ŷ������

بعد عودة القوات المصرية إلى غزة كان بن جوريون في مأزق مستحكم، فلم يكن قادرا على قبول الأمر الواقع ولم يكن قادرا على تغييره، وذهب إلى مستعمرة "سد بوكر" يفكر ويتأمل، ثم قال ل"ديان" و"شيمون بيريز" "إنني مشفق على إسرائيل فقد ظهر في مصر فرعون جديد ولا أجد في أعماقي قوة موسى الذي قاد شعبه إلى الخلاص" ثم قال لهما إنه يفكر في اعتزال السياسة وقضاء ما بقي من عمره في مستعمرة "سد بوكر" يعمل راعيا للغنم مثل أنبياء إسرائيل القدامى

وأعلنت مصر من طرف واحد ضمانا بحرية الملاحة في قناة السويس على أساس اتفاقية القسطنطينية 1888 - وزاد الهياج في الغرب. لقد انتهت حرب السويس وقد حققت مصر كل طلباتها واستردت كل حقوقها فيما عدا واحدا وهو منع إسرائيل من المرور في خليج العقبة

يبدو أنه اتُفق على أن تُدفع باكستان لبث الدعوة لهذا الحلف الجديد الذي لن يخرج في أهدافه عن حلف بغداد بل هو مسعى جديد الغرض منه ضم باقي الدول العربية إلى حظيرة حلف بغداد تحت سيطرة بريطانيا وتحت ستار الدعوة لتكتيل الدول الإسلامية لمناهضة تسرب النشاط الشيوعي في المنطقة.

طلب بن جوريون من أبا إيبان أن يحصل من دالاس على تعهد مكتوب بهذه الضمانات :
- فتح قناة السويس للملاحة الإسرائيلية
- إنهاء السيطرة المصرية على خليج العقبة
- عدم عودة مصر سواء بإدارتها أو بقواتها المسلحة إلى قطاع غزة

لم ينس جمال عبد الناصر أن هناك إجراءات حان وقتها. وهكذا عاد من صلاة الجمعة [أول نوفمبر 1956] ليصدر عدة قرارات:
- استرداد كل منابع البترول المصري من الشركات الإنجليزية التي كانت تحتكره. واعتبرها جمال عبد الناصر خطوة مكملة لتأميم القناة.
- فرض الحراسة على كل المصالح البريطانية والفرنسية في مصروكانت تشمل البنوك وشركات التأميم وشركات التجارة الخارجية
- التحفظ على ممتلكات حوالي 6آلاف من الأجانب معظمهم من اليهود

يصف "ديان" رد فعل بن جوريون إزاء الإنذار السوفييتي بقوله في يومياته: لم يُخفِ بن جوريون قلقه العميق تجاه الإنذار السوفييتي ولم يتجاهل الخطر الكامن فيه [..] وكان أكثر ما أثار حفيظته هو اختلاف الرسالة الموجهة إلى بريطانيا وفرنسا عن الرسالة الموجهة إلى إسرائيل وحدها. فالرسالة الموجهة إلينا صيغت بأسلوب الاحتقار والإزدراء وحوت تهديدا للوجود الفعلي لدولة إسرائيل

وقرر عبد الحميد السراج [قائد الشعبة الثانية - المخابرات العسكرية - في الجيش السوري] أن الموقف يحتم عليه أن يتحرك بسرعة فدعا ضابطا مهندسا هو المقدم "هيثم الأيوبي" وكلفه بنسف محطات ضخ البترول [الواقعة في الأراضي السورية] من أساسها. وتوقف ضخ البترول [من العراق] تماما إلى البحر الأبيض. وبتوقف الملاحة في قناة السويس [بسبب الغزو] ثم بنسف خط أنابيب البترول، توقف بترول الشرق الأوسط تماما عن بريطانيا وعن كل أوربا الغربية

لم يكن إيدن في حاجة إلى أن يقرأ عما يجري في العواصم البعيدة في آسيا وأفريقيا وأوربا لكي يعرف درجة الإستفزاز التي أحدثها غزو مصر، لأن لندن نفسها شهدت أعنف مظاهرات عرفتها في تاريخها الحافل، وكانت أضخمها تلك التي قادها "أنيورين بيفان" الزعيم العمالي الشهير إلى ميدان ترافلجار فملأته عن آخره وفاضت على الشوارع المؤدية إليه
[إحتشد 20 ألف متظاهر في ميدان ترافلجار مطالبين بطرد إيدن ومستنكرين للعدوان على مصر]

وفي اليوم التالي [27 أكتوبر 1956] يسجل أيزنهاور في مذكراته: جاءني "فوستر" [دالاس وزير الخارجية] يقول إنه قابل عددا كبيرا من أعضاء مجلس الشيوخ، وهم يرحبون بأن تتورط بريطانيا في الشرق الأوسط وأن تتوقف الملاحة في قناة السويس حتى يضطر البريطانيون والفرنسيون إلى شراء بترول أمريكي. وقد رددت عليه قائلا: من أين سيأتون بالمال لكي يدفعوا لنا ثمن هذا البترول؟

كتب أيزنهاور في مذكراته يوم 26 أكتوبر 1956: عرض علىّ هوفر (وكيل الخارجية الأمريكية) خطة لإسقاط ناصر تقوم بها إحدى وكالاتنا ولم أوافق عليها لأنه يسهُل كشفها."
ويقول مساعده العسكري الجنرال "جودباستير" في يومياته: إن الرئيس رفض فكرة اغتيال ناصر على أساس أن عملا من هذا النوع .. سوف يؤدي إلى إلهاب المشاعر في المنطقة. ومن رأي الرئيس تأجيل ذلك حتى يحدث في جو لا يكون فيه الاهتمام العالمي مركزا على هذه البقعة من العالم