ŷ������

وجوه الناس حكايات لا تشبه بعضها البعض إلا العراقيين فحكايتهم الحزن .. كن عراقياً لتكون حزيناً !

أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ
أيا جارتا هل تشعرين بحالي .. على ما يبدو أن أعمق أعماق الجراح العربية وأقساها هي الجراح العراقية جراح لم ولن تلتئم أبداً و لازالت تنفتح أكثر بعد رتقها في كل مرة هذا ماتستنبطه بعد الانتهاء من رواية الأديب أزهر جرجيس العراقي والذي يتكلم على لسان سعيد ينسين ، مهاجر عراقي وكاتب ساخر يعمل كموزع بريد يعيش في مدينة أوسلو النرويجية بعد سفره هرباً من الاعتقال بعد أن وشى به للسلطات الأمنية زميله في الجامعة بسبب نكتة حكاها له تسخر من الرئيس العراقي صدام حسين .
بغداد الحبيبة حسرة وجمرة تشتعل في كيان سعيد وتحرق لظاها قلبه وعروقه في كل لحظة وساعة من حياته يهلوس باسمها و تدمي روحه الأشواق الحارقة لها تبقى بغداد هاجسه الوحيد الذي كتب من أجله الرواية و الذي سيموت من أجله أيضاً .

"أنا لا أعرف شكل أبي من قبل، لم أرَه يوماً في حياتي، ولا أحتفظ له بصورة واحدة، لقد غاب في سراديب الضياع قبل مجيئي إلى الدنيا، وأحرقتْ أمي، ليلة القبض عليه، كلّ كتبه وأوراقه ومذكّراته وألبومات صوره".

شبح الأوطان و الأرض
شبح الأب و العائلة
شبح الانتماء و الأمان كلها تجتمع وتطارد سعيد في صفحات الرواية و تضيق عليه الخناق ، فوجه أب لم يره أبداً حُرم من حنانه وهو طفل رضيع ، أب دفنته السلطات الدكتاتورية حياً مع رفاقه لانتماءه للمقاومة ولحلمه بوطن مشرق حر يزوره في أحلام اليقظة ونومه ويخيم حنينه لرؤيته وبحثه عن قبر يلم رفاته على هلوساته و يأخذ كل تفكيره كما بغداد المسروقة منه أخذه حلم العودة لها للهلاك .


" عندما لا تكون لك شاهدة قبر فإنك تموت مرتين مرّة حين تفارق الحياة و مرّة حين تُنسى و لا يتذكرك أحد "


يروي لنا سعيد جزء من تاريخ معاناة الشعب العراقي في العراق و خارجه من اعتقالات و أحكام تعسفية ظلم الدكتاتور وكتم الأنفاس تصفية المقاومات و إخراس أصواتها حصار الشعب ، هجرة الشباب هرباً من الظلم لظلم أقسى وأصعب ألا وهو الغربة ، رحلة الغربة المحفوفة بالمخاطر والمصاعب ليعود بعدها للعراق مرة آخرى وفي رحلة جديدة من خلالها يصور لنا وضع العراق الحالي والحروب الطائفية و الشروخ التي أصابت النسيج الإنساني العراقي ، الفوضى العارمة التي تحصل في البلاد والحكومات ، نهب الثروات ، التدخلات الخارجية ، التهجير القسري ، الانقسامات تحت مسميات الدين تقريباً يمكن القول بأن أزهر قد جمع تفاصيل المعاناة العراقية داخلاً و خارجاً من رحلة حياته .

" يروي الحكاية و هو يضحك و عندما أسأله عن السرّ وراء هذا البرود في سرد ذلك التشرّد المفجع قال بأن مؤخرته أدمنت ركلات الحياة و أمسى لا يكترث "

لغة أزهر لغة رائعة سلسة بسيطة البناء الروائي متمكن جداً الانتقال بين الماضي والحاضر ومزجه بالواقعية والهلوسات والأحلام ورشة من الفانتازيا والسخرية كان ممتازاً ولذيذاً وبقمة الإبداع لاتشعر به وتميزه بذات الوقت .

" مع الأيام أيقنتُ بأن الضحك حين يختلط بالبكاء يدل على أن منسوب التفاهة في الحياة قد ارتفع ، و أنّ لا حلّ لديك سوى المضيّ معها حيثُ تريد . "
، كانت افتتاحية عظيمة للعام 2021 الذي ابتدأ عندي بالمرض و الحجر 🤕 ، الفضل بذلك يعود للصديق الذي أحسن اختيار الاقتباسات والتي أغرتني بقراءة الرواية فوراً .
ويجدر بالذكر أن النوم في حقل الكرز للروائي العراقي أزهر جرجيس صدرت في العام 2019 ودخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2020 .
رواية أكثر من رائعة و أنصح جداً بقراءتها رغم كمية المعاناة فيها جميلة جداً .
المجد لمن رقد في حقل الكرز 💚