Baher Soliman's Reviews > الوطنية الأليفة: الوفد وبناء الدولة الوطنية في ظل الاستعمار
الوطنية الأليفة: الوفد وبناء الدولة الوطنية في ظل الاستعمار
by
by

دراسة تاريخ الدولة القومية المصرية أو العربية الحديثة بشكل عام من الأهمية بمكان لفهم كيف تشكّل واقعنا السياسي المعاصر، لاسيما وأن هذه الدولة القومية تشكّلت في ظل الهيمنة الكولونيالية على العالم العربي والإسلامي، فهذه الدراسة هي امتداد لدراسة التاريخ السياسي ما بعد الكولونيالي على غرار دراسات إدوار سعيد وميتشل وفرانز فانون وميشيل فوكو حول كيفية إنتاج الاستعمار للمعرفة والسلطة والنخب في البلاد المستعمَرة .
ينطلق هذا الكتاب المهم لتميم البرغوثي من مقولة أساسية أن حركة التحرر الوطني المصرية صاغ معناها القوة الاستعمارية البريطانية عن طريق أولًا صناعة النخب التي يُسميها الكتاب " خلق الممثلين" ، وثانيًا الانتقاء من هذه النخب من يقبلون بالمنطق الاستعماري وتحديداته لمفاهيم التحرر والإستقلال، وثالثًا عملية إحلال هذه النخب محل المستعمِر بعد أن يطمئن أنهم سوف يقومون بحماية مكتسابه، فهذه النخب بمعنى من المعاني وفق تعبير اللورد كرومر " إنسان ألي مصنوع بمهارة ".
وفق هذه المقولة سيدرس الكتاب كيف بنت هذه النخب الدولة الوطنية في ظل الاستعمار متخذًا من حزب الوفد أساسًا لاختبار صدق هذه المقولة بوصفه اللاعب الأساس وصاحب الشعبية الكبيرة حتى قيام انقلاب الضباط الأحرار، وفي الحقيقة أنك لن تفهم كثيرًا من المواقف المتناقضة التي سيذكرها الكتاب لهذه النخب إلا لو أخرجت عقلك من ثنائية [ العميل/ الوطني] ، فمحاولة القراءة التاريخية الصحيحة -بتقديري- لسلوك هذه النخب أعقد من هذه الثنائية، فهو سلوك محكوم في جانب منه بحالة انبهار هذه النخب بفكر وعادات وتقاليد المستعمِر ، وفي جانب آخر الرغبة المُلحّة في الإحلال محل المستعمِر وفق شروط وقوانين هذا المستعمِر .
ومن ثم سيرصد الكتاب حالة التنافس المرير بين هذه النخب على تقديم أنفسهم للمحتل بوصفهم البديل المناسب الذي يقبل بمحدداته وقوانينه ومفاهيمه، مثل المنافسة مثلًا بين سعد زغلول وعدلي يكن، وسيرصد كذلك المفارقات الناتجة عن هذا الأمر ، فعندما تكون النخبة- كالوفد مثلًا -في المعارضة تنتهج سياسات راديكالية وعنيفة تجاه المحتل، وبمجرد أن تملك السلطة تقبل بمنطق الاحتلال، بل وتقبل بما كانت ترفضه من قبل وهي في موقف المعارضة .
وفي إطار هذا التنافس كان سياسة بعضهم كسعد زغلول هي أن يمنع بريطانيا من أن تجد الممثلين الذين تريدهم، بينما يقدم نفسه هو والوفد ممثلًا شرعيًا وحيدًا للشعب المصري، فكان التصعيد ضد البريطانيين مسألة تكتيكية كورقة ضغط للقبول بهم كممثلين أو بدائل لهم، فمثلًا كان عبد الرحمن فهمي مساعد زغلول يحشد الشارع في سبيل " الإستقلال التام أو الموت الزؤام" في حين كانت قيادات الوفد تعرض على البريطانيين مطالب أشد تواضعًا .
إن الكتاب يحاول بكل طاقته - وقد نجح في هذا بتقديري- أن يرصد حالة الإزدواجية بين خطاب تلك النخب لصانيعها المستعمرين بوصفهم أفضل بديل لحماية مكتساباتهم ولو بإستقلال منقوص، وبين خطابهم للقواعد الشعبية والجماهيرية التي كانت أكثر ىاديكالية في مطالبهم .
ومن هنا ستلاحظ أن أغلب مشاريع الإستقلال التي قدمتها النخب الوطنية هي مشاريع في حقيقتها استعمارية، أو كما يقول عبد الرحمن الرافعي المؤرخ القومي عن معاهدة 1936 أن الإكراه الاستعماري هو قوامها ومصدرها، فالملاحظ أن هذا الإكراه الاستعماري الذي يتكلم عنه الرافعي هو الذي سيكشف مدى إيمان هذه النخب بمباديء شعوبهم، مثلًا يرصد البرغوثي موقف سعد زغلول المتناقض من رفضه إعلان فبراير 1922 ثم أصبح رئيس وزراء في دولة لم ينبن استقلالها إلا على هذا التصريح وبمقتضاه، وكذلك التناقض بين النحاس في السلطة والنحاس في المعارضة، فعندما يكون محمود محمود في السلطة يعارض النحاس مرسوم قمع الاحتجاجات الطلابية، ولكن عندما يكون النحاس في السلطة يفرضه على الناس ! .
من الأشياء المهمة في الكتاب التركيز على فكرة ارتباط مصالح هذه النخبة بالمحتل، وكيف أن السياسات الاقتصادية التي انتهجها الاحتلال هي التي صنعت الوضع الاقتصادي لهذه النخبة بعد انهيار السياسة الإحتكارية لدولة محمد على عقب إتفاقية لندن، ويبدو واضحًا أن مناطق الاتفاق المصلحي والتوافق الفكري بين هذه النخبة والاستعمار أكبر بكثير من مواطن الاختلاف، وأن النظام السياسي الذي أوجده المستعمر هو نفسه الذي تطلعت أن تحل من خلاله النخبة محل المستعمِر .
بالنهاية هذه النخبة من سعد زغلول وعدلي يكن والنحاس وعبد الخالق ثروت ومحمد محمود وغيرهم لم يكونوا " عملاء" بالمعنى السياسي للكلمة أو يتقاضون مرتبًا بريطانيًا كالشريف حسين، هي بالنهاية نخبة تشكّلت فكريًا وسياسيًا في نظام رسمت معالمه وزارة المستعمرات ودار المندوب السامي، وكانوا أمام خيارين إما انتهاج سياسة المحتل تمامًا وإما أن يعبّروا عن ثورية الجماهير تعبيرًا حقيقيًا، لكنهم آثروا الرقص على السلم واتباع سياسة توافقية فلا رضى عنهم المستعمِر الرضا التام ولا نالوا الثقة الشعبية المطلقة؛لأن خطابهم بالأساس خطاب مزدوج ومتناقض، وبالتالي لم يكن غريبًا ما رصده الكتاب في آخر فصوله من تأكل شعبية الوفد وبداية انحسارها أمام مصر الفتاة والإخوان المسلمين.
هذا الكتاب من أفضل الكتب التي تُقدّم رؤية مختلفة عن تاريخ الحركة القومية الوطنية بعيدًا عن تهويلات القوميين أو تخوينات بعض أبناء التيار الإسلامي لرموز هذه الحركة الوطنية، نعم لم يكونوا عملاء ولكنهم ولم يكونوا أيضًا مناضلين أبرارًا ، كانوا في الواقع مهزومين فكريًا ونفسيًا أمام الغازي الذي كان يجلس زغلول أمام مندوبهم السامي كرومر بالساعة والساعتين ليتعلم وليُتنور في حياته.
ينطلق هذا الكتاب المهم لتميم البرغوثي من مقولة أساسية أن حركة التحرر الوطني المصرية صاغ معناها القوة الاستعمارية البريطانية عن طريق أولًا صناعة النخب التي يُسميها الكتاب " خلق الممثلين" ، وثانيًا الانتقاء من هذه النخب من يقبلون بالمنطق الاستعماري وتحديداته لمفاهيم التحرر والإستقلال، وثالثًا عملية إحلال هذه النخب محل المستعمِر بعد أن يطمئن أنهم سوف يقومون بحماية مكتسابه، فهذه النخب بمعنى من المعاني وفق تعبير اللورد كرومر " إنسان ألي مصنوع بمهارة ".
وفق هذه المقولة سيدرس الكتاب كيف بنت هذه النخب الدولة الوطنية في ظل الاستعمار متخذًا من حزب الوفد أساسًا لاختبار صدق هذه المقولة بوصفه اللاعب الأساس وصاحب الشعبية الكبيرة حتى قيام انقلاب الضباط الأحرار، وفي الحقيقة أنك لن تفهم كثيرًا من المواقف المتناقضة التي سيذكرها الكتاب لهذه النخب إلا لو أخرجت عقلك من ثنائية [ العميل/ الوطني] ، فمحاولة القراءة التاريخية الصحيحة -بتقديري- لسلوك هذه النخب أعقد من هذه الثنائية، فهو سلوك محكوم في جانب منه بحالة انبهار هذه النخب بفكر وعادات وتقاليد المستعمِر ، وفي جانب آخر الرغبة المُلحّة في الإحلال محل المستعمِر وفق شروط وقوانين هذا المستعمِر .
ومن ثم سيرصد الكتاب حالة التنافس المرير بين هذه النخب على تقديم أنفسهم للمحتل بوصفهم البديل المناسب الذي يقبل بمحدداته وقوانينه ومفاهيمه، مثل المنافسة مثلًا بين سعد زغلول وعدلي يكن، وسيرصد كذلك المفارقات الناتجة عن هذا الأمر ، فعندما تكون النخبة- كالوفد مثلًا -في المعارضة تنتهج سياسات راديكالية وعنيفة تجاه المحتل، وبمجرد أن تملك السلطة تقبل بمنطق الاحتلال، بل وتقبل بما كانت ترفضه من قبل وهي في موقف المعارضة .
وفي إطار هذا التنافس كان سياسة بعضهم كسعد زغلول هي أن يمنع بريطانيا من أن تجد الممثلين الذين تريدهم، بينما يقدم نفسه هو والوفد ممثلًا شرعيًا وحيدًا للشعب المصري، فكان التصعيد ضد البريطانيين مسألة تكتيكية كورقة ضغط للقبول بهم كممثلين أو بدائل لهم، فمثلًا كان عبد الرحمن فهمي مساعد زغلول يحشد الشارع في سبيل " الإستقلال التام أو الموت الزؤام" في حين كانت قيادات الوفد تعرض على البريطانيين مطالب أشد تواضعًا .
إن الكتاب يحاول بكل طاقته - وقد نجح في هذا بتقديري- أن يرصد حالة الإزدواجية بين خطاب تلك النخب لصانيعها المستعمرين بوصفهم أفضل بديل لحماية مكتساباتهم ولو بإستقلال منقوص، وبين خطابهم للقواعد الشعبية والجماهيرية التي كانت أكثر ىاديكالية في مطالبهم .
ومن هنا ستلاحظ أن أغلب مشاريع الإستقلال التي قدمتها النخب الوطنية هي مشاريع في حقيقتها استعمارية، أو كما يقول عبد الرحمن الرافعي المؤرخ القومي عن معاهدة 1936 أن الإكراه الاستعماري هو قوامها ومصدرها، فالملاحظ أن هذا الإكراه الاستعماري الذي يتكلم عنه الرافعي هو الذي سيكشف مدى إيمان هذه النخب بمباديء شعوبهم، مثلًا يرصد البرغوثي موقف سعد زغلول المتناقض من رفضه إعلان فبراير 1922 ثم أصبح رئيس وزراء في دولة لم ينبن استقلالها إلا على هذا التصريح وبمقتضاه، وكذلك التناقض بين النحاس في السلطة والنحاس في المعارضة، فعندما يكون محمود محمود في السلطة يعارض النحاس مرسوم قمع الاحتجاجات الطلابية، ولكن عندما يكون النحاس في السلطة يفرضه على الناس ! .
من الأشياء المهمة في الكتاب التركيز على فكرة ارتباط مصالح هذه النخبة بالمحتل، وكيف أن السياسات الاقتصادية التي انتهجها الاحتلال هي التي صنعت الوضع الاقتصادي لهذه النخبة بعد انهيار السياسة الإحتكارية لدولة محمد على عقب إتفاقية لندن، ويبدو واضحًا أن مناطق الاتفاق المصلحي والتوافق الفكري بين هذه النخبة والاستعمار أكبر بكثير من مواطن الاختلاف، وأن النظام السياسي الذي أوجده المستعمر هو نفسه الذي تطلعت أن تحل من خلاله النخبة محل المستعمِر .
بالنهاية هذه النخبة من سعد زغلول وعدلي يكن والنحاس وعبد الخالق ثروت ومحمد محمود وغيرهم لم يكونوا " عملاء" بالمعنى السياسي للكلمة أو يتقاضون مرتبًا بريطانيًا كالشريف حسين، هي بالنهاية نخبة تشكّلت فكريًا وسياسيًا في نظام رسمت معالمه وزارة المستعمرات ودار المندوب السامي، وكانوا أمام خيارين إما انتهاج سياسة المحتل تمامًا وإما أن يعبّروا عن ثورية الجماهير تعبيرًا حقيقيًا، لكنهم آثروا الرقص على السلم واتباع سياسة توافقية فلا رضى عنهم المستعمِر الرضا التام ولا نالوا الثقة الشعبية المطلقة؛لأن خطابهم بالأساس خطاب مزدوج ومتناقض، وبالتالي لم يكن غريبًا ما رصده الكتاب في آخر فصوله من تأكل شعبية الوفد وبداية انحسارها أمام مصر الفتاة والإخوان المسلمين.
هذا الكتاب من أفضل الكتب التي تُقدّم رؤية مختلفة عن تاريخ الحركة القومية الوطنية بعيدًا عن تهويلات القوميين أو تخوينات بعض أبناء التيار الإسلامي لرموز هذه الحركة الوطنية، نعم لم يكونوا عملاء ولكنهم ولم يكونوا أيضًا مناضلين أبرارًا ، كانوا في الواقع مهزومين فكريًا ونفسيًا أمام الغازي الذي كان يجلس زغلول أمام مندوبهم السامي كرومر بالساعة والساعتين ليتعلم وليُتنور في حياته.
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
الوطنية الأليفة.
Sign In »
Reading Progress
October 29, 2018
– Shelved
October 29, 2018
– Shelved as:
to-read
March 24, 2019
–
Started Reading
March 25, 2019
– Shelved as:
التاريخ
March 26, 2019
–
Finished Reading
April 14, 2019
– Shelved as:
السير-الذاتية