ŷ������

رواية الطريق لنجيب محفوظ

من خبر في صفحة الأحداث إلى رواية نفسية

تبدو فكرة الرواية وكأنها إحدى الأخبار التي قد تقع عليها عيناك في صفحة الأحداث والجريمة في الجرائد اليومية. غير أن محفوظ أخذ هذا القالب البسيط وصنع منه رواية تطرح أسئلة نفسية اجتماعية. رواية تغوص في أغوار النفس وتصور الصراع الداخلي باحترافية عالية.

مسير أم مخير؟

هل لدينا الحرية الكاملة في اختيار الطريق الذي نمضي فيه أم أنه مفروض علينا؟ ربما نحن مكوّن مركّب من عناصر لا يد لنا فيها مثل التربية التي نشأنا عليها والظروف التي وجدنا أنفسنا فيها والخيارات المتاحة أمامنا. إذن ما هو دور قراراتنا؟ وهل قرارنا إرادي هو الآخر أم خاضع للظروف والنشأة وقدراتنا العقلية وقوانا النفسية؟ مثل هذا الأسئلة يجابهها القارئ وهو يتبع الشخصية الرئيسية في الرواية وهو ينجرف أحياناً مع تيار الظروف وأحياناً يحاول السباحة عكس التيار.

الهشاشة النفسية

تبعاً لنفس التيمة في رواية السراب، تفترض رواية الطريق لنجيب محفوظ بأن للتنشئة، وخاصة تربية الأم، دوراً محورياً في شخصية الفرد. تستكشف هذه الرواية مآلات الشخص الذي نشأ على التدليل والحصول على ما يريده بشكل جاهز دون كفاح أو صبر أو انتظار. على الرغم من أنها فرضية بسيطة وواضحة، إلا أن السياق يسلط الضوء على آلية اتخاذ معالجة المشاكل واتخاذ القرار لدى الشخص الذي لم تُدعّم شخصيته أثناء نموه. دراسة الشخصية أُجريت بصورة واقعية ومقنعة إلى درجة بعيدة.

بانتظار الجائزة الكبرى

في كل منا طفل حالم يداعبنا برؤى وردية عن حلول سحرية لمتاعبنا. هذه الأحلام تعمل كجرعة مخدر تشعرنا بالحبور وتزودنا بأمل -كاذب على الأغلب- وتعيقنا عن الكفاح. البعض يتعاطى مخدر حلم الهجرة، أو الزواج من ثري أو ثرية، أو الحصول على ميراث... فكّر قليلاً ولربما وجدت أنك تتعاطى إحدى الأصناف الرائجة أو النادرة.

شخصيات سهلة ممتنعة

رواية الطريق لنجيب محفوظ تزخر بالشخصيات متنوعة الخلفيات والمشارب. فيما يمثل بعضها فكرة أو طبقة معينة، إلا أنها جميعاً عميقة ومرسومة بشكل قابل للتصديق. يشعر القارئ بأنه قد يقابل هذه الشخصية أو تلك على قارعة الطريق، أو على طاولة في مقهى أو على مائدة في بيت العائلة. لدينا الشاب ذو النزعات الطفولية، الفتاة الملائكية الجاهزة للتضحية فور أن يلامس الحب قلبها، الزوجة الغادرة والأم فاسدة التربية.

مصرية بنكهة روسية

لا شك أن احتمال الرمزية وارد، إلا أنني وجدتها رواية نفسية أكثر من أي شيء آخر. ثمة أجزاء منها ستذكرك برواية الجريمة والعقاب لدوستويفسكي. من أول صفحة لآخرها، انهمك المؤلف في تصوير الدوافع والحوار الداخلي وآليات التفكير لدى الشخصية الرئيسية. ومع ذلك فالرواية لا تزيد عن المائتي صفحة. إذا كنت تحب الأدب المحفوظي، فلا أجد لك عذراً في عدم قراءتها.