" الطاهي الذي التهمَ قلبه" ، عُنوانٌ يلفتُ الانتباه. غير أن تحذيرًا مُهما كان ينقصه: حذاري أن تقرأ الرواية على معدةٍ فارغة. هكذا، التهمتُ رواية " الطا" الطاهي الذي التهمَ قلبه" ، عُنوانٌ يلفتُ الانتباه. غير أن تحذيرًا مُهما كان ينقصه: حذاري أن تقرأ الرواية على معدةٍ فارغة. هكذا، التهمتُ رواية " الطاهي الذي التهم قلبه" في أقل من يومين و لولا مشاغل الحياة لالتهمتها في جلسة واحدة. 175 صفحة، لم أقرأها.. شممتها و تذوقتُ كل جملة. يستضيفُك الكاتب الفلسطيني محمد جبعيتي لمائدة شهيّة، و يُرغمك على أن تستعمل حواسّك الخمس لأنك لن تكتفي بالقراءة بعينيك فقط بل ستلمِس أوراق الكتاب بيديك ( طبعة أنيقة من دار المتوسط) و تسمع غناء ريم البنا في أذنيك، ثمّ تُجبرك كلماته على أن تشمّ الروائح التي يصفها بدقّة و يجعلك تتذوق طعم البهارات بلسانك لشدة جمال الوصف. عادةً، تطبخُ النساء لأنهن مُرغمات. من أجل أن يوفّرن القوت لأُسرهن. أمّا حين يطبخ الرجل فذلك في الأغلب لأنه يحبّ ذلك. في هذه الرواية، نتعرّف على الطاهي جمال الشغوف بالطبخ. شغفٌ أورثته له جدّته التي كانت تطبخ له أشهى الأطباق الفلسطينية و تعلّمه أن يجد العزاء في كلّ أكلة : "اصنع ملوخية إذا شعرت بالحزن، و محشي كوسة إذا أغلقت الدنيا أبوابها أمامك، وإذا شعرتَ بالحب فاصنع ورق عنب " تقول جدّته التي هجّرت وعائلتها أثناء النكبة من يافا حيث أمضت طفولةً هانئة قرب البحر قبل أن تطردها العصابات الصهيونية سنة 1948.
ماذا سيحدُث إذن لطاهٍ يعتمد على حاستيّ الشم و الذوق في إعداد ألذ الأطباق، إذا فقد القدرة على ذلك؟
في جملٍ قصيرة و أسلوب السهل الممتنع، يقربكَ جبعيتي من شوارع رام الله، و يأخذك عبر حكاية حبٍّ مُبهمة، و يلفتُ انتباهك لنِعمة أن تمتلك حاسة شمٍّ سليمة تستطيع بها أن تستنشق عطر من تحب و رائحة الصباح و تسرُّب الغاز و حتى رائحة النفايات في الشوارع. يلفتُ انتباهك لنعمة أن تكون قادرا على أن تتذوق مرارة القهوة، و طعمَ قُبلةٍ من فمِ من تحب.نرافقه بعد أن فقد حواسه و صارت حياته بلا طعمٍ ولا رائحة و هو يحكي لنا بلسان المتكلم، عن طفولته في المخيم و استكشافه الروائح المُحيطة به، و يسافر بنا خلال مراحله العمرية و هو يجري وراء شغفه و يغذي حواسه القويّة مُتأثّرًا بجدته المُهجّرة من يافا و ذكرياتها هناك يحدّثنا بكثافة عن كلّ الوصفات التي أورثتها له كما ورثت هي مفتاح بيت أسرتها قرب بحر يافا، لقّنته كل أسرار تحضير الأطباق الفلسطينية و مقاديرها و أوصتها أن لا يتوقف أبدا عن طبخها، حتى لا يسمح للأعداء أن يسرق طبخهم كما سرقوا طفولتها و بيتها و حلمها في العودة....more
عندما أفكّر في ظروف كتابة هذه الرواية و خروجها للشّمس يصعبُ عليّ إبداء أي تقييم لها. كيف أقيّمُ روايةً قاومت كل ظروف السجن تحت الاحتلال لتأخذ حقّ صاحبعندما أفكّر في ظروف كتابة هذه الرواية و خروجها للشّمس يصعبُ عليّ إبداء أي تقييم لها. كيف أقيّمُ روايةً قاومت كل ظروف السجن تحت الاحتلال لتأخذ حقّ صاحبها في الكلمة. كيف نقيّم روايةً غرس كاتبها قلمه في حلق المحتلّ ليقول له : احكم أغلالك كما تشاء، نحن باقون. على العموم، الرواية تنتهي في 238 صفحة، تتقاطع فيها قصة نور الباحث في التراث و الآثار مع قصة مريم المجدلية. و مع أنّي وجدتُ صعوبةً في الاستمتاع بفصول حكاية المجدلية إلا أني أحببت سرد أحداث حكاية نور مع بطاقة الهوية التي وجدها صدفةً لتخول له التسلل إلى الداخل المحتل. هناك يتصارعُ مع اثنين، نور العربي ابن المخيم، و أور اليهودي الذي أتى به أجداده إلى أرضٍ لا يملكون حقها. في الرواية لمحةٌ عن التصوف تتمثل في شيخ كان يسكن حي المغاربة في القدس، و قصّة حبّ تقاوم أقنعةً و أكاذيب....more