ŷ

Baher Soliman's Reviews > سأخون وطني

سأخون وطني by محمد الماغوط
Rate this book
Clear rating

by
52876339
's review

really liked it
bookshelves: السياسة

العرب ..إسرائيل ..الديكتاتورية ..القمع .. السادات ..كامب ديفيد .. الحكام العرب ..التقدّم..التخلّف ..المخابرات.

مفردات متكرّرة في هذا الكتاب تُمثِّل هذيان الألم والرعب والحرية، ربما لا نجد هنا نقدًا عميقًا لكل ما سبق، وربما هذا هو ما يُعطِي الكتاب قيمتَهُ حيث دلالة النَّقد العابر والمبطّن وفِعل الكلمة الساخرة التي سيطرت بشكل قويّ على بنية الكتاب، حيث تضحك من قلبك، لكنه ضحك مجروج، ضحك مخلُوط بدموع الغضب والقهر والحال الذي لم يتغيّر منذ أن كتب الماغوط كتابه في الثمانينيات وكأنها دوائر مُغلَقة سيظل المفكِّر العربي يحاول الخروج بمجتمعه من متاهاتها، ونقده لمن صنعها ومن يُكرِّسون الظلام والخوف والقهر، ومن يُطفِئون قناديل الحرية، ويُحكِمون عصابة القهر على أعين المواطن العربي.

ينطلق الماغوط مُحمّلًا بواقع القهر في المجتمع السوري لينطلق صوب القضية العربية، ليست المشكلة هنا مشكلة النظام السوري ولا غيره، إنها ظلمات أنظمة تتعدى النطاق السوري ليطرح المشكلة في بُعدها الأوسع والأشمل وهي المشكلة العربية بما تُشكّله من أنظمة تماهت بفعل شعارات إعلام الظلام مع فكرة الوطن، فما هو الوطن الذي سيخونه الماغوط؟ لم يقل صراحة ..لكن كل كلمة وكل حرف وكل فصلة وكل نقطة وكل سخرية لاذعة تنطِق بمقصد الماغوط، فهو يرفض جعل النظام المُستَبِد هو الوطن= فهو رافض لكل تلك الأوطان المزيّفة التي تتماهى مع الدبابة وشخص المُستبِد، فيسخر من طبيعة النقاش في تلك الأوطان المزيّفة ليسأل ساخرًا أي نقاش هذا أو خلاف فكري يُمكن أن يُدار مع دبابة! ليس هذا هو الوطن الذي يريده الماغوط الذي فقد الثقة في منظمات حقوق الإنسان و الأمم المتحدة التي تُدعّم هؤلاء السفاحين المتحكّمين في رقاب الناس بقوة السلاح، فيقول ساخرًا أنّه لن يستنجد بتلك المنظمات، ولكنه سيضع قدمه على قبر " بلفور" ويقول له بصوت تخنقه الدموع " نحن ضحايا المحرقة العربية نريد وطنًا قوميًا جديدًا ولو على مزبلة". وهكذا يبحث الماغوط عن وطن ..وطن الحرية .

يصنع الماغوط في كثير من الأحيان مفارقاته الساخرة بواسطة ديالوج مُتخيّل يُظهِر من خلاله مأساة الوطن العربي، ويسخر من تجار التاريخ مثل محمد حسنين هيكل الذي يُعد من المفكرين القلائل في الكتاب الذين ذكرهم الماغوط بالاسم في نطاق السخرية من منهجه التأريخي القائم على حد وصفه على بيع جثة عبد الناصر ( بوصفه المتحدث الأوحد عن ناصر وماذا قال له وماذا فعل معه ..الخ) وبيع جثة السادات ( من خلال نقده له بعد موته في خريف الغضب)، فيصنع الماغوط ديالوجاته الساخرة ويُضمِن فيها قناعاته، من خلال الحوار بين مواطن وشرطي أو مواطن وآخر أو مواطن وضابط مخابرات مُتنخفّي في شكل مواطن، ليُكرّس من خلال ذلك معانٍ مبطّنة عن الحرية والانبطاح مثل ذلك الرجل الذي يفتقد العشق والحب في حياته فيسأل آخر النصحية فيقول له " أنصحك بحب السلطة والمسؤولين"، وعندما يقول له العاشق أنه يريد حبًا من نوع آخر فيه آهات وتنهّدات، فينصحه المواطن الخبير في التطبيل للسلطة " تستطيع أن تقف أمام البنك المركزي وتتنهد طول النهار" .

يركِّز الماغوط في شطر من مقالات على فكرة " المراقبة"، فيقول أنّ السلطة تراقب الشعب والشعب يراقب السلطة ثم يقول ساخرًا " وإسرائيل تراقب الجميع"، ويطرح فكرة أنّ أجهزة الأمن تراقب بعضها بعضًا وهي المعلومة التي تأكّدت بعد ذلك مثلًا عن أجهزة أمن صدام حسين وفق الوثائق التي نشرها الأمريكان عقب الإطاحة بنظامه كما في كتاب " بعث صدام حسين رؤية لنظام استبدادي". في المقابل يطرح الماغوط المقارنة بين الوضع العربي والغربي في الحريات، بل وبين العرب وإسرائيل، ويسأل في سخرية عن مصير إسرائيل لو كانت طبّقت المنظومة الأمنية العربية الحديدية في قمع شعبها! فإسرائيل تأتي دائمة هنا في مقالات الماغوط لإدانة الأنظمة العربية، ورغم إدانة الماغوط للسادات وسخريته منه ومن كامب ديفيد، إلا أنَّه يسخر أيضًا من الأنظمة العربية التي قاطعته ونقدته لأنها لم تكن أصلًا أنظمة تحمل همَّ القضية الفلسطينية من الأساس. وتشغل قضية الوحدة العربية العربية بال الماغوط مؤكّدًا أنَّه لن يتقدَّم العرب ولن يواجهوا إسرائيل دون هذه الوحدة، لكن كيف تتم الوحدة في ظل هذه الانقسامات الأيديولوجية في بنية الأنظمة العربية نفسها لو تجاوزنا حتى الانقسامات السياسية ..هذا ما لم يطرحه الماغوط .

لا ينقد الماغوط الأنظمة العربية إلا بقدر ما ينقد المواطن العربي ويسخر منه ويوجِّه له سهام نقده، ويقول في سخرية كيف يعود الإنسان العربي إلى تراثة قبل ألفي عام وهو لا يستطيع العودة إلى حدود ٦٧! وكيف يستطيع العودة إلى حدود ٦٧ وهو لا يستطيع العودة إلى بيته إلا بعد مئة حاجز ونقطة تفتيش! ومن ثم يقرر الماغوط في موضع آخر أنّ الجريمة الكاملة هي أن يُولد الإنسان عربيًا في هذا العصر، ويبدو أنَّ سُخط الماغوط على استكانة المواطن العربي للظلم دفعه لهذا النقد اللاذع حتى قال في سخرية كيف يمكن لمواطن عربي لا يعرف كيف يصعد إلى الباص من مكان وينزل من آخر أنّ يقوم بثورة!! وهو قد كتب هذا قبل الثورات العربية بسنين طويلة، وربما لو عاصرها لطرح سؤال آخر وهو كيف يستطيع مواطن عربي لا يقدر على المحافظة على وعيه أن يستمر في ثورة أو يمنع سرقتها!! .

لاشك أنَّ كتاب الماغوط هو نتاج لجرح إنسان مكلوم بالاستبداد والقمع، وبروح المفكر الساخر الذي لا يملك سوى قلمه صاغ الماغوط الواقع العربي المأزوم، ليُصادَر كتابه في فترة من الفترات، ويصنع النظام السوري -دون إرادته- من كتاب الماغوط ومن عنوانه الصادم حالة من الرواج لكتاب مفكِّر أدان الكل، اليسار واليمين والحاكم والمحكوم، ورغم عدم عمق مادته النقدية إلا أنّ الحس البسيط الساخر لامس أوتار قلوب مُثقَلة بالاستبداد فتمكَّن.

#قراءة2022
6 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read سأخون وطني.
Sign In »

Reading Progress

Finished Reading
May 8, 2022 – Shelved
May 8, 2022 – Shelved as: السياسة

No comments have been added yet.