Ziyad Hasanin's Reviews > السلطة في الإسلام - نقد النظرية السياسية
السلطة في الإسلام - نقد النظرية السياسية
by
by

الجزء الثاني من دراسة المستشار عبد الجواد ياسين عن "السلطة في الإسلام"، وفي هذا الجزء يبرز المستشار الطابع التاريخي (بالمعنى المزدوج) للنظريات السياسية الإسلامية (السنية والشيعية والإباضية) وكيف أن كل نظرية (ويدخل معها شق كبير من بنية الفرق "الفقهية" المتبنية لها) كانت تنشأ تبعًا لظروف الاجتماع السياسي والاقتصادي والتاريخي، ومن ثم فهي غير موائمة للتطبيق في العصر الحديث ولروح الحداثة السياسية.
سلوب عبد الجواد ياسين يمتاز ببصمته الاجتماعية التاريخية التي تعيد عامل 'الزمن" إلى النقاش الفكري (وهو العامل الغائب لدى الفكر الإسلامي المعاصر بكل أطيافه تقريبًا)؛ ولا ينفك هذا العامل عند ياسين من النقد الهادئ والمنصف فتخرج فصول الكتاب مناقشات مطولة هادئة لا تخلو من الشد والجذب ويتملكها الرغبة في رفع "سلطة التاريخ" الذي يرزح تحتها الفكر الآسلامي والسلفي بل والعلماني أيضًا"
الكتاب بجزئيه هو تناول المستشار لفكرة السلطة في الإسلام، أو الدولة أو الحكم في الإسلام، وهي مسألة مركزية -إن لم تكن المسألة المركزية الأولى- في الخطاب الإسلامي -بالأخص السياسي- الذي يرفع شعارات الحاكمية، وأخذًا في الاعتبار مرحلة المستشار السابقة (الأصولية)، فهذا الكتاب بجزأيه تناول قضية مركزية وأساسية لدى الإسلام السياسي بالنقد والتحليل وتطرق منها إلى إشكالية الوعي الإسلامي الحالي مع روح وفكر الحداثة (العلمية والسياسية والفكرية والاقتصادية). فإن كان الجزء الأول من الكتاب خلص إلى أنه لا توجد في الإسلام أحكام ملزمة فيما يتعين بشكل السلطة، فهذا الكتاب الثاني يناقش النظريات الإسلامية التي تمخض عنها الصراع السياسي الفقهي الفكري في عصور الإسلام الأولى والتي أسبغ عليها التدين صفة الأبدية والإطلاقية باعتبارها جزءًا من الدين (الأئمة من قريش حتى قيام الساعة، الإمام القائم المنتظر غائب وسيعود، إلخ.) وهي تلك النظريات ذاتها التي استند عليها الإسلام السياسي أو حتى السلفي في مشاريعه السياسية والاجتماعية (من الآخر عملية إسقاط تاريخي فاشلة كما رأينا جميعًا).
في هذا الكتاب يبث ياسين في عدة مواضع نظريته الاجتماعية التاريخية والتي تبلورت بشكلٍ أوضح وأكثر تماسكًا عن الجزء الأول -والتي يمكن من خلالها تتبع تطور فكر المستشار حتى الوصول إلى مرحلة "الدين والتدين"-، نظرية المستشار لا ترد نشأة الافكارو الجماعات والفرق إلى سبب واحد كما يفعل العقل الديني -بأطيافه- والعقل الوضعي -بمدارسه-، بل إن تداخلات السياسة والاقتصاد والدين والتاريخ تعمل وتتداخل مع الذوات الفردية للأشخاص التي تسبغ على الأفكار والنصوص والأحداث ذاتها وفكرها. فتجد في هوامش الكتاب وثناياه -مثلًا- نقدًا للعقل السلفي في تبسيطه لأسباب ودوافع الفتنة الكبرى واختزالها ونقدًا للماركسية التي ترد كل الظواهر البشرية إلى العامل الاقتصادي فقط.
من النقاط الجديرة بالذكر هي تفرقة المستشار بين إشكالية العصر وإشكالية الغرب، فعبد الجواد ياسين لا ينكر واقع التسلط الاستعماري الغربي بالطبع، لكنه لا يرفض مبادئ وقيم الحداثة لأنه يرفض النموذج الغربي (كما أنه في الجزء الأول انتقد العلمانيين لرفضهم مضمون الحكم\الخلافة لرفضهم للنموذج والشكل التاريخيين له، وإن كان هذا الموقف قد تطور في هذا الكتاب وما يليه).
هذا الكتاب -في نظري- واجب للقراءة لكل أبناء التيار الإسلامي المنادين بـ"عودة الخلافة" و"الحكم الإسلامي" و"تطبيق الشريعة" -إن افترضنا رغبتهم في مناقشة أفكارهم ابتداءً-. فالإسلاميون منذ نشوء أولى جماعات الإسلام السياسي -الإخوان المسلمين- وإلى الآن وهم يدورون في حلقة مفرغة، من العمل السلمي للفشل في الإدارة للحروب المسلحة والقمع الدموي، والسبب كما لم يعد يخفى على أحد هو أنهم لا يوجد لديهم أي تصور واضح للسلطة والدولة. فإما يؤسلمون ما لا يؤسلم أصلًأ وإما يرفضون كل مبادئ الحداثة الإنسانية والسياسية والارتداد إلى القرون الوسطى. وقس على ذلك ما ينادون به على الدوام "تطبيق وسيادة الشريعة"، ومبدأ الحاكمية لله، وهي تختزل الإسلام في قوانين وتشريعات ونماذج تاريخية ناجحة لا يربط بينها رابط سوى كون أصحابها مسلمين، ويقدم ذلك على أنه "الحل الإسلامي".
وفي هذا السياق وختامًا.. من أسس العقل الإسلامي السلفي هي أن التشريعات والقوانين أُنزلت مطلقة في الزمان والمكان وأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان. إلا أن تاريخ الصراع حول السلطة وحول آلية تداولها وآلية الحكم في صدر الإسلام تعد من أكثر فصول التاريخ دموية، مما يطرح سؤالًا جوهريًا: ما دامت الشريعة جاءت صالحة لكل زمان ومكان ولصلاح الدنيا إلى آخر الزمان بأحكامها التي جاءت في القرن السابع الميلادي، لماذا لم تحل الشريعة مسألة السلطة وتداول الحكم؟ لماذا لم تقدم وسيلة مرضية لتداول السلطة عبر الأزمنة والجغرافيا والتاريخ صالحة لكل الشعوب والمجتمعات في كل أطوارها؟
يرد عموم الإسلاميين -أو من يشعر منهم ببعض التناقض مع قيم الحداثة السياسية على الأقل- أن الإسلام ترك مسألة السلطة لكل جماعة من الناس لتدبرها حسب ما هو صالح لزمانها وظروفها. فإذا كان الأمر كذلك فلماذا استثنت قضية السلطة -وهي تكاد تكون أهم قضية اجتماعية تحكم البشر- من إطلاقية الشريعة؟ هل أحكام السرقة والرق والحرابة (فالإسلاميون لا يزالون يصورون الشريعة كنظام عقوبات في الغالب) كانت أهم لصلاح البشرية من قضية السلطة مما اقتضى تنزيلها وإطلاقها في التاريخ؟
أعتقد أن سؤالًا كهذا هو ما مهد الطريق بعد هذا الكتاب لنظرية الدين والتدين.
سلوب عبد الجواد ياسين يمتاز ببصمته الاجتماعية التاريخية التي تعيد عامل 'الزمن" إلى النقاش الفكري (وهو العامل الغائب لدى الفكر الإسلامي المعاصر بكل أطيافه تقريبًا)؛ ولا ينفك هذا العامل عند ياسين من النقد الهادئ والمنصف فتخرج فصول الكتاب مناقشات مطولة هادئة لا تخلو من الشد والجذب ويتملكها الرغبة في رفع "سلطة التاريخ" الذي يرزح تحتها الفكر الآسلامي والسلفي بل والعلماني أيضًا"
الكتاب بجزئيه هو تناول المستشار لفكرة السلطة في الإسلام، أو الدولة أو الحكم في الإسلام، وهي مسألة مركزية -إن لم تكن المسألة المركزية الأولى- في الخطاب الإسلامي -بالأخص السياسي- الذي يرفع شعارات الحاكمية، وأخذًا في الاعتبار مرحلة المستشار السابقة (الأصولية)، فهذا الكتاب بجزأيه تناول قضية مركزية وأساسية لدى الإسلام السياسي بالنقد والتحليل وتطرق منها إلى إشكالية الوعي الإسلامي الحالي مع روح وفكر الحداثة (العلمية والسياسية والفكرية والاقتصادية). فإن كان الجزء الأول من الكتاب خلص إلى أنه لا توجد في الإسلام أحكام ملزمة فيما يتعين بشكل السلطة، فهذا الكتاب الثاني يناقش النظريات الإسلامية التي تمخض عنها الصراع السياسي الفقهي الفكري في عصور الإسلام الأولى والتي أسبغ عليها التدين صفة الأبدية والإطلاقية باعتبارها جزءًا من الدين (الأئمة من قريش حتى قيام الساعة، الإمام القائم المنتظر غائب وسيعود، إلخ.) وهي تلك النظريات ذاتها التي استند عليها الإسلام السياسي أو حتى السلفي في مشاريعه السياسية والاجتماعية (من الآخر عملية إسقاط تاريخي فاشلة كما رأينا جميعًا).
في هذا الكتاب يبث ياسين في عدة مواضع نظريته الاجتماعية التاريخية والتي تبلورت بشكلٍ أوضح وأكثر تماسكًا عن الجزء الأول -والتي يمكن من خلالها تتبع تطور فكر المستشار حتى الوصول إلى مرحلة "الدين والتدين"-، نظرية المستشار لا ترد نشأة الافكارو الجماعات والفرق إلى سبب واحد كما يفعل العقل الديني -بأطيافه- والعقل الوضعي -بمدارسه-، بل إن تداخلات السياسة والاقتصاد والدين والتاريخ تعمل وتتداخل مع الذوات الفردية للأشخاص التي تسبغ على الأفكار والنصوص والأحداث ذاتها وفكرها. فتجد في هوامش الكتاب وثناياه -مثلًا- نقدًا للعقل السلفي في تبسيطه لأسباب ودوافع الفتنة الكبرى واختزالها ونقدًا للماركسية التي ترد كل الظواهر البشرية إلى العامل الاقتصادي فقط.
من النقاط الجديرة بالذكر هي تفرقة المستشار بين إشكالية العصر وإشكالية الغرب، فعبد الجواد ياسين لا ينكر واقع التسلط الاستعماري الغربي بالطبع، لكنه لا يرفض مبادئ وقيم الحداثة لأنه يرفض النموذج الغربي (كما أنه في الجزء الأول انتقد العلمانيين لرفضهم مضمون الحكم\الخلافة لرفضهم للنموذج والشكل التاريخيين له، وإن كان هذا الموقف قد تطور في هذا الكتاب وما يليه).
هذا الكتاب -في نظري- واجب للقراءة لكل أبناء التيار الإسلامي المنادين بـ"عودة الخلافة" و"الحكم الإسلامي" و"تطبيق الشريعة" -إن افترضنا رغبتهم في مناقشة أفكارهم ابتداءً-. فالإسلاميون منذ نشوء أولى جماعات الإسلام السياسي -الإخوان المسلمين- وإلى الآن وهم يدورون في حلقة مفرغة، من العمل السلمي للفشل في الإدارة للحروب المسلحة والقمع الدموي، والسبب كما لم يعد يخفى على أحد هو أنهم لا يوجد لديهم أي تصور واضح للسلطة والدولة. فإما يؤسلمون ما لا يؤسلم أصلًأ وإما يرفضون كل مبادئ الحداثة الإنسانية والسياسية والارتداد إلى القرون الوسطى. وقس على ذلك ما ينادون به على الدوام "تطبيق وسيادة الشريعة"، ومبدأ الحاكمية لله، وهي تختزل الإسلام في قوانين وتشريعات ونماذج تاريخية ناجحة لا يربط بينها رابط سوى كون أصحابها مسلمين، ويقدم ذلك على أنه "الحل الإسلامي".
وفي هذا السياق وختامًا.. من أسس العقل الإسلامي السلفي هي أن التشريعات والقوانين أُنزلت مطلقة في الزمان والمكان وأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان. إلا أن تاريخ الصراع حول السلطة وحول آلية تداولها وآلية الحكم في صدر الإسلام تعد من أكثر فصول التاريخ دموية، مما يطرح سؤالًا جوهريًا: ما دامت الشريعة جاءت صالحة لكل زمان ومكان ولصلاح الدنيا إلى آخر الزمان بأحكامها التي جاءت في القرن السابع الميلادي، لماذا لم تحل الشريعة مسألة السلطة وتداول الحكم؟ لماذا لم تقدم وسيلة مرضية لتداول السلطة عبر الأزمنة والجغرافيا والتاريخ صالحة لكل الشعوب والمجتمعات في كل أطوارها؟
يرد عموم الإسلاميين -أو من يشعر منهم ببعض التناقض مع قيم الحداثة السياسية على الأقل- أن الإسلام ترك مسألة السلطة لكل جماعة من الناس لتدبرها حسب ما هو صالح لزمانها وظروفها. فإذا كان الأمر كذلك فلماذا استثنت قضية السلطة -وهي تكاد تكون أهم قضية اجتماعية تحكم البشر- من إطلاقية الشريعة؟ هل أحكام السرقة والرق والحرابة (فالإسلاميون لا يزالون يصورون الشريعة كنظام عقوبات في الغالب) كانت أهم لصلاح البشرية من قضية السلطة مما اقتضى تنزيلها وإطلاقها في التاريخ؟
أعتقد أن سؤالًا كهذا هو ما مهد الطريق بعد هذا الكتاب لنظرية الدين والتدين.
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
السلطة في الإسلام - نقد النظرية السياسية.
Sign In »
Reading Progress
May 24, 2019
– Shelved
May 24, 2019
– Shelved as:
to-read
May 24, 2019
– Shelved as:
politics
March 23, 2020
– Shelved as:
إسلاميات
March 23, 2020
– Shelved as:
الدين-والفق
September 14, 2020
–
Started Reading
September 20, 2020
–
27.25%
"أسلوب عبد الجواد ياسين يمتاز ببصمته الاجتماعية التاريخية التي تعيد عامل 'الزمن" إلى النقاش الفكري (وهو العامل الغائب لدى الفكر الإسلامي المعاصر بكل أطيافه تقريبًا)؛ ولا ينفك هذا العامل عند ياسين من النقد الهادئ والمنصف فتخرج فصول الكتاب مناقشات مطولة هادئة لا تخلو من الشد والجذب ويتملكها الرغبة في رفع "سلطة التاريخ" الذي يرزح تحتها الفكر الآسلامي والسلفي بل والعلماني أيضًا"
page
115
October 5, 2020
–
79.86%
""إن في طبيعة العقل نزوعًا لحل التناقض، ولكن في طبيعة الإيديولوجيا قدرة على التعايش معه""
page
337
October 6, 2020
–
Finished Reading
Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)
date
newest »

message 1:
by
Ziyad
(new)
-
rated it 5 stars
Oct 07, 2020 10:19AM

reply
|
flag