رانيا محيو الخليلي's Reviews > مذكرات فتاة ملتزمة
مذكرات فتاة ملتزمة
by
by

اكتشفت من خلال هذه المذكرات أهمية الوعي ليكون الإنسان مفكرًا، فيلسوفًا أو حتى كاتبًا مرهف الحس، يفهم التكوين البشري الفردي أو العام، بشفافية وبصدق.
"مذكرات فتاة رصينة أوملتزمة" كتاب تطرقت من خلاله سيمون دوبوفوار لمرحلة أسست لحياتها المستقبلية. إنها الطفولة المتبوعة بمراهقة مليئة بالتساؤلات وصولاً لمرحلة التحصيل العلمي التي انتهت بنضج واعي وخاص للحياة.
أثناء قراءتي لهذه المذكرات ، شعرت كانني أمام شريط سينمائي قديم يمر على أسطوانة حديدية أسمع طقطقاتها ووشوشة الصورة من وقت لآخر. وانتابني شعور أنّ سيمون هكذا كانت تشاهد حياتها حين كانت تسردها. بدايةً توقعت أنّ الأحداث ستأخذني نحو علاقتها بسارتر، لأكتشف أنّ جاك، ابن عمها، هو من أسر قلبها ولسنوات طويلة ورغم كل ما حدث بينهما إلاّ أنه مازال يأخذ حيّزًا من مشاعرها.
سيمون اعترفت وبشكل واضح وصريح أنّها فقدت إيمانها، أو حسّها الإيماني بمرحلة مبكرة من حياتها، واللافت أنّها لم تتعامل مع معتقدها اللاإيماني بأسلوب مستفز، كما يفعل معظم المثقفون الملحدون. فهؤلاء يرجمون كل من يتعارض مع فكرهم ويضعونه بقالب من الجهل والتخلف. بينما ردّ فعل سيمون تجاه من حولها من المؤمنين كان احترام اختيارهم وحيادها تجاه الموضوع على اعتبار أنّ كل إنسان حرّ في اعتقاده سواء آمن أو لم يؤمن. لم يكن إلحادها غاضبا أو مستفزًا أو حتى أسلوبًا لتبدي من خلاله اختلافها عن الآخرين. كان مجرد قناعة وصلت إليها أو مازالت في إطار السعي للوصول إليها. إنها مرحلة الشك.
كانت ترى الأمور بوضوح وتتحدث عنها بصراحة شفافة نضرة لاتدع لنا أيّ مجال لتكذيبها أو النفور منها.
لقد توقعت لما أعرفه من سيرتها الذاتية أن أراها معترضة بشكل قاطع وحاد لفكرة الزواج، لأجدها في نواح معينة مستعدة للتنازل عن جزء من قناعاتها وطموحاتها في سبيل البقاء مع جاك. كانت تبحث عن هويتها الأنثوية من خلال الحب، ومن خلال الشعور بأنها جميلة ومرغوبة. حاولت جاهدة أن تنسق بين عمقها الفكري وشكلها الخارجي. فرأينا الكثير من الوصف للألبسة والأقمشة والمظاهر الخارجية لاسيما فيما يتعلق بصديقاتها أوزميلاتها.
وعلى الرغم من أفكارها التي يعتبرها البعض جامحة وحادة إلاّ أنني اكتشفت إنسانة حساسة تولي أهمية كبيرة لمن ابتسم لها واهتم بوجودها، ربما لتثبت أنها مقبولة اجتماعيًا، الأمر الذي كان يبعث راحة نفسية كبيرة في داخلها.
لم تكن إنسانة مضطربة ، حاقدة أو حاسدة، رغم نفور والديها منها لفترة من الزمن وكذلك والدة أعز صديقاتها "زازا" الشهيرة ماريبل. كانت متصالحة مع نفسها ومع الآخرين، والأمر يعود لنضجها الفكري والعقلي الذي لا يتأثر بالمظاهر وإنما يراقب العمق، عمق الأشياء والأشخاص.
سيمون دو بوفوار كتبت في هذه المذكرات حقبة تأسيسية من حياتها، صداقاتها الأولى، مشاعرها الأولى ونضارتها الأولى. هذه الفترة التي ربطتها بوجود زازا وأنهتها برحيلها حتى كانت جملتها الأخيرة ملفتة في هذا الخصوص حيث قالت:"ولقد فكرت طويلاً بأني اشتريت بموتها حريتي".
وكأنّ زازا هي الشخصية الرديفة لوجودها. الشخصية الإيمانية الراضخة المتقبلة للقواعد والقوانين دون الرغبة بالانقضاض عليها ومخالفتها. وكأنها بداخلها كانت تتخبط بين الإيمان واللاإيمان(لا أريد أن أقول عنه إلحاد لأنني لم أجد أي دليل على إلحادها في كل ماقرأته في هذه المذكرات) كل ما بدا هو رفض، رفض لقوانين صارمة تمنع الانسان من الحب ومن حرية الاختيار.
حتى أنها حين روت حيثيات وفاة زازا أوحت للقارىء وكأنها ماتت بسبب الحب، لتخبرنالاحقًا بصدقها العفوي أنّ سبب وفاة زازا كان داء السحايا.
خرجت بالكثير من الانطباعات لدى قراءتي لتلك المذكرات، اكتشفت خﻻله� أن الوعي يتحكم بالسرد اﻷدب� ولو أننا ندرك خلفه الكثير من المشاعر المكبوتة التي تتيح للقارئ التطلع إليها بوضوح. وصلت بالنهاية لخلاصة مفادها أن الكاتب الحقيقي والفيلسوف الحقيقي والمفكر الحقيقي هو الذي يحترم فكر وفلسفة ومعتقد اﻵخ� دون اﻹساء� والتبخيس به ودون محاولة فرض آراءه على اﻵخري�. سيمون دوبوفوار لم تكن مقتنعة بأنها وصلت للمطلق فهي مازالت في بحث دائب عن الحقيقة. "مذكرات فتاة ملتزمة " ليست سوى البداية لرحلة ذكريات ستمتد على خمس مجلدات، منها "قوة العمر" وقوة الأشياء". تمكنت سيمون من إثبات جدارتها الكتابية من خلال تلك المذكرات، واستطاعت أن تحقق بكتابتها ما لم تستطع تحقيقه في الروايات.
حول هذا العمل الفكري والأدبي، لايسعني القول إلاّ أنني استمتعت بقراءتي وتمنيت أن لا تنتهي الصفحات ﻷكتش� المزيد من اﻹدرا� الواعي لدى الكاتبة والمزيد من الرقي البوحي.
منحتها خمس نجمات بقناعة كاملة لاتشوبها شائبة.
"مذكرات فتاة رصينة أوملتزمة" كتاب تطرقت من خلاله سيمون دوبوفوار لمرحلة أسست لحياتها المستقبلية. إنها الطفولة المتبوعة بمراهقة مليئة بالتساؤلات وصولاً لمرحلة التحصيل العلمي التي انتهت بنضج واعي وخاص للحياة.
أثناء قراءتي لهذه المذكرات ، شعرت كانني أمام شريط سينمائي قديم يمر على أسطوانة حديدية أسمع طقطقاتها ووشوشة الصورة من وقت لآخر. وانتابني شعور أنّ سيمون هكذا كانت تشاهد حياتها حين كانت تسردها. بدايةً توقعت أنّ الأحداث ستأخذني نحو علاقتها بسارتر، لأكتشف أنّ جاك، ابن عمها، هو من أسر قلبها ولسنوات طويلة ورغم كل ما حدث بينهما إلاّ أنه مازال يأخذ حيّزًا من مشاعرها.
سيمون اعترفت وبشكل واضح وصريح أنّها فقدت إيمانها، أو حسّها الإيماني بمرحلة مبكرة من حياتها، واللافت أنّها لم تتعامل مع معتقدها اللاإيماني بأسلوب مستفز، كما يفعل معظم المثقفون الملحدون. فهؤلاء يرجمون كل من يتعارض مع فكرهم ويضعونه بقالب من الجهل والتخلف. بينما ردّ فعل سيمون تجاه من حولها من المؤمنين كان احترام اختيارهم وحيادها تجاه الموضوع على اعتبار أنّ كل إنسان حرّ في اعتقاده سواء آمن أو لم يؤمن. لم يكن إلحادها غاضبا أو مستفزًا أو حتى أسلوبًا لتبدي من خلاله اختلافها عن الآخرين. كان مجرد قناعة وصلت إليها أو مازالت في إطار السعي للوصول إليها. إنها مرحلة الشك.
كانت ترى الأمور بوضوح وتتحدث عنها بصراحة شفافة نضرة لاتدع لنا أيّ مجال لتكذيبها أو النفور منها.
لقد توقعت لما أعرفه من سيرتها الذاتية أن أراها معترضة بشكل قاطع وحاد لفكرة الزواج، لأجدها في نواح معينة مستعدة للتنازل عن جزء من قناعاتها وطموحاتها في سبيل البقاء مع جاك. كانت تبحث عن هويتها الأنثوية من خلال الحب، ومن خلال الشعور بأنها جميلة ومرغوبة. حاولت جاهدة أن تنسق بين عمقها الفكري وشكلها الخارجي. فرأينا الكثير من الوصف للألبسة والأقمشة والمظاهر الخارجية لاسيما فيما يتعلق بصديقاتها أوزميلاتها.
وعلى الرغم من أفكارها التي يعتبرها البعض جامحة وحادة إلاّ أنني اكتشفت إنسانة حساسة تولي أهمية كبيرة لمن ابتسم لها واهتم بوجودها، ربما لتثبت أنها مقبولة اجتماعيًا، الأمر الذي كان يبعث راحة نفسية كبيرة في داخلها.
لم تكن إنسانة مضطربة ، حاقدة أو حاسدة، رغم نفور والديها منها لفترة من الزمن وكذلك والدة أعز صديقاتها "زازا" الشهيرة ماريبل. كانت متصالحة مع نفسها ومع الآخرين، والأمر يعود لنضجها الفكري والعقلي الذي لا يتأثر بالمظاهر وإنما يراقب العمق، عمق الأشياء والأشخاص.
سيمون دو بوفوار كتبت في هذه المذكرات حقبة تأسيسية من حياتها، صداقاتها الأولى، مشاعرها الأولى ونضارتها الأولى. هذه الفترة التي ربطتها بوجود زازا وأنهتها برحيلها حتى كانت جملتها الأخيرة ملفتة في هذا الخصوص حيث قالت:"ولقد فكرت طويلاً بأني اشتريت بموتها حريتي".
وكأنّ زازا هي الشخصية الرديفة لوجودها. الشخصية الإيمانية الراضخة المتقبلة للقواعد والقوانين دون الرغبة بالانقضاض عليها ومخالفتها. وكأنها بداخلها كانت تتخبط بين الإيمان واللاإيمان(لا أريد أن أقول عنه إلحاد لأنني لم أجد أي دليل على إلحادها في كل ماقرأته في هذه المذكرات) كل ما بدا هو رفض، رفض لقوانين صارمة تمنع الانسان من الحب ومن حرية الاختيار.
حتى أنها حين روت حيثيات وفاة زازا أوحت للقارىء وكأنها ماتت بسبب الحب، لتخبرنالاحقًا بصدقها العفوي أنّ سبب وفاة زازا كان داء السحايا.
خرجت بالكثير من الانطباعات لدى قراءتي لتلك المذكرات، اكتشفت خﻻله� أن الوعي يتحكم بالسرد اﻷدب� ولو أننا ندرك خلفه الكثير من المشاعر المكبوتة التي تتيح للقارئ التطلع إليها بوضوح. وصلت بالنهاية لخلاصة مفادها أن الكاتب الحقيقي والفيلسوف الحقيقي والمفكر الحقيقي هو الذي يحترم فكر وفلسفة ومعتقد اﻵخ� دون اﻹساء� والتبخيس به ودون محاولة فرض آراءه على اﻵخري�. سيمون دوبوفوار لم تكن مقتنعة بأنها وصلت للمطلق فهي مازالت في بحث دائب عن الحقيقة. "مذكرات فتاة ملتزمة " ليست سوى البداية لرحلة ذكريات ستمتد على خمس مجلدات، منها "قوة العمر" وقوة الأشياء". تمكنت سيمون من إثبات جدارتها الكتابية من خلال تلك المذكرات، واستطاعت أن تحقق بكتابتها ما لم تستطع تحقيقه في الروايات.
حول هذا العمل الفكري والأدبي، لايسعني القول إلاّ أنني استمتعت بقراءتي وتمنيت أن لا تنتهي الصفحات ﻷكتش� المزيد من اﻹدرا� الواعي لدى الكاتبة والمزيد من الرقي البوحي.
منحتها خمس نجمات بقناعة كاملة لاتشوبها شائبة.
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
مذكرات فتاة ملتزمة.
Sign In »
Reading Progress
September 11, 2013
–
Started Reading
September 11, 2013
– Shelved
September 18, 2013
–
Finished Reading
Comments Showing 1-14 of 14 (14 new)
date
newest »


طبعا هذا لا يعني انو مذكرات فتاة رصينة كتاب رائع فيه من الوضوح و التلقائية و الصدق

لقد اختارت حقبة ما قبل سارتر من حياتها للتحدث عنها في المذكرات.
وللوصف الهائل والعميق لجاك انتابني حدس من أنّ حبها لجاك بقي متعلقًا بقليها، خاصة وأنّه توفي في ظروف صعبة.
وربما لشدة تعلقها به لم تتزوج من سارتر لاحقًا أو رفضت فكرة الزواج لامن سارتر ولا من سواه.

بوركتِ :))

بوركتِ :))"
أسعدني تعليقك وحضورك على صفحتي هناء
كان هذا الكتاب تجربة قرائية ممتعة.


وتأكيدًا على كلامي سيمون دوبوفوار كتبت فوقها خمس كتب مذكرات شرحت فيها معظم مراحل حياتها ونشرتها وهي على قيد الحياة، وهذه المذكرات هي التي شهرتها أكثر من رواياتها.
مراجعة أكثر من رائعة
شكرا