ŷ

Abdallah Osman's Reviews > قيامة تحت شجرة الزيتون

قيامة تحت شجرة الزيتون by Eman Gabal
Rate this book
Clear rating

by
78964816
's review

it was amazing

قيامة تحت شجرة الزيتون
يوحي ذلك العنوان باتصال أرضي-سماوي، يؤسس لفضاء محتمل قادم من وحي الكلمات الحالمة ليغرس جذوره تحت وطأة واقع ثقيل، وهو من نوع العناوين الملتبسة التي تدعو للتمهل قبل الاطمئنان إلى صرحها الذي تمثله، ألم تقل الكاتبة في مساحة ما داخل الصرح ذاته: تشغلنا الأسماء أكثر مما تشغلنا مسمياتها. فما القيامة إذًا، وهي التي ننشغل بانتظارها جميعًا، لكننا لم نفكر في معناها العميق المندفع من احتياجنا نحوها، أهي الخلاص؟ النهاية؟ الإجابة؟ الانتقام؟ أم العدالة الإلهية؟ وما حدود اتصال ذلك المعنى العلوي أو المتدفق من دواخلنا بما هو تحت شجرة الزيتون، أي بما هو أرضي أو واقعي ربما، أو حتى دلالي؟
ينفتح الفضاء الروائي في تلك الرواية على ذروة حلمية سيكتشف القارىء فيما بعد أنها كان لا بد منها لينطلق فضاء الكتابة إلى مدار آخر غير مدار الواقع، وفي الوقت ذاته هو بعيد عن الخيال الذي ينفصل عن الواقع ثم يستدعيه إليه، إنه مدار فريد يميز تلك الكتابة ويشي بتفردها وأصالتها الإبداعية، مدار يجعل من الخيال أداة مهمة للتعبير عن حقيقة الواقع والوعي به وإلقاء الضوء على زواياه المعتمة، وسيكتشف القارىء أيضًا أن تلك العتبة الغامضة بعض الشيء هي من نوع تلك الكلمات التي يراها الناس مكتوبة على جدار صخري يسد غابة سحرية، كلمات يتبدى معناها في السير شيئًا فشيئًا داخل الغابة واكتشاف أسرارها، فتزداد قيمتها المتدفقة بالدهشة، وهنا نجد نوع مدهش من الحبكات، الحبكة التي تأتي في البداية في هيئة أحجية بديعة، ثم تنبني على طول السرد ويتسع مدى فضائها، لذا جاءت تلك العتبة في لغة شعرية مكثفة تختزن في داخلها كل الألم والحزن والفرح والحلم المنثور في ظلال الرواية وعلى طول مسارها.
إنها مفتتح عن أسما وعلى لسانها، وأسما هو ابتكار الكاتبة المدهش للشخصية التي تعايش آلام النساء في كل زمن ومكان، وهي التي تجمع مصائر نساء الرواية الأربع، جميلة، مدينة، نور، وثريا، وهنا ممارسة للكتابة الواعية بنفسها، والتي تقدم في خضم تدفقها فلسفة عن فعل الكتابة نفسه، وعلاقتها بالواقع والوجود، بالإنسان وآلامه في كل زمن، بالخبرة البشرية المتجاوزة لحدود الذات إلى الاشتراك مع كل الذوات في حيواتها.
في شخصيات الرواية نجد تشاكلًا بديعًا يوزع بينها تيمات الكتابة وأسئلتها المحتدمة، ومع ذلك حافظ السرد على حضور الشخصيات كشخصيات إنسانية من لحم ودم يستشعر المتلقي وجودها، تستفزه أو يتعاطف معها، يحبها أو يشفق عليها، وللرواية شخصيات أربعة وشخصية أسميها ظلالية تحل في الشخصية الراوية وتنفصل عنها في بعد ميتا-واقعي على غرار الحلول الصوفي، إنها تقنيات سردية محتدمة لها قدرة على تأسيس فضاء أرحب للوعي وأكثر عمقًا وتتحايل على الزوايا المظلمة والمناطق المحظورة ومعضلة التحيز، تلك المعضلات التي تواجه كل سارد يبغي الحفر عميقًا نحو الوعي.
إن الرواية وهي تتخذ من موضوع آلام النساء ومعاناتهن موضوعًا لها لا تنسى أن تؤسس لنا طريقًا ينقذ موضوعاتنا كلها من فخ الاختزال والتنميط، فهي رواية أصوات تستدعي الهامش بكل من فيه وما فيه، وتعبر عن صوت كل امرأة، وتستنطق من تلك الحالات الصامتة وعيًا ينفصل في ذاته عن المقرر والمستقر، ويقترب من الضروري والملح من الأسئلة.
تتنوع تقنيات السرد في الرواية ليمثل المونولوج المحتدم ذروتها الدائمة التي تشدها نحو مسرح التعبير اتصالًا بعمق الشخصيات وهواجسها، وتجربتها.
في العمق تيمة شخصية تبحث عن زواياها في الأخريات، تكمل تيه أيامها بزمنهن، وتصنع خريطة خلاصها من أحلامهن.
من البديع أن يتحول الطعام والمطبخ إلى موضوعات حية داخل تلك الرواية، إنها حقًا التعبير الأدبي عن أنثروبولوجيا الطعام والجسد، كيف تعي المرأة وضعية جسدها في المجتمع، التدخل السافر ضد خصوصيته، أو المساحة الآمنة له، الطعام تيمة تجسد سلطة الحماة (شرهة/ تحضير زوجة الابن الطعام كل صباح)، وتيمة تجسد الخلاص، تجتمع النسوة دائما حول أطعمة ومشروبات يشتهينها، وفي مشهد الخلاص الأخير نجد هذا جليًا، ثم كتيمة تعبر عن مساحة راحة ومقاومة لواقع بائس ومجحف (امرأة تتخذ من الطعام والمطبخ مساحتها الخاصة داخل بيت تتعرض للتسلط فيه)، تتنوع الأطعمة مع وصف عذب يلقي بظلاله الشهية على السرد، أطعمة من الريف، ووصفات من المدينة، وأصناف من المطاعم.
لا يسعني في النهاية إلا الاحتفاء بهذا السرد الذي يلتهمه القارئ من فرط تدفقه كجملة واحدة، ورغم ثقل الوعي فيه إلا أن له خفة تطفو بالمتلقي على الألم واستحكام المشاعر الحارة بالغبن، ولأن الرواية أولًا ترنو إلى وعيها الخاص الناشيء عن وعي الشخصية بحالها وعالمها فهنا تفرد آخر هو وعي الشخصية بحال الشخصية المقابلة، بعالمها المخبوء تحت ما توجهه من تسلط، هنا تظهر الشخصية التي تبحث بعمق عن جذور تلك العلاقة الملتبسة والإشكالية، تسمو على ألمها الخاص، وتسترسل مع جينات الألم القادم من بعد آخر خلف شخصية الأم، إنها تقنية سردية فذة تمنح الرواية صوتًا مهمشًا جديدًا _والرواية رواية أصوات من المقام الرفيع_ حتى لو كان هذا الصوت مهمش بأمر من صاحبه.
وإذ يقول باختين عن الرواية أنها التنوع الاجتماعي للغات والأصوات الفردية تنوعًا منظمًا أدبيًا، نجد هنا رواية تحفر عميقًا نحو هدفها.
هذه هي بؤرة الرواية وذروتها، إذ تستدعي كل السرد إليها لتفتل مونولوجًا صاخبًا من أصوات النساء المهمشات، مستقصية كل عوامل التهميش وأطرافه، لا مولية طرف على حساب آخر.
5 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read قيامة تحت شجرة الزيتون.
Sign In »

Reading Progress

Finished Reading
March 15, 2022 – Shelved as: to-read
March 15, 2022 – Shelved

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)

dateDown arrow    newest »

message 1: by Eman (new)

Eman Jabal أجمل تحليل وقراءة نقدية حظيت بها �


back to top