من الحقيقة الفلسفية معيارا للحكم على الشعر ، فطرد الشعراء من جمهوريته .
لكن أرسطو إنتبه للفرق بين الحقيقة الفلسفية والحقيقة الفنية بإكتشافه لوظيفة الشعر والمسرح بأنهما أداة تطهير عن طريق إثارة الإنفعالات . فليست مهمة الشعر إن يعكس الحقيقة الفلسفية التي يمكن التوصل إليها بالفكر ، انما يقوم الفن بوظيفة التطهير الإنساني ، فير الإنسان عالمه بأكثر براءة
الفن وخطاب التحريم
هناك دائما علاقة توتر بين المعياري والفني على كل المستويات . ومحاكمة الفن على أساس " المعيار " سواء كان المعيار لغويا أو أخلاقيا أو فلسفيا أو دينيا ، هو خلط للمعايير وخلط ضار بالفن : إذ أن هو هذا أساس التحريم في كل الخطابات ، وهو بدوره يمثل أحد تجليات الفزع من الحرية بشكل عام في الخطاب ، يتجلى هذا الفزع في ظاهرة تتميز بها مجتمعاتنا عن سائر المجتمعات . حين يبدأ الكلام عن " الحرية " يبدأ الحديث عن " الضوابط " و " الحدود " و " المعايير " . يحدث ذلك قبل أن تبدأ الممارسة التي وحدها الكفيلة بخلق المعايير
لم يكن معروفا عند العرب قبل الإسلام إلا موسيقى الدفوف ، نحن بعلم أن النبي حمل عائشة على كتفه للتفرج على رقص الأحباش على أنغام الدفوف . وحين اعترض عمر بن الخطاب كان رد النبي رافضا لهذا الإعتراض ، لكن الامر لا يحتاج الى مثل هذه الاستشهادات ؛ فترتيل القرأن هو فن موسيقي بإمتياز من خلال التجويد والتريل ... ، إذن فكيف يتم تحريم الموسيقى بإعتبارها مداخل للشيطان ؟ الإجابة عن هذا السؤال من خارج الموسيقى ، أي التحريم من منطلق أخلاقي من خلال الكلام المصاحب للموسيقى ، عندما يغني عبد الوهاب " جايين للدنيا ما نعرف ليه " أو يكتب الشابي "جئت من حيث لا أعلم ولكنني أتيت " . الإعتراض هنا من خارج الفن ، فالحقيقة معروفة ولا يجوز التساؤل عنها ، معروف من أين جئنا وإلى أين المصير ، فالتساؤل هرطقة وكفر
الحقيقة الدينية ليست واحدة ، بل تتعدد بتعدد التفسيرات والتأويلات ، تتحول هذه الحقيقة الدينية إلى " عقائد " عند علماء اللاهوت ( علم الكلام ) . الحقيقة اللاهوتية ، ليست هي الحقيقة الإيمانية ، بل هي الحقيقة المؤسساتية ، وهي ليست ثابتة ، إذ هناك تفسيرات لاهوتية متعددة للحقيقة الدينية . الحقيقة الإيمانية هي مجال التعبيرات الفنية ، وهي تحتمل التساؤل والشك ، لأنها حقيقة فردية ، الطبيعة التساؤلية ، وهي جوهر الفن وجوهر التعبير الأدبي ، هي الحقيقة الفنية . مهمة اللاهوت تقديم الإجابات التي من حق الفكر والفن أن يتحداها بطرح التساؤلات وإثارة الشكوك .
أختم بما ذكره نصر أبو يزيد " علينا ألا نخاف من أولئك الذين يعادون المعرفة ، ويمنعون من أي تجديد ، طالما أننا لا ندعي المعرفة ادعاءا ، ولا نحارب الجهل بالجهل "
التجديد والتحريم والتأويل ( بين المعرفة العلمية والخوف من التكفير ) 250 صفحة
كتابي رقم 50 لشهر مارس انذاك
تجديد الخطاب الديني ، لماذا ؟
إن قانون الفكر هو التجديد ، التجديد حاجة دائمة ، سيرورة إجتماعية وسياسية وثقافية ، بدونه تتجمد الحياة ، وتدخل الثقافات نفق الاندثار والموت
التحريم : كان نصر أبو زيد يقول أنه كلما ضعف المجتمع وقلت حيويته ، كلما توسعت دوائر التكفير والتحريم ، والعكس صحيح ، مم يخافون ! هل يخافون من الوقوع في الخطأ ؟ كلا . إنهم يخافون من أن تصبح المعرفة الدينية غير محصورة بالفقهاء . يخافون من وجود من يعارضهم الرأي ، فيشاركهم في ما يدعونه من معرفة محصورة بينهم ، يخافون من هدم سلطتهم التي يؤكدون كل يوم أنها مستمدة من أحكام الله ليجعلو منها سلطة مؤبدة .
التأويل : تناول الدكتور نصر أبو يزيد هذا الموضوع في معظم كتبه ، وهو هنا يتسائل كيف أن القرأن ، الكتاب الأعظم في الثقافة العربية ، يتم التعامل معه على أساس ضيق يضيق على المسلمين حياتهم ، في حين أن التأويل يفتح فتح الباب مشرعا أمام المؤمنين لفهم النص القرأني خارج إطار الوصفة التي يرددها كل يوم فقهاء السلطة الدينية ، وهذا يفتح الباب للعلاقة بين المؤمن وربه ، من دون المرور الاجباري بتفسيرات وتأويلات الفقهاء الرسميين ، وكل ما كان الطريق بين المؤمن وربه مشرعا ، كلما ازداد المؤمن ايمانا ، ولكنه إيمان مختلف عن إيمان غيره ، إيمان نابع من ذاته ومن رؤيته ، إيمانه الحر
فلسفة التأويل وسؤال الحقيقة
لماذا طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته وجعلها حكرا على الفلاسفة ؟
إن مشكلة افلاطون تتمثل في مشكلة " الحقيقة " ، حيث وضع أفلاطون الحقيقة في " عالم المثل " واعتبر الواقع المعاش تشويها للحقيقة بما هو صورة انعكاسية لعالم المثل ، وبما إن الشاعر يأخذ مادته الشاعرية من الواقع ( الذي هو صورة مشوهة للحقيقة ) فإن الشعر يصبح تزييفا للحقيقة ، فإذا اضفنا الى ذلك أن أفلاطون إعتبر الشعر " تشويها ثانيا " للواقع المشوه أصلا ، أدركنا أن الشعر عند أفلاطون ، يشوه الحقيقة تشويها مركبا ، إن الفلاسفة وحدهم هم القادرون على معرفة الحقيقة .
هنا تكمن مشكلة أفلاطون ، ومشكلة خطاب التحريم في كل العصور ، وهي مشكلة عدم التمييز بين " مستويات الحقيقة " وتجلياتها المختلفة ، فهناك الحقيقة الفلسفية ، والحقيقة الثقافية ، والحقيقة الدينية ، والحقيقة الفنية .. كل هذه الحقائق لا تتماثل وإن كانت تتقاطع وتتفاعل ، مشكلة أفلاطون أنه جعل من الحقيقة الفلسفية معيارا للحكم على الشعر ، فطرد الشعراء من جمهوريته .
لكن أرسطو إنتبه للفرق بين الحقيقة الفلسفية والحقيقة الفنية بإكتشافه لوظيفة الشعر والمسرح بأنهما أداة تطهير عن طريق إثارة الإنفعالات . فليست مهمة الشعر إن يعكس الحقيقة الفلسفية التي يمكن التوصل إليها بالفكر ، انما يقوم الفن بوظيفة التطهير الإنساني ، فير الإنسان عالمه بأكثر براءة
الفن وخطاب التحريم
هناك دائما علاقة توتر بين المعياري والفني على كل المستويات . ومحاكمة الفن على أساس " المعيار " سواء كان المعيار لغويا أو أخلاقيا أو فلسفيا أو دينيا ، هو خلط للمعايير وخلط ضار بالفن : إذ أن هو هذا أساس التحريم في كل الخطابات ، وهو بدوره يمثل أحد تجليات الفزع من الحرية بشكل عام في الخطاب ، يتجلى هذا الفزع في ظاهرة تتميز بها مجتمعاتنا عن سائر المجتمعات . حين يبدأ الكلام عن " الحرية " يبدأ الحديث عن " الضوابط " و " الحدود " و " المعايير " . يحدث ذلك قبل أن تبدأ الممارسة التي وحدها الكفيلة بخلق المعايير
لم يكن معروفا عند العرب قبل الإسلام إلا موسيقى الدفوف ، نحن بعلم أن النبي حمل عائشة على كتفه للتفرج على رقص الأحباش على أنغام الدفوف . وحين اعترض عمر بن الخطاب كان رد النبي رافضا لهذا الإعتراض ، لكن الامر لا يحتاج الى مثل هذه الاستشهادات ؛ فترتيل القرأن هو فن موسيقي بإمتياز من خلال التجويد والتريل ... ، إذن فكيف يتم تحريم الموسيقى بإعتبارها مداخل للشيطان ؟ الإجابة عن هذا السؤال من خارج الموسيقى ، أي التحريم من منطلق أخلاقي من خلال الكلام المصاحب للموسيقى ، عندما يغني عبد الوهاب " جايين للدنيا ما نعرف ليه " أو يكتب الشابي "جئت من حيث لا أعلم ولكنني أتيت " . الإعتراض هنا من خارج الفن ، فالحقيقة معروفة ولا يجوز التساؤل عنها ، معروف من أين جئنا وإلى أين المصير ، فالتساؤل هرطقة وكفر
الحقيقة الدينية ليست واحدة ، بل تتعدد بتعدد التفسيرات والتأويلات ، تتحول هذه الحقيقة الدينية إلى " عقائد " عند علماء اللاهوت ( علم الكلام ) . الحقيقة اللاهوتية ، ليست هي الحقيقة الإيمانية ، بل هي الحقيقة المؤسساتية ، وهي ليست ثابتة ، إذ هناك تفسيرات لاهوتية متعددة للحقيقة الدينية . الحقيقة الإيمانية هي مجال التعبيرات الفنية ، وهي تحتمل التساؤل والشك ، لأنها حقيقة فردية ، الطبيعة التساؤلية ، وهي جوهر الفن وجوهر التعبير الأدبي ، هي الحقيقة الفنية . مهمة اللاهوت تقديم الإجابات التي من حق الفكر والفن أن يتحداها بطرح التساؤلات وإثارة الشكوك .
أختم بما ذكره نصر أبو يزيد " علينا ألا نخاف من أولئك الذين يعادون المعرفة ، ويمنعون من أي تجديد ، طالما أننا لا ندعي المعرفة ادعاءا ، ولا نحارب الجهل بالجهل "
التجديد والتحريم والتأويل ( بين المعرفة العلمية والخوف من التكفير ) 250 صفحة
كتابي رقم 50 لشهر مارس انذاك
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
التجديد والتحريم والتأويل بين المعرفة العلمية والخوف من التكفير.
Sign In »
Reading Progress
March 25, 2018
–
Started Reading
March 26, 2018
–
Finished Reading
September 8, 2018
– Shelved