ŷ������

إنني أرتجف !
ولا أدري لم أعز ذلك ؟ أهو الشعور بالهيبة تجاه ما قرأت ؟ أم الخوف بعدم إعطاء هذا الكتاب حقه ؟ أم شعور الإعجاب كمراهقة نالت شرف الحصول على توقيع فنانها المحبوب -وحاشاه عن هذا المثال ولكن كما قال أبو تمام : لا تنكروا ضربي له من دونه ** مثلا شرودا في الندى والباس ** فالله قد ضرب الأقل لنوره ** مثلا من المشكاة والنبراس!- أم أنه كشعور من رأى معجزة العصا تتحول إلى أفعى وهو كذلك معجزة فكرية ..!
على أي حال أنا أعيب على جودريدز وضعه هذا الكتاب ككتاب قرأته وانتهى الموضوع كأي كتاب آخر ، يجب أن يوضع زر آخر يدعى بالققزة القرائية ، أو كتاب على هيئة مكتبة :) لأن ما قمت به الآن هو التخرج من المدرسة البيجوفيتشية إن صح التعبير ، بل إن كلمة المدرسة والتي تعني النظام الرتيب الآلي الذي يجعلنا ندرس ١٢ سنة لننال شهادة تخرج مع فتات من المعلومات لهو ظلم لأن توصف به مدرسة بيجوفيتش الفكرية ! لقد أقمت من الساعة الرابعة فجرا وحتى الآن ندوة فكرية في داخل عقلي أو كما يسميها رجل أجاثا كريستي الظريف بوارو "خلاياي الرمادية" ، تناولت جميع المدارس الفكرية والفلسفية بنظرة بجيوفيتشية عظيمة تستخدم نموذجا تحليليا معرفيا مركبا تتناول هذه المدارس جميعا وتقوم بدحضها واحدا تلو الآخر ليتبقى لنا في الأخير الحل الإسلامي أو الفهم الإسلامي أو التفسير الإسلامي أو الحقيقة الإسلامية سموه ما شئتم لكن بيجوفيتش أستطيع القول بأنه أفضل من تبوأ مكانة الدفاع عن الإسلام بمنظور فلسفي قوي تحليلي عميق بعيد مدى ! فماشاء الله تبارك الله !
ويا ليت هنالك تخصصا جامعيا يدعى الفلسفة البيجوفيتشية لطالبت حينها المعلم بالاختبار ، ولحزنت على غيابي -إن حصل- في إحدى المحاضرات ! ليتنا ندرس الدين كما يتناوله بيجوفيتش ، ونطبقه كما استطاع وصفه !
حقا تعبت من الإعجاب ولا أعلم هل هذه الجملة صحيحة أم لا لكن هذا ما شعرت به ، أنهكت من كثرة إعجابي وتأييدي لما ذكره بيجوفيتش هاهنا ، حتى أنه استطاع استراق النوم مني ، وقلب نظام حياتي حتى انتهيت منه بل انتهى مني! ، وكما ترون فحمدا لله أن الجودريدز لم يطردني منه :) فقد ملأت صفحته باقتباسات وتعقيبات على هذا الكتاب وقد قصدت ذلك ، وحاولت تلخيص الكتاب قدر المستطاع لأعود إليه ، وذلك أن مثل هذا الكتاب لا أريده أن يمر علي مرور الكرام ، فليس كتابا يقرأ فقط!
ولا أنسى طبعا أن أؤكد على أن مقدمة المسيري وهو ظاهرة لوحده زادت الكتاب جمالا ، فلك أن تتخيل الطبق الفكري الهائل الذي يحتويه هذا الكتاب !
عزيزي المسلم .. إن كنت مثلي تود أن تلم بجميع الاعتقادات الأخرى التي تخالف دينك وتعرفها وتعرف نقاط ضعفها ثم بعد ذلك تعرف الرد عليها وتعتقد أن هذا يعني بحثا مستقلا في كل اعتقاد على حدة فقد أخطأت ، لأن بيجوفيتش تناولها جميعا وبإلمام قد لا يصل إليه من تناول كل نظرية على حدة وأفرد فيها بحوثه! وإن كنت مثلي تود الإلمام برؤوس المنطق والفلسفة والفكر وتتناوله بنظرة إسلامية ، فإن كتاب بيجوفيتش هذا فرض عليك قراءته ! لا لكونه احتوى على ما ذكر أعلاه فحسب ، وإنما لكونه كان بالنظرة والمنطق البيجوفيتشي الواسع ! فتجد الكتاب يتحدث عن النظرة الداروينية والماركسية والاشتراكية ثم بعد أن يريك هذه الفلسفات من جميع زواياها يريك نقاط ضعف أثق بأنني لو قرأت ألف كتاب حولها لن أصل لهذه الدقة ووضوح الرؤية في معرفة هذه النقاط كما وصل إليها بيجوفيتش والأهم -وهي بوجهة نظري الفاصل ما بين الكتّاب العظماء وغيرهم- هي القدرة التعبيرية في إيصال هذه المفاهيم إلى القارئ بشكل جيد ، وما أصعبها من قدرة ، وسبحان من أوجدها بشكل متقن عند بيجوفيتش !
بعد أن يسير بنا بيجوفيتش بين متاهات العقل الإنساني التي توصل إليها بعد ضياعه الروحي تجده يوصلك وبشكل إجباري وكأنها تحويلة فرضت عليك إلى الإسلام ، إلى الكمال ، إلى ثنائية القطب ، فالمشكلة الكبرى التي جمعت جميع النظريات الأخرى هي وحدة النظر والزاوية والمبدأ ، إما الروح وإما الجسد ، إما الفن أو العلم ، إما الصوفية أو المادية ، إما الثقافة أو الحضارة ، فيتجلى لك عظمة الإسلام وكماله في هذا الازدواج ما بين جوهر الإنسان ومظهره ، حاجاته البيولوجية والروحية !
لفت نظري هذا الحديث عن كتاب الإسلام بين الشرق والغرب:
ليس كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب" كتابًا بسيطًا يمكن للقارئ أن يتناوله مسترخيًا، أو يقتحمه في أي موضع فيقرأ صفحة هنا وصفحة هناك ثم يظن أنه قد فهم شيئًا أو أنه قادر على تقييمه أو تصنيفه بين الأنماط الفكرية المختلفة. إنما على القارئ الجاد أن يحتشد له ويتهيأ للدخول لا في عالم كتاب ثري بأفكاره متميز بمنهجه أخّاذ بأسلوبه وقوة منطقه وثقافة صاحبه العميقة الواسعة. فمؤلف الكتاب متمكن من الثقافتين الإسلامية والغربية معًا. فهو مسلم حتى النخاع وأوروبي بالمولد والنشأة والتعليم. لقد استوعب الفكر الغربي ولكنه لم يفرق فيه. ولم يجهل أو يتجاهل مواطن القوة وجوانب الضعف والتناقض والقصور.
وقد تظهر آثار هذه الأفكار متأخرا ، لأنها لا تزال كامنة في العقول على هيئة أفكار بذرية .
وقد صدددق ! إن هذا الكتاب ليس كتابا يقرأ والسلام إنه بذور فكرية زرعت وستنال حصادها يوما ما !
ذكرت أنه تناول مواضيعه بجميع النظرات والفلسفات ولكن إن سألت عن المواضيع التي نالها الحديث فهي : الفلسفة ، المثالية ، الأداة والعبادة ، التعليم ، التأمل ، الثقافة ، الحضارة ، الدين ، التقدم ضد الإنسان ، الفن ، الأخلاق ، العقل ، التاريخ ، الدراما ، الطوبيا ، المجتمع ، الجماعة ، القانون ، الأفكار والواقع ،الزواج ، الإسلام: الوحدة ثنائية القطب ، والطريق الثالث وهو الخيار الحالي لأمريكا وانجلترا وهو الطريق الأقرب للنظرة الإسلامية وليس بإسلامي ، وأخيرا تلخيص مبدأ الإسلام وغايته (الاستلام لله).

سمعت الكثير حول هذا الكتاب وتخيلت الكثير حوله ولكن أقصى ما توصل إليه خيالي لم يف حق إحدى فصوله ناهيك عن الكتاب كله..!
أخيرا:هذا الكتاب لا يقرأ!
بل يُدْرس ، ويدَرّس ، ويطبق ، ويتخذ كأنموذج لتقوم عليه الحضارة الإسلامية !
والسلام ..