ŷ������

ينمّ هذا الكتاب عن القدرة الفائقة لدى البريطاني تشارلز داروين على دقة الملاحظة واعتماده على سبل البحث العلمي في تقديم هذه الدراسة الضخمة التي قدمها للبشرية من خلال هذا العنوان. وكانت ترجمة هذا الكتاب بمستوى اللغة الرائع قد خلق حيلولةً بيني وبين الملل الذي يعتري أغلب القراء إزاء بعض الكتب التي تكون مادتها علمية بحتة، رغم أنه صرح في مقدمته -أي داروين- بأن دراسة التعبير أمر شائك وبالغ الصعوبة، ذلك لأن الحركات غالبًا ما تكون طفيفة جدًا وذات طبيعة عابرة، ومن الخطأ أن نعتمد على مخيّلتنا في دراسة هذا الجانب العميق.

أثناء قراءة هذا الكتاب ستشعر أنك ممسوس، لأنك وبشكلٍ لا إرادي سوف تجرب كل التعابير والإيماءات -أو لنقل أغلبها- التي تطرق لها المؤلف في كتابه، سترفع حاجبيك وتزم شفتيك، وتهزّ كتفيك وترخي عضلات وجهك كيفما اتفق(:

ألحق داروين كتابه بفصلٍ أخير يبين فيه المنهج الذي اتخذه في تأليف الكتاب والذي يعتمد على ثلاثة مبادئ وهي: المبدأ الأول العادات المقرونة بالفائدة والمبدأ الثاني: نقيض العادة أو الحركات المضادة ويعني بذلك تأثير الحوافز المعاكسة والمبدأ الثالث: الفعاليات الناتجة عن الجهاز العصبي "اللاإرادية". ففي جميع الفصول يحتكم المؤلف إلى هذه المبادئ، ويحاول إثبات المقاربات بين إيماءات البشر وتشابهها مع الإنسان الأدنى، أو القرود. من خلال ملاحظاته الشخصية التي اكتسبها في أسفاره، أو حتى مراقبة أطفاله ومن خلال حياته اليومية ودراسته للسلوكيات، هذا بالإضافة إلى ملاحظات أقرانه في مختلف البلدان. ولعل أكثر من تكرر اسمه في الكتاب هو الفيلسوف البريطاني هربرت سبنسر الذي رسخ مفاهيم نظرية الارتقاء.

في المجمل: استفدت من الكتاب أكثر مما كنت أتوقع، لا سيما أني كنت ولا أزال مأخوذًا بلغة الجسد وكنت أقتنع بأن التعبيرات البشرية الحركيّة الصامتة، المبنية على الانفعالات، هي بمثابة لغة مستقلة غير منطوقة، وهذا الكتاب أكد قناعتي.

@y22s3