ŷ������

"الرمال تنطق بما جرى يا ولدي، في كُل زمان ستجد رمال العرب شاهدة على ما جرى للعرب، تحفظ السر، وتكتم الخبر، ووحده من يعرف يستنطقها سيسمع هولاً من أخبارها."

تتناول رواية "نداء الملك" –وه�� الجزء الأول من ثلاثية- حكايتين تجد فيهم من الفانتازيا والسحر ما يُرضي نهمك للمتعة، أن تقرأ وأن مُستمتع وتنتظر الحدث تلو الحدث من أجل أن تكتمل الصورة.. ورغم أن هذا الجزء هو تمهيد للأجزاء التالية.. لكن ذلك لم يجعله مُجرد بدايات أو أحداث تمهيدية فقط لننتظر الجزء الثاني.. ولكن كان به من الأحداث والشخصيات والعلاقات المُتشابكة، والإسقاطات السياسية والاجتماعية والتاريخية.. ما يجعلك تدخل هذا العالم المُتخيل، العالم الذي سماه الكاتب "أرض العرب" ورسم العالم بإتقان وحرص.

"أي جحيم أن يحيا على أمل واحد، لا يملك تحقيقه، ولا يقدر على تجاوزه!. حياة كاملة ابتلعها حلم في جوفه، فلا هو مر بسلام ككل الأحلام الوهمية، ولا أقنعه غيره، مهما كان، أن يرضى وينسى.. أي جحيم!"

تبدأ الرواية بالتمهيد:

سيرة ما قبل البداية

الخلاف الشهير بين "عبد الملك بن مروان" و"عبد الله بن الزبير".. فقام الخليفة بتجهيز جيش بقيادة "الحجاج بن يوسف الثقفي".. ولما كان جيش "الثقفي" قوياً بما فيه الكفاية.. تقهقر جيش "الزبير" واحتمى بالكعبة.. وذلك لم يجعل "الثقفي" يتوقف بل تابع وضرب الكعبة بالمجانق فاحترق وتهدم أجزاء منها.. وتلك أحداث حقيقية.. ولكن ما الفائدة منها؟
من وجهة نظري كان هُناك فائدتين.. الأولي هو التعرف على أسلوب الكاتب وكيف سيُعالج أحداثاً قد تكون مرت عليك وتعرفها من قبل ولكن السرد بكل تأكيد كان مُختلف.. أما الفائدة الثانية فكانت الشخصية التي بدأت معها كُل شيء وهو "الصارم بن النعمان" وهو أول شخصية خيالية تُذكر في الأحداث.

"للحُب سحر يعصف بالإنسان، يمنح القوة والعزيمة، ويبعث في البدن المُتهالك القدرة على فعل المستحيل."

ثم ننتقل إلى الحكاية الأولى في (أنطاكيا).. لنبدأ في رؤية تلك الصور الزاهية التي رسمها الكاتب بكلماته.
في هذه الحكاية، يبني الكاتب عالمه المُتخيل بحذر، يكشف خطوة بخطوة عن أوراقه الرابحة، يكتب عن علاقة حُب مُستحيلة، تُحاول أن تتخطى العادات والتقاليد المُقيدة للقلوب، والربط بينها وبين نظام الحكم، وما يُمكن للبشر أن يفعلوا بأيديهم في مُقابل المظهر العام، ولكن سيأتي يوماً وتغرق الأيادي بدماء من قتلوهم.. أليس كذلك؟ في الفانتازيا يُمكننا أن نحلم بذلك، في الواقع لا.

"إن الرجل متى عشق كفت حواسه عن العمل إلا في سبيل معشوقه أو في صُحبته. لا العين ترى سواه، ولا الأذن تسمع ما يدفعه لإعمال عقله. وحده القلب يتحرك خافقاً وراءه كالدروايش، مُغيباً ومسحوراً، حتى ينال مبتغاه أو يهلك دونه، فرحم الله في كل زمان عاشقاً أعماه الهوى!"

لنصل إلى الحكاية الثانية (صليل):

هذه حكاية رومانسية أخرى، ورغم أنها تكاد تكون مُستحيلة أيضاً كما في الحكاية الأولى، ولكنها مُختلفة تماماً، صدقني.. هذا اكتشاف ما بعد القراءة الثانية، هنا الاستحالة في التغلب على النفوذ بجانب العادات، كأن الكاتب يُحاول أن يُرسخ قاعدة أن القلب ليس عليه سُلطان، فلماذا نصر نحن البشر على التفرقة بيننا؟ لماذا نصر على أن نجعل من أنفسنا فئات؟ وننسى أننا كُلنا يجمعنا كلمة إنسان؟
في هذه الحكاية، ظهرت سمة مُهمة للكاتب وهي الجرأة في إتخاذ القرارت، قرار جريء صدمني ختم به الحكاية وما آلت إليه آخر تطوراتها.

"هكذا الحُب إذا اقتحم حياة أحد، يقلب حياته، ويُعيد تشكيل مُفردات الدنيا لأجله. يبتسم وجه الحياة، تُمحى الآلام، وتتضاءل الهموم، وتنهمر النغمات على أسماعه في كُل لحظة. يكتشف فجأة أنه جائع جداً، للطعام والضحك والسهر والدندنة.. جائع للحياة بأسرها. فقط الحب، والحب وحده، ما لديه القُدرة على جعل العالم يُولد في عين صاحبه من جديد."

ختاماً..

هذه رواية مكتوبة ببراعة مرسومة بدقة، تبني شخصياتها وتُمهد لأحداث أكبر.. مليئة بالإسقاطات رغم أنها رواية فانتازيا وخيال، لم يبخل الكاتب بشيء من جهده، فبنى الشخصيات وعلاقتهم، وحتى عامل الفانتازيا كان هام ومؤثر.. والأهم من وجهة نظري.. مُمتع.. فهذه رواية مُمتعة جداً، حتى عند قراءتي الثانية لها وجدت نفسي مُستمتعاً بالأحداث، ومآخوذاً بالمشاهدة البصرية المكتوبة بدقة وبجمال وبأسلوب كاتب جيد.. هذه رواية ناضجة بما فيه الكفاية لتُعجبك. وبالطبع هي واحدة من الروايات التي ستتذكرها كُلما أردت أن تذكر مرجعاً لأدب الفانتازيا العربي المُعاصر.

بكل تأكيد يُنصح بها.