Mohamed Al's Reviews > الإغواء الأخير للمسيح
الإغواء الأخير للمسيح
by
by

يمكن اعتبار نيكوس كازانتزاكيس أحد أقل الكتاب حظًا في القرن العشرين، فقد ترشح في العام 1956 لنيل جائزة نوبل، ولكنه خسرها بفارق صوت واحد في التصويت لصالح ألبير كامو. وتعرضت بعض أعماله لعبث الرقابة -بل ومُنعَ نشرها- في العديد من دول العالم. إلا أن هذا الكتاب الذي نشره كازانتزاكيس في عام 1951 هو الأكثر إثارة للجدل من بين جميع كتبه (أو الأقل حظًا في معركته مع الرقابة)، إلى درجة أن البابا آنذاك عمد إلى إدراجه ضمن لائحة الكتب الممنوعة في الفاتيكان سنة 1954.
ويبدو أن سوء الحظ هذا تحول إلى لعنة لاحقت كل من قرّر الإهتمام بكتاب كازنتزاكيس، ففي فرنسا قامت مجموعة من المتعصبين الكاثوليكيين بإضرام النّار في دار للسينما عام 1988، احتجاجاً على عرضها الفيلم الذي أخرجه المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي والمستوحى من هذه الرواية!
غضب هؤلاء المتعصبون لأنهم سمعوا (ولن أقول قرأوا .. لأنني أشك أن أمثال هؤلاء يقرأون) أن كازانتزاكيس يتحدث في روايته عن المسيح كإنسان وليس كإله. وهذا ما يتعارض كلياً مع العقيدة المسيحية. وهو ما لا يستطيع أن يتحمله الأصوليون المتزمتون
أما السبب الآخر الذي أغضب هؤلاء المتزمتين كان تلميح كازنتزاكيس إلى إغواء متخيّل تعرّض له المسيح وهو معلق بالمسامير على الصليب يدفعه للتخلي عن رسالته. فعقدة الرواية تبدأ فعلاً في ال40 صفحة الأخيرة منها عندما يصرخ المسيح وهو يتفطّر ألمًا على الصليب: إلهي إلهي، لماذا تركتني؟! عبارة قد توحي بأن المسيح راح يشك في حقيقة دعوته في آخر لحظة ويتمنى لو أنه لم يفعل ما فعله ويصل إلى هذه النتيجة المأسوية
بالطبع فإن المتعصبين (مسيحيين كانوا أو مسلمين) لا يستطيعون القبول بمثل هذه التساؤلات المشينة التي تهدد اعتقادهم. ولذلك راحوا يلاحقون الكتاب بغية صلبه كما لاحق أسلافهم من اليهود المتعصبين -في الرواية- السيد المسيح!
إن السؤال الأخلاقي الذي طرحه كازنتزاكيس في الرواية في رأيي (والذي لم يكن له علاقة بالمسيح وحده بل بكل أصحاب القضايا والمناضلين أو سمهم مائشت) يتمحور في لحظة الإغواءالأخير تلك، عندما كان المسيح قاب قوسين أو أدنى من الندم والحسرة على حياته التي أضاعها مقابل ربٍ ومريدين وأتباع تخلوا عنه، ورسالة لم يعد متأكدًا من جدواها!
لست متأكدًا ما إذا كان المسيح (وأنا هنا أؤكد بأنني أتحدث عه كشخصية روائية حتى لا يهاجمني أحد المسيحيين المتعصبين ويقوم بحرق حسابي) قد اتخذ القرار الصحيح في النهاية، وما إذا كان قبوله لوضعه كان بسبب إيمانه -أخيرًا- بالرسالة التي ظنّ أنه يحملها، أم لأن الأمور كانت سيئة لدرجة أنها لا يمكن أن تسوء أكثر من ذلك (ما هو الأسوأ من الصلب والدماء تنزّ من كل مسامات جسدك أمام حشد حيواني يرشقك بالشتائم والسباب؟! أعتقد أن الموت في هذه الحالة أهون بكثير من البقاء في هذه الوضع المزري)
بالطبع لن يفهم المتعصبون هذا الكلام، ولن يدركوا بأن الصوة الإنسانية للمسيح في هذه الرواية تجعله أكثر عظمة من الصورة الأسطورية أو التبجيلية التي رسختها أجيال المؤمنين المتلاحقة على مرّ الصور. وهذا الأمر ينسحب على المسلمين كذلك فلا زلت أذكر التأثر الذي أصابني (وأنا طالب في الإعدادية) عندما قرأت للمرة الأولى عبقريات العقّاد (عبقرية محمّد وأبوبكر وعمر) التي قدمني فيها العقّاد للإنساني في هذه الشخصيات بعد أن حولها منهج التربية الإسلامية في لاوعيي لنماذج صارمة بعيدة عن إنسانيتها وصلتها الوثيقة بالحياة.
ويبدو أن سوء الحظ هذا تحول إلى لعنة لاحقت كل من قرّر الإهتمام بكتاب كازنتزاكيس، ففي فرنسا قامت مجموعة من المتعصبين الكاثوليكيين بإضرام النّار في دار للسينما عام 1988، احتجاجاً على عرضها الفيلم الذي أخرجه المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي والمستوحى من هذه الرواية!
غضب هؤلاء المتعصبون لأنهم سمعوا (ولن أقول قرأوا .. لأنني أشك أن أمثال هؤلاء يقرأون) أن كازانتزاكيس يتحدث في روايته عن المسيح كإنسان وليس كإله. وهذا ما يتعارض كلياً مع العقيدة المسيحية. وهو ما لا يستطيع أن يتحمله الأصوليون المتزمتون
أما السبب الآخر الذي أغضب هؤلاء المتزمتين كان تلميح كازنتزاكيس إلى إغواء متخيّل تعرّض له المسيح وهو معلق بالمسامير على الصليب يدفعه للتخلي عن رسالته. فعقدة الرواية تبدأ فعلاً في ال40 صفحة الأخيرة منها عندما يصرخ المسيح وهو يتفطّر ألمًا على الصليب: إلهي إلهي، لماذا تركتني؟! عبارة قد توحي بأن المسيح راح يشك في حقيقة دعوته في آخر لحظة ويتمنى لو أنه لم يفعل ما فعله ويصل إلى هذه النتيجة المأسوية
بالطبع فإن المتعصبين (مسيحيين كانوا أو مسلمين) لا يستطيعون القبول بمثل هذه التساؤلات المشينة التي تهدد اعتقادهم. ولذلك راحوا يلاحقون الكتاب بغية صلبه كما لاحق أسلافهم من اليهود المتعصبين -في الرواية- السيد المسيح!
إن السؤال الأخلاقي الذي طرحه كازنتزاكيس في الرواية في رأيي (والذي لم يكن له علاقة بالمسيح وحده بل بكل أصحاب القضايا والمناضلين أو سمهم مائشت) يتمحور في لحظة الإغواءالأخير تلك، عندما كان المسيح قاب قوسين أو أدنى من الندم والحسرة على حياته التي أضاعها مقابل ربٍ ومريدين وأتباع تخلوا عنه، ورسالة لم يعد متأكدًا من جدواها!
لست متأكدًا ما إذا كان المسيح (وأنا هنا أؤكد بأنني أتحدث عه كشخصية روائية حتى لا يهاجمني أحد المسيحيين المتعصبين ويقوم بحرق حسابي) قد اتخذ القرار الصحيح في النهاية، وما إذا كان قبوله لوضعه كان بسبب إيمانه -أخيرًا- بالرسالة التي ظنّ أنه يحملها، أم لأن الأمور كانت سيئة لدرجة أنها لا يمكن أن تسوء أكثر من ذلك (ما هو الأسوأ من الصلب والدماء تنزّ من كل مسامات جسدك أمام حشد حيواني يرشقك بالشتائم والسباب؟! أعتقد أن الموت في هذه الحالة أهون بكثير من البقاء في هذه الوضع المزري)
بالطبع لن يفهم المتعصبون هذا الكلام، ولن يدركوا بأن الصوة الإنسانية للمسيح في هذه الرواية تجعله أكثر عظمة من الصورة الأسطورية أو التبجيلية التي رسختها أجيال المؤمنين المتلاحقة على مرّ الصور. وهذا الأمر ينسحب على المسلمين كذلك فلا زلت أذكر التأثر الذي أصابني (وأنا طالب في الإعدادية) عندما قرأت للمرة الأولى عبقريات العقّاد (عبقرية محمّد وأبوبكر وعمر) التي قدمني فيها العقّاد للإنساني في هذه الشخصيات بعد أن حولها منهج التربية الإسلامية في لاوعيي لنماذج صارمة بعيدة عن إنسانيتها وصلتها الوثيقة بالحياة.
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
الإغواء الأخير للمسيح.
Sign In »
Reading Progress
Comments Showing 1-16 of 16 (16 new)
date
newest »


كالمعتاد :)"
شكرًا لك يا إبرايم .. أتمنى أن تتمكن من قراءتها قريبًا :-)

عندما قرأت زوربا لكازينتزاكيس قلت بأن هذا أقصى حد من الإبداع يمكن أن يصل له هذا الروائي اليوناني، ولكن قراءتي لهذه الرواية بينت لي كم كنت مخطئًا
احرص على قراءتها متى ما وجدتها!

قصة رائعة جداً


كالمعتاد :)