ŷ

يوسف الأندلسي's Reviews > وحي القلم

وحي القلم by مصطفى صادق الرافعي
Rate this book
Clear rating

by
104504336
's review

it was amazing

-- لا يختلف قراء النثر العربي الحديث و نقاده في كون عبقرية الرافعي في صناعة أدبه إنما ترجع أساسا لكونها كانت مزيجا من الإلهام النفسي المؤثر و الأسلوب الحر الطليق و الوصف الخيالي البليغ و التعبير الإنشائي الفخم.
و كل هذه المميزات المجتمعة في قلب واحد و قلم واحد و نفس واحدة جعلت من سرديات الرافعي منجما أدبيا غنيا، عبر من خلاله و بمهارة بالغة و حرية مطلقة عن أدق المشاعر الإنسانية و الأحاسيس العاطفية و النوازع النفسية التي كان يتأثر من خلالها بأحداث محيطه ثقافيا و اجتماعيا. فقد كتب الرافعي عن الحب و الألم و الإيمان و المآسي و الفقر و الغنى و خاض معاركه في الأدب و النقد و الفكر و الثقافة، فكانت له كلمته المسموعة في كل تلك الميادين و فرض بقوة أفكاره الخاصة التي أسست لمدرسته الأدبية على بساط واسع ضم فيه نفرا غير قليل من الكتاب و المثقفين الذين شايعوه ثم بايعوه على عرش الأدب عميدا و زعيما.
و الرافعي من الأدباء الذين عملوا على تكريس قداسة القلم و مكانته في دنيا الناس، فقد كان يرى أنه لسان قلب صاحبه الحقيقي و ترجمان جنان الأديب و المثقف دون غيره من الشرائح الأخرى ، فهو المعبر الأول عن الأفكار و المبادئ و هو الناقل المحسن للنوايا و السرائر، و هو في يصدر في هذا عن فهم عميق لقيمة الكلمات بالنسبة لمدى تأثيرها فى الحياة و النفس و التفكير،  و لذا تجده قد أحسن أيما إحسان في اختيار دقائق المعاني و فرائد المضامين و مستجاد القول و متخير الألفاظ، ففاز أدبه بالقدح المعلى من الإعجاب و الإشادة و التنويه كونه سوى فيه بين نصيب المعنى و حظ اللفظ، فلا تجده أصاب المعاني و فرط في الألفاظ و لا تلفيه قد أبدع في رصف الكلمات و قصر في انتقاء المضامين. و هذه هي العبقرية الكبرى و الألمعية الفذة، و ما من شك في أن كتاباته كانت و لا تزال تشعر القارئ دائما بسحر لسان الضاد و ثراء معجمه و رقي أساليبه. و من هنا ظهرت جليا قوة الكلمة و إبداعها في استخدام الرافعي لها، فتحس و أنت تقرأ له أنك تسبح في مد عال من أمواج قلمه السيال و الذي لا يطاوله شيئ إلا ذلك الأنين المتوجع أو الإحساس العاصف كهبوب الرياح التي تدفع أمواج المد عاليا.....!.  
و إنه لمن بديه القول أن نقول إن صنفا غير قليل من الكتاب و المنشئين يكتبون لأجل أن يجمعوا حول أعمالهم أكبر عدد من القراء و المعجبين قصدا منهم إلى تحصيل الشهرة و الصيت، في حين أنك لم أمعنت النظر جيدا في أدب الرافعي نثرا و شعرا لوقفت على حقيقة أن الرجل كان يلقي إنتاجه إلقاء العارف الواثق بأن كتاباته لها قوم مخصوصون بها و لا يمكن أن تكون مشاعا للجميع، و مكمن السر في هذه الأحجية أن الأحاسيس المترجمة و المعاني الغامضة في نثرياته و مقالاته لا تخلو من الإبهام اللفظي و السرد الفلسفي و هذا عائد أساسا إلى غوصه في غياهب النوازع و الخفايا و دهاليز العواطف البشرية.

-- و الحق أنني لن أضيف جديدا في حديثي هنا عن وحي القلم، فهذا الكتاب الحي و العابر للأجيال  صار نارا على علم و شهرته قد فاقت في عصرنا هذا شهرة الكثير من الكتب و المؤلفات التي حبرت في زمنه، و قد لقي قبولا واسعا من طرف الكتاب و المثقفين و كتبت عنه و عن صاحبه العشرات من المقالات و الدراسات و تلقفته الأيدي و اقتنته المكتبات، و صارت بعض الكلمات من نصوصه تجري مجرى الأمثال و الحكم في الإقتباسات و الإستشهادات.
و هو في أصله تجميع لمقالات الرافعي التي كان يكتبها في الصحف ( كمجلة الرسالة ) و قد بدأ في كتابتها و نشرها في عام 1934 و ذلك خلال كل أسبوع حيث كان يضعها في شكل قصص قصيرة و سرديات مختلفة و متنوعة المحتويات و المضامين، ليبوح فيها بما يعتمل في صدره من تجاربه الشخصية و مشاهداته المجتمعية و عواطفه الخاصة و تفاعلاته النفسية مع الجديد و القديم مما جرى و حدث أيام النهضة الأدبية و ما بعدها و التي كان هو أحد الذين شيدوا أساسها و رفعوا سورها عاليا.( و قد احتوى الجزء الأول من كتابه على أربعين مقالة، و الجزء الثاني على ست و أربعين مقالة ، و الجزء الثالث على خمس و أربعين مقالة ) و هو في نفس الوقت يعتبر واحدا من أهم كتبه و أثمنها على الإطلاق، فقد احتوى على عصير غني من ثمار البلاغة و البيان و الفصاحة و اللسانة التي استخدمها باحترافية بالغة في طرح كم لا بأس به من المواضيع الإجتماعية و في إنشاء تلك القصص القصيرة التي دمج فيها عامل الخيال في الوصف بعامل الواقعية في المضمون، بالإضافة إلى تلك المقالات الأخرى و التي أدار فيها الحوار على ألسنة بعض الشخصيات التاريخية و قد وفق في تطويع التاريخ بشكل ملائم لمناقشة القضايا الخاصة بالمجتمع و أوضاعه بشكل عام. فضلا عن ذلك التناول المفعم بحس الحياة الذي خص به الرافعي مواضيع مقالاته هذه فأجاد الوصف و أخلص النصيحة و أبلى بلاءا حسنا في النقد البناء و الإصلاح القويم و التوجيه السديد و الإرشاد المستقيم، فقد سعى دائما للنهوض باللغة و استنهاض همم الأجيال لفهمها و دراستها، و صرف الأنظار للعناية بها و تطويرها،  فقد كانت بالنسبة إليه تمثل الدين و الهوية أولا و الإنتماء ثانيا و الفن ثالثا و الصناعة آخرا، و هو في خلال كل ذلك يضرب المثل بنفسه أولا في إعطاء العربية قيمتها العظيمة، و قد تجلى هذا في سعيه الدائم للبحث عن التعبير الجميل و العبارة المنتقاة و اللفظ الجزل و الكلمة النادرة، فيضيفها إلى قاموسه المجيد و معجمه الوافي، لتكون له عونا على ما ينشئ من الأدب الجديد الذي يريد أن يحتذيه أدباء العربية ( على حد تعبير تلميذه محمد سعيد العريان )، و من هنا يتبين لنا أن خصائص أدب الرافعي بأسرها قد ظهرت بشكل واضح جدا في ( وحي القلم ) دون غيره من كتبه الأخرى، و هذا بسبب تنوع المواضيع التي طرقها قلمه في هذا الكتاب و كذا بسبب اختلاف نقاط العرض النثري و تباين أشكال التناول و الطرح و هو ما جعلنا نقف بكل وضوح و صراحة على فسيفساء الأدب الرافعي كاملة غير منقوصة . كما كان مغرما بالجمال متيما بالفن و لذا كان من الطبيعي أن تعلو لغته تلك اللمسة الفنية المرتعشة و التي ميزت كلماته الرقيقة خصوصا عند حديثه عن فلسفة الحب و الجمال و عواطف الشغف و لواعج الكلف و ارتسامات العشق و تجليات الصبابة
6 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read وحي القلم.
Sign In »

Reading Progress

Finished Reading
August 15, 2021 – Shelved
August 15, 2021 – Shelved as: to-read

Comments Showing 1-2 of 2 (2 new)

dateDown arrow    newest »

Nourazobeidi بورك قلمك


يوسف الأندلسي شكرا جزيلا لك أخيتي


back to top