What do you think?
Rate this book
384 pages, Paperback
First published January 1, 1980
كان على الإسلام الذي يحتل موقعا وسطا بين الشرق والغرب أن يصبح على وعي برسالته الخاصة.. وكما كان الإسلام في الماضي «الوسيط» الذي عبرت من خلاله الحضارات القديمة إلى الغرب فإن عليه اليوم مرة أخرى –ونح� في عصر المعضلات الكبرى والخيارات- أن يتحمل دوره « كأمة وسط » في عالم منقسم ذلك هو معنى الطريق الثالث، طريق الإسلام.
إن الإنسان لا يسلك في حياته كابن للطبيعة بل كمغترب عنها.شعوره ��لأساسي هو الخوف،إلا أنه ليس خوفا بيولوجيا كذلك الذي يستشعره الحيوان، إنما هو خوف روحي كوني بدائي موصول بأسرار الوجود الإنساني وألغازه. وقد أطلق عليه مارتن هيدجر «العامل الخالد الأزلي المحدد للوجود الإنساني». إنه خوف ممتزج بحب الاستطلاع والإعجاب والدهشة والنفور، تلك المشاعر المختلطة التي تكمن، على الأرجح، في أعماق ثقافتنا وفنوننا كلها
الفن ممكن فقط إذا كان الإنسان مختلفا عن الطبيعة، اذا كان غريب فيها، إذا كان هوية متميزة فكل الفنون تحكي قصة متصلة لغربة الإنسان في الطبيعة.
إن ظاهرة الحياة الجوانية أو التطلع إلى السماء -وهي ظاهرة ملازمة للإنسان غريبة على الحيوان- هذه الظاهرة تظل مستعصية على أي تفسير منطقي ويبدو أنها نزلت من السماء «نزولا حرفيا» ولأنها ليست نتاجا للتطور، فإنها تقف متعالية عنه مفارقة له.
المعنى النهائي للفن أن يكتشف الخصوصية الإنسانية في الناس الذين أساءت إليهم الحياة، وأن يكشف عن النبل الإنساني عند أناس صغار منسيين في خضم الحياة- وباختصار أن يكشف عن الروح الإنسانية المتساوية القيمة في جميع البشر. وكلما كان وضع الإنسان متدنيا في الحياة، فإن اكتشاف نبله يكون أبلغ إثاره. وفي هذا تكمن القيمة الحقيقية للأدب الروسي الكلاسيكي. كذلك يبرز الأدب الفرنسي بالمثل هذه الناحية في شخصيات أدبية كشخصيات «كوازيمودو» و«فانتين»و «جان فالجان».
إن لجوء الماديين إلى الإنسان بدلا من الرجوع إلى الله يبدو غريبا في ضوء ما أكده ماركس نفسه عندما قال: إن الأمل في الإنسانية المجردة وهم لا يقل عن الوهم الديني الخالص.
ففكرة أن تكون الجنة هنا على الأرض فكرة يهودية في أساسها سواء من ناحية خصائصها أو من ناحية أصلها. إن نمط التاريخ اليهودي في ماضيه وحاضره مصدر جاذبية قوية لجميع المقهورين، وأصحاب الحظ العاثر في كل زمان وقد تبنى القديس أوغسطين هذا النمط للمسيحية كما تبناه ماركس للاشتراكية.
يتناول القرآن الغرائز متفهما لا متهما. ولحكمة ما سجدت الملائكة للإنسان، ألا يتضمن هذا السجود تفوق ما هو إنساني على على ما هو ملائكي، كما أن الدراما أكثر حقيقة من المثل العليا المجردة. ليس الناس كائنات نبيلة حلوة الشمائل، إنما هم فحسب مهيأون لفعل الخير. إن لهم أبدانا وفيهم غلظة وتتجاذبهم الرغبات والمغريات من أقطارهم. وتحت تأثير رغبة شاذة أن تجعل الناس كائنات معصومة من الخطأ خالية من الإثم تحققنا فجاة أننا -بدلا من ذلك- حصلنا على شخصيات زائفة حساسة شاحبة..كائنات غير قادرة على فعل شر ولا خير. إننا عندما نفصل الناس عن أمهم الأرض نفصلهم عن الحياة، وحيث لا توجد حياة لا توجد فضيلة أيضا.
عند داروين في الصراع من أجل البقاء لا يفوز الأفضل بالمعنى الأخلاقي وإنما الأقوى والأكثر تكيفا هو الذي يفوز. ولا يؤدي التقدم البيولوجي-هو الآخر- إلى سمو الإنسان باعتباره أحد مصادر الأخلاق. فإنسان داروين قد يصل إلى أعلى درجات الكمال البيولوجي (السوبرمان) أو الإنسان الأعلى ولكنه يظل محروما من الصفات الإنسانية، ومن ثم محروما من السمو الإنساني. فالسمو الإنساني لا يكون إلا هبة من عند الله.
من أجل ذلك نعاقب الإنسان الحر...فالإنسانية هي التأكيد على الإنسان باعتباره كائنا حرا مسئولا. ولا شيء يحط من قدر الإنسان أكثر من الادعاء بعدم مسئوليته. إن الإنسان مسئول أما الحيوانات والأشياء فليست مسئولية.
فلكي ندرك حقيقة وضعنا في هذا العالم يعني أن نستسلم لله، وأن نتنفس السلام، وألا يحملنا الوهم على أن نبدد جهودنا في الإحاطة بكل شيء والتغلب عليه. علينا أن نتقبل المكان والزمان اللذين أحاطا بميلادنا، فالزمان والمكان قدر الله وإرادته. إن التسليم لله هو الطريقة الإنسانية الوحيدة للخروج من ظروف الحياة المأساوية التي لا حل لها ولا معنى بدون تمرد ولا قنوط ولا عدمية ولا انتحار. إنه شعور بطولي (لا شعور بطل)، بل شعور إنسان عادي قام بأداء واجبه وتقبل قدره.
إن الإسلام لم يأخذ اسمه من قوانينه ولا نظامه ولا محرماته ولا من جهود النفس والبدن التي يطالب الإنسان بها ، وإنما من شيء يشتمل على هذا كله ويسمو عليه: من لحظة فارقة تنقدح فيها شرارة وعي باطني...من قوة النفس في مواجهة محن الزمان...من التهيؤ لاحتمال كل ما يأتي به الوجود... من حقيقة التسليم لله...إنه استسلام لله والاسم إسلام!