رحلةٌ داخل خارطة الطّوائف.. قال المؤلف أن اختيار العنوان كان أصعب مراحل إخراج الكتاب إلى النّور، وهنيئًا له هذا الجهد الجبار الذي أنتج سفرًا ضخمًا من أرحلةٌ داخل خارطة الطّوائف.. قال المؤلف أن اختيار العنوان كان أصعب مراحل إخراج الكتاب إلى النّور، وهنيئًا له هذا الجهد الجبار الذي أنتج سفرًا ضخمًا من أكثر من أربعمئة وخمسين صفحة، وعنوانًا عَلَمًا على محتواه.
يُمكن تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام رئيسية وخاتمة مهمّة تعتبر توليفةً لكلّ الاستعراض الذي تم تفصيله. ففي القسم الأول ينطلق الكتاب من ديانات الشرق الآسيوي، ليصل بها إلى حركة العصر الجديد وتأثيرها على كثيرٍ من مفاهيم الحركة وعقائدها وطقوسها، ثم سيطرت على شريحة واسعةٍ من حياة الغربيين (والملحدين خصوصًا كتعويض للفراغ الرّوحي وإنكارهم تشوق النفس للعقيدة والشعائر). وهذا الملفّ من السمات الواضحة لمشروع المؤلف في المواد التي ينشرها مرئيةً ومكتوبةً، كما أن مؤسسة السبيل التي يديرها هي من أقوى وأعلى الأصوات في التوعية والتحذير من أذرع حركة العصر الجديد والممارسات الباطنية الغنوصية التي تسللت إلى مجتمعاتنا الإسلامية.
ويركز القسم الثاني من الكتاب على اليهودية والمسيحية، وما انبثق عنهما من مذاهب وعقائد لها وزنها في كثير من القرارات السياسية والاستراتيجية، كالبروتستانية (الإيفانجيلية تحديدًا) التي تقود التيارات اليمينية الأصولية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تطورت إلى عقيدة صهيونية تجمع أقامت تحالفًا بين طقوس المسيحية بتفسير حرفي للكتاب المقدس، وبين أهداف اليهود المتدينين المتعطشين لـ "استجلاب" نهاية العالم ولو قبل أوانها!
وفي مقابل ذلك، مذهب الأرثودوكسية الذي انطلق من القسطنطينية وسيطر على دول شرق أوروبا وأجزاء من شمال ووسط آسيا. وأصبح الآن جزءًا من الدعاية الناعمة لروسيا وحلفائها في مواجهة المد الغربي بشقيه الإلحادي والباطني.
أما القسم الثالث، فهو يعود إلى عرض الطائفة الشيعية وما انبثق عنها، والتركيز على الدور الاستراتيجي والعسكريّ الثقيل التي تؤثر به على منطقة الشرق الأوسط. بما في ذلك دعايتها لإنشاء وحماية محور المقاومة ضد الكيان الصهيوني من جهة، وتورّطها في دعم الأنظمة التي تعمل على قمع منهجيّ للمسلمين السنّة. ويختم القسم بالتفصيل في حالة العالم السني المتشظية بين أنظمة حاكمة قد توصف في أحسن أحوالها بـ "الغبية" والغافلة، وبين حالة مجتمعية صامتة منسحبة ومترقبة.. وبين ذلك كله عن مستقبل الإسلام وصعوده في الشرق والغرب.
وفي خاتمة الكتاب، يبسُط الأستاذ أحمد دعدوش استشرافًا للمستقبل على صعيديه السّياسي والمجتمعيّ، وذلك على امتداد خارطة الطّوائف والعقائد الحاكمة لها، ويعرض وصفًا لتفاصيل أحداث نهاية العالم كما تراها كل طائفة، وكيف يدفع الاعتقاد بحتمية هذه الأحداث السّلوك السياسي والاستراتيجي لدى أكبر صنّاع القرار في العالم، وذلك مهما أنكروا إيمانهم بالغيبيات أو بالقصص والأساطير الدينية. بل إنّ ذلك يشمل حتّى الطوائف الإلحادية الشيطانية التي تتنكّر لكلّ الأديان.. إذ أنها تستبطن تحت هذا الإنكار العلنيّ التمهيد لخروج "إبليس" أو الدجال ليحكم قوى العالم ويسيطر عليه.
السِّفر كان رحلة موسوعيةً ماتعةً وصادمة في الكثير من المواضع لقلّة اطّلاعي المتعمّق على بعض الجزئيات، وخلفية الأستاذ دعدوش كباحث ومثقف بارزة كسمةٍ أساسيةٍ للكتاب.
رضي الله عن المؤلّف وبارك جهوده وجهود المؤسّسة، وأثابهم أن وفروا الكتاب بصيغة مجانية لأمثالي ممن لا يصبرون طويلًا على الانتظار. وسعيدة للغاية أنّني قرأته فور صدوره ولم أؤجّل الحماس له، وأنّ هذا أول مراجعة له على الموقع.