What do you think?
Rate this book
283 pages, Paperback
First published November 1, 2011
سنروي الرواية كما يجب أن تروى. سنروي تاريخنا الشخصي فردا فردا. سنحكي حكاياتنا الصغيرة كما عشناها و كما تتذكرها أرواحنا و أعيننا و خيالاتنا. لن نترك التاريخ تاريخا للأحداث الكبرى و للملوك و الضباط و كتب الرفوف ذات الغبار. سنقص وقائعنا الفردية و سيرة أجسادنا و حواسنا التي تبدو للغشيم سيرا تافهة و مفككة و بلا معنى. المعنى مرسوم فينا فردا فردا. نساء و رجالا و أطفالا و شجرا و بيوتا و شبابيك و مقابر لا يعزف أمامها السلام الوطني. و لا يتذكرها مؤرخ قلمه أعمى.كم هي كثيرة تلك العبارات الجديرة بالاقتباس لولا خشية الإطالة. إنها دعوة لكتابة التاريخ الشخصي مهما تصورناه تافها فهو التاريخ الحقيقي الذي ستبحث عنه الأجيال القادمة و تفهم و تعي كيف كنا و كيف وصلوا إلى ما هم فيه.
ولدٌ في العشرينات الأولى من عمره. عريض الجبين. على خده الأيسر شامه محيرة لم أحدد منها موقفا. عيناه الصغيرتان تجمعان السواد و البريق معا. واثق كمصباح جديد. متحفز كمحام باغتته فكرة. حاسم الصوت بلا غلظة. نحيل حتى في ملابسه الشتائية. ملامحه جادة لكنها مرتاحة و مريحة. مُطَمئنة و مُطْمئنة. و رغم صغر سنه يقود السيارة باكتراث المحترفين القدامى الذي يشبه عدم الإكتراث.هذا التكثيف في المعنى و التشبيهات التصويرية التي تجعلك في قلب الحدث بكاميرا عالية الجودة و قلب متفاعل مع الصورة المنعكسة في الكلمات المسطورة و الأخرى التي بين السطور. تلك اللغة الفخمة السهلة. لا تجدها إلا عند شاعر بقيمة و قامة مريد البرغوثي.
وراء كل شجرة زيتون تقتلعها الجرافات الإسرائيلية ثمة شجرة أنساب لفلاحين فلسطينيين تسقط عن الحائط. الزيتون في فلسطين ليس مجرد ملكية زراعية. إنه كرامة الناس. نشرة أخبارهم الشفهية. حديث مضافاتهم في ليالي السمر. بنكهم المركزي ساعة حساب الربح و الخسارة. نجم موائدهم. و رفيق لقمتهم. هو بطاقة الهوية التي لا تحتاج إلى أختام و لا صورا و لا تنتهي صلاحيتها بموت صاحبها. تظل تدل عليه. تحفظ اسمه و تباركه مع كل حفيد جديد و كل موسم جديد.ما أحلاك يا فلسطين و ما أحلى زيتونك و ناسك. ما أحلى الشعراء الذين تغنوا بإسمك و تزينت كلماتهم بذكرك. يسترسل مريد في وصف الزيتون و مكانته لدى أهل فلسطين صفحات و صفحات لولا الإطالة لأوردتها جميعا.
كيف أدير بالي على حالي يا أمي؟و لأن تميم قضى شطرا كبيرا من حياته في مصر فإنها لم تتوان أبدا عن ركله و ركل ابنه و زوجته بحذاء السلطة الثقيل كلما تسنى لها التعبير عن السيادة.
إذا أراد شرطي ركل خاصرتي و كبدي بقدميه فهو بلا شك سيركلني.
إذا أرادت دولة عربية محترمة ذات سيادة أن تمارس سيادتها ضد جسمي النحيل أو ضد كلماتي العادية لتطردني بحذائها المستورد فإنها ستطردني.
منذ ضياع فلسطين لم تعد لدينا حديقة للورد الخالص. إنها الغصة في كل بهجة و الأفعى في كل الشقوق.و الهدف من الكتابة سيتحقق في المستقبل.
لا أبكي على أي ماض. لا أبكي على هذا الحاضر. لا أبكي على المستقبل. أنا أعيش بالحواس الخمس. أحاول أن أفهم قصتنا. أحاول أن أرى. أحاول أن أسمع أصوات العمر. أحاول أحيانا أن أروي. و لا أدري لماذا. ربما لأن كتب التاريخ لن تكتب ما أكتبه.
في المستقبل ستصبح للفلسطينيين ذاكرة جماعية دقيقة دقة الذاكرة الفردية. كأن ما مس أحدهم مس الجميع.للاحتلال جرائم كثيرة و لكن و أقساها انتزاع الروح من كل شيء و لكن من جرائمه القاسية أيضا تشويه كل شيء و كل معنى في حياتنا.
من أقسى جرائم الإحتلال تشويه المسافة في حياة الفرد. نعم الإحتلال يغير المسافات. يخربها. يخل بها. يعبث بها على هواه. كلما قتل الجنود إنسانا اختلت المسافة المعهودة بين لحظة الميلاد و لحظة الموت. يغلق الاحتلال الطريق بين مدينتين. فيجعل المسافة بينهما أضعاف ما تقوله خرائط الجغرافيا. الاحتلال يرمي صديقي في السجن فيجعل المسافة بينه و بين غرفة معيشته تقاس بالسنوات و بأعمار أبنائه و بناته الذين سيأتون له بأحفاد لن يراهم. يطارد الاحتلال رجلا واحدا في الجبال فيجعل المسافة بين نعاسه و مخدته تقاس بعواء الذئاب و عتمة الكهوف. جندي الحاجز يصادر أوراقي لأني لم أعجبه لأمر ما فتصبح المسافة بيني و بين هويتي هي المسافة بين غضبه و رضاه. يقف جندي الاحتلال على بقعة يصادرها من الأرض و يسميها "هنا". فلا يبقى لي أنا صاحبها المنفي في البلاد البعيدة إلا أن أسميها "هناك.
"كل ما سيراه تميم، ابن الواحد والعشرين عاماً، سيراه للمرة الأولى.
سيكون ذلك إغلاقاً لدائرة من العمر أو فتحاً لدائرة من العمر.
ستنتهي فلسطين الكتب المدرسية والحكايات ومانشيتات الجرائد وصور ال CNN وتولد في حواسه فلسطين الملموسة.
وأنا سأرى كيف سيرى كل شيء.
سأرى، بعد أيام، كيف سيتسلّم بطاقة هويته الفلسطينية.
هل سيشبه ذلك لحظة ولادته على ضفة نهر النيل قبل واحد وعشرين عاماً؟
هل سيشبه لحظة اختيارنا لاسمه؟"
"مسموحٌ للطرف الأضعف في أي صراع أن يصرخ، مسموح له أن يشكو، مسموح له أن يبكي، ولكن ليس مسموحاً له أن يحكي حكايته أبداً.
الصراع على الأرض يصبح صراعاً على الحكاية.
وشيئاً فشيئاً يكتشف الضعيف أن عدوه لا يأذن له بأن يكون «مظلوماً».
العدو يأذن له أن يكون «مخطئاً» فقط. وناقصاً فقط، ويستحق الألم لأنه يجلبه لنفسه نتيجة نقصان�� وعيوبه هو لا نتيجة لسلوك العدو.
وهذه أقسى حالات غياب العدالة.
وغياب العدالة منفى..
والتنميط منفى..
وسوء الفهم منفى.
وبهذا المعنى فإن الشعب الفلسطيني كله منفيّ لأن حكايته غائبة."
“هذ� الذي ولد على نهر النيل في مستشفى الدكتور شريف جوهر في القاهرة لأب فلسطيني بجواز سفر أردني و أم مصرية , لم يرى من فلسطين إلا غيابها الكامل و قصتها الكاملة .
عندما تم ترحيلي من مصر كان عمره خمسة أشهر .
و عندما أحضرته رضوى معها للقاء بي في شقة مفروشة في بودابست كان عمره ثلاثة عشر شهراً . و صار يناديني :
- عمّو
أضحك و أحاول أن أصحح له الأمر :
- أنا مش عمّو يا تميم . أنا بابا .
فيناديني :بابا عمو