ŷ

Mohmed Abd el salam's Reviews > داروين مترددًا: نظرة مقربة لتشارلز داروين وكيف وضع نظريته عن التطور

داروين مترددًا by David Quammen
Rate this book
Clear rating

by
14426264
's review

it was amazing
bookshelves: biography, science, favorites

الخلاصة التي خرجت منها بعد قراءة هذا الكتاب هي أن "داروين" لا يستحق كل هذا الجدل الذي تمخض عن أفكاره.. في رأيي لم يكن داروين عالماً عبقريـًا كان تجريبيـًا مجتهداً وصاحب منهجية صبورة، لكنه ليس عبقرياً.

description

هناك نقطتان يمكن الإشارة لهم في هذا السياق؛ النقطة الأولى أن داروين لم يأت شيئاً فريداً بحيث يمكن أن نتساءل: لو أن داروين لم يظهر في هذه الفترة كم كان الأمر سيختلف.. كانت أفكار التطور منتشرة من قديم الزمن، وقليل يعلمون أن "ألفريد راسل والاس" توصل لنظرية الانتخاب الطبيعي في نفس الفترة التي كان داروين متردداً في نشر أفكاره، وقد اشتركا معاً في نشر الورقة البحثية الأولى التي أعلنت عن النظرية، وبطريقة غير أخلاقية في رأي الكثيرين، في أحد أكثر مصادفات التاريخ غرابة بعث "والاس" بأطروحتة حول النظرية لداروين نفسه (دون أن يعلم أن دارون سبقه لنفس النظرية تماماً) ليبعثها دارون إلى "ريتشارد ليل"، وكان الأخير أكبر علماء إنجلترا في الجغرافيا وصديقاً لداروين، لذا فقد توصل لحل وسط بأن يتم مناقشة ورقة "والاس" مع ملخص لنظرية داروين في نفس اليوم في الجمعية الملكية للعلوم.. وهكذا لو أن داروين اختفى من التاريخ لتوصل "والاس" للنظرية في نفس الفترة الزمنية، بل إن ضغط الأسبقية هو الذي جعل داروين يسرع في إنجاز كتابه "أصل الأنواع".

النقطة الأخرى هي دور الحظ والصدفة في شهرة داروين، يدين داروين بالفضل لرحلة السفينة بيجل التي استمرت لخمس سنوات .. كان من المفترض أن يسافر بدلاً منه أحد دارسي التاريخ الطبيعي، لكن هذا الأخير قرر عدم السفر وحل محله داروين الذي لم يكن له علاقة أكاديمية بالتاريخ الطبيعي ،واستر يعتمد على نتائج هذه الرحلة والعينات التي جمعها في معظم أبحاثه العلمية،ً كان داروين من أسرة ثرية وفرت له دعماً مالياً، كما كان لها علاقات اجتماعية قوية سهلت له السفر على السفينة، بعكس "والاس" الذي كان عصامياً حيث جمع تكاليف سفره للأمازون من جمع عينات التاريخ الطبيعي وإرسالها لهواة جمع العينات في لندن.. وعلى خلاف "داروين"؛ كان "والاس" معرضا لفقد حياته في الرحلة، لم يكن لديه حظ داروين ولا ثروته!
كذلك لعب الحظ دوراً عندما أرسل والاس نفسه ورقته البحثية لداروين، لو أرسلها لشخص آخر وقام بنشرها منفرداً لظهرت النظرية باسمه ولاختفى داروين من تاريخ العلم كصاحب نظرية الانتخاب الطبيعي.

ما الذي ميز "داروين" إذن ؟
الأمر الأول هو الجانب التجريبي لديه كعالم، استمر داروين عشرين عاماً يجمع كل الأدلة حول آلية الانتخاب الطبيعي في حدوث التطور، كان يمطر المهتمين بالتاريخ الطبيعي برسائل يطلب منهم عينات لأبحاثه (وهذه الطريقة التي تعرف بها على والاس).. وكان يكتب مسودات لا تنتهي حول أفكاره منتظراً أن يأتي ليوم التي ينشرها في كتاب موسوعي، كان صبوراً، ويتمتع بفضول علمي لا مثيل له.

الأمر الثاني في أسباب شهرة داروين هو كتابه أصل الأنواع، كان توصل والاس للنظرية في هذه الفترة دافعاً لداروين لكي يكتب خلاصة لكتابة الموسوعي الذي لم يظهر أبداً، لكن هذه الخلاصة تحولت للكتاب المعروف بصفحاته الـ 500، بعدها تخلى دروين عن كتابه الموسوعي.. كان عامل الوقت حافزاً وضغوط الأسبقية لكي يخرج الكتاب مبسطاً بعيداً على التخصص الجاف، كان داروين مضطراً للتخلي عن تردده ومنهجيته الصارمة لكي يخرج كتابه للقارئ العادي في أسرع وقت، ولكي ينقذ عشرين عاماً من العمل على نظرية الانتخاب الطبيعي.

العامل الثالث هو طبيعة أفكار داروين نفسها، سبق أن أوضحنا أن نظرية التطور (تغير السمات الوراثية وصفات وأعضاء معينة للحيوان عن أصل سابق عبر الأجيال المتعاقبة) هي أسبق عن داروين، بل إن البعض يعود بها إلى عهد فلاسفة الإغريق.. وقبل سنوات من نشر داروين لنظرية الانتخاب الطبيعي خرج "لامارك" بنظرية عن التطور.. لكن الجديد الذي أتى به داروين هو أن هذا التطور يحدث بآلية (الانتخاب الطبيعي) دون تدخل من خالق أعلى، كانت تلك فكرة ثورية في هذا العصر قلبت مفاهيم العلم رأساً على عقب ونحت جانباً ما جاء بسفر التكوين حول الخلق والنشوء.. وهذه النزعة المادية وجدت أنصاراً متحمسين عملوا على نشرها وترويجها والدفاع عنها أمام هجوم رجال الدين وأصحاب النظرية التكوينية في النشوء، حتى وإن كانوا لم يفهموها بشكل جيد!
باختصار قدمت النظرية تفسيراً ماديا للغز الألغاز، وهدمت آخر حصون الدين.. من الممكن التوفيق بين التطور والاعتقاد بأن خالقاً إلهياً أرسى القوانين التي تحكم الكون، وأعطى قوة دافعة للحياة، وأتاح للأنواع أن تتغير عبر الزمان، ثم –ف� لحظة سحرية ما- نفث بعداً روحياً فريداً في أحد الأنواع الرئيسية عرف لاحقاً بالإنسان العاقل، لكن بمجرد أن تتبنى الانتخاب الطبيعي كآلية للتطور دون أن تستبعد منها الإنسان فإنك تدق آخر مسمار في نعش المسيحية (والأديان بشكل عام) ، ويصبح القول بأن الإنسان مخلوق مميز من جوهر أعلى غير مادي، خلق على هيئة الرب ويرنو للبعث وللخلود أمر لا دليل عليه .

نظرية الانتخاب الطبيعي تقوم ببساطة على أربع فرضيات :
أولاً / عدد المواليد يكون أكبر من العدد القادر على النجاة.. نتيجة لعوامل قلة حجم الغذاء، والظروف الطبيعية الأخرى، ونتيجة لذلك يحدث الصراع من أجل البقاء.
ثانياً / الأجيال الجديدة تتغاير في السمات الوراثية طبيعياً -ولو بدرجة قليلة- لتتكيف مع ظروف الحياة والطبيعة، وتكون هذه الأجيال الجديدة أكثر قدرة على النجاة، وتتنافس مع الآباء، وتكون لديها فرصة أكبر في البقاء.
ثالثاً / هذه التغيرات والاختلافات البسيطة تكون وراثية للأجيال اللاحقة.
رابعاً / الإنسان ليس استثناء من هذه العملية ، (وهي فكرة لن يوافق عليها "والاس" بعد ذلك)



description


هناك نقاط هامة تخص فكرة الانتخاب الطبيعي عند "داروين" يجب أن يتم ذكرها
لم يدع "داروين" أنه استطاع البرهنة على آلية الانتخاب الطبيعي كعامل مُسبب للتطور، كما لم يدع بأن هذا هو السبب الوحيد في حدوث التطور.. لكنه جمع أدلة كثيرة على أن هذا هو التفسير الأكثر احتمالاً.
أيضاً على عكس الاعتقاد الشائع لم يجزم داروين بأن الإنسان والقرد خرجا من سلف مشترك، لكنه أوضح أن الإنسان ليس استثناءً في عملية التطور والانتخاب الطبيعي ،وترك تفسير أصل الإنسان للعلماء من بعده.
كما أن داروين أقر بأنه يجهل قوانين التغير (الطريقة التي تحدث بها التغيرات الطفيفة عبر الأجيال)، وأوضح "نحن لا نستطيع، ولا في حالة واحدة من كل مائة حالة، أن نزعم معرفة السبب وراء اختلاف هذا الجزء أو ذاك عن الجزء نفسه في الوالدين.
أخيراً فإن قول داروين بأن التغيرات يتم وراثتها عبر الأجيال قد ثبت خطئه فيما بعد.

بقي أن نتناول الجانب الفلسفي في النظرية .
وفرت نظرية الانتخاب الطبيعي تفسيراً مادياً للخلق، كانت الأساس للحركات الإلحادية بعد ذلك.. بعدها خرج نيتشه بالقول الأشهر له (لقد مات الإله) .
لكن من جهة أخرى بأن النظرية فسرت تطور الإنسان قد ثبت سخفه، ورغم أن داروين لم يرفض هذا الطرح إلا أنه لم يقدم تفسيراً.. أما "والاس" الذي يشترك مع داروين في ظهور النظرية فقد أوضح بجلاء " لا يمكن لهذه الآلية أن تنتج المخ البشري، ناهيك عن الطبيعة الأخلاقية والثقافية الأرقى للإنسان.. وأن العالم محكوم بالطبع بالقوانين، لكنه أي -والاس- يميل للإعتقاد بأن ذكاء متحكماً راقب هذه القوانين، ومن ثم هذه التغيرات، وهو الذي يحدد تراكمها"


على أي حال فإن من يبحث عن أصل مادي للإنسان يمكن أن يجد غايته إن أراد في جينوم الفأر، فقد ثبت أن 30 ألف جين من الخريطة الوراثية للفئران 99% منها له نظائر مباشرة عند البشر (!!!!) بمعنى أن النوع البشري قد خلق خلقاً مشابهاً للفئران بـ 30 ألف طريقة.. وهو مالا يمكن تفسيره (وفقاً لرأي الكاتب) إلا بالانحدار من سلالة مشتركة (!!!!)
هكذا يفضل البعض أن يرفض التفسير الغيبي لأصل الإنسان ويقبل أن ينحدر من أصل مشرك مع الفئران والقرود.. وهو أمر لا يفوقه سخافة أي قول آخر.

يقول العلماء أنه في القرن العشرين قد توافرت دلائل كثيرة على نظرية الانتخاب الطبيعي في التطور، ولكن من خلال طفرات جينية وليس بوراثة الصفات نفسها.. هكذا فإن نظرية داروين-والاس لازالت صامدة وإن تغير فهمها بصورة كبيرة .

الكتاب ممتع ورائع، ونموذج لما ينبغي أن يكون عليه كتب تبسيط العلوم.. ستخرج منه بفهم أفضل لنظرية التطور ولشخصية داروين المثيرة للجدل بكل تركيبتها النفسية.
41 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read داروين مترددًا.
Sign In »

Reading Progress

January 7, 2014 – Started Reading
January 7, 2014 – Shelved
January 9, 2014 –
page 207
66.35%
January 9, 2014 – Shelved as: biography
January 9, 2014 – Shelved as: science
January 9, 2014 – Finished Reading
February 11, 2014 – Shelved as: favorites

Comments Showing 1-6 of 6 (6 new)

dateDown arrow    newest »

صفاء SAFAA تحليلك للكتاب أعجبني كثيرا
ما شاء الله عليك
لكن لي ملاحظة و ارجو التأكد منها
ذكرت في تعليقك أن "
النقطة الأخرى هي دور الحظ والصدفة في شهرة داروين ، يدين داروين بالفضل لرحلة السفينة بيجل التي استمرت لخمس سنوات .. كان من المفترض أن يسافر بدلاً منه أحد دارسي التاريخ الطبيعي ، لكن هذا الأخير قرر عدم السفر وحل محله داروين الذي لم يكن له علاقة أكاديمية بالتاريخ الطبيعي"
حسب ما قرأته تم اختيار داروين من طرف قبطان السفينة لكي يكون رفيقا له وليس بصفته باحث في التاريخ الطبيعي
ما حدث وهو ان الباحث الذي تم تقريره لكي يقوم بهذه الدراسة قد شعر فعلا بالغيرة من داروين و خلال الرحلة (يعني انه سافر مع الرحلة) قرر التخلي عن مهمته والرجوع إلى وطنه وبالتالي استغل داروين الفرصة


Mohmed Abd el salam شكراً للتصحيح .. ربما إختلط علي الأمر
ما قصدته بالصدفةأن لولا هذه الرحلة لما ظهر داروين في التاريخ لأنه لم يكن دارساً أكاديمياً للتاريخ الطبيعي .. أي كان يقوم بجمع العينات وتدوين الملاحظات كـ هواية ، لكنه أثبت تميزه أثناء الرحلة وبعدها
حتى أن والده إعترف بتأثير الرحلة على شخصيته وأنه رجع شخصاً آخر


message 3: by Mohammed (new)

Mohammed ريفيو ممتاز.

يعتقد الكثير أن لب وصلب ماخرجب به دارون هو أن " الإنسان أصله قرد" وهو تبسيط ضحل لكل أبحاث الرجل.


هذا لا يعني بتاتا أنني أتفق معه. لكن يمكن إعتبار أفكاره محاولة في سلسلة المحاولات العلمية التي قد تتمخض يوما عن استنتاج أدق أو يتم دحضها من الأساس.


message 4: by رغد (new) - added it

رغد مُحسن مراجعة ممتازة
وأحب أن أضيف بالنسبة لنظرية التطور كذلك كانت تسمى قبل اكتشاف داروين لها بالنظرية المحمدية
فهو كما تفضلت لم يكن أول من اكتشفها


message 5: by Shareifa (new)

Shareifa Alkuwari جمييل الريفيو.. ولا ينكر العاقل ان في نظريته شيء من الصحة، وإن كنت، كما تفضلت انت، أرى بأن اشراك الانسان في نظرية التطور أمر بغاية السخافة، لكن آلية الانتخاب الطبيعي منطقية ومدعومة بالأدلة ولا أظن بأن هذا يعارض وجود الله عز وجل، انما هي سنة من سنن الكون..


message 6: by eng Rowida (new) - added it

eng Rowida تحليلك راااااائع
اعجبني بشده
واعجبني اكثر اسلوبك بالكتابه


back to top