ŷ

أميرة بوسجيرة's Reviews > ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين by Abul Hasan Ali Nadwi
Rate this book
Clear rating

by
31352903

مراجعة بعد أكثر من سنة، بعد إعادة سريعة ضمن مشروع العمر للمصلحين..
--

إنّ قراءة المقدمّات والتعريف بهذا الكتاب الذي استغرق تأليفه ثلاث سنوات، والتعريف بمؤلّفه تلفت الانتباه إلى نقطتين، لعلّهما أبرز ما ميّز هذا الكتاب الذي بسط الله له القبول:
الأولى هي نقطة انطلاقه المنهجيّة الواضحة بشكلٍ صارخ في العنوان لدرجة أننا لا ننتبه لها: ماذا خسر [العالم] بانحطاط المسلمين.. ويكأنّ المسلمون هم في صدارة الحضارات الإنسانية وأنّ انحطاطهم كانت صدمةً وخسارةً كبيرة. وهذا قلبٌ صادمٌ للمعايير التي يسير بها أبناء الأمّة في فترات استضعافها المتلاحقة. فشكر الله للمؤلّف هذه الحميّة العالية لنصرة دين الله وتبصرة الشّباب للاعتزاز به وعدم الاغترار بضعف الأمّة وتخاذل أبنائها.
والنقطة الثانية هي عن مصطلح "الجاهلية" الذي يتمّ إسقاطه على كلّ زمانٍ ومكانٍ ابتعد فيه النّاس عن هدي الوحي ونور الإيمان.. ويتحرر من الارتباط الذي أقمناه مع حالةٍ عربية في قبل ظهور الإسلام. إسقاطٌ يشبه ما يذكره الشهيد سيد قطب في تفسير الظّلال.. ومن المدهش ملاحظة أن سيد قطب قد كتب مقدّمة متحمّسة لهذا الكتاب.

العصر الجاهليّ

يسرد المؤّلف عبر فصولٍ متتالية صور التخلف والتدهور الإنساني بكل مستوياته وقطاعاته في دول الروم والفرس والصين والهند وعند عرب الجزيرة، والدور المأساوي الذي قامت به الأديان المحرّفة باختلافها عند هذه الأمم في تعزيز هذا التخلف وتطبيعه والتعايش معه على أنه الخيار الصّحيح. فقد قادت هذه الحضارات المنحلّة أخلاقيًا وعقائديًا البشرية إلى أوحالٍ من التخلّف جعلت من قيام رسالةٍ إلهيّة على الأرض ضرورةً ملحّة للإصلاح ورفع الفساد عنها.
وقد ركّز أبو الحسن في سرده لرذائل الحضارة على أمم آسيا الوسطى والهند تحديدًا لخلفيّته ذي الأصل الهنديّ، وتبحّره في تاريخ الهند والممالك التي قامت هناك خاصةً في القرون القليلة قبل البعثة النبوية. فقد استفحلت هناك النزعة الوثنية والشهوات الجنسية والاستعباد الطّبقي للبشر بشكلٍ لم يسبق له مثيل، ولم يكن بأقلّ فحشًا وطغيانًا ممّا عُرف في التاريخ عن حضارتي الفُرس والرّوم. واستشهد الندوي أثناء هذا السرد بحديث سلمان الفارسي رضي الله عنه الطّويل الذي روى فيه رحلته بحثًا عن الإسلام وعن الرّسول الخاتم ﷺ� وذكر كثيرًا من مظاهر هذا التخلّف الجاهليّ في بيئته الفارسية، ثمّ في مناطق متفرّقة من الشّام وبلاد الجزيرة.

من الجاهلية إلى الإسلام

وبدءًا من هذا الباب تأتي إشراقات الإسلام، ومظاهر الحضارة الحقيقية التي تتجاوز الزخارف والادّعاءات الفارغة لتلج إلى بناء الأسس العميقة والصّلبة للفرد المسلم حامل لواء الإصلاح في الأرض. يمرّ المؤلّف على مواقف متفرّقة من سيرة رسول الله � يلتقط فيها إشاراتٍ عن التغير العميق الذي أقامته شرائع الإسلام في شخصية العربيّ الذي كان همّه خمرٌ ولهوٌ وانغماسٌ في خرافات الجهل وحُجبه. فقد
«كان هذا الانقلاب الذي أحدثه � في نفوس المسلمين وبواسطتهم في المجتمع الإنساني أغرب ما في تاريخ البشر (..) كان غريبا في سرعته وكان غريبا في عمقه وكان غريبا في سعته وشموله (..) وفي وضوحه وقربه إلى الفهم».

ولم يكن كلّ هذا التغيّر ليحدث لولا كمال شخصية رسول الله � الذي بلّغ رسالة ربّ العالمين، وتجرّده عن متاع الدّنيا وإغراءات أبي جهلٍ وأبي الوليد بالرّياسة والمُلك والغنى. بل كانت البوصلة موجّهة نحو الغاية لم تحد عن هدفها، وواصلت عبر طريقٍ طويلٍ امتدّ في مرحلته الأولى ثلاثًا وعشرين سنة (هي عمر النّبوة) ثمّ قرونًا متلاحقة إلى جرت سنّة الله في الأفول والانحطاط. ثمّ ورّث قائد الأمة � هذا التجرّد والترفع إلى القادة من بعده، فكانوا أصحاب ضميرٍ حيّ لا يميل مع كلّ هوًى ومصيبةٍ، وبلغوا مقاماتٍ عالية من الأنفة وعزّة النفس واستشعار المسؤولية.

العصر الإسلامي

أمّا الإسلام فقد جاء بقيادةٍ مصدرها الوحي، ذات أثرٍ واضحٍ على النفس البشريّة، فقد وجّهت شريعة الله أئمّة المسلمين وحكّامهم إلى منهجٍ إلهيّ لا يزيغ ولا يركن لأهواء البشر واختياراتهم وتخبّطاتهم في تحديد الأصوب لهم. كما أنها صقلت النفوس وهذّبتها وطوّعتها لخطاب القرآن وأحكامه، فاستغنوا به وبما غُرس فيهم من فضائل الصّفات وعوالي القيم. فبذلك عزلوا من عزلوا من الأمم عن قيادة العالم، وبذلك خرجوا للجهاد ونشر دين الله.
ثمّ لم يكن انحطاطهم وتراجع دولتهم إلّا حين تركوا الجهاد والائتمار بأوامر الله، وركنوا إلى الدّنيا كما فعل من قبلهم فكانت سنّة الله ماضية فيهم بالهوان والتخلف، ولا تحابي سنن الله أحدًا إن جاء بما يستوجب الخفض والإبعاد، ولن تجد لسنّة الله تبديلًا. فقد ظهرت دولٌ وأسرٌ حكمت المسلمين وتوسّعت في أراضي جيرانها من الأعداء أو المُعاهدين، ومضى عليها من مراحل الحضارة من تألقٍ وازدهار حين تكون مخلصةً لغايتها ومهمتها، ثمّ اعتياد النّعم، ثمّ استبدالٌ واستخلاف. فهكذا كان الأمويّون ثم العباسيون ودولة بني أيوّب وبني عثمان من بعدهم، وهكذا ستكون كلّ دولةٍ ستقوم؛ إمّا أن تلتزم أمر الله وشريعته، وتحكم بين الناس بما أنزل الله، أو تزيغ عن ذلك كلّه فيأتي الله بقومٍ آخرين {{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ}} [سورة المائدة: 54]

العصر الأوروبي

وإذا استدرنا إلى أوروبا، فإنّ كلمةً واحدة للفيلسوف البريطاني سيريل جود Cyril Joad تلخّص كلّ ما مرّت به المدنية الأوروبية منذ عصر الإغريق والرّومان إلى عصر النّهضة وقرون العلم الحديث والهيمنة الاستعمارية:
«إن العلوم الطبيعية قد منحتنا القوة الجديرة بالآلهة، ولكننا نستعملها بعقل الأطفال والوحوش.» فالتشبّث بتعاليم الإسلام وشريعة الله التي اختارها للعالمين هو الذي مكّن للمسلمين في الأرض، ورفعهم فوق باقي الأمم أخلاقيًا، ومن ثمّ علميًا وتقنيا في أوقات قوتهم.


قيادة الإسلام للعالم

فإذا كان العالم ينتظر من يقوده، فإنّ الغرب والشّرق الجاهليين لن يقدّموا له أكثر مما قدموا بالفعل من انحطاط أخلاقيّ وتدهور قيميّ ونفاقٌ سمجٌ يتبدّى في أوقات الأزمات والاختبارات الأخلاقية العظمى للإنسانية. وإنّ السّر في رسالة الإسلام هو التوحيد والتسليم المُطلق لربّ العزة الذي له ملكوت السماوات والأمر، وله الخلق والأمر، لخّصها كأحسن ما يكون صاحب رسول الله � ربعيّ بن عامر: «نحن قومٌ ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد». وإنّ الحِمل على أمّة الإسلام ثقيلٌ يتطلّب جدًا وسعيًا وتوكّلا، ولكنّ أكثرهم غافلون.

وصلّى الله على سيّدنا وقرّة أعيننا محمد.
ربيع الآخر 1445





9 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.
Sign In »

Reading Progress

June 12, 2022 – Started Reading
June 12, 2022 – Shelved
June 12, 2022 – Shelved as: to-read
June 15, 2022 –
page 40
13.2%
June 15, 2022 –
page 40
13.2%
June 16, 2022 –
page 56
18.48%
June 24, 2022 –
page 70
23.1%
June 25, 2022 –
page 92
30.36%
June 28, 2022 –
page 105
34.65%
July 1, 2022 –
page 120
39.6%
July 1, 2022 –
page 160
52.81%
July 2, 2022 –
page 180
59.41%
July 6, 2022 –
page 220
72.61%
July 8, 2022 – Shelved as: 2022
July 8, 2022 – Shelved as: أصبوحة-180
July 8, 2022 – Shelved as: تاريخ-إسلامي
July 8, 2022 – Shelved as: تنمية-ونضة
July 8, 2022 – Shelved as: سياسة
July 8, 2022 – Shelved as: فكر
July 8, 2022 – Finished Reading

No comments have been added yet.