ŷ

Helmi Chikaoui's Reviews > مختارات فرناندو بيسوا

مختارات فرناندو بيسوا by Fernando Pessoa
Rate this book
Clear rating

by
44283509
's review

it was amazing

لماذا علينا أن نقرأ بيسوا الأن ؟
- في إستطيقيا التنازل ، حتى نتعايش مع عزلتنا هذه ...

" حين يجلس المرء في حجرته "محاطاً بالموت"، يستطيع أن يكتشف طبيعته الحقيقية. "
- هايدغير

" في الصواب وفي الخطأ وفي الشدة اعرف كينونتك الخاصة.. "
- فرناندو بيسوا

ينصح ميشال فوسيل بأنه يجب على المرء، في هذه الفترة، أن يكون قادرا على قراءة أعمال منفصلة عن الأخبار اليومية. فالأمر لا يتعلق بعزاء على وجه التحديد، وإنما بترويح عن النفس. أما في حالة عدم مقدرتنا على تجاهل الوضع، فالرواقية تظل قراءة مناسبة، لأن الأمر يتعلق بفلسفة معدة لأوقات الأزمات، وقد تمت صياغتها عقب انهيار المدينة اليونانية. وهي بمثابة مذهب فرد يجد نفسه في مواجهة عالم ينهار؛ فالرواقيون يدعون إلى طريق الحكمة الفردية وتنسيب مسألة الموت. من بين أهم مواضيع الفلسفة الرواقية، نجد المنفى. اليوم، نحن لسنا في منفى، بل في عزلة � القاسم المشترك هو أننا لسنا هناك حيث نحب أن نكون. الأخلاق الرواقية (أو العزاء الرواقي) تتمثل في التذكير بقلة حيلتنا اتجاه الواقعة التي تنزل بنا، لكن، وفي نفس الوقت، بقدرتنا على التأثير في تمثلاتنا حول هذه الواقعة. في الأوقات العادية، قد يُتَّهم مذهب كهذا بجعلنا نتأقلم مع ما لا يمكن قبوله. لكن في الأيام الصعبة للوجود، وفي ظل غياب أشياء ملموسة يمكن القيام بها، فإن هذا المذهب يحتفظ بفائدته.

في حوارها مع موقع "دويتشي فيله"، تقول الفيلسوفة الألمانية، سفينيا فلسبولار، إن "الشلل الكامل الذي جلبه الكورونا يعطينا فرصة لنفكر". تستشهد بالرياضي والفليسوف الفرنسي، بليز باسكال: "معظم البؤس البشري ينبع من عدم قدرة الإنسان على الجلوس في غرفة لوحده هادئاً"، وبعدها تستشهد بهيدغر، ففي لحظة مثل تلك، حين يجلس المرء في حجرته "محاطاً بالموت"، يستطيع أن يكتشف طبيعته الحقيقية.

في هذا الإطار يقوم بيسوا بتسليمه الخاص لواحد من الأسئلة الرئيسية في التقليد الفلسفي الأوروبي ، هذا السؤال المتمثل في الابتعاد عن "الوجود" ، وهو سؤال يبدأ بأمثال سبينوزا وشوبنهاور ، ويستمر بشكل صحيح من خلال Heidegger و Sartre ، وهو مصدر قلق كبير لما بعد البنيويين الفرنسيين مثل Barthes و Derrida و Lacan. بالنسبة لبيسوا ، هناك قطيعة خاصة به إزاء هذا الشعور الكلي للوجود ، وهذه الرغبة في أن يكون المرء مثل Caeiro ( أحد انداده ) ويدخل في نوع من العلاقات ماقبل لغوية مع العالم . حيث يمارس تجربه الوحي وإعادة الخلق من جديد

فى السوناتات مثلا يعبر فرناندو بيسوا عن فكرته عن الفكر ذاته، وفكرته الظاهرية عن الداخل، إذ يتحدث عن وسائله وتقنياته في الشعور، وعن الشعور، وعن كيف يشعر، كما يتحدث عن الأسئلة الكبرى ومحركات الوجود والعدم، وعن الشك واليقين، وعن الأصالة والحداثة، والمتن والهامش، وعن الخداع، والله، والشيطان، والذات، والخير والشر، وتفاهة الحياة والموت، وعن الكره والحب، والمنفى والوطن، والخوف والشجاعة، وعن واقعية الفكرة والحقيقة أكثر من الواقع والحقيقة ذاتهما.
أما في مجموعته القصصية " الباب " فهي عبارة عن سلسة من الانزياحات التي تخلق هالة حول هوية المعنى ، وتدور حول إشكال جوهرانية الهوية وثنائياتها مع حواجز الترميز المفردة. قدم من خلالها بيسوا نماذج لسيكولوجية المنتمي واللامنتمي"بين الأقطاب والمتعارضات" بما تحمله في طياتها من فوضى وانحراف وعراقيل كالهوية الذاتية التي أذابها الاتصال من أزمة المفهوم إلى أزمة الواقع وفق منهجية نافذة إلى العمق تسائل وتفكك و تشكك كل ما يعتري الفكر والنفس والأشياء من تشويش والتباس.

لم تكن حياة بيسوّا سهلة، فقد تخللها الكثير من الصعوبات والأحداث المفجعة. فبعد ولادته بخمس سنوات توفي والده متأثراً بمرض التدرّن الرئوي، وبعدها بسنة واحدة مات أخوه الأصغر خورخي وهو لم يجتز عامه الأول. ثم جاء الزواج الثاني لوالدته من ضابط عسكري عُين قنصلاً للبرتغال في دوربان، الأمر الذي اضطره للالتحاق بوالدته في جنوب أفريقيا ومواصلة تعليمه حيث تألق في دراسته الجامعية ونال جائزة الملكة فيكتوريا التذكارية عن أفضل ورقة بحث تُقدّم باللغة الإنجليزية. وعلى الرغم من تفوقه الدراسي وإحرازه نتائج متقدمة، فإنه لم يوفق في مواصلة دراسته في الحقل الدبلوماسي بعد أن عاد إلى لشبونة عام 1905، كما أن اشتراكه بمظاهرة طلابية ضد رئيس الوزراء البرتغالي جواو فرانكو وضعت حداً لهذا الحلم الدراسي وأجهضته تماما .
ثم أتى فشله في الحب مع " اوفيليا " حبيبته التي لا يعرف كتاب سيرته غيرها ...

مع بيسوا غالبًا ما ندخل في مساحات مشوشة وكئيبة ، بينما يحارب هو أسئلة الحياة الأبدية ، ناشدا إرضاء الذات من الإكمال ، أو كما يعتبرها هو " إستطيقيا التنازل " ، التي تتمثل من خلال حياته الخاوية من كل شيء ظاهريا ( وحياته المتعددة في الداخل التي يعيش فيها زمنا أخر هو زمن الألهة ) .

ما ينصحنا به بيسوا في النهاية أن نكون ذواتنا ونوغل في سريتها ، أن نتحلى بإستطيقيا التخلي عن الأشياء .
هذه الاستيطيقا التنازلية التي نظر لها منذ 1985 ، مست كل جوانب حياة بيسوا بدءا من الوضع المادي - كان مخططه المالي المعلن هو ضمان الحصول على 70 دولارا في الشهر ، كحد اقصی ، بدون زيادة دولار واحد - إلى نظام العلاقات الإنسانية ، من الحب إلى الصداقة على اساس ان فعل الوجود الإلهي يجب الا يتماثل مع فعل التعايش الشيطاني ، فمارس عزلته ، واحتفاظ بالمسافة الدائمة بينه وبين الآخرين رغم أسر الحياة اليومية الظاهر .



مختارات شعرية


ثمة غيمة تمر تحت الشمس
ثمة حزن مرصود للناظرين .
الروح شبيهة بعباد الشمس
تری فقط مايقع عند قدميها
ايه ساعة وبيلة تلفك كالراية المرفرفة ؟
تمر الخيمة . والشمس تعود
فينقلب الفرح.
**

آخر ، أن أكون دائما آخر.
أن أسافر . أن أفقد بلدانا .
أن أعيش نظرا متواصلا
والروح بلا جذور.
أن أسير جنبا إلى جنب مع ذاتي متخلصا من كل انتماء .
مع قلق الظفر بالغياب
الذي هو مواصلة مستمرة .
أن أسافر هكذا . ياله من سفر !
في أفكاري وحدها مسافر تفكيري .

**

عيد الميلاد

يولد إله . يموت آخرون .
الحقيقة لا تأتي ولاتمضي .
الخطأ يتبدل .
الآن لدينا خلود آخر .
لكن الذي مضى كان الأفضل دوما .
العلم أعمى يحرث تربة عقيمة .
والإيمان ، بجنون يحيا الحلم في عبادته .
كل اله جديد هو لفظة فحسب .
لاتبحث , لا تؤمن ، محجوبة هي الأشياء كلها .

**

منبوذ أنا

في ذاتی حبسونی
بعد ولادتي
غير أنني لذت بالفرار .
من نفس المكان يضجر الناس
وأنا من وجودي في ذاتی
اليس خليقا بي أن أضجر ؟
روحي تبحث عني ،
في السهول والجبال ،
ليتها لاتعثر أبدا علي .
**

سونيتاتان

لقبر كريستيان روسنكرويتز
أثناء استيقاظنا من حلم الحياة
سنعرف من نحن ، ونعرف
حقيقة السقوط في الجسد ،
والسقوط في الليل الذي حبس روحنا .
هل سنعرف الحقيقة كلها
بعدئذ ، حقيقة الكينونة كلها،
السكون السيال ؟
كلا : لا الروح ، وقد صارت حرة ومعروفة ،
ولا الإله ، خالقنا ، يحتويانها في ذاتيهما.
الله مخلوق من إله آخر أكبر منه :
هو أيضا عرف السقوط ، آدم أعلى كان
وعلى الرغم من أنه خالق فقد كان بدوره مخلوقا ؛
من أجله ماتت الحقيقة ..
لقد حرمها، ما هو أبعد من روحه ، حرمها الجحيم :
في هذا العالم تتجسد ، هنا يوجد جسدها.
هنا ، تائهون لا واقعيون
نحلم بالحقيقة وبما نحن اياه نحلم
لو رأيناها نياما ، فمجرد حلم تكون
لا الحقيقة ، بل صورتها وحسب مانراه
ظلال تبحث عن جسد نحن
لو عثرنا عليه كيف سنحس كينونته
وكيف نتلمسه ؟
ظلال ، أيادي ظلال ؟ تلمس ماذا ؟
الفراغ نلمس ، الغياب .
**
ثمت الكثير من التفكير الميتافيزيقي

ثمت الكثير من التفكير الميتافيزيقي
في انعدام التفكير في اي شي
ماهي الفكرة التي لدي عن العالم ؟
ماذا أعرف أنا عما لدي من أفكار عن العالم ؟
سأفكر في هذا كله
عندما أسقط مريضا.
أية فكرة عن الأشياء لدى ؟
أي تصور عن النتائج والأسباب ؟
ماذا عن تاملاتی حولي الله والروح
وخلق العالم ؟
لست أدري.
التفكير في أمور كهذه معناه
عندي أن أغمض عيني والأ افكر في أي شئ
وأن أسدل الستائر على نافذتي
( التي لا ستائر لها)
سر الأشياء ؟ للاشياء سر؟
من اين لي أن أعرف ماهو السر ؟
السر الوحيد هو أن أحدا ما يفكر
في وجود سر.
أما من يقبع تحت الشمس مغمض عينيه ،
فإنه يكف عن إدراك ماهية الشمس
مفكرا في امور مفعمة حرارة ،
وإذ يفتح عينيه ويحدق في الشمس
لا يستطيع ، حينئذ ، أن يفكر في اي شئ
لأن نور الشمس أغلى من افكار
جميع الفلاسفة والشعراء .
نور الشمس لا يعي ما يفعل
لذلك فهو لا يخطئ وهو عميم وكله خير .
هل للميتافيزيقا وجود؟
اية ميتافيزيقا عند تلك الأشجار
في أن تكون خضراء ووارفة.
تنبت اغصانا وتهب الثمار في حينها .
أو ثمت ميتافيزيقا افضل مما لديها ؟
ألا تعرف لماذا تحيا وألا تعرف ما لا تعرف ؟
" البنية الحميمة للأشياء ... "
" المعنى الحميم للكون ... *
باطل هذا كله وليس له معني.
غير معقول أن يتم التفكير على هذا النحو .
لأنه شبيه بالتفكير في العلل والغايات
بينما الشمس مشرقة مع بداية الصباح
وعلى جوانب الأشجار تتوغل الظلال
في اللون الذهبي المتكاسل الصقيل .
التفكير في المعنى الحميم للأشياء
معناه الزيادة في المعنى الحميم للأشياء
كأن نحمل إلى النبع كوبا من ماء
المعنى الحميم الوحيد للأشياء
هو عدم امتلاكها لأي معني حميم على الإطلاق .
لا أومن بالله لأنني لم أره قط ،
إن كان يرغب في أن أؤمن به ، فسيأتي ، ولاشك ، للتحدث معي
وأن يجتاز الباب للدخول
إلى المنزل سيقول : ها أنذا.
( أحيانا يكون لهذا كله وقع مضحك في آذان أولئك الذين ، بسبب جهلهم بماهية النظر لا يفهمون من يتحدث عن الأشياء
بالطريقة التي تجعلنا نتعلم عندما نمعن فيها النظر ..)
لكن إذا كان الله هو الأزهار والشجر
الجبال، الشمس والقمر
فأنا إذن مؤمن به
مؤمن به في كل لحظة
وكل حياتي قداس وصلاة له
كلها اتصال معه بالسمع والبصر .
لكن إذا كان الله هو الشجر والزهر
الجبال والشمس والقمر
فلماذا ادعوه الله ؟
لم لا أسميه زهورا ، اشجارا ، جبالا
وقمرا و شمسا.
إذا كان موجودا کی اراه شمس وقمرا ،
ازهارا ، جيالا ، اشجار ،
وإذا كان قد تعين لي كذلك
فلأنه أرادني أن أتعرقه باعتباره جبلا ،
شجرة ، قمراء شمسا و زهرا .
ولذلك ، فأنا خاضع له .
ماذا أعرف أنا عن الله ؟
« أكثر مما يعرف الله عن نفسه ؟ »
خاضع له ، بعفوية ، أعيش حياتي
كمن يفتح عينيه لينظر بهما.
وأسميه القمر ، الشمس ، الأزهار والأشجار والجبال .
وأحبه بدون أن افكر فيه .
وافكر فيه بصري وسمعی ،
ومعه أمضي في كل الأوقات .



**
أمس مساء
كان أحد ساكن المدن
يتحدث بباب الفندق
معي تحدث أيضا
عن العدالة تحدث ، عن الكفاح من أجل العدالة عن العمال الذين يكابدون
عن العمل المتواصل الشاق ، عمن يتضورون جوعا
تحدث عن الأغنياء الذين يديرون ظهورهم لهذا كله .
حينما استدار نحوی ناظرا إلى الدموع في عيني
تبسم ، ظائا انني أشعر بنفس مايشعر به من حقد
وبالشفقة نفسها التي يحسب أنه يشعر بها .
بالكاد كنت أصغى إليه !
ماذا يعنيني أنا من أمر الناس
وما يعانونه او مايخالون انهم معانونه ؟
لو كانوا مثلى لما عانوا من شي.
كل كوارث الدنيا تأتي
من تعذيب بعضنا البعض
بنية فعل الخير او بنية فعل الشر.
أنا حسبي نفسي
حسبي الأرض والسماء
أن أرغب فيما هو أكثر
معناه أن أفقد كل هذا المتاح لي
معناه التعاسة الأكيدة .
في الحقيقة ، كنت مستغرقا في التفكير ، بينما
ساكن المدينة يتحدث ، ( وهو ما دافعي إلى التأثر حتى البكاء ) ..
في أن صوت أجراس القطعان النائي
لايشبه ، في هذه العشية بالذات ،
أجرأس تلك الكنيسة التي تصيح السمع
لقداسها الزهور والقطعان
والأوراح الساذجة الشبيهة بروحي.
لأحمد الله على أنني لست بالرجل الصالح
لأن أناي طبيعية،
هي أنا الزهور والأنهار التي تواصل سيرها
منشغلة ، بدون أن تدری
بالأزهار والجريان فحسب،
تلك هي وظيفة الوجود الوحيدة ،
الوجود المحض
ممارسة الوجود بدون تفكير في الوجود .

**
من يوم لآخر ، سوف نهجر أنفسنا
لاشی مؤكدا يربطنا بذواتنا
نحن هم ، من نحن الآن ؟
ماكناه هو مايري من الداخل .

**
تحت وصاية خفيفة
لألهة لامبالين
أريد استهلاك الساعات الممنوحة
ساعاتی حتی وهی ساعات مقترضة .
ذا لم أكن قادرا على شئ
ضد ما منحوه لي من كينونة
فليهبني القدر انفته على الأقل :
السلم مقابل هذا المصير .
لا أريد الحقيقة
الحياة فقط أريد .
الآلهة يهبون الحياة
لايهبون الحقائق
ولايعرفون ماهي الحقيقة .

**
أنتم ، أيها المؤمنون بكل مسيح ومريم
يامن تعكرون مياه ينبوعي الصافية
من أجل أن تقولوا لي فقط
بأن هناك مياها أخرى .
مستحما في المروج في أحسن الأوقات
لماذا تحدثونني عن مناطق أخرى،
إذا كانت مياه ومروج الهنا تروقني ؟
الآلهة منحتنا هذا الواقع .
ولكي يكون واقعا أجود منحناه خارجيا .
ماذا يمكن لأحلامي أن تكون
سوی صنيعة للالهة .
دعوا واقعية هذه الهنيهة
دعوا ألهتي الهادئين المباشرين
الذين يؤثرون الإقامة في الوديان والمروج
على الأماكن الغامضة .
دعوا لي هذا المرور الوثني بالحياة
مصحوبا بالقرطمانات الرقيقة
التي من خلالها تقدم أسلات الضفاف
اعترافها للإله پان.
فلتحيوا داخل أحلامكم
ولتدعو الى المذبح الخالد حيث عبادتي
حيث الحضور المنظور
لألهتي الأقرباء .
ياذوى التطلعات اللامجدية إلى ماهو أفضل من الحياة ،
دعوا الحياة للمؤمنين الأكثر قدما
من المسيح وصليبة
ومن مريم وبكائها.
سيرسة، سيدة الحقول تسليني
وأبولو وفينوس، وحتی اورانوس الشيخ هنا معي .
**
**
في منتصف نهار من نهاية الربيع
رأيت في حلم شبیه بصور فوتوغرافية،
يسوعا ينزل إلى الأرض.
من منحدر جبل أتی،
طفلا عاد من جديد،
ركض ويتمرغ فوق العشب
ينتزع الأزهار كي يرميها من بعد
ضاحكا لكي يسمع من بعيد
لقد هرب من السماء
كان شديد الشبه بنا إلى حد لا يمكن معه
أن يتظاهر بأنه الشخص الثاني في الثالوث القدس .
مافي السماء زائف كله، متعارض
مع الأزهار والشجر والحجر.
في الماء يجب أن تكون جديا على الدوام
وأن تستعيد صورة الإنسان من جديد من حين إلى آخر
وأن تصعد إلى الصليب وأن تعود لتموت دائما،
بتاج مطوق بالأشواك
وبالقدمين مسمرتين بالمسمار
وحتى بخرقة تطوق الخضر
على شاكلة الزنوج في الرسوم.
لم يسمحوا له حتى بأن يكون له أب وأم
کسائر الأطفال.
أبوه كان شخصين اثنين :
شيخا يدعى يوسف، وكان نجارا
ولم يكن أباه،
والأب الآخر كان حمامة بلهاء،
الحمامة الوحيدة الدميمة في العالم.
لأنها لم تكن من العالم ولم تكن حمامة.
أما أمه فلم تعرف الحب قبل أن ترزق به.
لم تكن امرأة : كانت حقيبة
فيها جاء هو من السماء.
وقد أرادوه، هو المولود من امرأة وحسب
وبدون أب يحب باحترام
أن يبشر بالخير والعدل
ذات يوم كان الله فيه نائما
والروح القدس يسير طائرا
مضى هو إلى صندوق المعجزات فاختلس ثلاثا :
بالأولى أبطل أن يعلم أحد بهروبه.
بالثانية خلق نفسه إنسانا وطفلا إلى الأبد
بالثالثة خلق يسوعا مثبتا أبديا على الصليب.
ثم أبقاه مسمرا على الصليب الموجود في السماء
ليكون مثلا صالحا...
بعدئذ هرب نحو الشمس
ثم هبط مع أول شعاع أدركه.
هو اليوم معي في قريتي يعيش.
طفل طبيعي وجميل عندما يضحك
ينظف أنفه بالذراع الأيمن.
يخوض في البرك،
تعجبة الأزهار فيقطفها ثم ينساها.
يرمي الحمير بالحجارة
يسرق الفواكه من الأشجار
ويهرب باكيا صارخا من الكلاب
ويركض خلف الصبايا
السائرات مجتمعات عبر الطرقات
بأباريق على الرؤوس
فيرفع لهن التنانير .
لقد علمني كل شيء
علمني النظر إلى الأشياء
دلني على كل ما في الأزهار من أشياء
أظهر لي كم هو الحجر مغتبط
عندما نضعه في الكف
وتنظر على مهل إليه.

هو معي في منزلي يعيش. على الرابية
هو الطفل الخالد، الإلاه الذي كان ينقصنا
هو الإنساني الطبيعي.
هو الإلاهي الذي يبتسم ويلعب ،
لذلك أعلم علم اليقين أنه هو الطفل يسوع الحقيقي .
هذا الطفل الإنساني الإلاهي هو حياة الشاعر اليومية حياتي هذه .
ولأنه دائم المصاحبة لي لذلك أنا شاعر على الدوام،
لذلك أقل نظرة عندي تكفي
لإشباع الإحساس،
أقل الأصوات، أيا كان.
يبدو وكأنه معي يتكلم
الطفل الجديد الذي يقيم معي
يمد يدة إلي.
ويمد الأخرى إلى كل الموجودات ،
وهكذا نمضي نحن الثلاثة عبر الطرقات
واثبين مغنين ضاحكين
ومستمتعين بسرنا المشترك،
الذي هو معرفة ألا وجود
لأي سير في أي مكان من هذا العالم
وأن كل مافي الوجود يستحق العناء.
الطفل الخالد دائما يلازمني
وجهة بصري هي ما يومئ إليه أصبعه،
مسمعي المتنبه بغبطة إلى كل الأصوات ،
ما هو إلا الدغدغات التي هو يصدرها
ملاعبا أذني.
متعایشان في وئام
بصحبة الأشياء كلها
بدون أن يفكر أي منا في الآخر،
لكننا متحدين نحيا نحن الإثنان
بتواؤم باطني
كاليد اليمنى واليد اليسرى
عندما يحل الليل نلعب لعبة الحجر
في درج باب المنزل.
وقورين كما يليق بإلاه وشاعر .
كما لو أن كل حجر كون كامن.
لذلك من المجازفة بمكان
تركه يسقط على الأرض.
بعدئذ أحكي له حكايا عن أشياء البشر
فيبتسم لأن كل شيء غير معقول.
ثم يضحك، من الملوك وممن ليسوا ملوكا .
ويحزنه سماع الكلام عن الحروب ،
عن التجارات والسفن
التي تطلق دخانا في أجواء أعالي البحار.
لأنه يعلم أن ذلك كله يخلو من تلك الحقيقة
التي تملكها الوردة عندما تزهر
تلك الحقيقة التي مع ضوء الشمس
تبدل الجبال والوديان
وتجعل الأسوار المكلسة مؤلمة للأعين.
ثم أهدهده حتى ينام
أحمله بين ذراعي إلى داخل البيت
أضعه في السرير، مجردا إياه ببطء من ثيابه
كمن يكمل طقسا في منتهى الطهر.
وبكل أمومية، حتى العري الكامل.
داخل روحي ينام
لكنه أحيانا يستيقظ في الليل
فيلعب مع أحلامي
يقلب رجليه إلى أغلى.
يضع إحداهما على الأخرى.
ويهلل للشمس
مبتسما لحلمي.
عندما أموت. ياولدي.
أنا الطفل. الطفل الأصغر.
ضعني بين ذراعيك
واحملني إلى داخل بيتك.
جردني من كينونتي المتعبة والإنسانية
ثم نومني في فراشك
وإذا أفقت إحك لي حکایات
لكي أعاود النوم
أعطني أحلامك كيما أواصل اللعب
حتى يولد أيما نهار
أنت به عليم.
هي ذي قصة طفلي يسوع
لم لا ينبغي أن تكون
أكثر حقيقية من كل مايفكره الفلاسفة
ومن كل ما تعلمناه الديانات؟؟
**
ر
1 like · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read مختارات فرناندو بيسوا.
Sign In »

Reading Progress

December 27, 2019 – Started Reading
January 2, 2020 – Finished Reading
April 13, 2020 – Shelved

No comments have been added yet.