ŷ

إيمان عبد المنعم's Reviews > عصر الفراغ: الفردانية المعاصرة وتحولات ما بعد الحداثة

عصر الفراغ by Gilles Lipovetsky
Rate this book
Clear rating

by
12708367
's review

liked it

لم أكمله لكني أسجله هنا لأنني ربما لا أستطيع إكماله بسبب الترجمة السيئة التي أفقدت بعض أفكار الكتاب وضوحها
الكتاب أطروحته ونظرياته وأفكاره متميزة لكن يعيبه التعقيد والترجمة

أنقل هنا خاطرة طويلة بعض الشيء تأثرت فيها بأطروحته الأساسية:


كنت أقرأ آية سورة آل عمران:
«ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله»
لما خطر لي أن في «قد أهمتهم أنفسهم» يكمن أساس من أساسات مآسي عالمنا الحديث، لقد فكرت أنه ربما يكون أبرز سمة للناس في هذا الزمان أنهم قد أهمتهم أنفسهم وشغلتهم إلى حد فقدوا عنده القدرة على الحب حقا والإيمان يقينا، والأدهى أن هذا الاهتمام والانشغال لم يعد معيبا كما كان من قبل، بل على العكس صار مقبولا تماما بل مطلوبا ومحتفيا به.
إننا نجد في هذه الآية الكريمة أن الطائفة التي أهمتهم أنفسهم هم قوم ملأهم الشك والارتياب وظن السوء في ربهم، وقد وصفتهم بعض التفاسير بالنفاق وبعضها بضعف الإيمان، والدليل الذي يؤيد هذا الوصف هو ذلك السؤال: «هل لنا من الأمر من شيء» ثم تفصيله في موضع تالٍ: «لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا»، وقد يتساءل أحدهم: وماذا في سؤالهم هذا من خطأ؟ ما الدليل فيه على النفاق أو ضعف الإيمان؟، وإني على جهلي أجيب بما استشعرته من الآية، وهو أنهم بقولهم هذا يوازنون بين أمرين: أمر أنفسهم وأمر الله، ولذلك كان الرد قاطعا: «قل إن الأمر كله لله»، وإذا كان المرء يؤمن حقا أن الأمر كله لله فكيف يزعم لنفسه أمرا؟ وكيف يتحسر على فواته وفقده؟
لقد انشغل هؤلاء بأنفسهم وأهليهم وسلامتهم الشخصية ولم يشغلهم ما أصاب المسلمين من قرح وغم وبلاء، لقد رأوا بأعينهم إخوانهم يقتلون ورسولهم يجرح وأمتهم الناشئة تتعرض لزلزلة شديدة فغضوا الطرف عن كل ذلك وتذكروا أمرا واحدا فقط: أمر أنفسهم وما تمنوه من حياة طويلة ونصر عظيم وظهور على الأعداء
إن مشكلة عالمنا الحديث قائمة في نظري على هذا السؤال المريب المفعم بأوهام الاستحقاق والمسكون بهواجس الأنانية ونوازع الاستقلال [هل لنا من الأمر من شيء؟] لقد ولد هذا العالم من رحم النفس المهمومة بذاتها المشغولة بما تستحقه من نصر وفتح وظهور، ولا يمكن لهذه النفس أن تتحقق بالعبودية المحضة لله، لأنها في قلقها ذاك يصعب عليها أن تخضع وتنقاد لأمر الله القدري والشرعي، ولأنها في انكفائها على ما تستحقه من متاع الدنيا غافلة عن حقوق الله عليها، إنها تعيد صياغة علاقة العبودية الرأسية (أمر الله فوق أمر الإنسان) ليصير علاقة مواجهة أفقية(أمر الله أو أمر الإنسان)، ولقد اختار هذا العالم أن يكون مرتكز قيمه ومبادئه وتصوراته عن الوجود هو الإنسان، ومن ثم فليس مستغربا أبدا أن تحوز النفس كل هذا الاهتمام وأن يبالغ في التمحور حولها والدوران في فلكها رغبة في فهمها وتنميتها وتطويرها وتدليلها وإشباع رغباتها وهلم جرا.
في كتابه (عصر الفراغ) يضيف چيل ليبوفتسكي عنوانا فرعيا: (الفردانية المعاصرة وتحولات ما بعد الحداثة)، وهو يقيم معظم نظرياته عن عالم ما بعد الحداثة على أساس واحد: نرجسية الإنسان في هذا العالم، أي أنه يعتبر ببساطة أن أزمة ما بعد الحداثة تتجسد في تمحور الذات الحديثة حول نفسها وعدم قدرتها على تجاوز أناها وانطلاقها في جل سلوكياتها من دوافع شخصية بحتة لا تضع في حسبانها مصلحة أي شخص آخر أو منفعته.

هل هذا يعني أن الإسلام يطلب منا أن نهمل أنفسنا ونزدريها ونقلل من شأنها؟ لا أبدا، بل على العكس أنت كمسلم مطالب بأن تنجو بنفسك وألا تلقيها في التهلكة وأن تجاهد من أجل تزكيتها وتطهيرها من أدرانها، لكن كل ذلك الاهتمام يحكمه أمران: الإيمان بالله وحده وإرادة الدار الآخرة، فنجاتك بنفسك تعني ألا توردها مواطن الضلال وألا تخسرها بحجبها عن مولاها الحق في الدنيا وذوق العذاب في الآخرة «فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ»، وعكوفك عليها لا يكون إلا لتزكيتها «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)»
وأنت في كل ذلك تعلم يقينا أن الله اشترى منك نفسك ومالك بأن لك الجنة «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» فلا ترجو لها نجاة إلا في طاعته ولا تشغلك إلا بقدر ما تصلحها، تهون عليك في سبيل الله وتبذلها راضيا ابتغاء مرضاته.
وبعد،
فلعلنا نستطيع بتتبع كلام الله عن نفس الإنسان أن نبني نموذجا معرفيا نتصور من خلاله كيفية سلوكنا مع أنفسنا وعنايتنا بها دون إغراق في أنانية بغيضة ونرجسية عاتية.
ولعلنا إذ نفعل ذلك نستطيع من جديد أن نفهم معاني التسليم لله والانقياد لأوامره والخضوع لمحابه، ونحب أنفسنا حقا ونحب الآخرين، ونمتليء عطفا ومودة ورحمة لكل البشر، وأن نتبصر ونتأمل في اسم هذا الدين الخاتم (الإسلام) الذي اختاره الله لهذه الأزمنة بالذات وما يتضمنه هذا الاسم من معاني عميقة تواجه أوسع أدواء هذه الأزمنة انتشارا وأشدها تعقيدا (الانشغال بالنفس والانكفاء على الذات)
12 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read عصر الفراغ.
Sign In »

Reading Progress

Started Reading
February 20, 2021 – Finished Reading
December 22, 2021 – Shelved

No comments have been added yet.