Ahmad MehreZ's Reviews > شريد المنازل
شريد المنازل
by
by

مرْثيّة
(1)
تقدّم بضع خطوات مسروقة داخل البستان ثم توقف ليصغى إلى صوت ما ، إلى وجود أنس ، قبل أن يكمل سيره متهيّباً كمن يلج دنيا الأسرار غير المحسوبة.
بطلنا الشريد نظام الذى انجذب باكراً فى سن الطفولة لبستان جيرانه السحرى ، ولد جميل وذكى ، تشرق عيناه سحرا يأسر الناظر إليه ، تعرّف فى البستان على حياة جديدة و مغامرات صغيرة أزاحت من على كتفه الكثير من الضجر ، ولقى ما لقى من حنان وحب يعوّض ما لم يلقه من أهله .
سألَته صراحةً اذا كان يريد العودة إلى " توما " ، و " رخيمة " . تردد قبل أن يقول " نعم " بصوت خافت وعيناه تلمعان كأنه كسب الجولة .
، قدِم من أسرة مسلمة ليعيش فى كنف أسرة مسيحية .
انحاز منذ طفولته إلى هوية حرة تعبر الحواجز ، ولا يجد تناقضاً بين حبه لأمه بالميلاد ، والحب الذي قدمته له السيدة المسيحية التي نصّبها أمّاً بالاختيار ، شعر بالألفة سواء كان فى مسجد أو فى كنيسة .
(2)
أردت بيروت ؟ هاك بيروت : زهرة الشمال ، المَنارة ... و حَورا .
تستمر مُحذرة : لن يتركوكم بسلام ! - لا يسألها نظام من هم ، ولا من نحن ؟
من زاوية إنسانية بالغة الرقة ظهر نسيج المجتمع اللبنانى المتنوع ،، من التفاصيل الصغيرة المتتالية تتكشف شيئا فشيئا جذور نشأة الصراع الطائفى الذى كان سبباً فى الحرب .
الصراعات السياسية فى لبنان ، حجم الانشغال بحلم القومية وغروبه مع غياب عبد الناصر ، ظهور جيل من اليسار المناضل المُفعم بالأمل لكنه انهار أمام المد المتفجر للصراع الطائفى الذى أودى بكل منهم عائداً إلى عشيرته أو إلى خارج البلاد .
بيروت العاصمة ، محفلاً سياحياً وسياسياً ، مرعى خصيب للتيارات النضاليه والتحررية ، ازدحمت بيروت حتى انفجرت ، وأتت شرارة الحرب التى قضت على بهاء لبنان ، وخلفت وراءها قتلى ودمار ، الكل أُصيب ، لم يكن أحد بمأمن من شرورها .
(3)
جَنان سالِم
فى مرسمها وجد المُستقر الذي تمناه ، لأول مرة يعرف العشق .
قدمت ألوانها المتعددة اللوحة التى يبحث عنها لـ بلد لم يتحمل فسحة الأمل التى كان يُمثلها ، وفّرت مساحات سرد عميقة عن مدينة واضحة المعالم ، سماء بلون الغضب ، شوارع نافرة ، لكن خلت من البشر ...
أجسام المارّة غائرة ووجوههم غامضة ، خيالات أكثر منها أجساداً . تتعمد جَنان عدم إكمال ما يدب على قدمين ، كل ماهو بشر
،
في قلب هذه الفوضى والألم تُضيء علاقة نظام بـ جَنان ، هذا الغرام يتقاطع مع بداية الحرب الاهلية ، يفشل نظام فى العبور بين البيروتيْن .. الشرقية ، والغربية ، فتحتج جَنان بمحاولة انتحار قطعت ما بينهما من أواصر .
(4)
مشى يبحث عن الشمس ، وجدها على مقربة ، وقف ونظر إلى أعلى ، أغرق وجهه بالضوء ، راح يثبت نظره فى قرص الشمس لمحة حتى يضطر إلى إغماض جفنيه فتبقى كرات الضوء تتلألأ فى عتمة عينيه ، كرر التحدى حتى صار عاجزاً عن الرؤية ، انفجر النور فى عينيه لكنه شعر بالدفىء
يحاول الحارس أن يفاجئه :
- أعطنى هويتك .
لا يتحرك ولا يجيب .
.. يحاولان اكتشاف معادلته :
- أين تسكن ؟
لم أعد أسكن ..
.. يضحكان ، يكملان :
- كنت تتجسس علينا ؟
عليكم ؟؟
.. براءته تحيرهما.
- من أين أنت ؟
سكĶوت
ملتبس الهوية .. عديمها ، طواعيةً أم كرهاً ؟
شريد المنازل .. ما العلاقة بيننا وبين منازلنا والأماكن التي نمر فيها ؟
بيروت .. كان آنذاك يُقتل أبناؤها على الهوية !
(5)
سكت قليلاً وأضاف بحزم : " أنا أنذرتك وأنت حر .. " , شكره نظام .. كلا ، لست حراً ... "
إن العلاقة التي نشأت بين " نظام " و " عائلته المسيحية " هى علاقة خاصة حميمة بين أفراد اختاروا الانتماء إلى بعضهم لأسباب خاصة ، لكنها وُجدت فى زمنٍ يأبى إلا أن تتحول أى علاقة خاصة إلى عامة .
لست حُراً فى اختيار انتماءاتك .. لا بد أن تدخل فى إطار وُضع لك سلفاً .
نظام الذى لم يكن لحياته من اسمه نصيباً ، سلك طرقاً متشابكة ، تجاوز التصنيف العرقى والتقييد الطائفى جسّد التعايش الإنسانى ، روحُ ظلّت تائهة متعبة حتى وجدت وداعها الأخير عابرة فوق المنازل التى تشرّد منها وإليها ، وقد استقر أخيراً فى البستان كزهرة لم يتبق منها غير عبيرها !
(1)
تقدّم بضع خطوات مسروقة داخل البستان ثم توقف ليصغى إلى صوت ما ، إلى وجود أنس ، قبل أن يكمل سيره متهيّباً كمن يلج دنيا الأسرار غير المحسوبة.
بطلنا الشريد نظام الذى انجذب باكراً فى سن الطفولة لبستان جيرانه السحرى ، ولد جميل وذكى ، تشرق عيناه سحرا يأسر الناظر إليه ، تعرّف فى البستان على حياة جديدة و مغامرات صغيرة أزاحت من على كتفه الكثير من الضجر ، ولقى ما لقى من حنان وحب يعوّض ما لم يلقه من أهله .
سألَته صراحةً اذا كان يريد العودة إلى " توما " ، و " رخيمة " . تردد قبل أن يقول " نعم " بصوت خافت وعيناه تلمعان كأنه كسب الجولة .
، قدِم من أسرة مسلمة ليعيش فى كنف أسرة مسيحية .
انحاز منذ طفولته إلى هوية حرة تعبر الحواجز ، ولا يجد تناقضاً بين حبه لأمه بالميلاد ، والحب الذي قدمته له السيدة المسيحية التي نصّبها أمّاً بالاختيار ، شعر بالألفة سواء كان فى مسجد أو فى كنيسة .
(2)
أردت بيروت ؟ هاك بيروت : زهرة الشمال ، المَنارة ... و حَورا .
تستمر مُحذرة : لن يتركوكم بسلام ! - لا يسألها نظام من هم ، ولا من نحن ؟
من زاوية إنسانية بالغة الرقة ظهر نسيج المجتمع اللبنانى المتنوع ،، من التفاصيل الصغيرة المتتالية تتكشف شيئا فشيئا جذور نشأة الصراع الطائفى الذى كان سبباً فى الحرب .
الصراعات السياسية فى لبنان ، حجم الانشغال بحلم القومية وغروبه مع غياب عبد الناصر ، ظهور جيل من اليسار المناضل المُفعم بالأمل لكنه انهار أمام المد المتفجر للصراع الطائفى الذى أودى بكل منهم عائداً إلى عشيرته أو إلى خارج البلاد .
بيروت العاصمة ، محفلاً سياحياً وسياسياً ، مرعى خصيب للتيارات النضاليه والتحررية ، ازدحمت بيروت حتى انفجرت ، وأتت شرارة الحرب التى قضت على بهاء لبنان ، وخلفت وراءها قتلى ودمار ، الكل أُصيب ، لم يكن أحد بمأمن من شرورها .
(3)
جَنان سالِم
فى مرسمها وجد المُستقر الذي تمناه ، لأول مرة يعرف العشق .
قدمت ألوانها المتعددة اللوحة التى يبحث عنها لـ بلد لم يتحمل فسحة الأمل التى كان يُمثلها ، وفّرت مساحات سرد عميقة عن مدينة واضحة المعالم ، سماء بلون الغضب ، شوارع نافرة ، لكن خلت من البشر ...
أجسام المارّة غائرة ووجوههم غامضة ، خيالات أكثر منها أجساداً . تتعمد جَنان عدم إكمال ما يدب على قدمين ، كل ماهو بشر
،
في قلب هذه الفوضى والألم تُضيء علاقة نظام بـ جَنان ، هذا الغرام يتقاطع مع بداية الحرب الاهلية ، يفشل نظام فى العبور بين البيروتيْن .. الشرقية ، والغربية ، فتحتج جَنان بمحاولة انتحار قطعت ما بينهما من أواصر .
(4)
مشى يبحث عن الشمس ، وجدها على مقربة ، وقف ونظر إلى أعلى ، أغرق وجهه بالضوء ، راح يثبت نظره فى قرص الشمس لمحة حتى يضطر إلى إغماض جفنيه فتبقى كرات الضوء تتلألأ فى عتمة عينيه ، كرر التحدى حتى صار عاجزاً عن الرؤية ، انفجر النور فى عينيه لكنه شعر بالدفىء
يحاول الحارس أن يفاجئه :
- أعطنى هويتك .
لا يتحرك ولا يجيب .
.. يحاولان اكتشاف معادلته :
- أين تسكن ؟
لم أعد أسكن ..
.. يضحكان ، يكملان :
- كنت تتجسس علينا ؟
عليكم ؟؟
.. براءته تحيرهما.
- من أين أنت ؟
سكĶوت
ملتبس الهوية .. عديمها ، طواعيةً أم كرهاً ؟
شريد المنازل .. ما العلاقة بيننا وبين منازلنا والأماكن التي نمر فيها ؟
بيروت .. كان آنذاك يُقتل أبناؤها على الهوية !
(5)
سكت قليلاً وأضاف بحزم : " أنا أنذرتك وأنت حر .. " , شكره نظام .. كلا ، لست حراً ... "
إن العلاقة التي نشأت بين " نظام " و " عائلته المسيحية " هى علاقة خاصة حميمة بين أفراد اختاروا الانتماء إلى بعضهم لأسباب خاصة ، لكنها وُجدت فى زمنٍ يأبى إلا أن تتحول أى علاقة خاصة إلى عامة .
لست حُراً فى اختيار انتماءاتك .. لا بد أن تدخل فى إطار وُضع لك سلفاً .
نظام الذى لم يكن لحياته من اسمه نصيباً ، سلك طرقاً متشابكة ، تجاوز التصنيف العرقى والتقييد الطائفى جسّد التعايش الإنسانى ، روحُ ظلّت تائهة متعبة حتى وجدت وداعها الأخير عابرة فوق المنازل التى تشرّد منها وإليها ، وقد استقر أخيراً فى البستان كزهرة لم يتبق منها غير عبيرها !
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
شريد المنازل.
Sign In »
Reading Progress
Finished Reading
March 28, 2013
– Shelved
Comments Showing 1-8 of 8 (8 new)
date
newest »

message 1:
by
Abdelrahman
(new)
-
rated it 5 stars
Feb 12, 2014 08:54AM

reply
|
flag
