ŷ

Yehia aboLnaga's Reviews > ما وجدنا عليه آباءنا

ما وجدنا عليه آباءنا by يحيى موسى
Rate this book
Clear rating

by
14953718
's review

it was amazing

ما وجدنا عليه آباءنا (Highly recommended)

فى الدراما الإغريقية القديمة كان الهدف الأسمى لكتاب التراجيديا العظام مثل اسيخيليوس و سوفوكليس ويوربيديس وغيرهم هو عملية التطهير .. بإثارة عنصري الخوف و الشفقة لدى المتلقى .. الخوف من أن يحدث له مثل ما حدث للبطل التراجيدى ذو المواصفات المثالية و الشفقة على ما حدث له نتيجة وجود سقطة واحدة توجد عمدا لإحداث الحراك الدرامى
كما رأيت فانه حتى البطل التراجيدى الذى كان من الأبطال العظام و أنصاف الآلهة له ولو خطأ واحد .. فما هى أخطائنا نحن ؟ وهل نحن السبب أم نحن الضحايا ؟ وهل نظل ضحايا بعد الاكتشاف أم نصبح جناه فى حق أنفسنا بارتداء ثوب الإنكار و الإسقاط والنكوص ؟
" ربما انك تبحث ببين الأغصان عما لا يتجلى سوى فى الجذور "
بهذه العبارة البديعة افتتح الكاتب والطبيب كتابه الهام الذى ربما يكون نبراسا هاديا و موجها لإجابة عميقة عن الأسئلة السابقة وربما يكون بداية لدائرة لا تنتهى من أسئلة مشابهة تقفز من لاوعيك لتصدمك بقوة لتضرب كموج بحر غاضب دفاعاتك النفسية وهروبك المستمر و تضحياتك التى أرغمت عليها تصدمك بمثاليتك الزائفة و مخاوفك المكبوتة وحقوقك التى أنكرتها او أنكرت عليك

بأسلوب ادبى سلس يأخذنا الكاتب فى رحلة نحو العمق نحو الثقب الأسود فى داخل كل منا لنبحث عن الأسباب فى محاولة تطهر وقبول ..

"الطفل الذى لم تحتضنه القبيلة سيعود ويحرقها ليشعر بدفئها "
من هو الطفل الذى كنت وأين هو الآن وماذا حدث له ؟ هذا هو السؤال الأهم الذى يدور حوله الكتاب فى اعتقادى ومحاولة اكتشافه و الأخذ بيده وطمأنته واحتضانه و فتح أبواب الحرية المغلقة فى وجهه منذ زمن .. من جنا عليه وحوله الى علبه فارغة و التهم مشاعره وأفكاره و خصوصيته التى ولد بها كانسان بحجة انه صغير لا يفهم !!
إنهم أبواك .. رجل الدين فى مسجدك وكنيستك .. مدرسك فى المدرسة .. أستاذك الجامعى وغيرهم ممن تلبسوا ثوب الأبوة و تقمصوا أدوارا لا تخصهم أو بشكل مفتعل غير صحيح
من ألقى عليك هذه المسؤولية المبكرة ظنا منه أنك كبرت لا تستحق الاهتمام و الحب والقبول و التقدير إلا بشروط .. المفاجأة انك تستحق كل هذا وبدون أى شرط .. نعم لقد تمت سرقتك من اقرب الناس لقلبك او هكذا اظهروا لك

" ان التربية زراعة أفكار "
توقفت كثيرا عند هذه الجملة الصغيرة و المخيفة حقا .. ترى ما الذى تم زراعته فى رأسى طوال هذه السنين .. ماهى المسلمات التى قد تكون خاطئة وما هى المخاوف التى منعتك من حقوقك .. هل تعرف أن من حقك أن تخطيء .. أن تغضب .. أن تحطم وتكسر و تثور .. دون أن يتم الحكم عليك انك متدنى الخلق !
ما هى هذه الأفكار التى تدفعنا إلى العجز والفشل وتعوق تصالحنا مع ذواتنا وقبولنا لمشاعرنا بما فيها المشاعر التى صنفت على أنها سلبية مذمومة كالغضب و الكراهية ..
يأخذنا الكاتب فى رحلة طويلة صادمة عن إحدى عشرة فكرة من هذه الأفكار التى تبدو مسالمة ودودة طيبه الا أنها محشوة بالسم طويل الأمد :
يجب أن تكون محبوبا من الجميع ولهذا عليك التنازل عن شخصيتك وأفكارك لإرضائهم
إن أهميتك تتوقف على مدى انجازاتك وانجازاتك يحددها من هم حولك من الأسرة والأصدقاء و المجتمع
إن الناس أشرار وطيبين ويجب أن تكون طفلا طيبا ولتحقيق هذا عليك ألا تخطىء وان تتبع الأوامر والأفكار وإلا نبذت إلى مجتمع الأشرار
ما نريده هو الشىء الجيد والصالح لك و يجب أن تعمل على تحديد النتائج الجيدة ومن المؤسف إن حدث العكس
إن الحياة تفشل مخططاتنا إذا لم نصل للنتائج المرجوة ولهذا فان التعاسة دائما تنتج من ظروف خارجية لا نملك لها سوى الاستسلام
يجب علينا الانشغال الدائم بالمخاطر المتوقعة و التوحد فيها حتى لا تهدمنا على حين غره ومن ثم فان الحياة فى جحيم غير محتمل
انه من الحكمة تفادى المواقف الصعبة و التخلى عن مسؤولية المواجهة وتحمل نتائج أفعالنا !!
الاعتمادية المبالغ فيها فهناك ضرورة أن يكون الفرد مستندا إلى شخص أخر أكثر قوة منه يلجا إليه فى كل شىء و ينوب عنه فى المخاطر
إن خبرات و تجارب الماضى لا يمكن استبعادها وهى التى ترسم سلوك الحاضر والمستقبل ومن ثم ترسيخ الحسرة على الماضى و الخوف من المستقبل و إهدار اللحظة الآنية
انه لمن الضرورى التعاطف الكامل مع مشاعر و الم الآخرين دون النظر إلى مشاعرنا الشخصية بشكل كاف ودون مراعاة النضج النفسى والوضوح الكامل لمعنى التعاطف
لابد دائما من الوصول لدرجة الكمال فى كل شىء حتى لا تصبح النتائج مؤلمة ولا مكان للحلول الوسط .
ينتقل الكاتب بعذ ذلك فى عملية تشريح دقيقة لمفهوم الأسرة و مفهوم الدور الخاص بكل فرد فيها ومعنى أن يقوم كل فرد بدوره بشكل واضح لتحقيق أسرة متزنة يتوفر فيها عنصري الاستقرار و الوضوح و بالتالى يجد الطفل نفسه أمام أسرة مترابطة تقدم له الرعاية اللازمة بغض النظر عن شكل الرابطة القانونية بين الأب والأم ويكون جليا له مهام كل منهما دون خلط .
ولخطورة مفهوم الأسرة المستقرة الواضحة يلقى الكاتب الضوء على الشكل المناقض لها .. فما هى الأسرة المضطربة وما هى القواعد التى تحكمها و ترسم العلاقة بين الأباء والأبناء فيها؟ فنلاحظ ان هناك ثلاث قواعد لا تخلو منها أى أسرة مشوهة تحدد الرسائل التى يتلقاها الأطفال فيها وهى :
لا تثق
لا تتكلم
لا تشعر
ونتيجة لهذه القواعد يظهرلنا الكاتب أثر ذلك على الطفل ضحية هذه الأسرة المشوهة وما يقوم به من رد فعل دفاعى لحماية نفسه حيث يلجأ للعب واحد أو أكثر من هذه الأدوار :
الطفل المسؤول .. الطفل المتكيف .. الطفل المصلح الاجتماعى .. الطفل المعبر
وان اختلفت أشكال و مسميات هذه الأدوار ومعنى و طريقة كل منها إلا أنها تتفق فيما بينها أنها تنشئ طفل غير مستقر نفسيا يهرب من أسره مسيئة محاولا التخفى و الاندماج فى احد هذه الأدوار.
يستمر الكاتب فى ثبر أغوار المعتقدات والمسلمات التى تربينا عليها و فضح و تفنيد للكثير منها بشكل يدعوا إلى مراجعة النفس .. فهل نحن حقا نحب الأطفال ؟ من الطبيعى ان يكون السؤال صادما وان نسرع للتأكيد على حبنا للأطفال فقد وضع الله حبهم فى قلوبنا . والحقيقة أن الله قد وضع حبهم فى تشريح الجهاز العصبى لكل منا بالفعل ولكن ماذا لو لم يكن الأمر كذلك .. ماذا لو لم توضع تلك التدابير الربانية فى تكوين الأب والأم ؟ وما هى أشكال الإساءة التى يتعرض لها طفل رضيع مثلا؟
فنجد أن تأخير تقديم الرعاية و فرض نظام مبكر على الطفل الرضيع وفقا لنظام حياة الأبوين لا العكس و وجود فقر فى لغة التواصل بين الأم ورضيعها الذى لا يملك سوى البكاء للتعبير عن نفسه بالإضافة إلى فشل روابط التعلق بين الطفل وبين مقدم الرعاية له بشكل مستمر للحصول على الأمان كلها من أشكال الاساءه للطفل الذى لا حول له ولا قوة .
إن أشكال الإساءة للطفل كثيرة ومتعددة يتناول الكاتب الأشهر منها بشكل مفصل فالعنف اللفظى الذى يمارسه الأباء و الأمهات بأريحية تامة بحجة التربية والتقويم كالاهنات و الشتائم والتنمر و الصراخ المستمر ونوبات الغضب .
كذلك فان التجاهل من أشكال الإساءة التى تشعر الطفل بالدونية وعدم القيمة فتجاهل اهتمامات الطفل ومشاعره وأفكاره والتذمر من أسئلته المكررة كلها إساءات بالغة
التضليل الذى يستخدمه الأباء .. الكذب المستمر لتشويش الحقيقة .. للخروج من المواجهة و تفادى ورطة ما أو وعد ما .
وحين يفشل التضليل يلجا الكثير من الأباء إلى التبرير وصياغة حجج صارمة تحمل الكثير من التهديد لإجبار الطفل على الخضوع لمنطق الأباء وتصديق أنهم لم يخطئوا حفاظا على صورتهم المقدسة .
فى نهاية الكتاب يضع لنا الكاتب منهجا علميا وخطوات عملية للخروج من فخ الطفولة المسيئة ويترك لنا فقط حرية الرؤية والقوة فى اتخاذ طريق مليء بالصدامات النفسية مع الذات والغير من أجل التغيير .
إن المقاومات النفسية أمر طبيعى فى لحظة الاكتشاف ولكن هل نستسلم إلى الإنكار ولعب دور الضحية أم نسلك الطريق الشائك رغبة فى الحصول على ما نستحق لأنفسنا ؟
والكاتب هنا لا يتركك قبل ان يوضح لك خريطة هذا الطريق فما هو الشفاء ومما نريد أن نشفى وما هى الخرافات المصاحبة لعملية التعافى والأهم من ذلك الحالات التى تتبدى من خلالها ذاتك الداخلية و كيفية التفريق بين كل منهم والاستماع الواعى لكل صوت داخلى ولتسهيل ذلك يفرق لنا الكاتب بين صوت الطفل (Child voice) وصوت الوالد(Parent voice) فى محاولة للوصول الى تكوين صوت بالغ راشد(Adult voice) صلب قادر على تلبية احتياجات الطفل و تعليمه و الحد من الأذى النفسى والسلطة العليا التى يمارسها عليه صوت الوالد .
و ويذهب الكاتب إلى ما هو ابعذ من ذلك من خلال عرض علمى لكيفية الحصول على صوت طفل جديد ووالد جديد من خلال التدريبات النفسية المختصة فإذا ما احتدم الصراع بين صوت الطفل والوالد بداخلك فيمكنك أن تسلك طريق العلاج النفسى من اجل استبدال هذه الأصوات بأصوات حانية مطمئنة داعمة .
وكما يختتم الكاتب فان الخطر الأكبر فى الطفل الذى يتعرض لطفولة مسيئة هى فقدان ثقته بنفسه وبقدرته على الحصول على علاقات حميمية صحية فهذا الخلل هو الذى يجعل الأذى ممتد ويصنع من ضحايا اليوم جناة المستقبل كما يصف الكاتب ..

الكتاب جرعة دسمة وثقيلة من مواجهة الذات وثبر أغوار الماضى ومواجهة الذات المقدسة للوالدين .. شخصيا كنت أقراه على جرعات و أخذت وقتا طويلا لكتابة هذه الكلمات رغبة فى محاولة إعطاءه حقه
وفى رايى ان السؤال الاهم بعد قراءته ..من أنت .. هل انت حقا هذا الشخص أم انك تعلم أنك شخص اخر .. هل تريد أن تحاول أم أنك مستسلم لدور الضحية ..

flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read ما وجدنا عليه آباءنا.
Sign In »

Reading Progress

Finished Reading
May 2, 2020 – Shelved

No comments have been added yet.